خطبة عن قول النبي ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي )

                      الخطبة الأولى ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي )  

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

قال الله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (128) التوبة ،وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِى ».وفي رواية : « مَثَلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا ».

إخوة الإسلام

وصف الله تبارك وتعالى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأعظم الأوصاف التي تدل على رحمته بأمته وحرصه عليها، فقال سبحانه: { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } (التوبة: 28 ). وكان هذا الحرص النبوي ـ للناس عامة، ولأمته خاصة ـ نابعًا من شفقته ورحمته، فمن نعم الله علينا وعلى البشرية جميعا بعثة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي قال الله تعالى عنه : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) .، وعن أبي ذر قال . تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما – قال : وقال صلى الله عليه وسلم : ” ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ”

وإن المتأمل في سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجد صورا كثيرة لحرصه الشديد على أمّته, والشفقة بها، والتيسير عليها، ورجاء أن تكونَ في ظل الرحمن وجنّته يوم القيامة .. ولعلنا نستعرض شيئا من حرصه عليه الصلاة والسلام على أمته، ومن ذلك ما جاء في سنته المباركة مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافه على أمته ، وخوفه على أمته هو من باب رحمته بهم ،وشفقته عليهم ، وحرصه على ألا تقع فيما يغضب الله تعالى عنهم ، لذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته من بعض الأعمال التي يخاف عليهم منها ،

ومن بين هذه الأعمال أن يتكل الناس على الإيمان ،ويتركون العمل ، والايمان والعمل الصالح صنوان متلازمان ، يجتمعان ولا يفترقان ، فقد روى البخاري في صحيحه : ( أن أَنَسًا قَالَ ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لِمُعَاذٍ « مَنْ لَقِىَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ » . قَالَ أَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ « لاَ ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا » ، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا من ترك العمل الصالح ، ففي صحيح البخاري : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) قَالَ « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ – أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا – اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ، لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ ، لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لاَ أُغْنِى عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ، لاَ أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي ، لاَ أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا » ، وفي رواية «يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، يا عباس عم رسول الله اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» (رواه مسلم).

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه ، التنافس على الدنيا ، والتخاصم عليها ، وسفك الدماء ، وقطيعة الرحم ، وعقوق الوالدين من أجلها ، فالتنافس على الدنيا عمل مذموم ، ففي صحيح البخاري  : (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ « إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ – أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ – وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي ، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا »، وفي رواية أخري فيه أيضا : (أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ – رضى الله عنه – يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ « إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِى مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا » ، وفي رواية أخرى : ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ » . قِيلَ وَمَا بَرَكَاتُ الأَرْضِ قَالَ « زَهْرَةُ الدُّنْيَا »

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : الاستجابة للأئمة المضلين ، والدعاة المفسدين ، وخطباء السوء ، والداعين إلى  إلي الفجور ، ففي سن الترمذي : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ »

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : أن يعملوا عمل قوم لوط ، فيأتي الرجل الرجل ،أو يتزوج الرجل بالرجل ،أو يأتي امرة في دبرها ،ففي سنن الترمذي : أن (جَابِرًا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ » ،وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-«إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ »

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : النفاق ،والاستجابة للمنافقين من هذه الأمة ، وخاصة من كان منهم عليم اللسان ،ف قد يتكلم بالقرآن ويحاجج  به ،بغية أن يفتن الناس عن دينهم ،ويبعدهم عن سواء الصراط ،ففي مسند أحمد : (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ ».

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : الركون إلى الظالمين ، والاقامة في مساكن الذين ظلموا من قبل ، وكانت نهايتهم العذاب والهلاك ،ففي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فَإِنِّي أَخَافُ أَن ْيُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ ».

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : التعامل بالربا ، والتحايل بأساليب وطرق ملتوية ، ففي مسند أحمد (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلاَ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ ». وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَبِيعُ الْفَرَسَ بِالأَفْرَاسِ وَالنَّجِيبَةَ بِالإِبِلِ قَالَ « لاَ بَأْسَ إِذَا كَانَ يَداً بَيْدٍ »

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : التكذيب بالقدر ، والاعتقاد في الأنواء وفي غيرها ، وكذا ظلم الحكام ، ففي مسند أحمد : (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « ثَلاَثٌ أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الاِسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ وَحَيْفُ السُّلْطَانِ وَتَكْذِيبٌ بِالْقَدَرِ ».، وفي الصحيحين : (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ »

 ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : الرياء والسمعة ، والعجب بالأعمال ، وحب الظهور والخيلاء ، ففي مسند أحمد : (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ». قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِىَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِى الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً »

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : اتباع الهوى ،والميل إلى ما تشتهيه النفس ،وكذا الفتوى  بغير علم ، والظلم والجور في الحكم ، ففي مسند البزار: (أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ : إِنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ ثَلاثٍ : مِنْ زَلَّةِ عَالِمٍ ، وَمِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ ، وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ.، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوفَ ما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رُئِيت بهجتُه عليه، وكان ردءًا للإسلام، وانسلَخ منه، ونبَذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك)، قلت: يا نبي الله، أيهما أَوْلَى بالشرك: الرامي أو المرمي؟ قال: (بل الرامي)؛رواه ابن حبان و صححه الألباني.

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : التكاسل عن أداء الصلاة في وقتها ، أو أداءها في غير مواعيدها ، ففي سنن البيهقي : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى تَأْخِيرُهُمُ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا ، وَتَعْجِيلُهُمُ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا ».

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : أن تلبس المرأة المسلمة لباسا يشف ويظهر ما تحته ، فلباس المرأة المسلمة من شروطه : ألا يشف ، ولا يصف ، ولا يظهر مفاتنها ، وأن يكون سابلا وساترا ومغطيا لجسدها ، وألا يكون ثوب شهرة ، ففي سنن البيهقي : (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً أَهْدَاهَا لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِىُّ ، فَكَسُوتُهَا امْرَأَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَا لَكَ لاَ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟ ». قُلْتُ : كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي . فَقَالَ :« مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلاَلَةً فَإِنِّي أَخَافُ أَنَّ تَصِفَ عِظَامَهَا ».

                               أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                      الخطبة الثانية ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي )  

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : الوقوع في فتنة الدجال ، والايمان به وبدعوته ، ففي صحيح مسلم : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ « مَا شَأْنُكُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ « غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّى أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ قَالَ « أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ قَالَ « لاَ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ قَالَ « كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ)

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : الوقوع في حبائل النساء ، والاستجابة لشهوة الفرج بالوقوع في الزنا ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِي النَّاسِ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ».وفي صحيح مسلم : ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ »،وعن عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا نعايا العرب، يا نعايا العرب، إن أخوفَ ما أخاف عليكم الزنا والشهوة الخفية)؛ حسنه الألباني.

ومما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وحذرهم منه : سقطات اللسان وفلتاته ، وما يقع فيه من الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وقذف المحصنات والاشاعات وغيرها ، (فعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ. قَالَ « قُلْ رَبِّىَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَىَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ « هَذَا ».

هذه هي بعض الاعمال التي نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخاف على أمته من أن يأتوها ،فتكون سببا في عذابهم يوم القيامة ،فلذلك فقد حذرهم منها ،بقوله :(إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي) .

                                            الدعاء