خطبة عن حديث (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ)
يونيو 13, 2020خطبة عن (متى يكون الهوى إلها يعبد من دون الله؟) (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)
يونيو 13, 2020الخطبة الأولى ( وقفات مع حديث ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ »
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الشريف ،يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم خصلتين محرمتين في التعامل مع المسلمين. الخصلة الأولى : سب المسلم وشتمه : وذلك بأي لفظ سيء ،سواء أكان باللعن والتقبيح ، أو تشبيهه بالبهائم ،أو تعييره بعيب أو خلق ،أو غير ذلك من الألفاظ التي تؤذيه ،وتدخل الحزن عليه. فيحرم على المسلم السب والشتم ،لأجل الدنيا أو الدين ،إلا في حالة واحدة ، فيجوز للمسلم شتم غيره إذا بدأه شخص بذلك ،وكان على سبيل القصاص والمماثلة ،مع أن الأفضل له ترك ذلك لله، فقد قال الله تعالى في محكم آياته : (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) (148) ،(149) النساء ، وفي مسند أحمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ وَلاَ بِلَعَّانٍ وَلاَ بِالْفَاحِشِ الْبَذِيءِ » ، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عف اللسان ،لا يسب ،ولا يشتم ،ولا يقبح أحدا: حتى مع خصومه من اليهود ،وغيرهم ،بل كان رفيقا في خطابه لهم.، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ . قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَهْلاً يَا عَائِشَةُ ،إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ » . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ » ، فينبغي للمؤمن أن يكون لسانه طيبا ،عفيفا ،يصدر عنه أحسن الكلام ،وأعذب الكلمات ،وأن يتجنب الفحش مع الخلق ،عامتهم وخاصتهم ،من أهل وولد وصاحب. والخصلة الثانية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: هي قتل المسلم : وهذا الفعل من أكبر الكبائر ، وقد ورد فيه وعيد شديد. قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء 93. وقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم قتال المسلم بالكفر ، والمراد به الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة ،باتفاق أهل السنة ،لأن الله عز وجل أثبت أخوة الإيمان للمؤمنين حال اقتتالهم ،ونزاعهم ، فقد قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (9) ،(10) الحجرات ، فالمسلم له حرمة عظيمة في نفسه أعظم من حرمة البيت العتيق ،فيحرم انتهاكها إلا بحق. ففي سنن ابن ماجة : (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ : « مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا ». وأهل الإيمان أعف الناس في باب الدماء ، فلا يسفكون دما ،ولا يخفرون ذمة ،ولا ينقضون عهدا ، خلافا للمنافقين ،والفجار ،الذين يستخفون بدماء المسلمين ،وأموالهم وأعراضهم.
أيها المسلمون
إن مبادئ الإسلام تهدف إلى حماية الناس من كل ما يتسبب في الإساءة إليهم ،بأي صورة من صور الإيذاء، كالظلم ،أو الاعتداء على حرماتهم في منازلهم ،والتطلع إلى عوراتهم ، والتحدث في اعراضهم، أو حتى إقلاق راحتهم في بيوتهم، أو الاستطالة عليهم في مجالسهم ، ووصل الأمر إلى عدم ايذائهم في الطريق الذي يمشون فيه، حتى توعد من يٌحدث في طريق الناس أو تحت الأشجار التي يستظلون بها، أو في أماكن جلوسهم للتحدث والراحة، توعد هؤلاء جميعاً باللعن والطرد من رحمة الله تعالى ، ففي سنن أبي داود : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ ». قَالُوا وَمَا اللاَّعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : « الَّذِى يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ ». ومعنى يتخلى : أي يتبرز ،أو يتبول في الطريق العام، أو في أماكن الظل· وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ». قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ ». رواه البخاري ومسلم·
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( شرح حديث ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الإسلام يريد من المسلم أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، فالذي لا يرضاه لنفسه لا يرضاه لغيره، فإذا طبق كل إنسان هذا المبدأ ،استراح الجميع، واطمأن كل إنسان على نفسه ، وعرضه وماله، وهذا المعنى جاء واضحاً في الحديث الشريف الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) ، فعلينا أن ندرك أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا الأحكام التي فيها صلاح لنا وإصلاح، قد ندرك ذلك في بعضها ،وقد لا ندركه في البعض الآخر، فلا نترك الأفعال تسير حسب الهوى، بل كما يريد الشرع، فتسيير الأعمال يجب أن يكون حسب شرع الله مهما كانت بسيطة، وتقييدها بالأحكام الشرعية واجب، ولا يستهيننّ أحد بأي منها، فكلها من عند المشرع الخبير.
الدعاء