خطبة عن (اللَّه يَرَى) مختصرة
أغسطس 15, 2022خطبة عن (ازرع الأمل) مختصرة
أغسطس 15, 2022الخطبة الأولى ( المجتمع الاسلامي وأزمة غلاء الأسعار )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112] ، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ غَلاَ السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ ». وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ».
إخوة الإسلام
بداية أقول: إن كل ما يحصل للأمم والشعوب من الشدة والرخاء ،والسراء والضراء، فكل ذلك بقدر الله تعالى وعلمه وحكمته، فالله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ،وهو سبحانه القابض الباسط، والرازق والمسعّر، وله تعالى في كل ذلك حكم بالغة، ومن ذلك ابتلاء العباد ليظهر صبرهم وشكرهم ،كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة (155) ،وقد جعل الله لما يحصل أسباباً، وربط المسببات بأسبابها، فمراعاة الأسباب والسنن التي جعلها الله في هذا الكون مقتضى شرعه ،ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11) ،
وما يقع اليوم من ارتفاع للأسعار والغلاء في المعيشة له أسبابه، ومن أعظم الأسباب: الذنوب والمعاصي التي يجاهر بها العباد، وبخاصة منع الزكاة ،والتعامل بالربا ،والغش والتدليس في المعاملات ،وأكل أموال الناس بالباطل ،وغيرها من الذنوب المؤذنة بنزول العقوبات الشديدة ،وحصول الشدائد، وذهاب البركات، وغلاء الأسعار الذي يعاني منه الكثير من بلاد العالم الإسلامي هو ظاهرة عالمية؛ لأن غلاء الأسعار ليس خاصاً بالمسلمين وحدهم، وإنما العالم كله يشكو الآن من غلاء الأسعار، ومعنى أن الغلاء عالمي أن الناس قد ابتعدوا كثيراً عن الفطرة، فابتلاهم الله تعالى بالغلاء لعلهم يرجعوا إلى ربهم ، لعلهم أن يرجعوا إلى صوابهم؛
أيها المسلمون
إلا أن تعامل المسلمين مع الغلاء يختلف عن تعامل غيرهم معه، فنحن ما بين واحد من اثنين: إما أن نكون عباداً صالحين فيبتلينا الله بهذا الابتلاء ليرفع من درجاتنا ويحط من خطايانا، ولا أدل على ذلك من هذا شظف العيش الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم وعاشه أصحابه، سواء أكانت في الفترة المكية أو في مقدمة الفترة المدنية، حتى إن الرجل كان يسقط من طوله من شدة الجوع وهو يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فالغلاء عندما تصيب الصالحين من عباد الله فهو في رفع درجاتهم وحط خطاياهم وتثقيل موازينهم، وقد يحدث الغلاء للمسلمين عندما ينحرفون عن منهج الله تعالى ،ويعطِّل شرع الله ،فيكونون عرضة لعقاب الله تعالى، إذن فارتفاع الأسعار أو حدوث المصائب العامة للأمة قد تكون نوعاً من الابتلاء لأولياء الله تبارك وتعالى حتى يمحصهم، ويرفع من درجاتهم، ويحط من خطاياهم، وهو نوع من التربية، وإما أن يكون عقوبة من الله لوقوعهم في المهالك من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) [طه:124]، فتكون هذه الشدة وهذا الارتفاع في الأسعار إنما هو ثمرة طبيعية للإعراض عن منهج الله تعالى. قال الله تعالى : (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ) النساء:79، هكذا أخبرنا الله تعالى أنه لا تصيبنا مصيبة إلا بما كسبت أيدينا، ولكن هذا يُدفع بالتوبة ،ويدفع كذلك بمعرفة الأسباب وعلاجها. فإذا وُجد الجشع والطمع من بعض التجار فلا بد من علاجه، وإذا ضعفت المراقبة فلا بد من تعزيزها، وإذا تقلّص دعم المواد الأساسية فلا بد من زيادته، وينبغي أن يكون موقف التاجر المسلم في مثل هذه الأحوال موقفا ايجابيا إيمانيا ، فالتاجر المسلم يتحلّى بحسن النية، والرفق بالمسلمين، وتوفير الجيد لهم بالثمن المناسب ، وأن يكون أميناً. وفي سنن الترمذي: (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ». فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ « إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ ».وفي رواية أحمد: (ثُمَّ قَالَ « إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الفُجَّارُ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا قَالَ « بَلَى وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ »، وينبغي أن يكون التاجر سمحاً في المعاملة، سمحاً في القضاء والاقتضاء، سمحاً في البيع والشراء. ففي صحيح البخاري: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»، وعلى التاجر والغني أن يكون سخياً بالصدقات، فقد قحط الناس في زمن أبي بكر فقدمت لعثمان رضي الله عنه قافلة من ألف راحلة من البر والطعام. فغدا التجار عليه، فخرج إليهم فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: بلغنا أنه قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع على فقراء المدينة. فقال لهم: ادخلوا فدخلوا. فقال: كم تربحوني على شرائي؟ قالوا: العشرة اثنا عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشرة أربعة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشر خمسة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟. قال: زادني بكل درهم عشرة عندكم زيادة؟. قالوا: لا. قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة.
