خطبة حول حديث ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى )
ديسمبر 24, 2022خطبة عن ( ما كان يتعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم )
ديسمبر 24, 2022الخطبة الأولى ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (38) (42) النمل ،
إخوة الإسلام
هذه الآيات المباركات من كتاب الله تعالى (من سورة النمل) تقص علينا بعض ما كان من شأن نبي الله سليمان (عليه السلام) مع ملكة سبأ ،حينما دعاها للإسلام ،وأرسل إليها كتابه ، فأرسلت إليه بالهدايا ، فتوعدها بالحرب ،فقبلت بالمجيئ إليه ، فلما علم نبي الله (سليمان) عليه السلام بمسيرها إليه ، قال لمن حوله : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ،قال ابن كثير رحمه الله في تفسير ذلك :” أَرَادَ بِإِحْضَارِ هَذَا السَّرِيرِ إِظْهَارَ عَظَمَةِ ما وهب الله له من الملك ، وما سخر لَهُ مِنَ الْجُنُودِ الَّذِي لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ ،وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، وَلِيَتَّخِذَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَ بِلْقِيسَ وَقَوْمِهَا ، لِأَنَّ هَذَا خَارِقٌ عَظِيمٌ ،أَنْ يَأْتِيَ بِعَرْشِهَا كَمَا هُوَ مِنْ بِلَادِهَا ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، هَذَا وَقَدْ حَجَبَتْهُ بِالْأَغْلَاقِ وَالْأَقْفَالِ وَالْحَفَظَةِ ” ، وهنا قال لنبي الله (سليمان) -عليه السلام- عفريت من الجن ،ممن حضر هذا المجلس : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ) ، قال ابن كثير : ” قَالَ ابْنُ عباس رضي الله عنه: يَعْنِي قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِكَ ، ف( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) ، واختلف العلماء في من هذا الذي عنده علم من الكتاب؟، فقيل : هو رجل من صالحي الإنس وعلمائهم ، وكان يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعا الله به أجاب، وإذا سأل به أعطى ، وقال آخرون هو جني عالم صالح أوتي من العلم والصلاح ما لم يؤتى غيره ، وقال بعض المفسرين: هو نبي الله سليمان نفسه، وقيل : هو ملك من الملائكة أو هو جبريل -عليه السلام- ، ونحن نقول : ما لم يذكره القرآن صراحة ، فعلينا أن نسلم به ، ونتوقف عنده ، ولا نخوض فيما ليس لدينا فيه علم يقيني ، ولو كان اسمه سيضيف للقصة معنى نستفيد منه لذكره الله لنا وذكر لنا علمه؟!، وفي قوله تعالى : (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ) (فنبي الله سليمان ( عليه السلام) لم يغتر بملكه وسلطانه وقدرته ، كما هو دأب الملوك الجاهلين ، بل علم أن ذلك اختبار من ربه ،فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعمة ، ثم بين أن هذا الشكر لا ينتفع الله به ،وإنما يرجع نفعه إلى صاحبه ،فقال : ( وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أي : غني عن أعماله ،وهو سبحانه كريم كثير الخير ، يعم به الشاكر والكافر، إلا أن شكر نعمه داع للمزيد منها ، وكفرها داع لزوالها) ( تفسير السعدي)
أيها المسلمون
