الخطبة الأولى ( قصة أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ) 1
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في كتابه العزيز (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الاعراف 176،
فالهدف والمقصود من القصص القرآني ، هو التفكر والاعتبار ، واستخلاص الدروس والعبر ، والاستفادة من نجاحات الآخرين أو اخفاقاتهم
واليوم إن شاء الله موعدنا مع قصة
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا )
إخوة الإسلام
ما أعظم قدرة الله ، وما أجل حكمته ، سبحانه وتعالى ، أمره بين الكاف والنون ، يقول للشيء كن فيكون (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يس 82 ،
والإنسان من قديم الزمان ، يريد أن يصل بعقله إلى معرفة أسرار الله في الخلق ، أو طريقته في الإيجاد ، أو قدرته على إحياء الموتى ، يريد الإنسان أن يدرك ذلك بعقله ، ونسي هذا الإنسان الضعيف ، أن لقدرته العقلية حدودا لا يتخطاها ، وأن لإدراكاته الفكرية نهاية لا يتعداها ، فالإنسان بجهله يريد أن يعرف كيف خلق؟ وكيف يموت؟ وكيف يبعث بعد الموت حيا ؟
لهذا ، فقد أنزل الله على رسوله محمد قرآنا يتلى يقص له فيه عن أخبار السابقين ، ويبين لنا فيه قدرته على البعث والنشور ، وإحياء الموتى من القبور
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة (259) ،
أيها الموحدون
هذه الآيات تتحدث عن نبي من أنبياء بني إسرائيل قيل أن اسمه ( عزير )
كان عزير عليه السلام رجلا صالحا ، وحكيما ورعا ، يحفظ التوراة عن ظهر قلب ،
وقد جعله الله مستجاب الدعوة ، وكان له بستان ، فيه من الأشجار والثمار
خرج عزير ذات يوم في الصباح الباكر ، راكبا حماره ، قاصدا بستانه ، ومعه سلة فيها طعامه وشرابه ، (من عنب وتين وخبز ) ووصل عزير إلى بستانه ، فسقى الأشجار وحمد الله على نعمه وآلائه ، ثم قفل راجعا إلى منزله
وفي الطريق مر عزير بقرية مهجورة ، ومقابر متناثرة ، تبدوا من بعضها عظام نخرة
قال تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا )
أسند عزير ظهره إلى أحد الجدران ، وأخرج ما معه من طعام ، ثم شرد بفكره ، وجال بخاطره
تذكر أن هذا المكان كان في الماضي قرية عامرة بالسكان ، مليئة بالخيرات ، شوارعها مزدحمة وقصورها عالية ، وثمارها متدلية ، ومن يرى هو عظامهم الآن كان لهم شأن وسلطان ، وهاهم أصبحوا من سكان القبور ، عظامهم نخرة ، وأجسادهم بالية ، ثم نظر عزير إلى البيوت الخربة ، والجدران المتصدعة ، والأسقف المتهدمة ، فكر وفكر ، ثم قال متعجبا (قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) ، أي كيف يحي الله هذه العظام التي صارت ترابا وتذروها الرياح في كل مكان
قال عزير ذلك بتعجب ، فهو رجل مؤمن بقدرة الله ، ولكنه يريد أن يعرف الكيفية
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يعطيه درسا عمليا ، وليكون له ولمن بعده آية ودليلا من دلائل قدرته ، فبينما هو مستغرق في تفكيره ، قبض الله روحه ، فمات في مكانه ، ومات معه حماره ، وتمر الأيام والشهور والأعوام ، حتى مضى على موته مائة عام
وشاءت حكمة الله أن يبعث عزيرا من موته (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ )
نفخ الملك فيه الروح ، استوى عزير جالسا ، وفتح عينيه ثم سأله الملك
(قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا ) ، ثم نظر حوله فوجد الشمس لم تغرب ، فقال
(أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، فكانت المفاجأة من الملك حينما قال له
(قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ) ، فتعجب عزير ، مائة عام ؟ ، إنها مدة طويلة وزمن مديد ، فقال له الملك لبين له قدرة الله في خلقه (فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ )
لقد حفظ الله طعامك كل هذه المدة الطويلة فلم يتغير لونه أو طعمه ، ولم يتعفن ، ولم يجف ، وفي نفس الوقت (وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) ، فالحمار الذي تركته حيا بجوارك ها هو قد أصبح ميتا ، قد بليت عظامه ، وتفتت أجزاؤه ، فأنت تريد أن ترى كيفية الإحياء ،
(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ) أي لتكون علامة للناس على قدرتنا على بعث الأموات من قبورهم، ولتكون أنموذجاً محسوساً مشاهداً بالأبصار، فيعلموا بذلك صحة ما أخبرت به الرسل.
(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا)
فانظر إلى حمارك الميت كيف تعود له الحياة ؟ ، وكيف يبعث من بعد موته ؟،
وكيف تتجمع عظامه ؟ ، وكيف تكسى العظام باللحم والجلد ؟
نظر عزير إلى الحمار ورأى بعينيه قدرة الله في إحياء الموتى ، وإعادة البعث
فقال مؤمنا ومصدقا ومستسلما ومعترفا وموقنا :
(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ) 1
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن القصة نتعلم دروسا وعبرا أهمها :
( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ؛ ) فهذه الآية وما قبلها، وما بعدها كلها في سياق قدرة الله -عز وجل- على إحياء الموتى.
سورة المؤمنون(14)؛
ولهذا تجد اللحم يقي العظام من الكسر والضرر؛ لأن الضرر في العظام أشد من الضرر في اللحم.
الدعاء