خطبة عن القرض الحسن وقوله تعالى (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ)
سبتمبر 21, 2019خطبة عن (الثبات الثبات في زمن الفتن)
سبتمبر 24, 2019الخطبة الأولى ( إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن صحيح ، وصححه الألباني :عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ ) قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله تعالى مع هذا الأدب النبوي الشريف ، والذي يدعونا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى ، والاعتراف بالذنب وطلب المغفرة والرحمة ، والاعتراف بفضل الله ورحمته ، ومغفرته للخطايا والذنوب ، وستره الجميل على عبده المقترف للخطايا والمعاصي ، فيقول صلى الله عليه وسلم ، مناجيا ربه ، ومستحضرا فضله ورحمته ، راجيا عفوه ومغفرته : « إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا ». والمعنى الاجمالي لهذا الحديث : أي : يا إلهي : أنت تغفر الذنوب والمعاصي مرة بعد مرة ، فمغفرتك وعفوك لا حد له ، ومن من عبيدك لم يقترف ذنبا؟ ، ولم يقع في معصية ؟؟ وقيل أن هذا البيت لأمية بن الصلت ، وقد أنشده النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعناه أي : من شأنك غفران كثير من الذنوب العظام ،وأما الجرائم الصغيرة فلا تنسب إليك ،لأن أحدا لا يخلو عنها ،وأنها مكفرة باجتناب الكبائر ،وقد اختلفت أقوال أهل العلم في تفسير (اللمم) : فالجمهور على أنه صغائر الذنوب ، وقيل: هو ما كان دون الزنا : من القبلة ،والغمزة ،والنظرة ، فاللَّمَمَ لدى جمهور العلماء: هوما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب ، وهو كل ذنب لم يذكر الله فيه حدا، ولا عذابا، مما يلم به العبد ،من ذنوب صغار بجهالة، ثم يندم، ويستغفر الله، ويتوب، فيغفر الله له. قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم 32، وقال تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) (31) النساء ، وفي الصحيحين : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ »، وقال النووي :”َأَصْل اللَّمَم، وَالإِلْمَام الْمَيْل إِلَى الشَّيْء، وَطَلَبَهُ مِنْ غَيْر مُدَاوَمَة”.. ذلك أنه لا حد في ذلك، وهو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه. ويُغفر اللمم باجتناب الكبائر، وقبول التوبة، مع الإتيان بالواجبات، وترك المحرمات..
أيها المسلمون
وإذا كان العبد يطلب من الله العفو والمغفرة ، وعدم المؤاخذة على الخطإ والزلات ، فعلينا أيضا أن تتسع صدورنا لأخطاء من حولنا، وأن نسترها عليهم، وأن نساعدهم على تجاوزها ، وعدم العود إليها، وألا ننظر إليهم نظرة دونية، أو نحتقرهم، أو نشهر أو نشمت بهم، أو نسقط عدلتهم، واحترامهم، وهيبتهم من أعيننا.. ما دامت تلك الأخطاء، أو الصغائر، لم تغادر دائرة “اللمم”، التي عفا الله تعالى عنها. فما أحوج الأمة إلى تربيتها التربية الإيمانية على هذا العفو الجميل، والستر العظيم، وما أبهج صدورنا، وأفرح قلوبنا، وأسعد نفوسنا؛ بعفو الله العظيم عنا، وستره الجميل علينا، مثل تلك الزلات، والهنات، والخطيئات، التي لا يكاد يخلو منها أحد من خلقه، حتى لو كان من الأنبياء، أو الصالحين ، فلا يخلو مؤمن من بعض هذه الذنوب ،فمستقل ومستكثر، ففي سنن البيهقي ومسند أحمد :(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَا مِنْ عَبْدٍ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ وَلَمْ يَهُمَّ بِخَطِيئَةٍ ». وفي سنن ابن ماجة : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « كُلُّ بَنِى آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ». وفى الحديث القدسي كما في صحيـح مسلم ، يقول الله تعالى : (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ) ،وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلاَّ مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقْكُمْ وَكُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلاَّ مَنْ عَافَيْتُ فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّى ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِى وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ مَا سَأَلَ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلاَّ كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالْبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنِّى جَوَادٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ عَطَائِي كَلاَمٌ وَعَذَابِي كَلاَمٌ إِنَّمَا أَمْرِى لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ». وفيه : (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ».
