خطبة عن قوله تعالى :(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)
يوليو 14, 2018خطبة عن (الإسلام علمني)
يوليو 14, 2018الخطبة الأولى ( من أعلام المسلمين: أمير المؤمنين هارون الرشيد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». وفي سنن أبي داود، وحسنه الألباني : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ».
إخوة الإسلام
إن معرفة سيرة السلف الصالح ، وتراجم الخلفاء الراشدين أمر حسنٌ مندوب إليه , وخاصة في الحقبة الأولى من القرون المفضلة ، والذين كانوا مثالاً عالياً في كل الصفات ، وفي معرفة تراجمهم وسيرتهم دافع للمسلم للاقتداء بهم ، والتأسي بأفعالهم ، وأخلاقهم ، ومآثرهم , وخاصة في مثل هذا الزمن الذي أصبحت فيه القدوة ، والأسوة ، للساقطين من الناس ، وموعدنا اليوم إن شاء الله مع 🙁علم من أعلام المسلمين: إنه : (أمير المؤمنين هارون الرشيد) ، فلم يحظَ خليفة بعد الخلفاء الراشدين بالشهرة الواسعة وذيوع الذكر، مثلما حظي الخليفة العباسي هارون الرشيد، غير أن تلك الشهرة امتزج في نسجها الحقيقة مع الخيال، واختلطت الوقائع مع الأساطير، حتى كادت تختفي صورة الرشيد، وتضيع قسماتها وملامحها، وتظهر صورة أخرى له أقرب إلى اللهو واللعب والعبث والمجون ، وأصبح من الواجب نفض الروايات الموضوعة، والأخبار المدسوسة حتى نستبين شخصية الرشيد كما هي في الواقع، لا كما تصورها الأوهام والأساطير. فهارون الرشيد هو أحد الخلفاء العباسيين، وهو ابن محمد المهدي وأمّه الخيزران بنت عطاء، وقد اعتبر من أشهر الخلفاء العباسيّين استلم الحكم في عام ٧٨٦ إلى أن توفي في عام ٨٠٩ ميلادي وهو أوّل خليفة عباسيّ قام بالغزو بنفسه وكان من الأشخاص كثيري الحج وسمّي العصر الذي حكم به العصر الذهبيّ. وقد وُلِد هارون الرشيد بن المهدي بن جعفر المنصور في أواخر ذي الحجة سنة ثمان وأربعين ومائة، في مدينة (الري) تلك المدينة القديمة التي تقع في الجنوب الشرقي من طهران وكان أبوه (المهدي) في تلك الأيام أميرًا على الري وخراسان من قبل الخليفة المنصور، ثم أصبح خليفة للمسلمين بعد وفاة أبيه المنصور. وقد نشأ الرشيد في بيت ملك، وأُعد ليتولى المناصب القيادية في الخلافة، وعهد به أبوه، إلى من يقوم على أمره تهذيبًا وتعليمًا وتثقيفًا، ومنهم “الكسائي”، والمفضل الضبي، حتى إذا اشتد عوده واستقام أمره، ألقى به أبوه في ميادين الجهاد، وجعل حوله القادة الأكفاء، يتأسى بهم، ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، فخرج في عام (165 هـ= 781م) على رأس حملة عسكرية ضد الروم، وعاد محملاً بأكاليل النصر، فكوفئ على ذلك بأن اختاره أبوه ولياً ثانياً للعهد بعد أخيه أبو محمد موسى الهادي. وهكذا نشأ هارون تحيطه رعاية والده الذي دربه منذ حياته المبكرة على الحياة العسكرية، فجعله أميرًا لحملة عسكرية كانت تسمى بالصوائف حيث كانت تخرج للجهاد في الصيف، والشواتي نسبة إلى الشتاء لتهديد العدو البيزنطي وتخويفًا له، وولاه المغرب كله، ثم عينه والده وليًّا للعهد بعد أخيه الهادي.