ويقول الدكتور/ عبد الدائم الكحيل معلقا على هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) النمل (40) ، يقول : إن الله تعالى أكرم أنبياءه بمعجزات ،تفوق ما توصل إليه البشر في القرن الحادي والعشرين، فقد ضرب سيدنا موسى البحر بعصاه ،فتحول إلى طريق ترابي سلكه موسى وقومه، وبعد أن قطعوا البحر، وتبعهم فرعون وجنوده ،عاد البحر إلى طبيعته من جديد ،وأطبق على فرعون وأغرقه، يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى) [طه: 77-79]. ، فهذه المعجزة حقيقة لا شك فيها، ولكن العلم لم يتوصل إلى سر هذه المعجزة! ، كذلك هناك الكثير من معجزات الرسل السابقين ،لا يمكن أن نجد لها تفسيراً لأنها تفوق طاقة البشر، ومن ذلك معجزة سيدنا سليمان : فقد سخَّر الله له الجن والشياطين والعفاريت ،وكان يفهم لغة النمل ولغة الطيور، فكيف نفسر ذلك علمياً؟ . واليوم هناك أبحاث تؤكد أن النمل والطيور وغيرها من المخلوقات تصدر ترددات صوتية يمكن ترجمتها وفهمها، ولكن العلماء حتى الآن لم يستطيعوا فهم هذه الترددات الصوتية، ومن الممكن أن الله قد أعطى سيدنا سليمان هذه القدرة على التواصل مع الطيور. أما معجزة إحضار العرش فقد أراد الله أن يكرم سيدنا سليمان بهذه المعجزة ،ويختبر صدق إيمانه، ولذلك فإن سليمان عندما رأى العرش مستقراً عنده ماذا فعل؟ ،هل تكبَّر على من حوله؟ ،هل غرَّه ذلك ،وجعله يطغى أو يستحقر الناس من حوله؟ لا… بل شكر الله تعالى، يقول عز وجل: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 38-40].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
نلاحظ من النص القرآني، والذي اتخذه الملحدون طريقاً للتشكيك بكتاب الله حيث قالوا إن القرآن يذكر أساطير وخرافات لا تتوافق مع العلم، هذا النص مليء بالأسرار العلمية، فقد تمكَّن الرجل الذي عنده أسرار الكتاب وهو (الزبور أو التوراة) ، فربما بتلاوة بعض الآيات فيه أن يسخر طاقة الكون له ،لتقوم بجلب هذا العرش بسرعة هائلة أشبه بسرعة الضوء! فزمن طرفة العين هو( 0.025 ثانية)، وهو زمن ضئيل جداً، وخلال هذا الزمن تم إحضار العرش: (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)، واليوم لا نعجب إذا علمنا أن بعض الباحثين يفكرون في تسريع الأجسام حتى تبلغ سرعة الضوء، واستغلال هذه السرعة في عمليات النقل ولكن لا تزال الأبحاث محدودة في هذا المجال.،
أيها المسلمون
ومما يستفاد من قصة نبي الله سليمان مع ملكة سبأ : أن بلقيس – ملكة سبأ – كانت مثالاً للمرأة العاقلة، التي لا تتحيّز للباطل، ولا تميل للهوى والمعصية، فلم تجعل العصبية لقبيلتها ودينها تتحكّم فيها، وتحجب عنها نور الحقيقة، فقرأت رسالة سليمان بإمعان، وتدبّر. وكانت بلقيس مثالاً للمرأة الصادقة المنصفة، وذلك من خلال وصفها لكتاب سليمان بأنّه كريم. حرصت بلقيس على تقديم الخير للجميع، وذلك من خلال إعلانها على الملأ حقيقة كتاب سليمان، قال تعالى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل: 30، 31]. وأظهرت حقيقة المرأة التي تسعى إلى السلام، وتنفر من الحرب والدمار، قال تعالى: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل: 34]، لذلك لم يكن لجوؤها إلى الرشوة المتمثلة بالهدية إلى سليمان أمراً مستغرباً . وكانت مثالاً للمرأة العفيفة الطاهرة، التي تدرك أنّ الاحترام لا يُكتسب من خلال عرض مفاتن الجسد، والإثارة والإغراء، فلم تلجأ إلى ذلك لتمتحن نبوة سليمان عليه السلام. وكانت بلقيس نموذجاً للمرأة التي فهمت حقيقة الإسلام، فقد أدركت أنّه ولاء خالص لله عزّ وجل، ولا علاقة له بالتعلّق بالأشخاص، وقد تبين ذلك عندما لبت بلقيس نداء سليمان عندما قال: (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل:31]، فقالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [النمل: 44]
الدعاء