الخطبة الأولى (حب الجنة منهج تربوي )2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ..اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ايها المسلمون
قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ )
فحب الجنة! منهج تربوي إصلاحي واقعي، لا يرقى إليه أيّ منهج من مناهج الدنيا. انظروا إلى موقف عوف بن الحارث
– عوف بن الحارث سأل رسول الله : يا رسول الله، ما يُضحك الرب من عبده؟ قال: “غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا”
هنا ألقى عوف درعه وقاتل حاسرًا. هذا الفعل يلقي الرعب في قلوب العدو؛ لأنه يعبر عن إنسان لا يهاب الموت بل يطلبه.
قاتل عوف وقاتل وقاتل، حتى قُتِل، اُسْتُشهد، دخل الجنة.
فموضوع الجنة لم يغب أبدًا عن أذهان الصحابة ؛ لذلك انتصروا.
من قبل أن يأتي الجيش بدرًا وهو يبحث عن الجنة. وفي أرض بدر يبحث عن الجنة. وبعد بدر يسأل عن الجنة.
وهذا موقف سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة
– قبل الخروج إلى بدر سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة. الاثنان يريدان أن يخرجا للجهاد في بدر، لكن عندهما بنات كثيرات، ولا بد أن يخرج أحدهما، بينما يبقى الآخر ليرعى البنات.
الاثنان يريدان أن يخرجا، الاثنان طالبان للجنة بصدق، لم يرضَ أحدهما بالتنازل، فقررا إجراء قرعة، فخرج سهم الابن سعد بن خيثمة، تحسَّر أبوه، تحسر حسرة حقيقية، فقال لابنه برجاء: يا بُنيَّ، آثرني اليوم. دعني أخرج، فَضّلني على نفسك، أنا أبوك؛ لكن سعدًا ردَّ بجواب يفسر قصة الجيش المنصور، قال في أدب: يا أبتِ، لو كان غير الجنة فعلت .
أيُّ شيء في الدنيا يمكن أن أتنازل عنه لك، إلا الجنة. وإلا فلماذا أحيا أنا في هذه الدنيا، لو لم يكن للحصول على الجنة؟
لا يمكن أن أضيع هذه الفرصة. وخرج سعد بن خيثمة بهذه الروح، وهذا الصدق. وقاتل سعد بن خيثمة، واستشهد، ودخل الجنة التي يريد.
اللطيف والجميل أن خيثمة أبوه، خرج في (غزوة أُحُد) بعد بدر بسنة، واستشهد أيضًا، أترون الصدق؟
وحتى بعد بدر، كل الناس يسألون عن الجنة. الشعب كله طالبٌ الجنة.
وموقف أم حارث بن سراقة
– أم حارثة بن سراقة استشهد ابنها حارثة في بدر، شاب صغير مات مقتولاً في مثل هذا الموقف، تطيش عقول، وتضطرب أفئدة، ويتزلزل رجال ونساء. لكن أم حارثة جاءت تسأل عن شيءٍ محدَّد. يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تَرَ ما أصنع.
أهمُّ أمرٍ بعد الموت: جنة أم نار؟ هذا هو المفروض أن يشغلنا.
فقال لها رسول الله : “يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى” .
الله أكبر! لماذا؟ لأنه مات صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر.
استراحت أم حارثة، تقبلت أمر موت ابنها الشاب ببساطة وبصبر وباحتساب، بل بسعادة؛ لأن من يحب أحدًا يحب له الخير. ولا خير أحسن من الجنة.
هؤلاء هم أهل بدر، صفاتهم الجميلة كثيرة، لكن أهمها أنهم جيش مؤمن فعلاً، مؤمن بالله، ومؤمن بالرسول ، ومؤمن بالجنة، ومن غير الإيمان مستحيل أن يكون هناك نصر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (حب الجنة منهج تربوي )2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ..اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ايها المسلمون
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ )
حب الجنة منهج تربوي ، هذا الكلام لا نقوله كنوع من الترف الفكري، أو القصص التاريخي الذي ليس له واقع في حياة الناس.
هذا الكلام نريد أن يصبح منهج حياتنا، منهج تربية الأطفال والرجال والنساء، منهج تربية الشعب كله.
وبدونه لا توجد فرصة إصلاح.
دعكم من مناهج الشرق والغرب، ومناهج الإصلاح الوهمية المبنية في الأساس على طلب الدنيا وبأيِّ وسيلة.
هذه المناهج لا تُورِث إلا كآبةً وتعاسةً في الدنيا، وشقاءً وذلاًّ في الآخرة.
وإياكم أن تظنوا أن الغرب والشرق من أصحاب المال والسلطة والجاه والملك يعيشون في سعادة.
أبدًا!! فمَنْ يفقد منهم ماله ينتحر. من يمت له ابن أو حبيب يكتئب، وينعزل عن المجتمع.
من يتعرض لمصيبة تصبح نهاية العالم بالنسبة له. من وجد نفسه فقيرًا، أو من عائلة صغيرة، أو في وضعٍ اجتماعي متدنٍّ، فإنه يعيش معقَّدًا حاقدًا على المجتمع، حاسدًا لكل الأغنياء، ومن الممكن أن يصير سارقًا أو قاتلاً أو مرتشيًا أو فاسدًا، ويعيش حياة الإجرام.
روى الحاكم عن أنسٍ أن رجلاً أسود أتى النبي ، فقال: يا رسول الله، إني رجل أسود، منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل، فأين أنا؟ قال: “فِي الْجَنَّةِ”. فقاتل الرجل حتى قُتِل، فأتاه النبي فقال: “قَدْ بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَكَ، وَطَيَّبَ رِيحُكَ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ”. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم .
فأقلُّ أهل الجنة ملكًا له عشرة أمثال الدنيا، إذن لا مقارنة بين نعيم الجنة ومتاع الدنيا كلها.
الجنة فيها سلوى وتعويض لكل مؤمن فَقَدَ شيئًا من الدنيا.
الجنة فيها جزاء لكل من تعب، أو سهر، أو بذل مجهودًا في الإصلاح.
فالجنة صبرَّت أم حارثة.
والجنة شجَّعت عمير بن الحمام، وعمير بن أبي وقاص، وسعد بن خيثمة، وحارثة بن سراقة. الجنة جعلت الحباب بن المنذر يقول رأيه لكي يفيد المسلمين.
والجنة جعلت المكروه محبوبًا، جعلت الموتَ مطلوبًا.
انظر ماذا قال الرسول لأصحابه ولنا:
“أَلاَ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا (أي: لا مثل لها)، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ ونَضْرَةٍ، فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ”.
فالصحابة لم يعودوا قادرين على الصبر على فراق الجنة. قالو: يا رسول الله، نحن المشمرون لها. قال: “قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ”. ثم يقول الراوي أسامة بن زيد رضي الله عنهما: ثم ذكر الجهاد وحضَّ عليه .إذن أعطاهم الرسول شيئًا عمليًّا يدخلون به الجنة. والحديث في صحيح ابن حبان وسنن ابن ماجه.
فيوم تملأ الجنة علينا حياتنا بهذه الصورة. يوم تصبح الجنة هدفًا واضحًا في تفكيرنا. يوم تصبح الجنة في عقلنا عندما نأخذ قرارًا، أو نعمل عملاً، أو نقول كلمة، أو نضحك ضحكة، أو نسافر أو نقعد، أو نحب أو نكره. يوم تصبح الجنة محرِّكًا لكل حياتنا.
ساعتها سنرى نصرًا كنصر بدر. ويومها سنرى تمكينًا وعزة وسيادة، كما حدث بعد بدر.
الدعاء