خطبة عن ( احذروا محبة الكافرين )
ديسمبر 29, 2022خطبة حول حديث ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ)
ديسمبر 31, 2022الخطبة الأولى ( قصة نبي الله نوح مع ابنه دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (40) :(47) هود
إخوة الإسلام
القرآن الكريم ملئ بالقصص الذي ذكره الله سبحانه وتعالى لنعتبر منه، وليكون لنا فيه آية ودروس وعبر، ومن بين هذا القصص، قصص الآباء والأبناء، فقد ورد في القرآن قصص عدة منها : قصة نبي الله نوح (عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام) وحكايته مع ابنه الذي رفض أن يركب معه السفينة لينجو من الطوفان. فحينما جاء اليوم الرهيب، وفار التنُّور، وبدأ الماء يَظهر على وجه الأرض، علم نوحٌ أنَّ وعد ربه قد جاء، فأسرع نوحٌ يَفتح سفينته ،فأدخَل الحيواناتِ والطيورَ كما أمره الله، وبدأ يدعو المؤمنين به للدخول فيها، صَعِد أهلُ سيدنا نوح جميعُهم إلا زوجتَه الكافرة، فلَم تصعَد إلى السفينة، وبحَث نوحٌ عن ابنه فلم يجده ، وفجأةً بدأَت السماء تمطر مطرًا شديدًا، وينهَمِر منها الماء بكميَّات لم تَحدث من قبل، وخرجَت المياه من كل مكان في الأرض، والتقَت أمطارُ السماء بماء الأرض، وبدأت المياه ترتفع، وترتفع، وترتفع، اشتدَّت الرياح، وارتفعت الأمواج، وفجأة رأى سيدنا نوحٌ ابنَه، خاف عليه من الغرق، فنادى عليه، قال الله تعالى : (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) هود (42) ،ولكن الابن الكافر رفَض وأصرَّ على كفره، قال الله تعالى على لسانه : (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) ،فقد ظنَّ هذا الابن الكافر أن الطوفان لن يَصِل لرؤوس الجبال، ولم يعلم أن الله عزَّ وجل قد قضى ألاَّ يكون هناك ناجٍ على وجه الأرض إلا – فقط – أصحاب السفينة، وأن الله إذا قضى أمرًا فلا يستطيع أحد أن يردَّه، وهنا نظر نبي الله نوحٌ إلى ابنه نظرة أسًى وإشفاق وقال : (قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) هود (43) ، نعم فلا معصوم من عذاب الله إلا من رَحِمه الله بلطفه وإحسانه، فلا جبال ولا مخابئ، ولا حامٍ ولا واقٍ، إلا مَن رحم الله، وقد حزن نبي الله نوحٌ على ابنه، وأشفق عليه، فرفع يديه إلى السماء ، وتضرَّع إلى الله عزَّ وجل ، قال الله تعالى : (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) هود 45، هكذا جاء الردُّ من الله العظيم ،أنه ليس من أهلِك الذين وعدتُك بنجاتهم؛ لأنه كان من الكافرين ، وهنا أدرك نبي الله نوحٌ أن ابنه لم يكن مؤمنًا، وأنه لم يصدِّق برسالته، فاستسلم لأمر الله ورَضي به، واستغفَر ربَّه على سؤاله نجاةَ ابنه الكافر ، قال الله تعالى : (قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) هود (46) ،(47) ، وفي ذلك درسٌ عظيم للمؤمنين إلى يوم القيامة ، فالله تعالى يعلِّم نبيِّه نوح ويعلِّمنا معه أيضًا : أن الصِّلة والقرابة الحقيقة بين الناس ليست بالدم أو بالنسب، وإنما هي قرابةُ الدين والعقيدة، فمع أن موت الابن الذي ربَّاه في حِضنه، وأحبه حبًّا جمًّا كان مؤلِمًا لقلب سيدنا نوح، فإنَّ حبَّه لله عزَّ وجل وانقيادَه له فاق حبَّه لولده، فأبدًا لا نقدِّم حبَّ أحد على حب الله في قلوبنا، لا حبَّ أبٍ أو أمٍّ أو ابن، بل يكون حبُّ الله أولاً ثم الآخرين؛ ولذلك فمع محبة سيدنا نوح لولَدِه فإنه قدَّم حب الله عليه، واستسلم لقضاء الله؛ طلبًا لرضا الله سبحانه وتعالى .
