الخطبة الأولى ( ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ ، وَثَلاثٌ مُنَجِّيَاتٍ ) 5
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا موصولا عن قوله صلى الله عليه وسلم عن المهلكات
(واعجاب المرء بنفسه )
فمن أعظم آفات العجب ، فتور السعي في الأعمال الصالحة ، لظن صاحبه أنه قد فاز واستغنى، وهذا هو الهلاك الصريح الذي لا شبهة فيه. والعجب بالنفس يودي بصاحبه إلى الكبر،
فعَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ ». رواه الترمذي،
وفي صحيح البخاري عن مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ – – صلى الله عليه وسلم –
« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى فِي حُلَّةٍ ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ ، فَهْوَ يَتَجَلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » .
وقال الأحنف بن قيس:
“عجبًا لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين”.
ويكفي في ذم الاعجاب بالنفس أنه يشبه في ذلك إبليس لعنه الله الذي قال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) الاعراف 12،
ومن عواقب الإعجاب بالنفس وسوء مغبته أن صاحبه لا يوّفق للخير، بل يصرف عنه، قال تعالى:
( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) [الأعراف:146]،
وكم حال الكبر والاعجاب بالنفس بين صاحبه وبين الحق، قال تعالى: ( وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) [الجاثية:7، 8]،
ولذلك كان العجب والكبر سببًا للطرد من الجنة ودخول النار عياذًا بالله، قال تعالى في حق إبليس: ( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا) [الأعراف:13]،
وقال تعالى مخاطبًا الكفار: ( فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) [النحل:29]،
ولبيان عقوبة المعجبين بأنفسهم والمتكبرين ، وما هم فيه من الذل فقد روى الترمذي بسند حسن (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ ».
وأشدّ أنواع العجب ما كان ناشئاً عن العلم والفقه, قال تعالى:
﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ فاطر 8،
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “الهلاك في اثنتين :
( القنوط والعجب ) .
وهذا ابن عمر-رضي الله عنه- يرى رجلاً يختال في مشيته ويجر إزاره، فقال: “إن للشيطان إخواناً”،
ورأى رجل رجلا آخر يختال في مشيته, فقال له:
يا عبد الله, هذه مشية يبغضها الله، فالتفت إليه الرجل، وقال:
ألا تعرفني؟! قال: بلى, أعرفك؛
أولك نطفة مذرة, وآخرك جيفة قذرة, وأنت بين ذلك تحمل الخرأة .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ ، وَثَلاثٌ مُنَجِّيَاتٍ ) 5
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا عن قوله صلى الله عليه وسلم عن المهلكات (واعجاب المرء بنفسه )
ومن علامات العجب أن يقول المرء: (أنا ) كما قالها إبليس وأتباعه،
فقد قال الله تعالى لإبليس: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)
فكانت النتيجة ( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا
فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) الاعراف 12، 13،
وكانت العاقبة (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي
إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) ص 77 ، 78 ،
وقال صاحب الجنتين لصاحبه: ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ
أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) [الكهف:34].
فكانت النهاية (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ) الكهف 42 ، 43 ،
ولما أعجب قارون بماله، ونسى فضل الله عليه ، قال :
(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) [القصص:78].
فكانت عاقبته ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ) [القصص:81].
فثمرة العجب الهلاك قال الغزالي :
ومن آفات العجب أنه يحجب عن التوفيق والتأييد من الله تعالى،
فإن المعجب مخذول ، فإذا انقطع عن العبد التأييد والتوفيق فما أسرع ما يهلك ،
وقال عيسى عليه الصلاة والسلام :
( يا معشر الحواريين :
( كم سراج قد أطفأته الريح وكم عابد أفسده العجب ).
ونستكمل الموضوع في لقاء آخر إن شاء الله
الدعاء