خطبة عن قوله تعالى (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)
يناير 13, 2018خطبة عن (الاسلام يحدد علاقة الانسان بالبيئة)
يناير 13, 2018الخطبة الأولى ( اسم الله ( المعِزُّ المذِلُّ )
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » ، وقال الله تعالى : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (26) آل عمران
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”. ومن الأسماء الحسنى : اسمه سبحانه وتعالى 🙁 المعِزُّ المذِلُّ ) ، وهما اسمان من أسماء الله الحسنى لصفتين من صفات أفعاله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى في محكم آياته : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (26) آل عمران ، قال القحطاني : المعِزُّ المذِلُّ: هو الذي يهب القوة والغلبة والشدة لمن شاء فيعزه، وينزعها عمن يشاء فيذله. والمعِزُّ المذِلُّ: أي أن الله أعزَّ أولياءَه بالنعيمِ المقيم في الجنةِ وأَذَلَّ الكافرينَ بالخلودِ في النارِ، وفي كتاب الله عز وجل : {وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} (آل عمران 26). فالله سبحانه وتعالى هو المعز: لأنه هو الغالب القوي الذي لا يغلب، وهو الذي يعز الأنبياء بالعصمة والنصر، ويعز الأولياء بالحفظ والوجاهة، ويعز المطيع ولو كان فقيرا، ويرفع التقي ولو كان كان عبدا حبشيا فهو المعز المؤمنين بطاعته ، الغافر لهم برحمته ، المانح لهم دار كرامته. والله سبحانه وتعالى هو المذل : أي الذي يلحق الذل بمن يشاء من عباده، فالله يذل الإنسان الجبار بالمرض أو بالشهوة أو بالمال أو بالاحتياج إلى سواه ، وقد ربط الله العز بالطاعة فهي طاعة ونور وكشف حجاب ،وربط سبحانه الذل بالمعصية فهي معصية وذل وظلمة وحجاب بين العبد وربه ،والمعز: هو الذي يهبُ العز لمن يشاءُ من عباده، وهو الميسر أسباب العزة ، والمذل: هو الذي يُلحِقُ الذُّلَّ بمَنْ يشاء من عباده ويَنفي عنه أنواعَ العز جميعاً ،وإذا أراد الله ـ عز وجل ـ إعزاز عبده قربه من بساطه ، وأهله لمناجاته . وإذا أراد الله إذلال عبده ربطه بشهواته ،وحال بينه وبين قربه ومخاطباته، فلا عز إلا عز طاعته ، والإعزاز والإذلال يكونان في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) الحاقة :19-20 ، ونقيضه الشمال ووراء الظهر ، فالله عز وجل بأمره التكويني يعزك ،إذا اعتززت به ،واعتمدت عليه ،وأخلصت له ،وأقبلت عليه ،ولم تشرك به ، قال جلّ ثناؤه: ﴿مَنْ كانَ يُريدُ العِزَّةَ فالِلَّه العِزَّة جميعاً، إليه يصعدُ الكَلِمُ الطيِّبُ والعَمَلُ الصَّالِحُ يرفَعُه﴾ فاطر: ١٠ ،والمعز حينما أمرك بهذا المنهج حصَّن سمعتك، وفطرك فطرةً عالية لكي تكون عزيزاً ، و( المعز ) فطرك على أن تحب العز أودع الله في الإنسان شعور العزة من أجل أن يبتعد عن المعصية ترفعاً واعتزازاً وتأثماً، والفطرة لا تعني أنك كامل، ولكنها تعني أنك تحب الكمال ، وكمال الروح في أن تعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به ، فإذا صبر العبد بحيث يصير مستغرقاً في طاعة ربه ، ومنقطع الفكر عن كل ما سوى الله ، فهذا هو الإعزاز المطلق ، وإن كان بالضد من ذلك فهو الإذلال المطلق ، وفيما بين هذين الطرفين أوساط مختلفة
ويمكن أن تكون عزيزاً إذا اتبعت كلام الله، ويمكن أن تكون عزيزاً إذا أذلك الله عز وجل إِثرَ انحراف ،وبعدها تبت من هذا الذنب، فأنت بين أن تكون عزيزاً بعد ذل ،وبين أن تكون عزيزاً بعد علم، تعلّم وكن عزيزاً، وإيّاك أن تدفع ثمن عزتك ذلاً ومهانةً وإيلاماً ،إذا كنت مؤمناً حقاً فأنت عزيز ،لأنك مع العزيز ولأنك على شرع العزيز، ولأنك مفتقر للعزيز ، ومعتمد على العزيز ،والعزيز لن يخيب ظنك ، وقد أورث الله تعالى من عزّته ومِنْعَتِه العزّة للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، قال عزّ من قائل: ﴿ولله العِزَّة ولِرَسولِهِ ولِلمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون﴾ المنافقون: 8 ، والمعز: من أعزّ بالطاعة أولياءه، وأظهرهم على أعدائهم في الدنيا، وأحلّهم دار الكرامة في العقبى ، والمذل : هو من أذلّ أهل الكفر في الدنيا بالرِّق وبالجزية والصغار، وفي الآخرة الخلود في النار ،فلا مذل لمن أعزه الله، ولا معز لمن أذله الله. قال سبحانه وتعالى : (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعًا) النساء: 139
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اسم الله ( المعِزُّ المذِلُّ )
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الآثار الإيمانية لاسم الله المعز المذل ، وأثرها في سلوك المؤمن وعقيدته : أن المؤمن عندما يدرك أن الله تعالى المعز المذل فإنه يجد في العزة مظهراً من مظاهر الثقة بالله تعالى ورسوخ اليقين والقوة في الدين والخلق. .. فيعلم الإنسان أنه لا عزة الا بالطاعه لا عزة إلا بالإخلاص لا عزة إلا بترك الشهوات، هذه هي العزة ألا تكون ذليل لشهوة أو لمنصب أو لمال أو أي شيء تكون ذليل له إلا لملك الملوك (الله)، فاجتهد في طاعة الله يعزك الله. وعن طارق بن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفيه فوضعها على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا؟ تخلع خفيك وتضعها على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله ) ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) ، وقال الإمام ابن القيم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) [المائدة: 54] ، قال : لما كان الذل منهم ذل رحمة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة (على) تضميناً لمعاني هذه الأفعال، فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل، وإنما هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول، فالمؤمن ذلول كما في مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ ) ، وأربعة يعشقهم الذل أشد العشق: الكذاب، والنمام، والبخيل، والجبار. وفي قوله تعالى : أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ هو من عزة القوة والمنعة والغلبة، قال عطاء رضي الله عنه: للمؤمنين كالوالد لوده وعلى الكافرين كالسبع على فريسته، كما قال في الآية الأخرى: ( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) [الفتح: 29]
الدعاء