الخطبة الأولى ( أم عمارة نسيبة بنت كعب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (12)) الممتحنة ،وروى الترمذي في سننه :(عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ لِلرِّجَالِ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (الاحزاب : 35)
أيها المسلمون
حديثنا اليوم -إن شاء الله- عن صحابية جليلة ، ومؤمنة صابرة ، إنها ( أم عمارة ) نسيبة بنت كعب ،أما عن نسبها فهي أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن النجار وهي أم حبيب وعبد الله ابني زيد بن عاصم. شهدت نسيبة بنت كعب أم عمارة وزوجها زيد بن عاصم بن كعب وابناها: حبيب وعبد الله ابنا زيد شهدت بيعة العقبة ،ففي مسند أحمد لحديث كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ – وَكَانَ كَعْبٌ مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِهَا ، قال : (….فَنِمْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا حَتَّى إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمِيعَادِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَتَسَلَّلُ مُسْتَخْفِينَ تَسَلُّلَ الْقَطَا حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلاً وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِمْ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ عُمَارَةَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِى مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ )، وكانت رضي الله عنها تشهد الحرب مع رسول الله ، فشهدت معه أحدًا هي وزوجها زيد بن عاصم وابناها حبيب بن زيد وعبد الله بن زيد. ومن ملامح شخصية أم عمارة رضي الله عنها : حبها للنبي صلى الله عليه وسلم : ويظهر ذلك في القتال دونه يوم أحد, وأيضًا لما سألته مرافقته في الجنة. يقول النبي في غزوة أحد لزيد بن عاصم: “بارك الله عليكم من أهل البيت, مقام أمك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت، ومقام ربيبك يعني زوج أمه خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت”،قالت : ادع الله أن نرافقك في الجنة, فقال: “اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة”، فقالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا. ومن ملامح شخصيتها رضي الله عنها أنها كانت امرأة صابرة : وذلك عندما قتل مسيلمة ابنها قالت: “لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته”. وابنها حبيب هو الذي أرسله رسول الله إلى مسيلمة الكذاب الحنفي صاحب اليمامة ، فكان مسيلمة ،إذا قال له: أتشهد أن محمدًا رسول الله قال: نعم, وإذا قال: أتشهد أني رسول الله, قال: أنا أصم لا أسمع ففعل ذلك مرارًا, فقطعه مسيلمة عضوًا عضوًا فمات شهيدًا . ومن ملامح شخصيتها أنها كانت امرأة مجاهدة : فقد شهدت العقبة وبايعت ليلتئذ ثم شهدت أحدًا والحديبية وخيبر وعمرة القضية والفتح وحنينًا واليمامة ،وكانت تشهد المشاهد مع رسول الله . وعن أم سعد بنت سعد بن الربيع قالت: رأيت نسيبة بنت كعب ويدها مقطوعة فقلت لها: متى قطعت يدك؟ قالت: يوم اليمامة, كنت مع الأنصار فانتهينا إلى حديقة فاقتتلوا عليها ساعة, حتى قال أبو دجانة الأنصاري واسمه: سماك بن خرشة: احملوني على الترسة حتى تطرحوني عليهم فأشغلهم, فحملوه على الترسة وألقوه فيهم فقاتلهم حتى قتلوه رحمه الله, قالت: فدخلت وأنا أريد عدو الله مسيلمة الكذاب فعرض إلي رجل منهم فضربني فقطع يدي, فوالله ما عرجت عليها ولم أزل حتى وقعت على الخبيث مقتولاً وابني يمسح سيفه بثيابه فقلت له: أقتلته يا بني؟ قال: نعم يا أماه, فسجدت لله شكرًا قال: وابنها هو: عبد الله بن زيد بن عاصم. من مواقف أم عمارة مع النبي صلى الله عليه وسلم :موقف أم عمارة في غزوة أحد : شهدت أم عمارة بنت كعب أحدًا مع زوجها غزية بن عمرو وابنيها وخرجت معهم بشن لها في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنًا, وجرحت اثني عشر جرحًا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف, فكانت أم سعيد بنت سعد بن ربيع تقول: دخلت عليها فقلت: حدثيني خبرك يوم أحد, قالت: خرجت أول النهار إلى أحد وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء, فانتهيت إلى رسول الله وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين.. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله بالسيف وأرمي بالقوس حتى خلصت إلي الجراح قالت: فرأيت على عاتقها جرحًا له غور أجوف،فقلت: يا أم عمارة من أصابك هذا؟ قالت: أقبل ابن قميئة وقد ولى الناس عن رسول الله يصيح دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا, فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه فكنت فيهم فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان.. فكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدًا تسقي الماء قالت: سمعت رسول الله يقول: “لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان”, وكان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال, وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحًا, وكانت تقول: إني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها فداوته سنة ثم نادى منادي رسول الله إلى حمراء الأسد, فشدت عليها ثيابها, فما استطاعت من نزف الدم، ولقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحنا, فلما رجع رسول الله من الحمراء ما وصل رسول الله إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها فرجع إليه يخبره بسلامتها فسر بذلك النبي ..كما أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا عبد الجبار بن عمارة عن عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة: قد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه, والناس يمرون به منهزمين ورآني لا ترس معي, فرأى رجلاً موليًا معه ترس, فقال لصاحب الترس: “ألق ترسك إلى من يقاتل”, فألقى ترسه, فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله, وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله, فيقبل رجل على فرس فضربني وتترست له فلم يصنع سيفه شيئًا وولى وأضرب عرقوب فرسه, فوقع على ظهره فجعل النبي يصيح: “يا ابن أم عمارة أمك أمك” ، قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب.. وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عمرو بن يحيى عن أمه عن عبد الله بن زيد قال: جرحت يومئذ جرحًا في عضدي اليسرى ضربني رجل كأنه الرقل ولم يعرج علي ومضى عني وجعل الدم لا يرقأ, فقال رسول الله: “اعصب جرحك”, فتقبل أمي إليَّ ومعها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح, فربطت جرحي, والنبي واقف ينظر إلي ثم قالت: انهض بني فضارب القوم, فجعل النبي يقول: “ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة”، قالت: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني, فقال رسول الله: “هذا ضارب ابنك”, قالت: فأعترض له فأضرب ساقه فبرك، قالت: فرأيت رسول الله يتبسم حتى رأيت نواجذه ، وقال: “استقدت يا أم عمارة”, ثم أقبلنا نُعِلُّه بالسلاح حتى أتينا على نفسه, فقال النبي : “الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينك”. وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد الله قال: سمعت عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: شهدت أحدًا مع رسول الله, فلما تفرق الناس عنه دنوت منه أنا وأمي نذب عنه, فقال: “ابن أم عمارة”, قلت: نعم, قال: “ارم” فرميت بين يديه رجلاً من المشركين بحجر وهو على فرس, فأصبت عين الفرس فاضطرب الفرس حتى وقع هو وصاحبه, وجعلت أعلوه بالحجارة حتى نضدت عليه منها وقرًا, والنبي ينظر يتبسم, ونظر جرح أمي على عاتقها, فقال: “أمك أمك, اعصب جرحها, بارك الله عليكم من أهل البيت, مقام أمك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت, ومقام ربيبك يعني زوج أمه خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت”، قالت: ادع الله أن نرافقك في الجنة, فقال: “اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة”، فقالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أم عمارة نسيبة بنت كعب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال: أُتي عمر بن الخطاب بمروط فكان فيها مرط جيد واسع, فقال بعضهم: إن هذا المرط لثمن كذا وكذا, فلو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد, قال: وذلك حدثان ما دخلت على ابن عمر ،فقال: أبعث به إلى من هو أحق به منها, أم عمارة نسيبة بنت كعب, سمعت رسول الله يقول يوم أحد: “ما التفت يمينًا ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني”.
أيها المسلمون
روى الترمذي بسند صحيح (أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ « كُلِى ». فَقَالَتْ إِنِّى صَائِمَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الصَّائِمَ تُصَلِّى عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا ». وَرُبَّمَا قَالَ « حَتَّى يَشْبَعُوا ». وروى الترمذي في سننه (عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ لِلرِّجَالِ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (الاحزاب الآيَةَ 35) ،وأما عن وفاة أم عمارة رضي الله عنها : فقد توفيت أم عمارة في خلافة عمر رضي الله عنهما عام 13هـ. فرضي الله عنها وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال والسيدات أجمعين، وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى في جنات النعيم
الدعاء