الخطبة الأولى (من فضائل العشر) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه: (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها – قَالَتْ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ)
إخوة الإسلام
هكذا كان شأن النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل العشر الأواخر من رمضان، فشد المئزر، وذلك كناية عن مضاعفة الجد والاجتهاد في العبادة، واعتزل النساء، وايقظ الأهل، فهو يشرك زوجاته في العبادة، واحيا الليل، فقلل ساعات النوم فيه، فالعشر الأواخر من رمضان شفاء لأرواحنا، وتطهير لقلوبنا، ورحمة من ربنا، ومن لم تتزكَ نفسه، ويحيا قلبه، ويذرف دمعه في تلك العشر، فمتى يخشع ويدمع؟!، فالعشر الأواخر من رمضان أوقات فاضلة، ونفحات ربانية مباركة، والواجب على المسلم استثمارها، واغتنام كل لحظة ونفس فيها بالطاعات والقربات،
وإذا كان العلماء قد اتفقوا على أن رمضان هو خير الشهور وأفضلها، فإنهم قد اتفقوا أيضا أن العشر الأواخر منه هي أفضل ما فيه، وأعظم لياليه؛ فهي فضل الفضل وخير الخير.. وأعظمها بالإجماع ليلة القدر.
وقد خص الله تعالى العشر الأواخر من رمضان بمزايا لا توجد في غيرها، ففيها ليلة القدر، التي خصها الله تعالى بنزول القرآن فيها، قال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (القدر:1). وخصها بنزول الملائكة والروح، وجعل العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر، وخص النبي صلى الله عليه وسلم العشر من رمضان بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها. ومنها: كثرة الاجتهاد: فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد بالأعمال الصالحة فيها أكثر من غيرها، ففي صحيح مسلم: (قَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ). وكان يحيي فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وتلاوة القرآن ،وكان عليه الصلاة والسلام يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصا منه على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة، قال ابن رجب: “ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه”.
كما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر من رمضان بالاعتكاف: ففي مسند أحمد: (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (فضائل العشر)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ففي هذه العشر الأواخر من رمضان عليكم بالعزم على التوبة، والإكثار من الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، والإقبال على الله عز وجل بكل جوارحكم، حتى تصفو أرواحكم وقلوبكم، فلا تكن مشغولة بغير الله، وعليكم بالإلحاح في الدعاء، وأنتم على يقين بالإجابة،
ولابد في هذه العشر الأواخر من الإكثار من طلب العتق من النار، والدعاء بتيسير الرزق الحلال، وإصلاح الحال والبال، ونصر المؤمنين المستضعفين على أعدائهم، والدعاء بتحرير المسجد الأقصى من اليهود الغاصبين،
وأكثروا من الدعاء حال السجود فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ففي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».
ولا تضيعوا أي فرصة للطاعة والعبادة، واحذروا من التقصير فإن الرحمات والنفحات الربانية مفتوحة في هذه الأيام، وإن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا.
الدعاء