خطبة عن (الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ مِنْحَةُ بَعْدَ مِحْنَةِ)
يناير 21, 2025خطبة عن (لَا تَحْزَنْ)
يناير 25, 2025الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام احمد في مسنده : (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ « اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وتَعَالَيْتَ ».
إخوة الإسلام
هذا دعاء جليل كريم، وهو عظيم القدر والشأن, ومشتمل على مقاصد ومطالب عظيمة, في الدين, والدنيا, والآخرة، وفي كلماته معان عظيمة, في مسائل العقيدة والتوحيد, وفيه من التوسلات: بأسماء اللَّه تعالى وصفاته, وأفعاله, وتوسلٌ بآلائه وإنعامه, وكذلك إثبات وإقرار بصفاته تعالى المثبتة والمنفية, وفيه إيمان بالقضاء والقدر, والمشيئة, كل ذلك بأجمل المباني، وأوسع المعاني, وقد ثبت هذا الدعاء المبارك في حالتين: الأولى : في دعاء قنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضى الله عنهما ،وثبت عن أنس رضي الله عنه كما في مسند أحمد ،قال:(وَكَانَ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ « اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ – وَرُبَّمَا قَالَ – تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وتَعَالَيْتَ ». ,فدلّ على أهمية هذا الدعاء المبارك من أمرين: تعليمه لابن ابنته الحسن, وكذلك للصحابة، وفي قول الصحابي الجليل أنس (وَكَانَ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ), يدل على المداومة على الفعل، والاستمرارية عليه.
وهذا الدعاء بدأ بأولى المطالب وأجلّها, والذي عليها الفلاح في الدارين الدنيا والآخرة، وهي الهداية: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي): والمعنى :أسأل اللَّه تبارك وتعالى الهداية التامة النافعة, الجامعة لعلم العبد بالحق, والسير عليه, فإن أصل الهداية: الدلالة, وهي نوعان: هداية دلالة وإرشاد، وهي معرفة الحق، والعلم به, وهداية توفيق وسداد وثبات, وهذه الهداية لا يملكها إلا الله عز وجل ،فينبغي للعبد حين يسأل اللَّه سبحانه وتعالى الهداية أن يستحضر هاتين الدلالتين التي تجمع بين: العلم, والعمل.
وقوله صلى الله عليه وسلم : (فِيمَنْ هَدَيْتَ): أي نسألك الهداية فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك فإنك قد هديت أناسًا آخرين. وفي هذا الدعاء فوائد : أولاً: أن يدخله في جملة المهديين وزمرتهم، وهم كما قال اللَّه تعالى :”فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا” النساء 69، ثانياً: أن فيه توسلاً إليه بإحسانه وإنعامه, وهو من التوسّلات الجليلة المقتضية للإجابة كما في توسّل زكريا عليه السلام: “وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا” مريم 4، أي : يا رب قد هديت من عبادك بشراً كثيراً فضلاً منك وإحساناً, فأنعم عليَّ بالهداية كما أنعمت عليهم. ثالثاً: أن ما حصل لأولئك من الهدى لم يكن منهم، ولا بأنفسهم, وإنما كان منك، فأنت الذي هديتهم. رابعاً: أن الهداية التي نطلبها لا تحصل هكذا غالباً, بل لابد لها من أسباب نبذلها, وأهم هذه الأسباب، وأجلها الدعاء, وصدق التوجه إليك، والمجاهدة في تحصيلها
قوله صلى الله عليه وسلم : (وَعافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ):أي :عافنا من أمراض القلوب وأمراض الأبدان، وأمراض الشهوات ، التي منشؤها الهوى ، وأمراض الشبهات التي منشؤها الجهل، ففي هذا الدعاء سؤال اللَّه تبارك وتعالى العافية المطلقة الظاهرة, والباطنة, في الدين, والدنيا, والآخرة؛ فلم يخص نوعاً معيناً من أنواع العافية, والعافية هي السلامة, والوقاية من أمراض القلوب, وأمراض الأبدان, فيدخل في ذلك العافية عن الكفر, والشرك, والفسوق, والغفلة, والأسقام, وكل الخزايا, والبلايا, وفعل ما لا يحبه, وترك ما يحبه, فهذه هي حقيقة العافية؛ ولهذا ما سُئل الربّ سبحانه وتعالى شيئاً أحب إليه من العافية؛ لأنها كلمةٌ جامعة للتخلص من الشر كله, وأسبابه, ونتائجه, وتبعاته, وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ قَالَ « سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ». ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ « فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَأُعْطِيتَهَا فِي الآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ » ،وفيه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَافِيَةَ ».وعنه : (« مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا يَعْنِى أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَافِيَةَ »
