خطبة عن ( أم عمارة: ( نسيبة بنت كعب)
يوليو 23, 2016خطبة عن ( التابعي الزاهد: الحسن البصري)
يوليو 23, 2016الخطبة الأولى ( الرميصاء – أم سليم بنت ملحان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (12)) الممتحنة ، وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ عِنْدَنَا فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّى بِقَارُورَةٍ فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا فَاسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِى تَصْنَعِينَ ».قَالَتْ هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِى طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ. ) ،وروى البخاري : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ ، جَشَّتْهُ وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً ، وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا ، ثُمَّ بَعَثَتْنِى إِلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِى أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ قَالَ « وَمَنْ مَعِى » . فَجِئْتُ فَقُلْتُ إِنَّهُ يَقُولُ ، وَمَنْ مَعِى ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ شَىْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ ، فَدَخَلَ فَجِىءَ بِهِ وَقَالَ « أَدْخِلْ عَلَىَّ عَشَرَةً » . فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ قَالَ « أَدْخِلْ عَلَىَّ عَشَرَةً » . فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ قَالَ « أَدْخِلْ عَلَىَّ عَشَرَةً » . حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ ، ثُمَّ أَكَلَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ قَامَ ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَىْءٌ )
إخوة الإسلام
وحينما نتكلم عن أم سليم وعن حياتها، ينبغي الوقوف عندها، فهي مدرسة لكل أم ولكل زوجة، لا بل ولكل امرأة، ولا نبالغ إن قلنا: إن في حياتها عبرة للمسلم رجلا كان أو امرأة. فمع أم سليم نمضي ، وفي حياتها نخوض. فهي صحابية جليلة، من الصحابيات الجليلات، واسمها يكاد يكون معروفا وقريبا للأسماع، فهي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية، قيل: اسمها سهلة، وقيل رُميثة، وتلقب بالغميصاء أو الرميصاء، لكن المتفق عليه في كنيتها أنها أم سليم بنت ملحان أخت أم حرام، وهي أم الصحابي الجليل “أنس بن مالك” الذي تشرف بخدمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. أسلمت أم سليم بمكة، وبايعت رسول الله مع الأنصار الذين بايعوه، فكانت من سابقي الأنصار للإسلام، وبلغ زوجها إسلامها فقال لها: أصبوت؟! فقالت: لا والله ما صبوت، ولكني آمنت. وجعلت الصحابية المؤمنة تهتم بصغيرها أنس، لا اهتمام الطعام والشراب فحسب، بل أخذت تلقنه وتقول له: قل: “لا إله إلا الله”، قل: “أشهد أن محمدا رسول الله”. فسمع الأب مالك بن النضر أنسًا ينطق بالشهادة، فغضب وقال لها: لا تفسدي عليّ ابني. فقالت له: أما إني والله لا أفسده. خرج زوجها مالك يريد الشام وهو غاضب، فلقيه عدو له فقتله، وبقيت أم سليم مع صغيرها وحيدة ترعاه، وترضعه العلم والإيمان مع الحليب والطعام،وما إن قدم رسول الله المدينة حتى أتت أم سليم بصغيرها وكان ابن عشر سنين، فقالت له: هذا أنس يخدمك، فقبله رسول الله وكناه “أبا حمزة” ومازحه فقال له: يا ذا الأذنين ودعا له، وفي صحيح مسلم : (أَنَسٌ قَالَ جَاءَتْ بِى أُمِّى أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ أَزَّرَتْنِى بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِى بِنِصْفِهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِى أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللَّهَ لَهُ. فَقَالَ « اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ». قَالَ أَنَسٌ فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِى لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِى وَوَلَدَ وَلَدِى لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ. ) ، وتمضي الأيام ويتقدم لخطبتها أبو طلحة الأنصاري وقد كان مشركًا، فأبت فعاودها ثانية، فأجابته بعد أن توسمت فيه خيرًا، أنه لا ينبغي لي أن أتزوج مشركًا، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وهي لا تضر ولا تنفع؟ ، فمضى أبو طلحة بعد أن قال لها: سأنظر في أمري. وفكر في كلامها وهي تقول له: أفلا تستحي أن تعبد شجرة أو حجرًا؟ ،فأتاها، وقال: وقع في قلبي الذي قلتِ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وأَخْرَجَ النَّسَائِيّ ” أَنَّهُ خَطَبَهَا فَقَالَتْ ، وَاَللَّهِ مَا مِثْلُك يُرَدُّ ، وَلَكِنَّك كَافِرٌ ، وَأَنَا مُسْلِمَةٌ ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَك فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَلِكَ مَهْرُك ، وَلَا أَسْأَلُك غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا ” ،فكان مهر أم سليم أكرم مهر وهو الإسلام، فكانت أول مسلمة جعلت مهرها وصداقها إسلام الزوج، وهذا فتح جديد، يذكر فيشكر، ويسند فيحمد وهو بالتالي من المواقف التي تسجل لأم سليم في سفر مجدها وعظمتها وهو ولا شك رافد من روافد النبع العظيم في قلبها: حب الله ورسوله. وبيت ملحان: أم سليم وأم حرام – رضي الله عنهما – هو البيت الوحيد الذي كان يدخله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير بيوت أزواجه طبعًا. فعَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ ثَمَّ قَالَ فَأُتِيَتْ يَوْمًا فَقِيلَ لَهَا : هُوَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى فِرَاشِكِ. فَانْتَهَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ عَرِقَ عَرَقًا شَدِيدًا ، وَذَلِكَ فِى الْحَرِّ ، فَأَخَذَتْ قَارُورَةً ، فَجَعَلَتْ تَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ الْعَرَقِ ، فَتَجْعَلُهُ فِى الْقَارُورَةِ ،فَاسْتَيْقَظَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :« مَا تَصْنَعِينَ؟ ». فَقَالَتْ : بَرَكَتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَجْعَلُهُ فِى طِيبِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَصَبْتِ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ ولعلنا نتساءل عن ذلك. فيأتينا الجواب على لسان أنس -رضي الله عنه- يقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يزور أم سليم فتتحفه بالشيء تصنعه له، ويضيف -رضي الله عنه-: ) لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل بيتًا غير بيت أم سليم إلا على أزواجه، فقيل له، فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معي .يقول ابن حجر في الإصابة: قلت: والجواب عن دخوله بيت أم حرام وأختها أم سليم أنهما كانا في دار واحد. والدخول يعني الزيارة التي كان يتبارك بها أصحاب البيت، وبوجود المحارم، إذ ليس من المعقول عن نبي الرحمة والهدى، والأدب الجم، والشرع الحنيف، إلا أن يكون كما قال عنه ربه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ (الأحزاب : 21). وها نحن نتعلم من أم سليم درسا في العلاقة الزوجية، قائما على السكن والود والرحمة.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ ( الروم : 21) ، فقد جاء في الصحيح، قَالَ مَالِكٌ أَبُو أَنَسٍ لاِمْرَأَتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَهِىَ أُمُّ أَنَسٍ : أَرَى هَذَا الرَّجُلَ – يَعْنِى – النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يُحَرِّمُ الْخَمْرَ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ فَهَلَكَ هُنَالِكَ. فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ فَخَطَبَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَكَلَّمَهَا فِى ذَلِكَ فَقَالَتْ : يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا مِثْلُكَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ امْرُؤٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مَسْلَمَةٌ لاَ يَصْلُحُ أَنْ أَتَزَوَّجَكَ فقَالَ : وَمَا ذَاكِ دَهْرُكِ قَالَتْ : وَمَا دَهْرِى قَالَ : الصَّفْرَاءُ والْبِيضَاءُ قَالَتْ : فَإِنِّى لاَ أُرِيدُ صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ أُرِيدُ مِنْكَ الإِسْلاَمَ قَالَ : فَمَنْ لِى بِذَلِكَ قَالَتْ : لَكَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ يُرِيدُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : « جَاءَكُمْ أَبُو طَلْحَةَ غُرَّةُ الإِسْلاَمِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ». فَجَاءَ فَأَخْبَرَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ ثَابِتٌ : فَمَا بَلَغَنَا أَنَّ مَهْرًا كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالإِسْلاَمِ مَهْرًا فَتَزَوَّجَهَا ، وَكَانَتِ امْرَأَةً مَلِيحَةَ الْعَيْنَيْنِ فِيهَا صِغَرٌ فَكَانَتْ مَعَهُ حَتَّى وُلِدَ مِنْهُ بُنَىٌّ ، وَكَانَ يُحِبُّهُ أَبُو طَلْحَةَ حُبًّا شَدِيدًا إِذْ مَرِضَ الصَّبِىُّ وَتَوَاضَعَ أَبُو طَلْحَةَ لِمَرَضِهِ أَوْ تَضَعْضَعَ لَهُ فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَاتَ الصَّبِىُّ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا : لاَ يَنْعِينَّ إِلَى أَبِى طَلْحَةَ أَحَدٌ ابْنَهُ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَنْعَاهُ لَهُ ، فَهَيَّأَتِ الصَّبِىَّ وَوَضَعَتْهُ وَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ : كَيْفَ ابْنِى فَقَالَتْ : يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا كَانَ مُنْذُ اشْتَكَى أَسْكَنَ مِنْهُ السَّاعَةَ. قَالَ : فَللَّهِ الْحَمْدُ فَأَتَتْهُ بِعَشَائِهِ فَأَصَابَ مِنْهُ ، ثُمَّ قَامَتْ فَتَطَيَّبَتْ وَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَأَصَابَ مِنْهَا فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ طَعِمَ وَأَصَابَ مِنْهَا قَالَتْ : يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا قَوْمًا عَارِيَةً لَهُمْ فَسَأَلُوهُمْ إِيَّاهَا أَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ فَقَالَ : لاَ قَالَتْ : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ أَعَارَكَ ابْنَكَ عَارِيَةً ، ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيْهِ فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ وَاصْبِرْ فَغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : تَرَكْتِينِى حَتَّى إِذَا وَقَعْتُ بِمَا وَقَعْتُ بِهِ نَعَيْتِ إِلَىَّ ابْنِى ، ثُمَّ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِى غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا ». فَتَلَقَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْحَمْلَ وَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا تُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَخْرُجُ مَعَهُ إِذَا خَرَجَ ، وَتَدْخُلُ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِذَا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأْتُونِى بِالصَّبِىِّ ». فَأَخَذَهَا الطَّلْقُ لَيْلَةَ قُرْبِهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَتِ : اللَّهُمَّ إِنِّى كُنْتُ أَدْخُلُ إِذَا دَخَلَ نَبِيُّكَ وَأَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ نَبِيُّكَ وَقَدْ حَضَرَ هَذَا الأَمْرُ فَوَلَدَتْ غُلاَمًا – يَعْنِى حِينَ قَدِمَا الْمَدِينَةَ – فَقَالَتْ لاِبْنِهَا أَنَسٍ : انْطَلِقْ بِالصَّبِىِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذَ أَنَسٌ الصَّبِىَّ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَسِمُ إِبِلاً وَغَنَمًا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ لأَنَسٍ :« أَوَلَدَتِ ابْنَةُ مِلْحَانَ ». قَالَ : نَعَمْ فَأَلْقَى مَا فِى يَدِهِ فَتَنَاوَلَ الصَّبِىَّ فَقَالَ :« ائْتُونِى بِتَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ ». فَأَخَذَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- التَّمْرَ فَجَعَلَ يُحَنِّكُ الصَّبِىَّ وَجَعَلَ الصَّبِىُّ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ :« انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ ». فَحَنَّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ ثَابِتٌ : وَكَانَ يُعَدُّ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ ) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ،ومن فضائلها أنها كانت تطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ففي صحيح البخاري : ( أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ضَعِيفًا ، أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ . فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِى وَلاَثَتْنِى بِبَعْضِهِ ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ فَذَهَبْتُ بِهِ ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِى الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ » . فَقُلْتُ نَعَمْ . قَالَ بِطَعَامٍ . فَقُلْتُ نَعَمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لِمَنْ مَعَهُ « قُومُوا » . فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِالنَّاسِ ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ . فَقَالَتِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِىَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « هَلُمِّى يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ » . فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَفُتَّ ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ،ثُمَّ قَالَ « ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ » . فَأَذِنَ لَهُمْ ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ قَالَ « ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ » . فَأَذِنَ لَهُمْ ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ قَالَ « ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ » . فَأَذِنَ لَهُمْ ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ « ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ » . فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا ، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ – أَوْ ثَمَانُونَ – رَجُلاً .) ،وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَرَّ بِنَا فِى مَسْجِدِ بَنِى رِفَاعَةَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَانَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – عَرُوسًا بِزَيْنَبَ فَقَالَتْ لِى أُمُّ سُلَيْمٍ لَوْ أَهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – هَدِيَّةً فَقُلْتُ لَهَا افْعَلِى . فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ ، فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِى بُرْمَةٍ ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِى إِلَيْهِ ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لِى « ضَعْهَا » . ثُمَّ أَمَرَنِى فَقَالَ « ادْعُ لِى رِجَالاً – سَمَّاهُمْ – وَادْعُ لِى مَنْ لَقِيتَ » . قَالَ فَفَعَلْتُ الَّذِى أَمَرَنِى فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ ، فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ ، وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً ، يَأْكُلُونَ مِنْهُ ، وَيَقُولُ لَهُمُ « اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ » .