الخطبة الأولى ( أسباب تخلف المسلمين)
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(7) :(9) الصف
إخوة الإسلام
يدعي البعض من الناس أن سبب تخلف المسلمين اليوم هو تمسكهم بدينهم، ويقولون : إن الغرب لما تخلوا عن جميع الديانات ،وتحرروا منها، وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التقدم الحضاري ، وكأنهم يقولون : ولو تخلى المسلمون عن دينهم كما تخلى الغرب عن دينهم لتبدل حال المسلمين من التخلف إلى التقدم ومن الضعف إلى القوة ، ومن الجهل إلى العلم ، وهذا قول فاسد ، وهذا الكلام لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان، أو فاقد الإيمان، أو جاهل بالتاريخ، غير عالم بأسباب النصر، فالأمة الإسلامية لما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام ، كان لها العزة والتمكين، والقوة، والسيطرة في جميع نواحي الحياة، فليس الإسلام هو سبب تخلف المسلمين قطعاً، بل المسلمون هم سبب التأخر والتخلف ،فالإسلام ليس هو سبب تخلف المسلمين وضعفهم ، وإنما هم المسئولون عن ذلك ، فلقد كانت الأمة الإسلامية في عصر النبوة والصحابة من بعده هي الأمة العالمة في الأرض، ومنها تعلمت أوربا كثيراً من العلوم، وأقام المسلمون الأوائل منذ نزول القران الكريم حضارة عظيمة ، فاقت كل الحضارات، الفارسية والرومانية ، وكانت الانطلاقة الأولى للإسلام هي العلم ، حينما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة: ﴿ اقْرَأْ ﴾: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ العلق (1) :(5) ، فبينت هذه الآيات الأولى أن الاسلام هو دين العلم ،وقال الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم أن يدعو بهذا الدعاء : ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ طه 114، وبين القرآن منزلة طالب العلم عند الله تعالى بقوله تعالى : ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ المجادلة (11) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى العلم والتعلم واعتبر طلبه فرضاً على كل مسلم ومسلمة بقوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجه 🙁 طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ )، وامتدت الحركة العلمية في الدولة الإسلامية بعد وفاته صلى الله عليه وسلم واهتم به الخلفاء من بعده اهتماماً كبيراً، وبرز منهم علماء وفقهاء، وللآن في مكتبات أوربا وأمريكا نحو مائة ألف مخطوط عربي على أقل تقدير ، وكما أن الاسلام هو دين العلم ، فهو أيضا دين العقل والفكر والبحث والنظر فالإسلام في “ القرآن والسنة ” يجعل العلم “واجبا” يعاقب على تركه، فإذا كان الإسلام هو سبب تخلف المسلمين كما يدعي البعض اليوم ، فكيف تقدم الأوائل من المسلمين في عهده المتقدم؟ . إذن فليس الإسلام هو المسؤول عن تخلف المسلمين وضعفهم، ولا عن فقرهم وجهلهم وتخلفهم، وإنما هم المسئولون عنه، لأنهم خالفوا شريعة الله التي وضعها للناس ، فالأمة الإسلامية لا تعيش عملياً الحياة التي ارتضاها الله تعالى لها ، وأمرها بأن تحياها، فالله عزّ وجلّ أمر المسلمين أن لا يقبلوا بغير الإسلام ديناً، وبغير الشريعة المحمدية منهاجاً وسبيلاً، وهكذا كانوا في الماضي ممتثلين لأمر الله تعالى، تاركين لنهيه، يجاهدون في سبيله ولا يخافون في الحق لومة لائم ، فمن واجب المسلمين أن يعيدوا النظر في واقعهم هذا، فهو واقع سوء ، بكل ما في الكلمة من معنى، وهو واقع لا يرضي الله تعالى ولا رسوله ولا جماعة المؤمنين، وإعادة النظر هذه تعني فهم الواقع تمام الفهم، ووضع اليد على العلة ـ والعمل بجد لإعادة الوضع إلى ما كان عليه في عهود الإسلام الزاهرة.
