MinbarLogMinbarLogMinbarLogMinbarLog
  • الرئيسية
  • خطب منبرية مكتوبة
    • خطبة الاسبوع
    • موسوعة الخطب المنبرية
    • خطب منبرية بصيغة ” وورد – Word “
  • خطب منبرية صوتية
  • دروس وندوات
  • أخترنا لكم
    • القرأن الكريم – فلاش
    • القرأن الكريم – إستماع
    • تفسير القرآن الكريم – الشيخ نشأت أحمد
    • تفسير القرأن الكريم -الشيخ الشعراوى
    • شرح صحيح البخارى – الشيخ هتلان
    • المكتبة الشاملة – تحميل
    • إذاعة القرآن الكريم
    • شرح زاد المستقنع – الشنقيطي
    • سلسلة السيرة النبوية – راغب السرجانى
    • أحداث النهاية – محمد حسان
      • صوتى
      • فيديو
    • موقع الشيخ محمد حسين يعقوب
    • نونية ابن القيم في وصف الجنة
      • عبدالواحد المغربى
      • فارس عبّاد
  • الخطب القادمة
  • إتصل بنا
    • سياسة الخصوصية
  • من نحن؟
  • English Friday Sermons
خطبة عن ( سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ )
11 سبتمبر، 2022
خطبة عن ( رضا الله أفضل من الجنة )
14 سبتمبر، 2022

خطبة عن حديث ( الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ )

13 سبتمبر، 2022

                                 الخطبة الأولى ( الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

في سنن الترمذي ومسند أحمد بسند صحيح: (عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ…« إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ،وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ،وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ،وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ »

إخوة الإسلام

التُقرِّبُ إلى اللهِ تعالى من أفضل وأجل الأعمالِ، ويتقرب العبد المسلم إلى ربه: بالتصدُّق بالمالِ، والعفوُ عن الظُّلمِ، والتعفُّف عمَّا في أيدي الناسِ، وقبل كل ذلك النِّيَّةُ الصَّالحةُ، فهي تُبلِّغُ صاحبَها المنازِلَ العاليةَ، وهي سببٌ لنيلِ الأَجرِ والثَّوابِ الكبيرِ، ومتى كانتْ نية المسلم صادِقةً وخالصةً للهِ تعالى وفيما يُرْضي اللهَ فاز بالأجر العظيم؛ وأما النيِّةُ الفاسدةُ فتَكونُ على العَكسِ من ذلك، ومن المؤكد أن الناس ينقسمون في تعاطيهم مع أمور الدنيا إلى أحوالٍ أربعة، وقد لخَّصها النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث المتقدم، وبينها أيما بيان، فهذا الحديث جامع لأنواع الناس وأحوالهم تجاه ما ينعم الله به عليهم في الدنيا، وهي من أبدع التقسيمات التي لا يخرج عنها البشر أبدًا: فقسم هو أفضل المنازل، وقسم آخر هو من أخبث المنازل، والثاني والرابع تبع لهما، ومن الملاحظ أن الذي رفع قدر الرجل الأول ،وحط  من قدر الرجل الثالث هو «العلم»، فالأول غني ثري، هداه علمه لمراعاة الله تعالى في ماله، والثالث كان جهله قائدًا له إلى هلكة ماله في الباطل، وأما الثاني فقد نجا بالعلم، وأما الرابع فقد هلك بالجهل، وفي هذا إشارة إلى فضل العلم على المال، ولا يشترط للمرء الغني أن يكون عالمًا، بل يمكن أن يتعلق بعالم إن كان لا يعلم، فالمال لا يمدح وحده دون علم، ففي الصحيحين : (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ».،ففي هذا الحديث قيد فضل الغني بإنفاقه المال في «الحق» ،وهذا يستلزم علمًا وبصيرة بما يرضي الله تعالى في الإنفاق في الحق، فبالعلم وحده يفرق المرء بين الحق والباطل، وكفى بالعلم شرفًا، علو الذكر في الدنيا والآخرة، وطيب الثناء عبر القرون، فالتاريخ لم يذكر لنا أسماء الأغنياء ،وإنما ذكر لنا أسماء الأفذاذ من العلماء، الذين نترضى عنهم صباح مساء، ومن الملاحظ أن هذا الرجل الأول قد خص في انفاقه للمال :«صلة الرحم» وذلك لعظم قدرها، ففي مسند أحمد وصححه الألباني: (عَنْ حَكِيمِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ »،والمقصود: أن أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه، فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح، لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها، وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجرًا منها على الأجنبي، لأنه أولى الناس بالمعروف .وفي سنن النسائي بسند صحيح: (عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ». فالصدقة على ذي الرحم فيها أجران ، بخلاف الصدقة على الأجنبي، ففيها أجر واحد، وفي هذا تصريح بأن العمل قد يجمع ثواب عملين لتحصيل مقصودهما به ،فلعامله سائر ما ورد في ثوابهما بفضل اللّه تعالى ومنته. أما الرجل الثاني فهو «صادق النية» كما وصفه – صلى الله عليه وسلم -، والنية عبادة مستقلة لا تفتقر لغيرها من العبادات، أما سائر العبادات فتفتقر إلى النية، وفي صحيح البخاري: (أن عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »، ومن الملاحظ أنه قلما قام غني بحق المال، فلا يقوم بحق المال إلا أفذاذ الرجال، ولذلك تنازع العلماء أيهم أفضل، الفقير الصابر أم الغني الشاكر، والكثير منهم على أن الغني الشاكر أفضل، لأن صبر الفقير اضطراري، وشكر الغني اختياري وهو قليل.

