خطبة عن قوله تعالى ( وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )
فبراير 13, 2021خطبة حول قوله تعالى ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا )
فبراير 20, 2021الخطبة الأولى (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عَنْ عبْدِالرَّحْمنِ بْنِ سَمُرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لي رسُولُ اللَّه ﷺ : ( وَإِذَا حَلَفْتَ علَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنهَا، فأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وكفِّرْ عَنْ يَمِينك) متفقٌ عَلَيْهِ. وروى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم – إن شاء الله – مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يرشدنا فيه صلى الله عليه وسلم إلى بعض أحكام اليمين ،فالإنسان إذا حلف على شيء ،فالأفضل ألا يحنث في يمينه ، وأن يبقى على ما حلف عليه ، ولكن إذا حلف على ترك واجب ، وجب عليه أن يحنث ، ويكفر، ومثال ذلك :إن قال : والله لا أصلي اليوم في جماعة ، فهذا حرام عليه ، لأن صلاة الجماعة واجبة ، فعليه أن يكفر عن يمينه ، ويأتي صلاة الجماعة ، وإذا حلف فقال : والله لا أكلم ابن عمي ، لسوء تفاهم بينهما مثلا ، فهذا أيضا حرام ، لأنه قطيعة رحم ، وهجر لأخيه ، فيقال له: كلمه ،وكفر عن يمينك ، فالحاصل أن الإنسان إذا حلف على يمين ، فرأى غيرها خيرا منها ، فليكفر عن يمينه ، ويأتي الذي هو خير ، وهو بالخيار: إن شاء فعل ثم كفر ، وإن شاء كفر ثم فعل ، يقول الله تعالى: { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) المائدة ، وهكذا شرع الله عبادة مالية أو بدنية فداء لليمين، وكفارة للحنث فيه، وإذا كان اليمين عقدًا وتعهدًا من الحالف مع ربه، فقد جعل الله جل شأنه تحلة هذا العقد، وفك رباطه بهذه الكفارة، حيث قال الله تعالى :{ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } [التحريم: 2] ، فأصبح الحالف بين خيرين، إما أن يمضي ما حلف عليه، فيبر بيمينه وعهده مع ربه، وينتفع بتحقيق ما حلف عليه ، إذا كان من وجوه الخير، وإما أن يكفر عن يمينه، بتلك العبادة المالية أو البدنية، وفي كل خير، فإذا حلف أن يفعل مباحًا أو خيرًا، فرأى خيرًا مما حلف عليه رسم له الحديث الشريف طريقًا إلى الحصول على الخيرين معًا، أن يفعل الشيء الذي حلف ألا يفعله، أو أن يترك الشيء الذي حلف أن يفعله، وليكفر عن يمينه، فالارتقاء بالخير تقوى، وتكفير اليمين تقوى، واغتنام الخيرين أفضل من خير واحد، ومن تقوى واحدة. وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحكم على نفسه، يوم أن جاءه أبو موسى الأشعري ، يطلب لنفسه ولجماعة من الأشعريين نوقًا يركبونها، ويحملون عليها زادهم في سفرهم إلى غزوة العسرة، غزوة تبوك، فهم مشاة لا يملكون ما يحملهم، والطريق طويل من المدينة إلى تبوك ، والحر الشديد، والرسول صلى الله عليه وسلم يوزع على المحتاجين ما عنده من إبل، ليتعاقب على البعير الواحد من يتعاقبون، ويأتي أبو موسى، وقد نفد ما عنده صلى الله عليه وسلم، فيسأله، وهو يظن وجود الفضل عنده ، ويعتذر الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه ليس عنده ما يحملهم عليه، ويلح أبو موسى ، لشدة حاجته، وأكثر ما كان يؤلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعجز عن مساعدة المحتاجين، وكم كان يغضبه أن يلح من لا يعرف حاله، فقال لأبي موسى: والله ما أحملكم، لأني لا أجد ما أحملكم عليه، وانصرف أبو موسى حزينًا، وبعد قليل جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة، فيها إبل، فدعا أبا موسى وأعطاه ستًا منها، له ولأصحابه، فلما وصل أصحابه قالوا: لقد حلف صلى الله عليه وسلم ألا يعطينا، لعله نسي، فلنذكره، فلما جاءوه قال: لم أنس يميني، ولكني – إن شاء الله – لا أحلف على يمين فأجد غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني، وفعلت الذي هو خير، صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَإِذَا حَلَفْتَ علَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنهَا، فأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وكفِّرْ عَنْ يَمِينك) ،فهذا من رحمة الله، ومن إحسان الله جل وعلا، ومن محاسن هذه الشريعة: أنَّ الله جل وعلا شرع لهم ما هو الأرفق، وما هو الأحب إليه، وما هو الأنفع، قال جل وعلا: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185]. وهذا الحكم ، وذاك التخفيف يكون أيضا في النذر: فمن : “نذر لله عليه أنه ما يُسافر”، أو “نذر لله أنه ما يُكلِّم فلانًا”، فمثله مثل اليمين، وحكمه حكم اليمين، فإذا رأى المصلحة في عدمه ، يُكفِّر عن النذر كفَّارة يمينٍ، إلا إذا كان نذر طاعةٍ، كأن قال: “نذرت لله أني أصوم يوم الإثنين”، أو قال :”نذرت لله أني أحج هذا العام”، فعليه يحج ويصوم؛ لقوله ﷺ: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطِعْهُ، ومَن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، أما إذا كان في أمور دنيا فيعمل بالأصلح، فمن قال: “نذر عليَّ لله أني ما أسافر اليوم”، فرأى المصلحة في السفر؛ يُسافر ويُكفِّر عن نذره كفَّارة يمين،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويتعلق بهذا الحديث فوائد متعددة ، ومنها : الفائدة الأولى : أنه يشرع للمسلم إذا حلف يمينًا بالله تعالى أن يفعل شيئًا أو يتركه، ثم تبين له أن هذا الذي حلف على فعله أو تركه ليس خيرًا له، وأن الخير في خلافه، فيشرع له فعل ما هو خير له، ويجب عليه أن يكفِّر عن يمينه، الفائدة الثانية : ثبت في معنى هذا الحديث دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها ألا يستمر على يمينه ويصر عليها؛ الفائدة الثالثة: هذا الحديث مطابقٌ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224]، قال البغوي رحمه الله: معنى الآية: لا تجعلوا الحلف بالله سببًا مانعًا لكم من البرِّ والتقوى، يُدعَى أحدكم إلى صلة رحمٍ أو برٍّ فيقول: حلفت بالله ألا أفعلَه، فيعتلّ بيمينه في ترك البرِّ؛ ،كما يستفاد من الأحاديث : – جواز الحلف من غير استحلاف، لتأكيد الخبر، ولو كان مستقبلاً. – وفي الحديث أن تعمد الحنث في مثل ذلك يكون طاعة، لا معصية. – وفي حمله صلى الله عليه وسلم للأشعريين تطييب قلوب الأتباع، واستدراك جبر خاطر السائل. – وفي قوله : والله لا أحملكم جواز اليمين عند المنع. – ورد السائل الملحف عند تعذر الإسعاف.
الدعاء