خطبة حول قوله تعالى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)
يوليو 17, 2022خطبة حول حديث (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ .. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ)
يوليو 17, 2022الخطبة الأولى ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (190) ،(191) آل عمران
إخوة الإسلام
لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه، ومن نظر إلى الدنيا بغير العبرة، انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة، فنزهة المؤمن الفكر ، ولذة المؤمن العبر ، فينبغي للعبد أن يتأمّل جيّداً في هذا الخلق العظيم العجيب في أقطار السموات والأرض ، وقد حث الله تعالى عباد على التفكر في خلق السموات والأرض، والتبصر بآياتها، وتدبر خلقها، فقال الله تعالى : (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) (101) يونس ، وقال الله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (20) العنكبوت ، وهذه الآيات كثيرة وعامة، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية، فأما تفصيل ما اشتملت عليه، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره، ويحيط ببعضه، فما فيها من العظمة والسعة، وانتظام السير والحركة، يدل على عظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها، وسعة علمه، وما فيها من المنافع للخلق، يدل على سعة رحمة الله، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره. وخص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول، لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم، قال الله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (269) البقرة ، فألو الألباب من المؤمنين يتأملون في عظيم خلق الله، وبديع صنعه، والتفكر في خلق السموات والأرض من صفات أولياء الله تعالى، لأنهم إذا تفكروا بها، وتدبروا في خلقها العجيب، أثمر لهم برد اليقين، وقوة التسليم بأن الَله خلق هذه الأجرام بالحق الذي يسمو منه الحكم الباهرة، سبحانه، تنزه عن كل نقص وعيب، ومن ذلك أنه سبحانه لم يخلق شيئاً عبثاً لا حكمة فيه، ولا نفع منه، فإن خلق الله وفعله كامل من كل الوجوه، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الكون بأرضه وسمائه ونجومه وكواكبه ، وجباله وبحاره ، وزروعه وثماره عبثًا ولا لعبًا، فما خلقه إلا لأمر عظيم ، من ثواب وعقاب ، ومحاسبة ومجازاة، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته ، فقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (105) ،(106) ) يوسف ،فقد فتح الله تعالى لعباده أبواب التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر على مصراعيها؛ لتفضي بنا إلى عتبات الإيمان، واستنهض العقول لها، واستحث الهمم، وأوضح لها كل مسالك العبر، وأوجب عليها التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر الصحيح، الذي يفضي ولا بد إلى العلم، وبيَّن أن من لم يفعل ذلك من العقلاء، معرَّض للذم والعقاب، ورفعِ الأجر عنه والثواب، وألزم الجميع بذلك كله؛ ليتبينوا – عن بصيرة – الرشد من الغي، والضلالة من الهدى، ويعلموا من هو على الحق، ومن هو على الباطل. قال ابن القيم: “وأحسن ما أنفقت فيه الأنفاس: التفكُّر في آيات الله، وعجائب صُنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب، والهمة به دون شيء من مخلوقاته”، ولذلك نرى في السيرة النبوية – مثلاً – كيف حُبِّب إلى رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم في بَدْء حياته: الخلاء والاختلاء، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يدخل غار حِراء، ويمكث فيه الليالي ذوات العدد يتحنَّث، ويتأمل في ملكوت الله – عز وجل – وهذا ولا شك كان يحدث من حقائق الإيمان في النفس، ومن الارتباط والذل لله – عز وجل – ومن هنا قال بعضهم: “كانت عبادته صلى الله عليه وآله وسلم في حِراء: التفكُّر” ، ولهذا تبِعه صلى الله عليه وآله وسلم على هذا سلفُنا – رضي الله عنهم – فكان من هدي السلف – رضوان الله عليهم – التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر في آلاء الله – عز وجل – والثناء عليها، وأهلها. فهذا عون قال: “سألت أم الدرداء – رضي الله عنها – ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء رضي الله عنه؟ قالت: التفكُّر والاعتبار” ، وقال بعض السلف: “تفكر ساعة خير من قيام ليلة”
أيها المسلمون
والتفكير والتأمل والاعتبار سمات أكرم الله سبحانه وتعالى بهما الإنسان ،دون غيره من الكائنات الحية، كما أكرمه بمعطيات وملكات كثيرة لا تعد ولا تحصى.. وإذا كان التفكير نعمة كبرى ،فذلك لما ينتج عنه من فوائد على الإنسان المفكر أو المتأمل ،وعلى غيره ممن ينتفعون بنتيجة هذا التفكير ،من ابتكارات واختراعات، تصب في خدمة البشرية ومدنيتها وتقدمها ، لا في تدميرها وتلويثها.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان التفكير سمة الإنسان العالم وغير العالم، فالعالم يفكر لكي يثبت نظرية ،أو يخترع شيئا ،أو يضيف إليه، ولكن غير العالم عندما يفكر ،فالفائدة التي تعود عليه أثبتتها إحدى الدراسات الحديثة ،في أن خلو الإنسان بنفسه كي يتأمل عالمه الداخلي ،ويحاسب نفسه على أخطائها ،يزيده صقلاً وصفاء لروحه ونفسه، ويمكن أن تعالجه من بعض الأمراض. وأما العلماء فيرون أن من فوائد الخلوة تجنب آفات اللسان وعثراته، والزهد في الدنيا، والتخلق بالأخلاق الحميدة، وحفظ البصر ،وتجنب النظر إلى ما حرم الله تعالى، كما أن التفرغ للذكر فيه تهذيب للأخلاق. وهذه الفوائد تعيد الاعتبار إلى عبادة التفكر والاعتبار، فليست العبادة مقتصرة على الصلاة والصيام والذكر فقط، بل إن ذكر الله سبحانه يمكن أن يكون في التفكير في خلقه ، وفي عظمة هذا الخلق، وإعطاء النفس فرصة الابتعاد – ولو جزئيا- عن هموم العمل ،ودوران الحياة ،فيستعيد الإنسان حيويته للعمل. والتفكر في خلق الله تعالى يجعل الإنسان يقف على حقيقة متانة الخَلْق ،والتدبير المحكم في كل مفردات الكون وأجزائه، وإن النظرة السليمة ليست نظرتنا عند ظواهر الأشياء، بل التي تحملنا إلى معرفة الخالق عز وجل ،الذي أنشأه ،وأبدع له النظام الذي يسير عليه. فعلى كل واحد منا أن يجعل له وقتا لهذا التفكير ،مثلما يجعل له وقتا للقراءة الحرة ،أو قراءة القرآن ،أو غير ذلك مما يعينه على أداء واجباته ، وحقا ما قال ربنا : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (190) ،(191) آل عمران
الدعاء