أيها المسلمون
وفي حالات ارتفاع أسعار الغلاء فلا بد للمستهلكين والمشترين أيضا من ملاحظات، ومنها :عدم التوسع في الشراء، وجعله هوايةً، فهذا المال محاسب عليه الإنسان، من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟، وقد قال تعالى: (وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) الأعراف: 31. ومرّ جابر بن عبد الله ومعه لحم على عمر -رضي الله عنهما- فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: هذا لحمٌ اشتهيته فاشتريته. قال: أو كلما اشتهيت شيئاً اشتريته، أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) الأحقاف:20، وكذلك يجب مراعاة الأولوية في الإنفاق، وقد جاءت الشريعة بالحكمة، والحكمة وضع الأشياء في مواضعها، ونهت عن الظلم، فعدم وضع الشيء في موضعه في الشراء ظلم للنفس. ولا بد من ترشيد الاستهلاك، والحرص على أن يصرف المال في محله، قال تعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) الإسراء: 29. كما يجب التحلي بخلق القناعة، والنبي ﷺ أوصانا في أمور الدنيا أن ننظر إلى من هو دوننا، وليس إلى من هو فوقنا؛ ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ». وفيه أيضا : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ». وعلاج مشكلة غلاء الأسعار يكون أيضا: بالتوبة والرجوع إلى الله. قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم:41 ، فإذا ظهرت المنكرات في المجتمع، وعم الفساد والخنا والفجور والربا والزنا أتاهم الله بأنواع البلاء: فيحبس الغيث، ويغلي السعر، وهكذا ما من مصيبةٍ إلا وسببها الذنوب والمعاصي، قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى:30. فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، والاستغفار من أسباب الازدهار، قال الله تعالى : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (10) : (12) نوح، وعلاج مشكلة غلاء الاسعار يكون أيضا: بتربية الضمير على التقوى والمراقبة : قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الأعراف 96، فالتقوى هي سبب لسعة الأرزاق والبركة فيها ، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق (2،3) ، وعلاج مشكلة غلاء الاسعار يكون أيضا: بكثرة الاستغفار والدعاء: قال ابن صبيح : شكا رجل إلى الحسن البصري الجدوبة فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله . وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله . وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) تفسير القرطبي ،وعلاج مشكلة غلاء الاسعار يكون أيضا: بالتكافل الاجتماعي وأداء الزكاة والصدقات ،فالزكاة عون للفقراء والمحتاجين، تأخذ بأيديهم لاستئناف العمل والنشاط إن كانوا قادرين، وتساعدهم على ظروف المعيشة إن كانوا عاجزين، فتحمي المجتمع من الفقر والدولة من الإرهاق والضعف، وعدم إخراج الزكاة سبب من أسباب البلاء والغلاء، ومن أسباب العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع لغياب التكافل فيما بينهم، أما إخراج الزكاة فهو سبب البركة وسبب المحبة والمودة بين أفراد المجتمع . قال صلى الله عليه وسلم :” من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له ” (صحيح الجامع). وعلاج مشكلة غلاء الاسعار يكون أيضا: بالتربية على الرضا والقناعة بما قسم الله تعالى .قال صلى الله عليه وسلم : “ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ” (رواه الترمذي)، وعلاج مشكلة غلاء الاسعار يكون أيضا: بمقاومة الاحتكار والاستغلال. والاحتكار هو تخزين السلع والبضائع الخاصة بأقوات الناس حتى تنفد من السوق ويرتفع سعرها، ثم يبيعها بأضعاف أضعاف سعرها الأول، وهذا حرام، ففي مسند أحمد: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ احْتَكَرَ طَعَاماً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى »، وفي صحيح مسلم: (عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( المجتمع الاسلامي وأزمة غلاء الأسعار )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعلاج مشكلة غلاء الاسعار يكون أيضا: بثقافة التعامل مع الغلاء. فقد جاء في الأثر أن الناس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – جاؤوا إليه وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟ ،فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة ،فتقول: أرخصوه أنتم؟ ،فقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ ،وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ ،فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. وعن رزين بن الأعرج مولى لآل العباس، قال: غلا علينا الزبيب بمكة، فكتبنا إلى علي بن أبي طالب بالكوفة أن الزبيب غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر أي: استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوافراً في الحجاز ،وأسعاره رخيصة، فيقلّ الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.
وأما ما يخص الحكومات في علاج مشكلة غلاء الاسعار فيكون: بدعم السلع الأساسية التي يحتاج إليها الناس، مثل: الأدوية والمواد الغذائية والأعلاف بحيث تحافظ على سعرها، وتكون في مقدور عموم الناس. وصرف مبلغ مقطوع لكل أسرة فقيرة يساعد على تخفيف التكاليف المناطة بولي الأسرة، وهذه سياسة إسلامية قديمة، فقد خصص عمر رضي الله عنه رواتب ثابتة للمواليد والأطفال الصغار فجعل للمولود أول ما يولد مئة درهم فإذا ترعرع جعلها مئتين فإذا بلغ زاده، فمساعدة الأسر المحتاجة وبالذات الذين ليس لهم مورد ثابت أو رواتب والتوسع في إقامة جمعيات البر وكذا تسديد ديون المعدمين والمنكوبين، فيه علاج للمشكلة، وكان عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – إذا بقي زيادة في بيت المال سدد بها عن المدينين ودفع منها لمن أراد الزواج ،وعلى الحكومات مراقبة التجار والأخذ على يد من يستغل ارتفاع الأسعار فيزيد أكثر من الواقع أو يرفع أسعار سلع لم ترتفع في بلد المصدر أو يحتكر المواد في مخازنه ويستغل ذلك في رفع الأسعار. وكذا إعادة النظر في رسوم بعض الخدمات كالكهرباء والمياه والمواصلات وغيرها .
الدعاء