أيها المسلمون
والمتدبر والمتأمل لآيات القرآن الكريم يتبين له : أنه اهتم بتربية الأبناء قولًا وسلوكًا، ومن مظاهر هذا الاهتمام حوارات الآباء مع أبنائهم، وهي تحمل في طياتها دروسًا تربوية ،ينبغي أن يعيها الآباء والمربون في تربية النشء، واستغلال تلك الحوارات بربطها بحياة الشباب؛ لتكون زادًا لهم ،وغذاءً لأرواحهم وعقولهم ، وفي قصة نبي الله نوح مع ابنه والتي تناولتها معكم اليوم ، يتضح لنا مدى العمق التربوي الذي برز في عنصر الحوار الرائع الفريد بين النبي المشفق ،والابن المتمرد ، الذي أبي أن يؤمن برسالته، واستمر على كفره مع من كذبوا نوحًا (عليه السلام)، فنوح عليه السلام لم يستغل كونه النبي المرسل ،ولا سلطته الأبوية في إجبار ابنه على الإيمان، وفرضه عليه ، ولم يدفعه تصرف ابنه العاق إلى الغضب، والخروج عن منهجية الحوار البناء في تعامله معه، بل حرص نوح عليه السلام على الأخذ بأسباب صلاح ابنه بالحوار ،والتفاهم والدعوة بالموعظة الحسنة، ولم يفقد الأمل حتى في آخر لحظة ، كما بينها قوله تعالى : (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) هود (43) ،فلقد استمرار محاورة نبي الله نوح (عليه السلام) بدعوة ابنه إلى الإيمان بعد بدء جريان السفينة به، ومن معه في موج كالجبال، إشارة إلى ضرورة حرص المربي على مواصلة دوره في التربية بالحوار حتى في آخر اللحظات إذا أمكنه ذلك ، ومن هنا فإنه على الآباء أن يدركوا أهمية التوازن والوسطية في تربية الأبناء؛ لأنهم لن يستطيعوا صنع مستقبلهم ،أو تحديد مصيرهم، إنما عليهم بذل ما في وسعهم من توفير أسباب النجاح في حياتهم ،والتوكل على الله والتسليم له عند حصول النتيجة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة نبي الله نوح مع ابنه دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأيضا من أبرز الفوائد والمضامين التربوية المستفادة من هذه القصة : أن شفقة الأبوة وتعطف الرحم والقرابة حملت نوحًا على طلب نجاة ابنه؛ لشدة تعلقه به ،واهتمامه بأمره ، ومع ذلك فقد راعى في ذلك الأدب ،وحسن السؤال ، قال الله تعالى : (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) هود (45): (47)، واستخدام النداء الدال على شفقة الأب، كما في حوار نوح عليه السلام مع ابنه -وشفقة الأب بابنه من أشد أنواع الشفقة ،فكيف إذا اجتمع معها الخوف من موت الابن على الكفر- ويدل النداء على الرغبة في الإرشاد برفق، حيث ناداه: بـ(يا بني) مستعطفًا ومذكرًا له بحق الأبوة ،في حين صد الكفر الابن عن الاستجابة لأبيه فرد على حنانه بفظاظة ،وبعد عن اللين المطلوب في البر، فلم يقبل في المقابل :يا أبت، بل ” (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ )، واستخدام نبي الله نوح في ندائه التصغير ،فكلمة (بني) تصغير لكلمة (ابن)، ونداؤه بالتصغير خطاب تحنن ورأفة، وهو كذلك خطاب تحزن؛ حيث التصغير يجيء لمعاني عدة منها التحزن استعمله نوح عليه السلام ليستجيش به مشاعر قلبه للإيمان والنجاة. ومن الفوائد والمضامين التربوية العامة المستفادة من حوار نوح (عليه السلام) مع ابنه أيضا : – الحرص على اتخاذ أسلوب الحوار منهجًا يتبعه الأب في تعامله مع الابن ومع غيره ؛لأنه يمثل القدوة الحسنة ،فالموقف الحواري الذي يستخدم فيه الأب أسس الحوار وآدابه ومهاراته قد يكون أشد تأثيرًا على الابن من التلقين المباشر ،وهذا يتطلب من الأب العناية والانتباه إلى تطبيق كل ما يعين على تحقيق الحوار الفعال والإيجابي في أي موقف.- ومن الفوائد والمضامين التربوية العامة المستفادة : اعتماد أسلوب الحوار القرآني :مثل استخدام بعض المصطلحات بعينها وتكرارها؛ كلفظ: يا بني، والمعاملة المصحوبة بالحب والشفقة، والاستلطاف وإظهار الحرص، واستخدام أسلوب التعليل، وبيان السبب للابن وغيرها.
الدعاء