أيها المسلمون

وبعد هذه المقدمة عما تضمنه هذا الحديث من معاني وملاحظات، نأتي إلى المحتوى: يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – (إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ): أي إنما حال أهل الدنيا من البشر حال أربعة، اثنان عاملان، واثنان تبع لهما، فالثاني تبع للأول، والرابع تبع للثالث، وقد ذكر الدنيا – رغم أنها تشمل الدنيا والآخرة كما سيأتي – ليصبِّر الناس على طلب العلم، ويخبرهم أن العلم يجلب خيري الدنيا والآخرة، وأيضا فإن من طلب الدنيا بالعلم، نال الدنيا وحازها، فالعلماء هم سلاطين غير متوّجين، والعامة تخضع لهم أكثر من خضوعهم للسلطان؛ لأن العلماء يملكون سلطان الحجة والدليل الذي يخضع له القلب، بينما السلاطين لا يملكون إلا سلطان اليد والقوة؛ الذي قد لا يخضع البعض له، فالناس لا يخرجون عن أحوال أربعة: الحالة الأولى: عالم غني (عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ) ، فالله تعالى بعلمه وحكمته يتخيّر من عباده من يرزقه المال، أو من يرزقه العلم، أو من يرزقه العلم والمال معا، فإذا رُزق العبد العلم والمال معا، كانت تلك أفضل منزلة، وذلك لاقتران العلم بالعمل، لأنه سيعمل في ماله بعلمه. وقد حثنا الله جل وعلا على العمل بالعلم، وذم من لا يعمل بعلمه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2،3)، وفي صحيح مسلم: (عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ »، وسُئل سفيان الثوري: طلب العلم أحب إليك أو العمل؟ فقال: “إنما يراد العلم للعمل, فلا تدع طلب العلم للعمل, ولا تدع العمل لطلب العلم”. وقد دلت عبارة النبي – صلى الله عليه وسلم : (فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا)، على أن بركة المال لا تكون إلا إذا أُنفق، وذلك بشرطين: العلم بما ينفق من أبواب الخير، والإخلاص، وهذان شرطا العبادة: الإخلاص لله، وأن يكون العمل على بصيرة وعلم. كما دلت العبارة على أن صلة الرحم من أعظم القربات، وأن من أسباب تقوية صلة الرحم: العون المادي، فقد يكون قريبك فقيرا ، فإعطاؤك له مما أعطاك الله يزيد الأواصر، كما أن طلبة العلم الفقراء هم أولى الناس بالعون، إذا كانوا غير قادرين، لأن نفعهم يتعدى، وعلى دعاة الخير أن يكونوا أسبق الناس في هذا الأمر، ورحم العلم أبلغ من رحم القرابة. كما ينبغي على العالم تعليم العلم وبذله لمن يستحقه، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ ».

