خطبة عن (من أهداف الشيطان)
نوفمبر 16, 2019خطبة عن قوله (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)
نوفمبر 23, 2019الخطبة الأولى ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (93) النحل
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (93) النحل ، وقد تعددت أقوال العلماء في تفسيرها ، ففي التفسير الميسر : ولو شاء الله لوفَّقكم كلكم ، وما جعل بينكم اختلافا ، ولا تباغض ولا شحناء ، فجعلكم على ملة واحدة، وهي الإسلام والإيمان، وألزمكم به، ولكنه سبحانه يُضلُّ مَن يشاء ممن علم منه إيثار الضلال، فلا يهديه عدلا منه، ويهدي مَن يشاء مِمَّن علم منه إيثار الحق، فيوفقه فضلا منه، وليسألنَّكم الله جميعًا يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم به، ونهاكم عنه، وسيجازيكم على ذلك. وجاء في تفسير الوسيط لطنطاوي : بين- سبحانه- أن قدرته لا يعجزها شيء فقال- تعالى-: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أيها الناس أُمَّةً واحِدَةً) أي : متفقة على الحق ،وَلكِنْ لحكم يعلمها ولا تعلمونها، ولسنن وضعها في خلقه ،(يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ) إضلاله ،لاستحبابه العمى على الهدى، وإيثاره الغي على الرشد (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته لحسن استعداده، وسلامة اختياره ، ونهيه النفس عن الهوى. (وَلَتُسْئَلُنَّ) أيها الناس يوم القيامة سؤال محاسبة ومجازاة (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا، فيثيب الطائعين بفضله، ويعاقب العصاة بعدله.
أيها المسلمون
فهذا الاختلاف بين الناس مقصود ، ليعاقب الله الخاطئ على خطيئته، ويكافأ الله المحسن على إحسانه، ولذا فليحذر الذين ينقضون عهودهم ، فالله – سبحانه وتعالى – أعطى الإنسان حرية الاختيار، وبين له طريق الخير والشر، فمن سلك طريق الشر ،فسوف يعاقب على ما فعل؛ لأنه اختياره، ومن اختار طريق الخير فسوف يكافأ على إحسانه؛ لأنه اختياره. والله سبحانه وتعالى لو شاء لهداهم أجمعين ، ولكن له الحكمة البالغة، والحجّة الدامغة في إدخال من عصاه ،وخالف أمره ،وأشرك به سبحانه النار، لظلمه نفسه وتعديه حدود ربه، ومخالفته ما جاءت به الرسل، وله الحكمة البالغة والفضل الواسع، على أوليائه ،وأهل طاعته ،في إدخالهم الجنة ، وإنجائهم من النار؛ لأنهم أطاعوا أمره ،واتّبعوا شريعته، ووقفوا عند حدوده ، فجزاهم سبحانه أحسن الجزاء، فهو سبحانه قد خلقهم ليرحمهم، خلقهم لإدخالهم الجنة ،وإنجائهم من النار، إذا قاموا بحقه واستقاموا على دينه، فإذا خرجوا عن طاعته، وخرجوا عمّا أمرهم به، فقد توعّدهم بالنار، جزاء وفاقاً لأعمالهم القبيحة، وخروجهم عن طاعة ربّهم سبحانه وتعالى، واتباعهم لأهوائهم، قال جل وعلا : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات( 37 :39) ، وقال سبحانه: ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات ( 40 ، 41) ، فهم مؤاخذون بأعمالهم القبيحة، من كفر ونفاق ومعاص، كما أن أهل الجنة مجزيّون بأعمالهم الطيبة، وطاعتهم لربهم وإحسانهم في خدمته، سبحانه، جازاهم جلّ وعلا، بكرامته وإدخالهم جنته، ونظرهم إلى وجهه الكريم يوم القيامة، وهم في دار النعيم، فضلاً منه وإحساناً، هذا فضله جلّ وعلا ، ولهذا قال الله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) هود ( 118 ، 119) ، فالمرحومون هم أهل السعادة والنجاة، وهم الذين خلقوا ليرحمهم الله سبحانه وتعالى بتوفيقه وهدايته جلّ وعلا ، وأما أولئك المعذبين ، فقد حُرموا هذه الرحمة، وحرموا هذا الخير، بأعمالهم القبيحة وابتعادهم عن طاعته، وإيثارهم أهواءهم، فلما فعلوا ذلك استحقوا نقمته وغضبه سبحانه وتعالى، فالاختلاف واقع ومكتوب عليهم، بسبب ما يقدّمونه من أعمال سيئة وبسبب اتّباعهم لأهوائهم، وشهواتهم وإيثارها على الحق، فمن عمل الصالحات وتابع المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وتابع من قبله من الرسل، رزقوا من ربهم فضله وإحسانه، وفازوا بجنّته وكرامته، ومن تابع الهوى وعصى الرسل، وآثر الدنيا على الآخرة، باء بالخيبة والندامة واستحق العقاب، من ربه سبحانه وتعالى على عمله الخبيث وعلى انحرافه عن طاعة مولاه سبحانه وتعالى .