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم 🙁وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ): أي :كن ولياً لنا الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولاه الله عزَّ وجلَّ والتوفيق لما يحبه ويرضاه ، ففيه توسل إلى اللَّه تبارك وتعالى بفعل الولاية, وهي نوعان :الولاية العامة: وهي لكل الخلائق, قال اللَّه تعالى: ” ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَق ” الانعام 62 ,وولاية خاصة: وهي ولاية اللَّه تعالى للمؤمنين، كما قال تعالى: “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” البقرة 257، وهذه هي الولاية المقصودة في هذا الدعاء المبارك والتي تقتضي: التوفيق, والنصرة, والعناية, والصبر عن كل ما يغضب اللَّه تبارك وتعالى , وفي هذا تنبيه على أن من حصل له ذلّ في الناس، فهو بنقصان ما فاته من تولى اللَّه تعالى, وإلا فمع الولاية الكاملة ينتفي الذل كله، ولو سلّط عليه من في أقطار الأرض.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ): فالبركة هي النماء والخير الكثير الثابت, وتكون حسية أو معنوية, فالمعنى : أنزل لي البركة فيما أعطيتني ،من المال والولد والعلم وغير ذلك مما أعطى الله عزَّ وجلَّ، فنسأل الله البركة فيه؛ لأن الله إذا لم يبارك لك فيما أعطاك، حرمت خيرًا كثيرًا. فما أكثر الناس الذين عندهم مال كثير ولكنهم في عداد الفقراء؛ لأنهم لم ينتفعون بمالهم، فهم يجمعونه ولا ينتفعون به، وهذا من نزع البركة, وكثير من الناس عنده أولاد، ولكن أولاده لا ينفعونه لما فيهم من عقوق، وهؤلاء لم يُبَارَكْ لهم في أولادهم. وتجد بعض الناس أعطاه الله علمًا كثيرًا لكنه بمنزلة الأمي، فلا يظهر أثر العلم عليه في عبادته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس، بل قد يُكْسِبه العلم استكبارًا على عباد الله، وعلوًّا عليهم، واحتقارًا لهم، وهذا بلا شك حرمان عظيم، فالعبد يسأل اللَّه عز وجل البركة في كل ما أعطاه: من علم أو مال, وفي العمر، والأهل, والذرية, والمسكن، وغير ذلك, بأن ينميه, ويثبته, ويحفظه و يسلمه من كل الآفات.
أما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ) : فالمعنى: قِنَا شرَّ الذي قضيت، فإن الله تعالى يقضي بالشرِّ لحكمة بالغة حميدة ، فقني شر قضائك الذي قضيت، وقضاء الله ليس فيه شر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم فيما أثنى به على ربه كما في صحيح مسلم : (وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ » ،لهذا لا ينسب الشر إلى الله سبحانه وتعالى, فاللَّه سبحانه وتعالى يقضي بالخير, ويقضي بالشر لحكمته البالغة, التي لا تحيط بها كل الخلائق, أما قضاؤه بالخير, فهو خير محض في القضاء والمقضي, أي في الفعل, والمفعول, مثل القضاء للناس بالرزق الواسع, والآمن والهداية والنصر ونحو ذلك, أما قضاؤه بالشر فهو خير في القضاء؛ لأنه فعله فهو خير محض من كل الوجوه, وشر في المقضي وهو المفعول أي: المخلوق, مثل ((القحط)) فهو خير من ناحية تذكير الناس بربهم، ولجوئهم إليه, كما قال تعالى : “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” الروم 41، ،فظاهر هذه الأمور, من المصائب شر, ولكنها في حقيقة الأمر خير من وجه آخر, وينبغي أن يعلم أن اللَّه تبارك وتعالى لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه البتة, فكل شر مهما عظم وكبر، فلابد فيه من الخير، فالشر واقع في بعض مخلوقاته, لا في خلقه, ولا في فعله, ولا في صفاته, وهذا من كمال الرب عز شأنه, (وهذا الدعاء يتضمّن سؤال اللَّه تعالى الوقاية، من الشرور, والسلامة من الآفات, والحفظ من البلايا والفتن)
وقوله صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّكَ تَقْضِي): فالله عزَّ وجلَّ يقضي قضاء شرعيًّا ،وقضاء كونيًّا، فالله تعالى يقضي على كل شيء وبكل شيء؛ لأن له الحكم التام الشامل ، وفي هذا الدعاء توسل إلى اللَّه عز وجل ، فله الحكم التام، والمشيئة النافذة، والقدرة الشاملة، فهو سبحانه يقضي في عباده بما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد، لا رادَّ لحكمه، ولا معقِّب لقضائه، والقضاء هنا يعمُّ القضاء الشرعي، وهي أحكامه الشرعية، وقضاؤه الكوني: وهي أقداره التي قدرها لمن في السموات والأرض من مخلوقاته.