تولي الرشيد خلافة المسلمين سنة 170هـ، وسنه خمسة وعشرين عامًا وأصبحت بغداد في عصره من أعظم مدن الدنيا، فريدة في حضارتها وعمارتها، وقد شمل بعدله القوي والضعيف والعاجز والمريض وذا الحاجة، وازدهرت فترة ولايته بوجود الكثير من أئمة العلم العظام كالإمام مالك بن أنس، والليث بن سعد، والكسائي ومحمد بن الحسن من كبار أصحاب أبي حنيفة. وكان يضرب به المثل في التواضع، يحكى أن أبي معاوية الضرير وهو من العلماء المحدثين قال: أكلت مع الرشيد ثم صبَّ على يدي الماء رجل لا أعرفه، فقال الرشيد: تدري من صب عليك؟ قلت: لا. قال: أنا، إجلالاً للعلم. وجاوزت خشيته من الله الحدود، فكان جسده يرتعد، ويسمع صوت بكائه إذا وعظه أحد من الناس، يحكي أنه جالس (أبا العتاهية) الشاعر، وكلف أحد جنوده بمراقبته، وإخباره بما يقول، فرآه الجاسوس يومًا وقد كتب على الحائط: إلى ديان يوم الـدين نمضـي وعند الله يجتمع الخصـوم ، فأخبر الجاسوس الرشيد بذلك، فبكي وأحضر أبا العتاهية، وطلب منه أن يسامحه، وأعطاه ألف دينار. وقال الأصمعي: وضع الرشيد طعامًا، وزخرف مجالسه وزينها، وأحضر أبا العتاهية وقال له: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا، فقال أبو العتاهية: فعش ما بدا لك سالمــًا في ظـل شاهقــة القصـور ،فقال الرشيد: أحسنت ثم ماذا؟ فقال: يسعى إليك بما اشتهيــت لدى الرواح وفي البكــور فقال: حسن؟ ثم ماذا؟ فقال أبو العتاهية مندفعًا: فـإذا النفـــوس تقعقعت في ظل حشرجــة الصـدور .. فهناك تعلــم موقـنًا مـا كنت إلا فـي غــرور .. فبكى الرشيد، فزجر أحد الحاضرين أبا العتاهية لأن المقام مقام فرح وسرور، فقال الرشيد: دعه، فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا منه. فكان كثير البكاء على نفسه، تسيل دموعه كالسيل إذا وعظ، ولم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم إلا قال: صلى الله على سيدي. فقيل له : أتبكي يا أمير المؤمنين؟! أتبكي وأنت الذي تصلى كل يوم مائة ركعة، وتتصدق من مالك الخاص بألف درهم في كل يوم؟! أتبكي وأنت الذي عظَّمت حرمات الإسلام، وبالغت في احترام العلماء والوعاظ، وجاهدت في سبيل الله؟! وفي عهده أُنفقت الأموال في النهوض بالدولة، وتنافس كبار رجال الدولة في إقامة المشروعات كحفر الترع والأنهار، وبناء الحياض، وتشييد المساجد، وإقامة القصور، وتعبيد الطرق، وفي عهده غدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأس والمناقشة ، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع. وكان الرشيد وكبار رجال دولته يقفون وراء هذه النهضة، يصلون أهل العلم والدين بالصلات الواسعة، ويبذلون لهم الأموال تشجيعًا لهم، وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، ويتواضع لهم حتى إنه كان يصب الماء في مجالسه على أيديهم بعد الأكل.
وأنشأ الرشيد “بيت الحكمة” وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض كالهند وفارس والأناضول واليونان ،وكان كثير الغزو والحج يغزو سنة ويحج سنة، فإذا حج حجَّ معه مائة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج قام بالإنفاق على ثلاثمائة رجل ليؤدوا فريضة الحج، ورغم هذه الرقة والشفافية والزهد، كان شجاعًا لا يخاف في الله لومة لائم، غيورًا على دينه، صلبًا كالحديد في وجه أعداء الله، ففي سنة سبع وثمانين ومائة (187هـ) نقض ملك الروم الهدنة التي كانت بين المسلمين وبين الملكة (ذيني) ملكة الروم، فكتب للرشيد كتابًا يقول فيه: (أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ (طائر ضخم خيالي) وأقامت نفسها مقام البيدق (الطائر الصغير) فحملت إليك من أموالها أحمالاً لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وإلا فالسيف بيني وبينك). فلما قرأ الرشيد رسالته كتب إليه: (قد قرأت كتابك والجواب ما ترى لا ما تسمع) وسار