أيها المسلمون
وقال ابن عجيبة: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}، متفقين على الإيمان أو الكفران، ولكن مقتضى الحكمة وجود الاختلاف؛ ليظهر مقتضيات الأسماء في عالم الشهادة؛ فاسمه: الرحيم يقتضي وجود من يستحق الكرم والرحمة، وهم: أهل الإيمان. واسمه: المنتقم والقهار يقتضي وجود من يستحق الانتقام والقهرية، وهم أهل الكفر والعصيان. وقال ابن عاشور: “لما كان النعي على الأمم الذين لم يقع فيهم من ينهون عن الفساد فاتبعوا الإجرام، وكان الإخبار عن إهلاكهم بأنه ليس ظلما من الله وأنهم لو كانوا مصلحين لما أُهلكوا، لما كان ذلك كله قد يثير توهم أن تعاصي الأمم عما أراد الله منهم خروج عن قبضة القدرة الإلهية أعقب ذلك بما يرفع هذا التوهم بأن الله قادر أن يجعلهم أمة واحدة متفقة على الحق مستمرة عليه كما أمرهم أن يكونوا”. فالحكمة التي أقيم عليها نظام هذا العالم اقتضت أن يكون نظام عقول البشر قابلا للتطوح بهم في مسلك الضلالة ،أو في مسلك الهدى ، وأن الله تعالى لما خلق العقول صالحة لذلك، جعل منها قبول الحق ،بحسب الفطرة التي هي سلامة العقول من عوارض الجهالة والضلال ، وهي الفطرة الكاملة المشار إليها بقوله تعالى : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} البقرة 213، فلم يدخرهم إرشاداً أو نصحاً بواسطة الرسل ودعاة الخير ،وملقنيه من أتباع الرسل، وهم أولو البقية الذين ينهون عن الفساد في الأرض. فمن الناس مهتد وكثير منهم فاسقون ،ولو شاء لخلق العقول البشرية على إلهام متحد لا تعدوه ، كما خلق إدراك الحيوانات العجم على نظام لا تتخطاه من أول النشأة إلى انقضاء العالم، فنجد حال البعير والشاة في زمن آدم عليه السلام كحالهما في زماننا هذا، وكذلك يكون إلى انقراض العالم. فلا شك أن حكمة الله اقتضت هذا النظام في العقل الإنساني ،لأن ذلك أوفى بإقامة مراد الله تعالى من مساعي البشر في هذه الحياة الدنيا الزائلة المخلوطة، لينتقلوا منها إلى عالم الحياة الأبدية الخالصة ،إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا موصولا عن قوله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (93) النحل ، فلو خلق الله تعالى الناس غير مختلفين في طباعهم ، لما كان العمل الصالح مقتضياً ثواب النعيم ، ولا كان الفساد مقتضياً عقاب الجحيم، فلا جرم أن الله خلق البشر على نظام من شأنه جريان الاختلاف بينهم في الأمور، ومنها أمر الصلاح والفساد في الأرض وهو أهمها وأعظمها ليتفاوت الناس في مدارج الارتقاء ،ويسموا إلى مراتب الزلفى ،فتتميز أفراد هذا النوع في كل أنحاء الحياة ،حتى يعد الواحد بألف، قال الله تعالى : {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]. ومذهب أهل السنة والجماعة ، الذي ندين الله تعالى به : أنه لا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن ،ولا يطيع طائع، ولا يعص عاص، من أعلى العلى إلى ما تحت الثرى ،إلا بإرادة الله تعالى، وقضائه ومشيئته”. ويدل على صحة ما قلناه الكتاب والسنة وإجماع الأمة وأدلة العقل. فأما الكتاب: فأكثر من أن يحصى، لكن نذكر منها ما فيه الكفاية، ويدل العاقل على نظائر من أدلة الكتاب، فمن ذلك قوله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } هود ( 118 ، 119). وهذه الآية أوضح دليل وأقوم حجة من وجوه عدة: – أحدها : أنه أخبر تعالى أنه لو شاء وأراد لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الإيمان أو على الكفر والضلال، الثاني: أنه قال سبحانه : {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، فأخبر تعالى أنه خلقهم لما أراد من اختلافهم، وأنه لم يرد أن يكونوا أمة واحدة. – الثالث: قوله تعالى: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ}، فأخبر تعالى أن منهم من رحمه وأراد رحمته دون غيره، فصح أنه لا يكون من عباده ولا يجري في ملكه إلا ما أراده وقضاه وقدره
الدعاء