الخطبة الأولى (الفِرَاسَة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [ محمد : 30] ، وروى الطبراني في الأوسط وصححه الألباني :(عن أنس قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن لله عز و جل عبادا يعرفون الناس بالتوسم ) ،وروى الترمذي في سننه والطبراني في معجمه واللفظ للترمذي:
(عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ».
ثُمَّ قَرَأَ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ).
خوة الإسلام
الفِراسة من حيث اللغة : من التفرس بالشيء، كالتوسم ، فيقال: تفرس فيه الشيءَ إذا توسمه ، وهذا هو أصل اشتقاق الفراسة ، وأما معنى الفراسة : فهي خاطر يهجم على القلب، ويَثِب عليه وُثُوبَ الأسد على فريسته. وقال ابن القَطَّاع : الفراسةُ بالعينِ إدراكُ الباطن ،وقال ابن الأثير الفراسة : الفراسة نوعين : الأول : ( ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه ؛ فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات، وإصابة الظن، والحدس. والثاني : نوع يعلم بالدلائل، والتجارب، والخَلْق، والأخلاق، فتعرف به أحوال الناس، ومنه قول ابن عباس: ما سألني أحد عن شيء إلا عرفَتُ: أفقيه هو أو غير فقيه. فللفراسة أنواع متعددة، وتختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، وقوة القلب، وصفائه، وقوة الإيمان، وضعفه، ومنها ما يتعلق بالمتفرس خاصة، ومنها فراسة الحكام والولاة لاستخراج الحقوق لأربابها، وقمع الظلمة. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أفرس الناس ثلاثة : العزيز في يوسف، حيث قال لامرأته : {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} يوسف 21 ، وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: {اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} القصص 26 ، وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حيث استخلفه، وفي رواية أخرى: وامرأة فرعون، حين قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} القصص 9
أيها المسلمون
ومن هذا يتبين لنا أن الفراسة على أنواع : الأولى : فراسة الصالحين والعاملين بكتاب ربّ العالمين وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ومن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وهي أصدق أنواع الفراسة، وأصلها من الحياة والنور الذي يهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك، ويستنير فلا تكاد فراسته تخطيء. قال أبو الفوارس الكرماني: من غضَّ بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمَّر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعوَّد نفسه أكل الحلال لم تخطئ له فراسة. قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام122] الثاني : فراسة الرّياضة والجوع والسّهر والتخلِّي، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل على إيمان ولا على ولاية وكثير من الجهال يغتر بها وللرهبان فيها وقائع معلومة ،وهي فراسة لا تكشف عن حقٍّ نافع ولا عن طريق مستقيم بل كشفها جزئي من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبارة الرؤيا. الثالث: الفراسة الخلقية : وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخَلق على الخُلق لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل وبكبره وبسعة الصدر وبعد ما بين جانبيه على سعة خُلق صاحبه واحتماله وبسطته وبضيقه على ضيقه وبخمود العين وكلال نظرها على بلادة صاحبها.
أيها المسلمون
وقد دل الكتاب والسنة على الفراسة وأهلها ، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر75]، قال مجاهد: المتفرسين . وقال ابن عباس: للناظرين ،وقال قتادة: للمعتبرين. وقال مقاتل: للمتفكرين. وللفراسة سببان أحدهما: جودة ذهن المتفرس وحدة قلبه وحسن فطنته. والثاني: ظهور العلامات والأدلَّة على المتفرّس فيه؛ فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطيء للعبد فراسة، وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة، وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر: كانت فراسته بين بين.
