خطبة عن (هم الدنيا وهم الآخرة)
مارس 26, 2016خطبة عن ( غض البصر وفوائده وثمراته)
مارس 27, 2016الخطبة الأولى ( الترغيب في غض البصر والترهيب من النظرة المحرمة)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين : ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِى الطُّرُقَاتِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ». قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ ».
إخوة الإسلام
حديثنا إن شاء الله عن النظرة المحرمة وغض البصر ، وفي البداية لنتذكر حال سلفنا الصالح رحمهم الله، فقد جاء الربيع بن خثيم إلى علقمة، فوجد الباب مغلقاً، فجلس في المسجد، فمرت نسوة؛ فغمض عينيه، حتى ظن النسوة أنه أعمى، فجعلن يتعوذن بالله من العمى، ويحمدن الله على البصر. وقال سيدنا عيسى عليه السلام: (إيّاكُم والنَّظرةَ، فإنّها تَزْرعُ في القَلْب شَهْوةً، وكَفَى بها فِتْنةً). وقيل ليحيى عليه السلام، ما بدء الزنا؟ قال: (النَّظَرُ والتَّمَنّي). وقال الحسن رضي الله عنه: (مَنْ أَطْلَقَ طَرْفَهُ كَثُرَ أَسَفُهُ). وقال بعض الحكماء: (مَنْ أَرْسَلَ طَرْفَهُ اسْتَدْعَى حَتْفَهُ). وقال الفضيل رحمه الله تعالى: (يقول إبليس – في حَقِّ النظر – هو قوسي القديمة ، وسهمي الذي أرمي به فَلا أُخْطِئ). وقال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: (الْعُيُونُ مَصَائِدُ الشَّيْطَانِ). وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى: (اللَّحَظَاتُ تُوْرِثُ الحَسَرَاتِ، أَوَّلُهَا أَسَفٌ، وَآخِرُهَا تَلَفٌ، فَمَنْ تَابَعَ طَرْفَهُ، تَابَعَ حَتْفَهُ). وقال الشاعر:
كُلُّ الحوادثِ مَبْدَاها مِنَ النّظَرِ ومُعْظمُ النّار مِن مُسْتَصْغَرِ الشّررِ
والمرءُ ما دَامَ ذَا عَينٍ يُقَلّبُهَا في أَعْيُنِ الغِيْدِ مَوقوفٌ عَلى الخَطَرِ
كَمْ نَظرةٍ فَعَلَتْ في قَلْبِ صَاحِبِها فِعْلَ السّهَامِ بلا قَوْسٍ ولَا وَتَرِ
يَسرُّ نَاظِرَه مَا ضَرَّ خَاطِرَه لَا مَرْحَباً بِسُرورٍ عَادَ بالضَّرَرِ
وخرج حسان رحمه الله إلى صلاة العيد، فقيل له لما رجع: يا أبا عبد الله، ما رأينا عيداً أكثر نساءً منه، قال: ما تلقتني امرأة حتى رجعت! ما وقع بصري على امرأة، ولا نظرت إلى امرأة، فجعل يتعجب من كلامهم. وقال سفيان الثوري لما خرج لصلاة العيد: أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض أبصارنا، وقال ابن القيم رحمه الله: “من أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك، والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ومن آفاته؛ أنه يورث الحسرات والزفرات
أيها المسلمون
ةقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:” اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم”. بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم غض البصر أحد حقوق الطريق حين قال لأصحابه رضي الله عنهم: ” إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدث فيها. فقال: ” فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر”.ـ وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى امرأة جاءت تستفتيه صلى الله عليه وسلم فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها. وقد علق ابن القيم رحمه الله على ذلك فقال: وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله عدة فوائد لغض البصر ومنها: تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته. وأنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه. وأنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، قال شجاع الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته. وأنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم. وأنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، قال بعض الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله. وأنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العفة أعظم من لذة الذنب. وأنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكه أقرب. أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب ، وأنه يخلص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الترغيب في غض البصر والترهيب من النظرة المحرمة)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فما أحوجنا إلى غض البصر أمام هذا الكم الهائل من الأجساد التي تعرت، وأظهرت ما أوجب الله ستره، والتي كشفت بقصير أو ضيق أو شفاف، أو برقع فاتن، أو نقاب واسع، أو عيون قد غشاها الكحل، ونحو ذلك من وسائل الفتنة، ما أحوجنا إلى غض البصر في هذا العصر الذي شاعت فيه الصور في المجلات، وهذه الدعايات التي تعرض فيها صور النساء للجذب بزعمهم، حتى لو لم يكن هناك علاقة بين المنتج والمرأة، حتى في المبيدات الحشرية، وغير ذلك، وقد بغلت بهم الدناءات أنهم يضعون صور الرجال في المنتجات الخاصة بالنساء عند الدعاية لها، وعكس ذلك، وصورة المرأة طاغية غالباً، وربما وقفت ساعات تتثاءب أمام سيارة ونحوها، لعرض السيارات لا بد من النساء، وهكذا تقوم الدعاية المحرمة أكثر من تسعين في المائة من أنواع الدعاية والإعلان في هذا الزمان محرمة، ومن أسباب التحريم غير الكذب والغش والتدليس أنهم يجعلون صور النساء فيها. فما أحوجنا إلى غض البصر في هذا العصر الذي انتشرت فيه هذه الصور الفاتنة، التي تُنتقى فيها أجمل النساء للعرض، وتوضع في المجلات والدعايات، وهذه الأفلام والشاشات، ولذلك كانت فتاوى العلماء واضحة جداً في قضية النظر إلى صور النساء في المجلات، أو في الأفلام، ولو قال من قال: إن هذه الصور ليست حقيقية، إنما هي صور، ليست المرأة التي نراها امرأة تلمس، أو يُذهب معها، نقول: إن ذلك وسيلة للفتنة، وثوران الشهوة، وأختم حديثي بوصيته صلى الله عليه وسلم لابن عمه وزوج ابنته الامام على رضي الله عنه وعن آل بيت رسول الله أجمعين ، والتي ذكرتها في صدر هذا الموضوع « يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ».
الدعاء