إليه بجيش كبير حتى فتح مدينة (هرقل) وانتصر عليه انتصارًا عظيمًا، وفي عهده لم يبق في الأسر مسلم، وظل طيلة حياته يحب الجهاد والفتوحات الإسلامية، فغزا الروم، وفتح هرقلة، وبلغ جيشه أنقره،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أعلام المسلمين: أمير المؤمنين هارون الرشيد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما جاء في بعض خطبه : أنه قال: فاتقوا الله عباد الله، وبادروا الأمر الذي اعتدل فيه يَقينُكم، ولم يَحتضر الشك فيه أحدًا منكم، وهو الموت المكتوب عليكم؛ فإنه لا تُستقال بعده عثرَة، ولا تُحظَر قبله توبة، واعلموا أنه لا شيء قبله إلا دونه، ولا شيء بعده إلا فوقه، ولا يُعين على جزعه وعلَزه وكربه، ولا يُعين على القبر وظلمته وضيقه ووحشته وهول مطلعه ومسائلة ملائكته، إلا العمل الصالح الذي أمر الله – تعالى – به، فمَن زلَّت عند الموت قدمه فقد ظهَرت ندامته، وفاتته استقالته، ودعا من الرجعة إلى ما لا يُجاب إليه، وبذل مِن الفدية ما لا يُقبل منه، فاللهَ اللهَ عباد الله، فكونوا قومًا سألوا الرجعة فأعطوها؛ إذ منعها الذين طلَبوها، فإنه ليس يتمنى المُتقدِّمون قبلَكم إلا هذا المَهَل المبسوط لكم، واحذروا ما حذركم الله – تعالى – منه، واتقوا اليوم الذي يجمعكم الله فيه لوضع موازينكم، ونشر صحفكم الحافظة لأعمالكم، فلينظر عندما يضع في ميزانه مما يَثقُل به، وما يُمِل في صحيفته الحافظة لما عليه وله، فقد حكى الله – تعالى – لكم ما قال المُفرِّطون عندها؛ إذ طال إعراضهم عنها قال: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ﴾ [الكهف: 49]، وقال: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأنبياء: 47]. ولستُ أنهاكم عن الدنيا بأعظم مما نهتْكُم الدنيا عن نفسها؛ فإنه كل ما لها يَنهى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها، وأعظم مما رأته أعينكم مِن عجائبها ذمُّ كتاب الله – تعالى – لها، ونهْيُ الله عنها؛ فإنه يقول: ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33]، وقال: ﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾ [محمد: 36]. فانتفعوا بمعرفتكم بها، وبإخبار الله – تعالى – عنها، واعلموا أن قومًا مِن عباد الله أدركتهم عصمة الله – تعالى – فحذروا مصارعها، وجانبوا خدائعها، وآثروا طاعة الله – تعالى – فيها، فأدركوا الجنة بما تركوا منها
أيها المسلمون
وقيل أنه خرج هارون الرشيد يوماً في رحلة صيد فمرّ برجل يقال له بُهلول .. فقال هارون : عظني يا بُهلول ..قال : يا أمير المؤمنين !! أين آباؤك وأجدادك ؟ من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيك؟ قال هارون : ماتوا .. قال : فأين قصورهم ..؟ قال : تلك قصورهم .. قال : وأين قبورهم ؟ قال : هذه قبورهم ..فقال بُهلول : تلك قصورهم .. وهذه قبورهم .. فما نفعتهم قصورهم في قبورهم ؟ قال : صدقت .. زدني يا بهلول .. قال :أما قصورك في الدنيا فواسعة * فليت قبرك بعد الموت يتسع ، فبكى هارون وقال : زدني .. فقال : يا أمير المؤمنين : هب أنك ملكت كنوز كسرى وعُمرت السنين فكان ماذا أليس القـبر غـاية كـل حيٍ وتُسأل بعده عن كل هذا ؟ قال : بلى ..ثم رجع هارون .. وانطرح على فراشه مريضاً .. ولم تمضِ عليه أيام حتى نزل به الموت فلما حضرته الوفاة .. وعاين السكرات .. صاح .. بقواده وحجابه : اجمعوا جيوشي .. فجاؤوا بهم .. بسيوفهم .. ودروعهم .. لا يكاد يحصي عددهم إلا الله .. كلهم تحت قيادته وأمره ..فلما رآهم .. بكى .. ثم قال : يا من لا يزول ملكه .. ارحم من قد زال ملكه .. ثم لم يزل يبكي حتى مات .. فلما مات هارون الرشيد، ود العلماء لو يفتدوه بأنفسهم، يقول الفضيل بن عياض: (ما من نفس تموت أشد على من موت أمير المؤمنين هارون الرشيد، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره)
الدعاء