الحالة الثانية: عالم فقير، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ )، فينفع الله تعالى بصاحب العلم أكثر مما ينفع بصاحب المال، لأن العلم غذاء للقلوب والأرواح، والمال غذاء للأبدان، وغذاء القلوب أعظم من غذاء الأبدان والجسام، وإذا صدق الإنسان في نيته فإن الله يثيبه على ذلك، ويكتب له الأجر كما لو فعل، وذلك أن النية الصادقة سبب في حصول الأجر وهي شرط لصحة الأعمال، وفي الصحيحين : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ « إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ »، وفي صحيح مسلم : (عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ « (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ – حَتَّى قَالَ – وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ – قَالَ – ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ »، وكما أن النية تجعل المرء يحصل على أجر العمل إذا حيل بينه وبين العمل، فإنها أيضا تجعل العمل كبيرا وإن كان صغيرا، يقول عبد الله بن المبارك: “رُبّ عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية”، وقال سفيان الثوري: “كانوا يتعلمون النية للعمل، كما تتعلمون العمل”. فهذا الرجل تمنى أن يكون له مال كمال الأول وعلم كعلمه, حتى يؤدي حق الله فيهما, ولذا أُجِرَ على هذه النية الصالحة, قال يحيى بن أبي كثير: “تعلموا النية، فإنها أبلغ من العمل”. ونستكمل الحديث بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله تعالى .

                                أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                           الخطبة الثانية ( الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

والحالة الثالثة من حالات البشر: غني جاهل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ)، وقد جعله النبي – صلى الله عليه وسلم – من أخبث وأشر الناس لأنه جاهل سفيه، لا يحسن التصرف في المال، فيبدده ويضيعه, وقد نهى الإسلام عن إعطاء الأموال للسفهاء, وأجاز الحجر على مال السفيه، قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (النساء: 5)، وكذا حرم الإسلام تبذير المال وإضاعته, قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء: 26،27)، وأوجه كثرة الإنفاق ثلاثة: أولها: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعاً، فلا شك في منعه، وهو المقصود معنا في هذا النوع (لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا). وثانيها: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعاً، فلا شك في كونه مطلوباً بالشرط المذكور في الحديث (يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا). وثالثها: إنفاقه في المباحات بالأصالة، كملاذّ النفس فهذا ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله، فهذا ليس بإسراف، والثاني: ما لا يليق به عرفاً، وهو ينقسم إلى قسمين: أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة ناجزة أو متوقعة فهذا ليس بإسراف، والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك، فالراجح أنه إسراف.

الحالة الرابعة: فقير جاهل ، وهو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ )، فدائما ما تكون النية السيئة سبباً في حصول الوزر، فهذا الرجل وقع بجهله في سوء النية، فتمنى أن يكون له مالٌ مثل مال هذا الرجل الذي يخبط في ماله بغير علم, فلا يؤدي حق الله تعالى فيه؛ ولذا تحمَّل وزرًا على هذه النية السيئة، وليس هذا بظلم له، لأن الله تعالى علم من نيته أنه لو أُعطِي مثل صاحبه لأفسد وفسق، وأيضا لكونه لم يأخذ بالأسباب الموصلة للعلم ورفع الجهالة عن نفسه.

