خطبة عن حديث:( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ)
أكتوبر 18, 2016خطبة عن ( الكسب الحلال )
أكتوبر 20, 2016الخطبة الأولى ( سبل النجاة من الفتن )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (35) الانبياء ،وقال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (25) الأنفال ،وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (11) الحج ،وقال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (63) النور ،وقال تعالى : (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) (20) الفرقان ،وروى البخاري في صحيحه :(عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ » ،وفيه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ – وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ – حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ » ،وفيه برواية :« يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ ، وَيُلْقَى الشُّحُّ ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَ هُوَ . قَالَ « الْقَتْلُ الْقَتْلُ »
إخوة الإسلام
إن من قضاء الله وقدره وقوع الفتن كما بيّن ذلك الكتاب والسنّة قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]. وقال جل جلاله: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3] ،وفي الصحيحين ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ » ، وفي مسند البزار وسنن الدارمي (عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ : إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ يَرُدَّهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ ، أَضَلَّهُ اللَّهُ ، هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ ، وَالذَّكَرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي ، لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ ، وَلاَ تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلاَ يَخْلُقُ عَنْ رَدٍّ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ ، أَنْ قَالُوا : إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ ، هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ ، هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
إخوة الإسلام
ومن محاسن ديننا دين الإسلام أنه لم يسلمنا للفتن بل وجهنا إلى كيفية التعامل معها وأوضح لنا سبل الخلاص منها أي الخروج منها، ومن هذه السبل: السبيل الأول: الاعتصام بالله: كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101] فالتمسك بالله هو الهادي إلى الحق، ويتحقق بأمرين: الأمر الأول: التمسك بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]. وقال سبحانه: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]. وفي مسند الإمام أحمد وغيره (عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْفَجْرَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ لَهَا الأَعْيُنُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ». الأمر الثاني: التوجّه إلى الله والاعتماد عليه :بالتوبة الصادقة وملازمة الاستغفار والإلحاح بالدعاء والتقوى بطاعته واجتناب فيما عنه نهى وزجر: قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] ،وقال تعالى على لسان هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:52].
وقال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2-3]. وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]. وقال جل جلاله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ ». رواه مسلموعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ » قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ قَالَ « الْقَتْلُ ».رواه ابن ماجه وصححه الألباني
أيها المسلمون
ومن سبل الخلاص من الفتن : السبيل الثاني: الالتفاف حول العلماء الربانيين والمصلحين الصادقين العاملين:
قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ ». رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، ومن سبل الخلاص من الفتن : السبيل الثالث: الصبر والثبات على الحق: ففي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ أَبِى أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِىِّ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىَّ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِى هَذِهِ الآيَةِ قَالَ أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ قَوْلُهُ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِى رَأْىٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِى غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ « لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ». وصححه الألباني ،ومن سبل الخلاص من الفتن : السبيل الرابع: عدم الدخول في ورطات الدم المعصوم: لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا » ،وقول عبد الله بن عمر: “إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله”. وليعلم كل مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ ». فينبغي على المسلم أن لا يخوض في فتنة لا ناقة له فيها ولا جمل وذلك في حالة عدم وضوح الراية، والراية التي ينبغي أن يقاتل تحتها هي راية لا إله إلا الله هذه التي من أجلها المسلم يقاتل كما قال صلى الله عليه وسلم: « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ » [رواه البخاري ومسلم]. ولذلك كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة الواقعة بين المسلمين ولم يتضح فيها الحق: ما جاء في مسند الإمام أحمد (عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا خَالِدُ إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَحْدَاثٌ وَفِتَنٌ وَاخْتِلاَفٌ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ لاَ الْقَاتِلَ فَافْعَلْ ». وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم « إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ
« إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ » ،وروى مسلم في صحيحه :(وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِى يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِى لِذِى عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ ». وهذا غير دفع الصائل وهو المدافع عن نفسه أو ماله أو عرضه، فله أن يدفع المعتدي بالأخف ثم يتدرج إلى الأعلى فإن كان يندفع بالصوت فلا يجوز له أن يدفعه بالضرب وإن كان يندفع بالضرب فلا يجوز القتل وإن كان لا يندفع إلا بالقتل يجوز قتله أو غلب على ظنه أنه سيقتله فله قتله ودمه هدر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » [رواه الترمذي وأبو داود والنسائي] وفي رواية: «قال رجل: فإن قتلته قال: فدمه هدر».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سبل النجاة من الفتن )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ألا فليحذر المسلم من الاعتداء على حق الغير أو المال العام فإن ذلك من الظلم والجرم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ » [رواه البخاري]. وقوله صلى الله عليه وسلم: « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ». [رواه النسائي وابن ماجه وصححه الألباني في سنن ابن ماجه وقال صلى الله عليه وسلم: «بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا البغي والعقوق» رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع
ومن سبل الخلاص من الفتن : السبيل الخامس: الحذر من الإشاعات: فإن في الفتن تكثر الإشاعات كما قال عمر رضي الله عنه: «إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف». فلا يقبل المسلم كلاماً ولا ينقله إلا بعد التثبّت منه لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] ،وفي صحيح مسلم : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ « أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ » [رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ،ومن سبل الخلاص من الفتن : السبيل السادس: التعوّذ بالله من الفتن والبعد عن مواطنها: ولقوله صلى الله عليه وسلم: « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [رواه مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما].
وقوله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا » رواه أبو داود عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الجامع
وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ » ،وللوقوع في الفتن أسباب منها: أولاً: الجهل. ثانياً: الغفلة. ثالثاً: اتباع الشهوات والشبهات. رابعاً: تغيب الشرع. ومن سبل الخلاص من الفتن : السبيل السابع: الثقة بنصر الله وفرجه:
لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5-6]. وفسّر صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: « وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ » البخاري. وقول الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]. وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88]. وقوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]. ومن سبل الخلاص من الفتن : السبيل الثامن: الاستعداد بالاحتياجات الضرورية من مطعم ومشرب ودواء وماء وإضاءة وحماية للدفاع عن النفس والعرض والمال ونحو ذلك.ألا فليحذر المسلم من الوقوع في الفتن فإنها تأكل الأخضر واليابس، وذلك بالعمل بما ذكرناه وهو الأخذ بالسبل المذكورة.
الدعاء