وإن كان أئمة المسلمين فصلوا في السمات والعلامات المادية الظاهرة في جسم الإنسان والتي يُعرف بها شيء من الفراسة، وهي فراسة مكتسبة عن طريق التعلم والبحث والتجربة والاستقراء، فإن ما يهمنا في هذا المقام هو الفراسة الفطرية في صفائها ونقائها عند أصحابها، فالفراسة النابعة من السجايا والطباع التي وهبها الله لبعض عبادة والمرتبطة بصفة مباشرة بالإيمان والتقوى والصلاح. فها هم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم تتمثل فيهم هذه الخصلة واضحة جلية، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ « إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ » . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا . فَعَجِبْنَا لَهُ ، وَقَالَ النَّاسُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ وَهْوَ يَقُولُ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا . فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ) . رواه البخاري ،وجاء أن أبا بكر لما حضرته الوفاة دعا ابنته عائشة رضي الله عنها فقال:” إنه ليس في أهلي بعدي أحَدٌ أحب إلي غنى منك ولا أعزعلي فقرا منك ،وإني كنت نحلتك [النحلة :العطية ] من أرض بالعالية جَدادَ[الجداد :صرام النخل وهو قطع ثمرتها] يعني صرام عشرين وسقا فلو كنت جددْتِهِ تمرا عاما واحدا انحاز لك وإنما هو مال الوارث وإنما هما أخواكِ وأختاك ، فقلت:” إنما هي أسماء فقال :”وذاتُ بطن خارجة قد ألقي في روعي أنها جارية فاستوصي بها خيرا ” فولدت أم كلثوم .” قال التاج السبكي ” وفيه كرامتان لأبي بكر رضي الله عنه إحداهما : إخباره أنه يموت في ذلك المرض حيث قال:” وإنما هو مال وارث ” والثانية إخباره بمولود يولد له وهو جارية . أما عن أمير المؤمنين عمر فقد بشر بفراسته رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِى أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ » ،وفي رواية مسلم : (عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ ». قَالَ ابْنُ وَهْبٍ تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ مُلْهَمُونَ ،وروى الترمذي في جامعه بسند صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ ». وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ أَوْ قَالَ ابْنُ الْخَطَّابِ فِيهِ شَكَّ خَارِجَةُ إِلاَّ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ.
و جاء في كتاب معيد النعم ومبيد النقم لتاج الدين السبكي قال: ” كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قد أمر سارية ابن زنيم على جيش من جيوش المسلمين وجهزه إلى بلاد فارس فاشتد الحال على عسكره بباب نَهَاوَنْدَ وكاد المسلمون ينهزمون وعمر رضي الله عنه بالمدينة فصعد المنبر ثم استغاث في اثناء خطبته بأعلى صوته: “يا سارية الجبل! يا سارية الجبل !”فأسمع الله سارية وجيشه أجمعين وهم على باب نهاوند صوت عمر فلجؤوا إلى الجبل فنجوا وانتصروا.” ،ومن فراسة أمير المؤمنين عمر أيضا قصة طاعون أهل الشام كما في صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِى الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ . فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا . فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ . فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِى الأَنْصَارَ . فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ ، فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ . فَدَعَوْتُهُمْ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ ، وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ ، إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ » . قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ ) ،وهذا عمر: قيل: إنه كان إذا حدثه الرجل بالحديث فيكذب فيه الكلمة والكلمتين، فيقول عمر: احبس هذه؛ احبس هذه، فيقول الرجل: والله كل ما حدثتك به حق غير ما أمرتني أن أحبسه. وعن ابن عمر قال: بينما عمر رضى الله عنه جالس إذ رأى رجلاً فقال قد كنت مرة ذات فراسة وليس لي رأي إن لم يكن هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة شيئًا. أدعوه لي فدعوه فقال: هل كنت تنظر وتقول في الكهانة شيئًا؟! قال: نعم. وروى الطبري أنَّ عمر لما استعرض الجيوش للجهاد سنة 14 مرت أمامه قبائل السكون اليمنية مع أول كندة يتقدمهم حصين بن نمير السكوني ومعاوية بن حديج أحد الصحابة الذين فتحوا مصر ثم كان أحد ولاتها، فاعترضهم عمر، فإذا فيهم فتية دلم سباط، فأعرض عنهم ثم أعرض ثم أعرض، حتى قيل له: ما لك ولهؤلاء؟ فقال: إني عنهم لمتردد، وما مر بي قوم من العرب أكره إليَّ منهم. فكان منهم سودان بن حمران وخالد بن ملجم وكلاهما من البغاة على عثمان ،وهذا جرير بن عبد الله البجلي يجلس مع عمر في بيت ومعهما بعض الناس، فوجد عمر ريحًا فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ. فقال جرير: يا أمير المؤمنين أو يتوضأ القوم جميعًا فقال عمر: يرحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام.
