خطبة عن (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ)
يونيو 27, 2024خطبة عن (أين النصر؟) مختصرة
يونيو 27, 2024الخطبة الأولى (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (39) الحج، وقال تعالى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) محمد: 4، وقال تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (140) آل عمران
إخوة الإسلام
إن الله سبحانه وتعالى على نصر المؤمنين الذين يقاتلون في سبيله لقدير, وقد نصرهم في مواطن كثيرة، فأعزّهم، ورفعهم، وأهلك عدوّهم، وأذل الكافرين بأيديهم، ففي بداية الدعوة سلّط الله المهاجرين والأنصارَ على صناديدِ قريش، وأكاسرةِ العجم وقياصرتهم، وأورثهم أرضهم وديارهم، كما قال سبحانه: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الرُّوم:47]، وقال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) [غَافر:51]. فنصر الله للمسلمين على أعدائهم من الكفار المحاربين لهم وعدُ حقٍّ، وقولُ صدقٍ، وهذا وعد الله تعالى الذي وعد به المؤمنين، وأخبرهم أن نصره قريب،
ولكن قد يؤخر الله نصره للمؤمنين لحكَم جليلة، فمن كان قوي الإيمان، وصادق اليقين، فسيعلم أن ذلك يكون قريباً، قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة/ 214. ونصر الله تعالى القريب ليس لكل من ادعى الإيمان، وزعم الإسلام، إنما هو لمن حقق الإيمان بقلبه، وعمل بالإسلام بجوارحه، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) النور/55،56
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) الحج (38): قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “فهو -تبارك وتعالى- يدافع عن الذين آمنوا حيث كانوا، فالله هو الدافع، والسبب هو الإيمان”. وقال ابن القيم -رحمه الله: “فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله، ومادةُ الإيمان وقوتُه بذكر الله تعالى، فمن كان أكمل إيمانًا وأكثر ذكرًا كان دفعُ الله -تعالى- عنه ودفاعُه أعظم، ومتى نقص نقص، ذِكرًا بذكر، ونسيانًا بنسيان”.
وقد ينصر الله تعالى أولياءه بدون قتال، كما حصل في الأحزاب وغيرها، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزَاب:9]. وقد يُلقي الله الرعب والهلع والجزع في قلوب الأعداء، كما حصل ليهود بني النضير، قال سبحانه: (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الحَشر:2]. وقد يكون هناك قتل وجراحات لأوليائه، ولكن الله -سبحانه- لطف بهم، كما حصل في أُحدٍ، حيث قُتِل من الصحابة سبعون، ففي حُكْمه وتدبيره لخلقه شؤون. وقد يجعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم أنفسهم؛ كي يتم نضجهم في أثناء المعركة؛ فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها، كما تستيقظ وهي تواجه الخطر، وهي تدفع وتدافع، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة، عندئذ تتحفز كل خلية بكل ما أُودع فيها من استعداد، لتؤدي دورها، ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة، ولتؤتي أقصى ما تملكه، وتبذل آخر ما تنطوي عليه، وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها، وما هي مهيأة له من الكمال، والنصر السريع الذي لا يكلف عناء، والذي يتنزل هيناً ليناً على القاعدين المستريحين، يعطل تلك الطاقات عن الظهور؛ لأنه لا يحفزها ولا يدعوها. وفوق ذلك، فإن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه؛ لأنه رخيص الثمن، فلم تبذل فيه تضحيات عزيزة، ولأن الذين نالوه لم تُدرب قواهم على الاحتفاظ به، ولم تشحذ طاقاتهم، وتحشد لكسبه، فهي لا تتحفز ولا تحتشد للدفاع عنه، من أجل ذلك جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا، يتم عن طريقهم هم أنفسهم، ولم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء”.
أيها المسلمون
وللنصر على الأعداء أسبابه، ومن أراد النصر دون القيام بأسبابه، فهو مخالف للشرع، والعقل، والسنن، فمن المعلوم يقينًا أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه بإذن الله تعالى، ومن هذه الأسباب: الإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/55. ومن أسباب النصر: نصر دين الله تعالى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) محمد /7،8. ومن هذه الأسباب: التوكل على الله، مع الأخذ بالأسباب، قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران/ 159، فلابد من التوكل مع الأخذ بالأسباب ؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين :الأول: الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى. والثاني: الأخذ بالأسباب المشروعة؛ قال الله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال/ 60. ومن هذه الأسباب: المشورة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه، مع كمال عقله ، وسداد رأيه؛ قال سبحانه: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى/ 38. ومن هذه الأسباب: الثبات عند لقاء العدو، مع الشجاعة والبطولة والتضحية، والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت، ولا يؤخره، ومن هذه الأسباب: الدعاء وكثرة الذِّكر، فالاستغاثة بالله، وكثرة ذكره؛ من أسباب النصر، فهو القوي القادر على هزيمة أعدائه، ونصر أوليائه، ومن هذه الأسباب: طاعة الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/ 52. وأيضا: الاجتماع وعدم التنازع، قال الله تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال/ 46.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسباب النصر: الصبر والمصابرة، ولا سيما الصبر على قتال أعداء الله ورسوله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران /200. ومن الأسباب: الإخلاص لله تعالى، فلا يكون المقاتل والغازي مجاهداً في سبيل الله إلا بالإخلاص. قال الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ) الأنفال/ 47. وكذا الرغبة فيما عند الله تعالى، والطمع في فضل الله، وسعادة الدنيا، والآخرة. ومن هذه الأسباب: إسناد القيادة لأهلها، أهل الإيمان، والخبرة والكفاءة، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».
أيها المسلمون
ألا فإن نصر الله قريب، والله على نصر المؤمنين لقدير، فكُونُوا عَلَى ثِقَةٍ أَنَّ مَا يَجرِي في الكُونِ فَإِنَّمَا هُوَ لِحِكَمٍ يَعلَمُهَا الحَكِيمُ العَلِيمُ سُبحَانَهُ، وقد نعلمها، وقد لا نعلمها، وتُوبُوا إِلى اللهِ وَاستَغفِرُوهُ، وَفِرُّوا إِلَيهِ مِنهُ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ؛ فَإِنَّهُ نَاصِرٌ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ، قال تعالى: (إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِن يَخذُلْكُم فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِن بَعدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكِّلِ المُؤمِنُونَ) [آل عمران:160].
الدعاء