قوله صلى الله عليه وسلم : (وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ): أي لا يقضي عليه أحد، فالعباد لا يحكمون على الله، والله يحكم عليهم، العباد يُسألون عما عملوا، وهو لا يُسأل: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 32]. فلا يقضي عليك أحد كائناً من كان، فالعباد لا يحكمون على اللَّه عز وجل بشيء، بل هو الذي يحكم عليهم بما شاء، ويقضي فيهم فيما يريد، (ويدخل في هذا حكمه الشرعي، والقدري والجزائي) ،واللَّه تعالى لا يقتضي عليه أحد، ولا يعقّب في حكمه مخلوق (وذلك لكمال ملكه، وعزته، وعظمته، وسلطانه، وحكمته، وعدله تبارك وتعالى)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ): فإذا تولى الله الإنسان فإنه لا يذل، وإذا عادى الله الإنسان فإنه لا يعز. ومقتضى ذلك أننا نطلب العز من الله سبحانه، ونتقي من الذل بالله عزَّ وجلَّ، فلا يمكن أن يذل أحد والله تعالى وليه، فالمهم هو تحقيق هذه الولاية
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يعز من عاديت)) يعني: إذا عادى اللَّه تبارك وتعالى العبد، فإنه لا يعزّ، ولو اجتمع أهل الأرض والسموات معه، بل حاله الذل والخسران، فمن أراد العز فليطلبه من اللَّه عز وجل، ومن أراد أن يتّقي الذلّ فليكن مع اللَّه جل وعلا، قال اللَّه جلَّ ثناؤه: “مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا” فاطر 10، ودلّ قوله: (عاديت) على صفة العداوة الفعلية للَّه تعالى، تقتضي العقاب، والعذاب، والذلّ، والخسران.
وقوله صلى الله عليه وسلم 🙁تَبَارَكْتَ رَبَّنَا): أي: تعاظمت يا اللَّه، فلك العظمة الكاملة من كل الوجوه والاعتبارات، ومن ذلك كثرة بركاتك، وعمّت خيراتك التي يتقلّب بها أهل السموات والأرض
قوله صلى الله عليه وسلم : (وتَعَالَيْتَ): أي أن لك العلو المطلق من كل الوجوه من الكمال: علوّ الذات، وعلوّ الغلبة والقهر، وعلوّ النزاهة عن كل العيوب والنقائص والآفات ، أمّا علوّ الذات: فهو سبحانه وتعالى عليَّ بذاته، فوق كل خلقه، مستوٍ على عرشه، كما يليق بجلاله. وأما علوّ الصفات: فله علوّ الكمال في صفاته التي لا أكمل منها، ولا أعلى منها، التي لا تحيط كل الخلائق ببعض معاني صفة واحدة من صفاته. وعلوّ الغلبة والقهر: هو الغالب والقاهر لكل شيء، فلا ينازعه منازع، ولا يغالبه مغالب، فدانت له كل الكائنات، وخضعت تحت سلطانه كل المخلوقات. وعلوّ النزاهة عن كل العيوب، والنقائص، لكماله من كل الوجوه ، وهو المتعالي عن الشريك، والنظير، والمثيل.
وهكذا فقد تضمّن هذا الدعاء العظيم أعظم مسائل الإيمان، وأصول السعادة والأمان في الدارين، فمن أعظم مسائل الإيمان تضمنه في إثبات صفات وأفعال الكمال والجلال للَّه تعالى ، كما تضمّن أصول السعادة في سؤال: الهداية، والعافية، والتولي، والبركة، والوقاية، فإن هذه المطالب الجليلة عليها السعادة، والهناء في الدنيا، والآخرة.
الدعاء