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد روى عن عثمان بن عفان ـ رضِيَ الله عنه ـ أن أنس بن مالك ـ رَضِي الله عنه ـ دخل عليه وكان قد مرّ بالسُّوق فنظر إلى امرأة فلما نظر إليه قال عثمان: يدخل أحدكم عليَّ وفي عينيه أثر الزِّنى؟ فقال له أنس: أَوَحيًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ فقال : لا، ولكن برهان وفِراسة، وصدق – أما فراسة علي ابن ابي طالب رضي الله عنه: فقد ذكر الامام الطبري في كتابه الرياض النضرة في مناقب العشرة: عن الأصبغ قال :” أتينا مع علي فمررنا بموضع قبر الحسين فقال علي :”ههنا مناخ ركابهم وههنا موضع رحالهم وههنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد صلى الله عليه وسلم يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ! ” ويقول عنه رضي الله عنه، الأصبغ بن نباتة بينما علي رضي الله عنه جالس في مجلسه إذ سمع ضجة فقال: ما هذا؟ فقالوا رجل سرق ومعه من يشهد عليه فأمر بإحضارهم فدخلوا فشهد شاهدان عليه أنه سرق درعًا، فجعل الرجل يبكي ويناشد عليًّا أن يتثبت في أمره فخرج علي إلى مجتمع الناس بالسوق فدعا بالشاهدين فناشدهما الله وخوفهما فأقاما على شهادتهما فلما رآهما لا يرجعان دعا بالسكين، وقال ليمسك أحدكما يده ويقطع الآخر فتقدما ليقطعاه فهاج الناس واختلط بعضهم ببعض، وقام علي عن الموضع فأرسل الشاهدان يد الرجل وهربا ،فقال علي من يدلني على الشاهدين الكاذبين فلم يوقف لهما على خبر فخلى سبيل الرجل. وهذا من أحسن الفراسة وأصدقها فإنه ولى الشاهدين من ذلك ما توليا وأمرهما أن يقطعا بأيديهما من قطعا يده بألسنتهما، ومن هنا قالوا: إنه يبدأ الشهود بالرجم إذا شهدوا بالزنا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الفِرَاسَة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما جاء في فراسة السابقين : فهذا الحسن بن علي رضي الله عنهما لما جيء إليه بابن ملجم –قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه- قال له: أريد أن أسارك بكلمة فأبى الحسن وقال: تريد أن تعض أذني. فقال ابن ملجم: والله لو أمكنتني منها لأخذتها من صماخها. ومن فراسة أخيه الحسين رضي الله عنهما أن رجلاً ادعى عليه مالاً فقال الحسين: ليحلف على ما ادعاه ويأخذه فتهيأ الرجل لليمين، وقال: والله الذي لا إله إلا هو فقال الحسين: قل والله والله والله إن هذا الذي تدعيه عندي وفي قبلي ففعل الرجل ذلك وقام فاختلفت رجلاه وسقط ميتًا فقيل للحسين: لم فعلت ذلك أي؛ عدلت عن قوله والله الذي لا إله إلا هو إلى قوله: والله والله والله فقال: كرهت أن يثني على الله فيحلم عنه.
وهذا الشافعي العربي القرشي، يقول عنه الربيع: كنت أنا والمزني والبويطي عند الشافعي، فقال لي: أنت تموت في الحديث. وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه وجدله. وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد. فدخلت على البويطي أيام المحنة، فرأيته مقيداً مغلولاً. وما أخرجه الحاكم عن قتيبة قال: رأيت محمد بن الحسن والشافعي قاعدين بفناء الكعبة؛ فمر رجل فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نزكن ـ أي نتفرس ـ على هذا الآتي؛ أي حرفة معه؟ فقال أحدهما: خياط. وقال الآخر: نجار. فبعثا إليه فسألاه؛ فقال: كنت خياطاً وأنا اليوم نجار!!
أيها المسلمون
وقد اشتهر العرب قديما بالفراسة حيث كان العربي وبفضل فراسته يستطيع أن يعرف من ملامح الشخص وخصوصا وجهه أن يعرف اصل هذا الشخص ومن أي قبيلة هو وان ياخذ انطباع عام عنه حول شخصيته مثل ( كرمه، بخله ، شجاعته ، جبنه ..)، وتفرع علم الفراسة إلى علوم كثيرة ايام العرب ومن هذه الانواع :- -العيافة ( فراسة الاثر ) :- تحليل اثار اقدام من مشى على ارض رملية أو غيرها واستنتاج معلومات غزيرة عن هذا الشخص مثل جنسه وعمره ووزنه وطوله وصحته وغيرها من المعلومات وكذلك كان يستخدم هذا العلم في فنون الصيد من اجل تتبع الفريسة من خلال الاثر الذي تتركه ،ولكن ليحذر المرء من أناس يدعون الفراسة، وهم أهل حيل ومخرقة ولهم اتصال بالجن، ليمارسوا على الناس أنواعاً من الدجل والخرافة
أيها الإخوة الكرام
أما لنا في سلفنا الصالح عبرة وعظة، أما سألنا أنفسنا لماذا هم على هذه الحال ونحن من الحال ما نرى؟!. أما آن لنا أن نعود إلى ديننا وإلى تراثنا نستجدي منه العبرة والعظة، ونتعلم من سلفنا الصالح ونتخلق بأخلاقهم ونسير على دربهم لنلحق بهم ونعلو كما علو في الدنيا والآخرة إن شاء الله.
الدعاء