قَالَ حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ ، وَبَقِىَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ قَالَ وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – نَحْوَ الْحُجُرَاتِ ، وَخَرَجْتُ فِى إِثْرِهِ فَقُلْتُ إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا . فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ ، وَأَرْخَى السِّتْرَ ، وَإِنِّى لَفِى الْحُجْرَةِ ، وَهْوَ يَقُولُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْيِى مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ ) الاحزاب 53
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الرميصاء – أم سليم بنت ملحان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولا تنتهي المواقف من أم سليم -رضي الله عنها- حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يجمع المؤرخون وكتاب السيرة والتراجم أن أم سليم -رضي الله عنها- كانت تخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزواته، ومجاهدة بحدود ما تسمح به أنوثتها، وإمكاناتها، دافعها إلى ذلك نبع الحب الذي لا ينضب في قلبها. فها هي أم سليم أن تؤدي دورها في نشر دعوة الإسلام بل حرصت على أن تشارك في الجهاد ففي صحيح مسلم وابن سعد- الطبقات بسند صحيح وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ خِنْجَرًا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذْتُهُ إنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْت بَطْنَهُ } وقال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين ،ومن فضائلها وفقهها : أنها كانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تمتنع النساء أن تسأله صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ : جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِى طَلْحَةَ الأَنْصَارِىِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِىَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ :« نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ ». رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ : أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّ بَنِى أَبِى طَلْحَةَ ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ ، أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَرَى فِى النَّوْمِ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ؟ قَالَ :« نَعَمْ ». قَالَتْ عَائِشَةُ : أُفٍّ لَكِ ، أَتَرَى الْمَرْأَةُ ذَلِكَ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :« تَرِبَتْ يَدَاكِ ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ ،وفي صحيح البخاري : (عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ ، قَالَ لَهُمْ تَنْفِرُ . قَالُوا لاَ نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعَ قَوْلَ زَيْدٍ . قَالَ إِذَا قَدِمْتُمُ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا .فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا، فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ، فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ ) أيْ قول النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: «عَقْرَى حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قالت: بلى. قال: «فَلاَ بَأْسَ انْفِرِي». وفي مسند أحمد : (عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ – وَهِىَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ »
أيها المسلمون
هذه هي الرميصاء رضي الله عنها ، وتلك فضائلها ومناقبها ، وهذا هو حبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومما يدل على وفاء أم سليم بالعهد، ما روته أم عطية -رضي الله عنها- قالت: «أخذ علينا النبي عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منا غير خمس نسوة: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى».لذا فقد استحقت أن يبشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ». ومن كلماتها التي تدل على فقهها وحكمتها : قالت أم سليم -رضي الله عنها- لما سمعت بقتل عثمان رضي الله عنه: :”أما إنه لم يحلبوا بعده إلا دمًا”. وأما عن وفاة أم سليم رضي الله عنها: فقد توفيت في حدود الأربعين في خلافة معاوية رضي الله عنه، فرضي الله عن أم سليم وأرضاها. وجمعنا وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم
الدعاء