أيها المسلمون

ومن المعلوم أن هذا الحديثُ لا يُنافي خبَرَ: “إنَّ اللهَ تَجاوَزَ عن أُمَّتي ما وَسوسَت به صُدورُها، ما لم تَعمَلْ به”؛ لأنَّه عَمِلَ هنا بالقولِ اللِّسانيِّ، والمتجاوَزُ عنه هو القولُ النَّفسانيُّ، وقيل: لأنَّ هذا إذا لم يُوطِّنْ نفْسَه ولم يَستَقِرَّ قلبُه بفِعْلِها، فإنْ عزَم واستقرَّ يُكتَبُ مَعصيةً وإن لم يَعمَلْ ولم يتَكلَّمْ. وفي الحديثِ: مِن محاسنِ الأسلوبِ النبويِّ: استخدامُ أسلوبِ التَّشويقِ في التَّعليمِ. ومما يرشد إليه الحديثِ أيضا: الحثُّ على الإنفاقِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والعَفوِ والصَّفحِ على مَن ظُلِم. ومما يرشد إليه الحديثِ أيضا: التَّحذيرُ والتَّرهيبُ مِن سؤالِ النَّاسِ أموالَهم في غيرِ حاجةٍ أو ضرورةٍ. ومما يرشد إليه الحديثِ أيضا: فضلُ العِلمِ والمالِ إذا أُقيمَ فيهِما بما يُرْضي اللهَ عزَّ وجلَّ.                                          

   الدعاء

Print Friendly, PDF & Email
مشاركة
2

Related posts

31 يناير، 2023

خطبة عن حديث ( أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ) 


Read more
31 يناير، 2023

خطبة حول قوله تعالى ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)


Read more
28 يناير، 2023

خطبة حول دعاء الرسول ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ)


Read more

أحدث الخطب

  • خطبة عن حديث ( أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ) 
    31 يناير، 2023
  • خطبة حول قوله تعالى ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)
    31 يناير، 2023
  • خطبة حول دعاء الرسول ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ)
    28 يناير، 2023
  • خطبة حول معنى قوله تعالى ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ )
    24 يناير، 2023
  • خطبة عن العلم، وحديث( سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ)
    21 يناير، 2023
  • خطبة عن: عمارة المساجد، وحديث ( أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ؟ )  
    18 يناير، 2023
  • خطبة عن (اللعب المباح واللعب المحظور)
    17 يناير، 2023
  • خطبة حول دعاء النبي ( اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي وَبِكَ أُقَاتِلُ )
    17 يناير، 2023
  • خطبة عن (كيف تكون وليا لله؟) 
    16 يناير، 2023
  • خطبة عن (احذر اللهو الباطل )  
    15 يناير، 2023
  • خطبة عن (من معجزات الرسول: امرأة رأت عجبا وكانت سببا )
    14 يناير، 2023
  • خطبة عن صلاح البال والحال ( كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)
    14 يناير، 2023
  • خطبة عن (هل أنت قريب من الله؟) مختصرة 
    12 يناير، 2023
  • خطبة عن (طَائِرُك فِي عُنُقِك ) مختصرة
    12 يناير، 2023
  • خطبة عن (رَبِّي سَيَهْدِينِ ) مختصرة
    12 يناير، 2023
  • خطبة عن حديث (إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ ) مختصرة
    12 يناير، 2023
  • خطبة عن (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) مختصرة
    12 يناير، 2023
  • خطبة عن (ما يغضب رسول الله ) 
    12 يناير، 2023
  • خطبة حول حديث (أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا ) 
    11 يناير، 2023
  • خطبة عن قوله تعالى ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ )
    10 يناير، 2023
  • خطبة حول حديث ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ )
    10 يناير، 2023
  • خطبة عن ( أعمال أغضبت رسول الله ) 
    9 يناير، 2023
  • خطبة عن (نعمة الأمن والعافية والقوت )
    8 يناير، 2023
  • خطبة حول حديث ( ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ)
    7 يناير، 2023
  • خطبة عن (المسلمون ودراسة التاريخ) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا)
    5 يناير، 2023
  • خطبة عن الصدقة وحديث ( زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ )
    3 يناير، 2023
  • خطبة عن ( إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ ) 
    2 يناير، 2023
  • خطبة عن ( لا كرب وأنت رب )
    1 يناير، 2023
  • خطبة عن (إنها السننُ، إنها السننُ )
    31 ديسمبر، 2022
  • خطبة حول دعاء ( اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ )
    31 ديسمبر، 2022

ادعم الموقع

ساهم في دعم الموقع علي باتريون
iSpace | Dezone
© 2019 All Rights Reserved. iSpace