أيها المسلمون
إن أسباب تخلف المسلمين اليوم ، وفي هذا العصر ؟ تكمن في الآتي : أولا : إن من أهم أسباب تخلف المسلمين اليوم هو البعد عن الدين والانهماك في شهوات النفس،وقد حذر من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : (فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ » ، فالأمة الإسلامية تخلفت عن دينها، وابتدعت في دين الله ما ليس منه، عقيدة، وقولاً، وفعلاً، فحصل بذلك التأخر الكبير، والتخلف الكبير، ثانيا : وإن من أهم أسباب تخلف المسلمين اليوم : أن المسلمين قد أصبحوا حلفاء للجاهلية الأوربية، وجنوداً متطوعين لها، بل صارت بعض الشعوب والدول الإسلامية ترى في الشعوب الأوبية ناصراً للمسلمين، وحامياً للإسلام والمستضعفين، وحاملاً لراية العدل في العالم ،ورضي المسلمون بأن يكونوا ساقة عسكر الجاهلية، بدل أن يكونوا قادة الجيش الإسلامي، وسرت فيهم الأخلاق الجاهلية ، ثالثا : ومن أسباب تخلف المسلمين اليوم : تأخرنا وانحطاطنا في الأمور الدنيوية ، ويتمثل ذلك في إهمالنا للتنظيم والتخطيط في كل الأمور، رابعا : ومن أسباب تخلف المسلمين اليوم : التقليد الأعمى للغرب ، فمما يؤسف أنّ المسلمين لما خالطوا الأوروبيين ، تعلموا منهم الغفلة والإهمال في الدين والمجون والمنكر والفحشاء، ولم يتعلّموا منهم ما يسبب نجاحهم وتقدمهم في شؤون الدنيا،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أسباب تخلف المسلمين)
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسباب تخلف المسلمين : نجاح أعداء الأمة في فصل الإسلام عن حياة المسلمين، بحيث صوروا لهم وأقنعوهم أن الإسلام شيء والحياة بكل ما فيها من نظم سياسية واقتصادية واجتماعية.. شيء آخر ، وأنه لا علاقة للإسلام بأي مجال من مجالات الحياة، ومن أهم أسباب تخلف المسلمين اليوم : تخطيط الغرب ، وجهادهم بكل السبل ألا تقوم للإسلام والمسلمين قائمة ،وقد حكم على الأمة الإسلامية بالسجن المؤبد في التخلف والتبعية المطلقة في كل شيء، فهو يخطط لمنع كل حركة استرداد لتراث الأمة وحضارتها، ويستعمل لأجل ذلك كل الوسائل والعمل على ضمان تفوق الغرب الدائم المطلق، في كل الميادين مهما كلف ذلك من ثمن، ولو كان الثمن إزهاق الأرواح ،وسفك الدماء بغير حق،
أيها المسلمون
وإذا كانت هذه هي بعض أسباب تخلف المسلمين ، فإذن كيف يستعيد المسلمون حضارتهم ، وينهضوا من كبوتهم ، ويستعيدوا ماضيهم ، ويتفوقوا على أعاديهم ؟ ، فتقول : لا ينهض العالم الإسلامي إلا برسالته التي وكلها إليه مؤسِّسها الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بها والاستماتة في سبيلها، وهي رسالة قوية واضحة مشرِّفة، لم يعرف العالم رسالة أعدل منها، ولا أفضل منها، وهي نفس الرسالة التي حملها المسلمون في فتوحهم الأولى والتي لخصها أحد رسلهم في مجلس ملك إيران بقوله : (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد، إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)، فإذا أراد العالم الاسلامي أن يضطلع برسالة الإسلام ، ويملك قيادة العالم، فعليه بالمقدرة الفائقة، والاستعداد التام في العلوم والصناعة والتجارة وفن الحرب، وأن يستغني عن الغرب في كل مرفق من مرافق الحياة، وفي كل حاجة من الحاجات، يقوت ويكسو نفسه، ويصنع سلاحه، وينظم شؤون حياته، ويستخرج كنوز أرضه وينتفع بها، ويدير حكوماته برجاله وماله، ويمخر بحاره المحيطة به بسفنه وأساطيله ويحارب العدو ببوارجه ودباباته وأسلحة بلاده، وتزيد صادراته على وارداته، ولا يحتاج إلى الاستدانة من الغرب ولا وينضم إلى معسكر من معسكراته ، فحقاً على كل بلد إسلامي وشعب إسلامي أن يعمل بالأسباب، والله سبحانه وتعالى هو الموفق والهادي والمعين ،
الدعاء