خطبة حول قوله تعالى (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)
يوليو 16, 2022خطبة حول معنى الحديث ( مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ )
يوليو 16, 2022الخطبة الأولى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (114) البقرة
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) (114) البقرة ،فالمساجد هي أحب بقاع الأرض إلى الله ،ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ».، وقد سُميت المساجد ببيوت الله , فأضيفت إلى الله تعالى إضافة تشريف وتكريم ؛ لأن فيها تقام العبادات التي يخضع بها العباد له سبحانه وتعالى، وفيها تتلى آياته وفيها يُذكر الناس بمنهج الله والطرق الموصلة إليه ، قال الله تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } (الجن 18) ، وقال الله تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة 18). ، وقال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور36-37) ، فقد جعل الله المساجد شعارا للتوحيد , وعمارها من المهتدين ، وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كان أول عمل قام به عليه الصلاة والسلام هو بناء المسجد، وهذا الأمر لم يكن على سبيل المصادفة، ولم يكن مجرد إشارة عابرة، فهذا منهج أصيل، فلا قيام لأمة إسلامية بغير المسجد ، ولم يكن هذا خاص برسول الله عليه الصلاة والسلام بل حث أمته على بناء المساجد، ففي الصحيحين : (أن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « مَنْ بَنَى مَسْجِدًا – قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ – يَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ » ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاً أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) رواه ابن ماجه ، ومن اهميتها وعظيم مكانتها ما ورد في حديث السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ) [متفق عليه]
أيها المسلمون
وأما قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) (114) البقرة ، فالمعنى : فلا أحد أظلم ممن منع كلمة الحق أن تذكر في بيوت الله وقام بتخريب المساجد سواء التخريب المادي ـ أي الهدم وعدم العناية بها ـ أو التخريب المجازي بأن جعلها بيوتاً معطلةً من دعوة الخير ونشر فيها دعوة الشرّ ، وقد جاء في تفسير الطبري :” المسجد “: هو الموضع الذي يسجد لله فيه ، ومعنى الآية : وأي امرئ أشد تعديا وجراءة على الله وخلافا لأمره ، من امرئ منع مساجد الله أن يعبد الله فيها؟ ، وقد اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها قال مجاهد : هم النصارى ، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه .وعن قتادة : قال : أولئك أعداء الله النصارى ، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس ، وقال الإمام السعدي رحمه الله : المعنى : أي: لا أحد أظلم وأشد جرمًا، ممن منع مساجد الله عن ذكر الله فيها، وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات. {وَسَعَى} أي: اجتهد وبذل وسعه {فِي خَرَابِهَا} الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها، وتقذيرها.. والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها وهذا عام، لكل من اتصف بهذه الصفة، فيدخل في ذلك أصحاب الفيل، وقريش، حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية، والنصارى حين أخربوا بيت المقدس، وغيرهم من أنواع الظلمة الساعين في خرابها محادة لله ومشاقة، فجازاهم الله بأن منعهم دخولها شرعًا وقدرًا إلا خائفين ذليلين.. فلما أخافوا عباد الله، أخافهم الله، فالمشركون الذين صدوا رسوله، لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا، حتى أذن الله له في فتح مكة، ومنع المشركين من قربان بيته، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة :28]. وأصحاب الفيل، قد ذكر الله ما جرى عليهم، والنصارى سلط الله عليهم المؤمنين فأجلوهم عنه.. وهكذا كل من اتصف بوصفهم فلا بد أن يناله قسطه، وهذا من الآيات العظيمة أخبر بها الباري قبل وقوعها، فوقعت كما أخبر، واستدل العلماء بالآية الكريمة على أنه لا يجوز تمكين الكفار من دخول المساجد {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} أي: فضيحة كما تقدم {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، فلا أعظم إيمانًا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:18]. بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها، فقال تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) النور (36)
أيها المسلمون
فما أقبح هذا الذنب وأعظمه ، وهو محاربة بيوت الله تعالى بمحاربة الأئمة ومنع الدعاة وإغلاق المساجد أمام الذاكرين، وتضييق الخناق على المصلين. فالمساجد تقام بأمر الله تعالى، فهي تبنى وتشيد على اسمه خاصة، وتعظم ويرفع شأنها لتكون منارات للهدى ومراكز الإشعاع الروحي”. قال ابن عباس رضي الله عنهما: “المساجد بيوت الله في الأرض، تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض”. المساجد أراد لها ربها عز وجل أن تشع نورا، فتهفو إليها الأفئدة الظمآى تجديدا للإيمان حتى لا يخبو أو يبلى، وتحتضن المقبلين على ربهم ليذوقوا حلاوة الإيمان. لذلك توعد الحق سبحانه من يعطل وظيفتها بالخزي في الدنيا والآخرة ، فلا أظلم ممن عطَّل وظيفة المساجد وحاصر إشعاعها وسعى في خرابها فالمساجد بنيت لذكر الله وإقامة الشعائر وتعظيمها، وقد كان المسجد في أيامه الأولى محطة انطلاق إلى كافة مناحي الحياة، وقد قصر دوره في هذا الزمن على الصلاة فحسب، مع أنه كان الجامعة العظمى والمدرسة الأولى لتخريج الأجيال ولبناء الرجال، كان معهداً للقضاء، وجامعة لتلقي العلوم، ومحلاً للتكافل والتراحم بين المجتمع، ومنبراً للتوجيه والإرشاد إلى خيري الدنيا والآخرة ، وكان منارة لمداولة الآراء والكلام في واقع الناس وحياتهم، وقد بقيت بعض تلك الأدوار في زماننا بحمد الله لكن يحتاج الكثير منها إلى الرعاية والعناية ليكون المسجد مكاناً للإصلاح والخير.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإنك لتعجب -وما أكثر العجب في زماننا- عندما تسمع من يمنع ذكر الله تعالى في المساجد ويغلق حلق القرآن والحديث والفقه والتزكية والرقائق، ووصف القائمين على المساجد في بعض البلدان الإسلامية بالتشدد والتطرف، ووصف المتساهلين بأحكام الشريعة والمنتهكين للحرمات بأنهم أهل الوسطية والاعتدال، والنهج الوسط! ، وهكذا تقلب الموازين ويوصف الحق بأنه باطل والباطل حقاً.. بل وصل الأمر ببعض تلك الدول أن تغلق أبواب مساجدها بعد الصلاة المفروضة مباشرة ومنع مزاولة أي دعوة أو علم أو توجيه أو نصح!!
وهناك صورة أخرى من صورة منع ذكر الله فيها، وهي أن تصبح تلك المساجد أماكن للثناء على الباطل وتمجيده، ومحاربة الحق وأهله القائمين به. ، ومع ذلك يجب على أهل الحق من العلماء والمفكرين والخطباء، أن يحرصوا على العمل في المساجد، وعدم التخلي عنها، ومحاولة القيام بما يقدرون عليه من إيصال الحق إلى عقول الناس، سواء بقراءة القرآن في الصلوات، أو بالخطب والمواعظ، أو بالتدريس والتعليم. والإمام الحكيم يستطيع أن يتحين الفرص ويفيد الناس في الحدود المستطاعة، قال الله تعالى : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} الطلاق 2،.ولا ينبغي لمن عنده القدرة على إفادة المصلين -ولو قلَّت- التخلي عن القيام بما يقدر عليه
الدعاء