خطبة عن التابعي (أويس بن عامر القرني )
يوليو 7, 2016خطبة عن ( من فضائل الصحابة )
يوليو 7, 2016الخطبة الأولى (أسماء بنت أبي بكر )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ – قَالَ – فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ « مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ « أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ ». قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِى فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِى مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِى أَمَنَةٌ لأُمَّتِى فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِى أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع صحابية جليلة، ومجاهدة غيورة، مع نموذج للمرأة المسلمة ، التي يحتذى بأخلاقها ، ويقتدى بسيرتها ، فتعالوا بنا نتعرف على أخلاقها ، ونشاهد بطولاتها من أجل الإسلام ، إنها أسماء بنت أبي بكر ( رضي الله عنهما )، ولدت في العام الرابع عشر قبل البعثة ، ودعاها أبوها إلى الإسلام فآمنت بالله ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، وتزوجت في الرابعة عشر من عمرها من الزبير بن العوام ، وكان زوجها فقيرا ، فلم يكن في بيتها إلا فراش خشن ، ووسادة من ليف ، وقربة من الجلد للشرب والاغتسال ، ولكنها كانت راضية ، قانعة ، سعيدة ،فلم تكلف زوجها ما لا يطيق ، وكانت تشاركه في العبادة ، وحفظ ما ينزل من القرآن ، قبل الهجرة سافر زوجها للتجارة إلى الشام ، وعادت أسماء إلى بيت أبيها ، لتكون واحدة ممن ساهموا في نجاح هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر من مكة إلى المدينة ،فعندما أذن الله لرسوله بالهجرة ، وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت الظهيرة إلى بيت أبي بكر ،ويخرج الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى الغار ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ ، ويبحث المشركون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مكان ، واتجه أبو جهل ومعه جماعة من الكفار إلى بيت أبي بكر ، لعلهم يجدونه هناك ،فلما جاءوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر، فقالوا لها : أين أبوك ؟ قالت : لا أدرى والله أين أبي ؟ فرفع أبو جهل يده ـ وكان فاحشًا خبيثًا ـ فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها . ومع ذلك ، وقفت أسماء ثابتة لم تتزحزح ، وتحملت ما بها من ألم ، وحاولوا أن يعرفوا مكان رسول الله وصاحبه ، ولكنها أصرت على عدم معرفتها ، وإن كلفها ذلك حياتها ، إنه الإيمان الصادق والحب الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويهاجر الرسول وصاحبه ، ويصلا سالمين إلى المدينة المنورة ، وتبقى أسماء وأختها عائشة في مكة ، ويسمع جدها أبو قحافة (وكان كافرا ) بهجرة ولده أبي بكر ، فسارع الجد إلى دار ولده ، ليطمئن عليهم، ففي مسند أحمد : (قال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَخَرَجُ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ – قَالَتْ – وَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ – قَالَتْ – فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّى أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّى لأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَتْ قُلْتُ كَلاَّ يَا أَبَتِ إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْراً كَثِيراً – قَالَتْ – فَأَخَذْتُ أَحْجَاراً فَتَرَكْتُهَا فَوَضَعْتُهَا فِى كُوَّةٍ فِى الْبَيْتِ كَانَ أَبِى يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْباً ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ – قَالَتْ – فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لاَ بَأْسَ إِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَفِى هَذَا لَكُمْ بَلاَغٌ. قَالَتْ وَلاَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئاً وَلَكِنِّى قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُسْكِنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ)، هكذا نجحت حيلتها في إقناع جدها بأن والدها ترك لهم مالا يكفيهم وتمر الأيام ، وتهاجر أسماء إلى المدينة ، لتلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم وأبيها ، أما زوجها الزبير بن العوام ، فكان في رحلة إلى الشام ، فعاد الى المدينة ، وانتظر مقدم زوجته من مكة ، وعندما بلغت أسماء (رضي الله عنها ) ومن معها مشارف المدينة ( عند قباء ) جاءها المخاض ، ورزقها الله بمولود ، وهو أول مولود يولد للمهاجرين في المدينة ، بعدما قيل أن اليهود سحروا المسلمين فلا يولد لهم ، فرزقت بعبد الله بن الزبير ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنهما – أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ، ثُمَّ تَفَلَ فِى فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا ، لأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلاَ يُولَدُ لَكُمْ )، عاشت أسماء رضي الله عنها مع زوجها في المدينة ، وكانت تساعد زوجها ، فتعلف له الفرس ، وتدق النوى ، وتسقي الماء ، وتعجن الدقيق ،أما عن صفاتها واخلاقها ، فقد عرفت بالصفات الجليلة والأخلاق السامية والفضيلة ،وكانت تحب الإنفاق في سبيل الله ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَىَّ الزُّبَيْرُ فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَىَّ فَقَالَ « ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ وَلاَ تُوعِى فَيُوعِىَ اللَّهُ عَلَيْكِ ». (أرضخ : أعطي ، ارضخي : أعطى ، توعى : تمسكي) ، وكانت تخدم زوجها ، ففي البخاري ومسلم (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنهما – قَالَتْ تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ ، وَلاَ مَمْلُوكٍ ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ ، وَغَيْرَ فَرَسِهِ ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ ، وَأَسْتَقِى الْمَاءَ ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى رَأْسِي ، وَهْىَ مِنِّى عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ « إِخْ إِخْ » . لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ ، وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَنِّى قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى ، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَأَنَاخَ لأَرْكَبَ ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ . فَقَالَ وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَىَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ . قَالَتْ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَىَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي) ، ومن مواقف شجاعتها الكثيرة ، أنها في غزوة تبوك ، حضرت مع زوجها وابنها عبد الله وكان صغيرا ، واستعدت لقتال العدو ، وقالت للزبير : رضي الله عنهما ، إن كان الرجل من العدو ليمر يسعى فيصيب قدمه عروة أطناب خبائي ، فيسقط على وجهه ميتا ، ما أصابه سلاح )، وفي المستدرك (عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما أنها اتخذت خنجرا في زمن سعيد بن العاص في الفتنة فوضعته تحت مرفقها فقيل لها : ما تصنعين بهذا ؟ قالت : « إن دخل علي لص بعجت بطنه »، أما عن قوة إيمانها ، فقد قدمت عليها أمها وهي كافرة ، فرفضت قبول هداياها حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري ومسلم (عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنهما – قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّي وَهْىَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ ، إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَمُدَّتِهِمْ ، مَعَ أَبِيهَا ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَىَّ ، وَهْىَ رَاغِبَةٌ ، أَفَأَصِلُهَا قَالَ « نَعَمْ ، صِلِيهَا » ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أسماء بنت أبي بكر )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن الصحابية الجليلة ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله عنهما ،وقد عرفت رضي الله عنها بالعلم ، فقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقرب من ثمانية وخمسين حديثا ،وكانت رضي الله عنها نعم الزوجة الوفية ونعم الأم الساهرة ، ونعم المرأة المؤمنة ،ضربت لنا أروع الأمثلة في صمودها وكفاحها وأيمانها وشجاعتها ،وقد توفيت في مكة ولها مائة سنة ، لم يسقط لها سن ، ولم ينكر لها عقل ،فلقد أدت رسالتها واطاعت ربها ،فرضي الله عنها ، ورفع قدرها ومكانتها مع من أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
الدعاء