أيها المسلمون
لقد عصى أبو البشر آدم ( عليه السلام ) ربه ، فتاب ،وأناب ،واعترف بالذّنب ،فقال وزوجه : (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (23) الأعراف ،وقال تعالى : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) (121) ،(122) طه ،فكم بين حال (آدم) واعترافه بالذّنب ،وانكسار قلبه ،وانطراحه بين يدي مولاه ،وبين إبليس الذي عصى ربّه واستكبر وأبى . وهذا هو حال الناس على مـرّ الأيام ، فريق إذا وقع في المعصية ،أقـرّ بالذّنب ،واعترف بالخطيئة وسأل ربه العفو والمغفرة .وفريق إذا وقع في السيئات ،وهلك في الموبقات ،عاند وكابر ، أو احتقر الذّنب ،وجاهر بالمعصية .فالاعتراف بالذنب من سمات الأنبياء والصالحين ،فهذا نبيُّ الله نوح ( عليه السلام ) ، يقول بلسان العبد الفقير ، كما في قوله تعالى : (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (47) هود .وذاك نبيُّ الله يونس ( عليه السلام ) ، يخرج غاضبا ،فيجد نفسه في ظلمات بعضها فوق بعض ، فـيُـناجي ربّه بلسان المعترفِ بِذَنبِه ، المقـرّ بخطيئته ، قال الله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (87) ،(88) الأنبياء ،وذاك نبيُّ الله القويُّ الأمين موسى (عليه السلام ) ،فماذا قال بعد أن وقع في الخطيئة ،قال الله تعالى على لسانه : (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (16) القصص ،وذاك نبي الله داود ( عليه السلام ) ، قال الله تعالى في شأنه: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (24) ،(25) ص ، وتأملوا مناجاةَ النبيِّ محمد (عليه الصلاة والسلام) ، وهو يُناجي ربّه ، ففي صحيح مسلم :(عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ :« اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِى وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّى وَهَزْلِى وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولما سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ اللّه علمني دُعاءً أَدعو به في صلاتي قال : قل : (اللهمّ إني ظلمتُ نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يَغفرُ الذّنوبَ إلا أنتَ ، فاغفِرْ لي مغفرةً من عندَك ، وارحمني إنكَ أنتَ الغفور الرّحيم ) . رواه البخاري ومسلم ،قال ابن القيم : فلا يرى نفسه ( يعني العبد ) إلا مقصرا مذنبا ، ولا يرى ربه إلا محسنا . ( أي فلا يرى العبد نفسه إلا مُقصِّرا في حق ربّه وسيده ومولاه جل جلاله ) ، فكلّما وقعت في الذّنب فتـُب ،واستغفر الرحمن غفـّار الذنوب ، حتى يكون الشيطان هو المحسور الذي يُهلكه الاستغفار . وقد ثبت في صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ». قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى لاَ أَدْرِى أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ « اعْمَلْ مَا شِئْتَ ». فيدلّ ذلك على أن اللهَ لا يزال يغفر لعبده كلما استغفر ،مالم يُصرّ على معصيته ،أو يموت على الشرك ، وطالما أنه موقنٌ أن له ربّاً ، يأخذ بالذنب ويغفره . وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « قَالَ إِبْلِيسُ أَيْ رَبِّ لاَ أَزَالُ أُغْوِى بَنِى آدَمَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. قَالَ فَقَالَ الرَبُّ عَزَّ وَجَلَّ لاَ أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي ». ولا يعني هذا أن يتمادى العبد في المعاصي ، فإن الله قال في كتابه العزيز : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) في الدنيا ، (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة . النور (63) ،قال الإمام أحمد بن حنبل : أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ، لعله إذا ردّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ( يعني إذا ردّ بعض قول النبي صلى الله عليه وسلم ) .وفي صحيح مسلم ، يقول صلى الله عليه وسلم :(فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ » ،فالاعتراف بالذّنب إنما يُفيدُ صاحبَه إذا دَفَـعَه وحَمَلَه على الاستغفار وطلب عفو ربِّه ومرضاتِه .فحذار حذار من التمادي ،والإصرار على الذنب ،أو يكون الاعتراف بالذّنب ساعة لا ينفع فيها الندم ،ولا تُجدي الحسرات ، وساعتها لا يُجدي البكاء ولا العويل ، ولا ينفع الاعتراف بالذّنب ،فقد مضى زمـنُ الإمهال ، وقبول التوبة ، فالبدار البدار بالاعتراف والاعتذار ،فإن كرام الرجال إذا أساء إليهم مسيء ثم اعتذر قبلوا عذره وصفحوا عنه ، والله عز وجلّ هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ،وكرر قوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (118) المؤمنون وكرر قول رسوله صلى الله عليه وسلم : « إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا ».
الدعاء