الخطبة الأولى (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (17 )، (18) لقمان
إخوة الإسلام
قوله تعالى (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) : فيوصي لقمان ابنه بالصبر على البلاء ، ففي صحيح مسلم (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». فكأنه يقول له : جاهد نفسك على الصبر ، ولن ترى منه بإذنه تعالى إلا ما يسرك ، إذًا فأبشر ، ولا تفكر مجرد تفكير ، باليأس والقنوط من رحمة أرحم الراحمين ( قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ ) الحجر آية 56 . بل ولا تنقاد للشيطان ، فيقوى بتلبيسه عليك ، وتضعف مجاهدتك له ، واعلم أنه مهما وسوس فهو في الحقيقة ضعيف ، فكن له – حفظك الله – عدوا كما هو لك عدو ، وأحسن الظن بربك ، القادر على كشف غمك ، وتفريج همك ، فإنه متى ما أحسن العبد ظنه بربه ، فتح عليه أبواب رزقه ورحمته من حيث لا يحتسب ، علق رجاءك به وتأدب معه ، ولا تسيء الظن به ، فتهلك وتندم ، وحينها لا ينفع الندم . قال الله تعالى : { وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً } الفتح آية 6 . عن واثلة بن الأسقع الليثي عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى يقول : أنا عند ظن عبدي بي ، إن خيرا فخير ، و إن شرا فشر )) صححه الألباني ، كن قوي الإيمان وإن كنت ضعيف الجسد ، هزيل القوى ، فكل يوم تعيشه يزيدك من الله قربا ، بينما غيرك يزيده من الله بعدا ؛ لأنك مبتلى صبور ، أما غيرك فمبتلى جزوع .. فأنت الذي طالما خلوت بربك في الظلام ، وناجيت الملك العلام ، فهو يسمع نجواك ، ويجيب دعاك ، وأنت الذي طالما فارقت الشهوات ، وتركت المنكرات ، من أجل رضا رب البريات ، فيا بشراك ! وأنت تنظر إلى الملائكة ، وهم عند الأبواب يتلقونك أنت ومن معك من المؤمنين فتقول : (( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين )) وبعدها تدخل عليكم من كل باب من أبواب الجنة وتقول : (( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار ))، تسلم عليك ، وتبشرك بحسن مآبك ، وصلاح حالك ، وقد ازددت جمالا فوق جمال ،ولمَ لا يكون هذا شأنك ! وأنت قد أديت لربك حقه ، وصدقت في عهده ، وفرحت بقربه ، وشكرت له نعمه ، فكلما أغدق عليك من الخير غدقا ، ازددت لفضله شكرا ، نَعَم ! نِعمَ العبد أنت لو كنتَ تهون على نفسك . واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ، ولا تغتر بكثرة الساقطين ، ولا يثبطك كلام المفسدين ، فإذا كان من في السماء راضٍ عنك ، مالك وأهل الأرض ، وحينها فليرضَ من يرضى ، وليسخط من يسخط ، إنما مالك ورزقك بيد من في السماء ، مرضك وشفاؤك بيد من في السماء ، منصبك وجاهك بيد من في السماء ، بل حتى موتك وحياتك بيد من في السماء ، نعم إذا رضي عنك من في السماء ، لا يهمك من في الأرض ، فالله لم يبتليك إلا لمحبتك عنده ، وإذا أحبك الله فليبغضك بعدها من شاء ، وليلمزك بعدها من شاء ، وليستهزئ بك بعدها من شاء . بل وأيم الله ! لست أشد بلاء من الأنبياء ، فهذا نوح عصوه قومه وسخروا منه ،وهذا إبراهيم ابتلي بمعاداة أبيه وقومه له ، وقذف في نار شديدة الحرارة ، فأنجاه الله منها وجعلها بردا وسلاما ، وهذا أيوب ابتلي في ماله وولده وجسده ، وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، بل ألا يكفيك أن الله ضرب لك ولأمثالك من المؤمنين امرأة فرعون مثلا ؟؟؟ فقال تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ } التحريم : 11 .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن وصية لقمان لابنه : (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (19) لقمان ، (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي : ولا تمل صفحة وجهك عن الناس ، ولا تتعالى عليهم كما يفعل المتكبرون والمغرورون ، بل كن هينا لينا متواضعا ، كما هو شأن العقلاء . . { وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً } أي : ولا تمش في الأرض مشية المختالين المعجبين بأنفسهم .والمختال : المتكبر الذى يختال في مشيته ، ومنه قولهم : فلان يمشى الخيلاء ، أي يمشى مشية المغرور المعجب بنفسه .(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) والفخور : هو المتباهي على الناس بماله أو جاهة أو منصبه . . يقال فخر فلان ، إذا تفاخر بما عنده على الناس ، على سبيل التطاول عليهم ، والتنقيص من شأنهم . أي : إن الله – تعالى – لا يحب من كان متكبرا على الناس ، متفاخرا بماله أو جاهه ، ثم أمره بالقصد والاعتدال في كل أموره فقال : { واقصد فِي مَشْيِكَ } أي وكن معتدلا في مشيك ، بحيث لا تبطئ ولا تسرع . من القصد وهو التوسط في الأمور .{ واغضض مِن صَوْتِكَ } واخفض من صوتك فلا ترفعه إلا إذا استدعى الأمر رفعه ، فإن غض الصوت عند المحادثة فيه أدب وثقة بالنفس ، واطمئنان إلى صدق الحديث واستقامته . ونستكمل الموضوع إن شاء الله
الدعاء