الخطبة الأولى ( من دلائل النبوة المعجزات المعنوية ) 6
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وما أحاطه الله به من عنايته وحفظه من أعدائه
فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مستخفياً تحوطه عناية الله، حتى وصل وصاحبُه إلى غار ثور، واختبآ فيه عن أعين المشركين الذين جدّوا بالبحث عنه حتى وصلوا إلى الغار، ووقفوا ببابه، وظن أبو بكر رضي الله عنه الهلكة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم :
لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا، ففي صحيح مسلم (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ قَالَ نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِى الْغَارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ
فَقَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ».
نعم فالله معه ينصره ويحميه قال تعالى :
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (التوبة:40).
وهكذا نجّى النبي صلى الله عليه وسلم من بين أيديهم ، واتجه صوب المدينة المنورة من جديد، تحوطُه رعاية الله ، وتكلؤه عنايته.
أما قريش فلم تستسلم، ولم تفتر عزيمتُها في محاولة قتلِ النبي صلى الله عليه وسلم والنيلِ منه، فأرسلوا إلى قبائل العرب يضعون لهم الجوائز إن همُ قتلوا النبيَ صلى الله عليه وسلم وصاحبَه، لكنهما كانا يسيران في حفظ الله ورعايته.
ففي صحيح مسلم يقول أبو بكر رضي الله عنه في حديث طويل
(…قَالَ فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ – قَالَ – وَنَحْنُ فِى جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أُتِينَا فَقَالَ « لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ». فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا أُرَى فَقَالَ إِنِّى قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَىَّ فَادْعُوَا لِى فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ.
فَدَعَا اللَّهَ فَنَجَى فَرَجَعَ لاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ قَالَ قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هَا هُنَا فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ رَدَّهُ – قَالَ – وَوَفَى لَنَا.)
قالَ أنس: (فكان أوَّل النهار جاهداً على نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم ،
وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له).
فكان إنجاء الله نبيه من بين يدي سراقة سبباً في إسلامه
أيها المسلمون
وفي المعجم الكبير للطبراني (عن عروة قال : و لما رجع المشركون الى مكة من بدر و قد قتل الله تعالى من قتلهم منهم أقبل عمير بن وهب حتى جاء الى صفوان بن أمية في الحجر
فقال صفوان قبح الله العيش بعد قتلى بدر فقال عمير أجل و الله ما في العيش خير بعد و لولا دين علي لا أجد له قضاء و عيالي ورائي لا أجد لهم شيئا لدخلت على محمد فلقتله أن ملأت عيني منه فان لي عندهم علة أقول قدمت على ابني هذا الأسير ففرح صفوان بقوله
فقال : علي دينك و عيالك أسوة عيالي في التفقه أن يسعني شيء و نعجز عنهم فحمله صفوان و جهزه بسيف صفوان فصقل وسم
و قال عمير لصفوان أكتمني ليالي فاقبل عمير حتى قدم المدينة فنزل باب المسجد و عقل راحلته و أخذ السيف لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر اليه عمر بن الخطاب و هو في نفر من الأنصار يتحدثون عن وقعة بدر و يشكرون نعمة الله فلما رأى عمر عمير بن وهب معه السيف فزع منه فقال : عندكم الكلب هذا عدو الله الذي حرش بيننا و حزرنا للقوم
فقام عمر فدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد معه السلاح و هو الفاجر الغادر يا رسول الله لا تأمنه قال : ( أدخله علي )
فدخل عمر و عمير و أمر أصحابه أن يدخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يحترسوا من عمير اذا دخل عليهم فاقبل عمر بن الخطاب و عمير بن وهب فدخلا على رسول الله صلى الله عليه و سلم و مع عمر سيفه
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر : ( تأخر عنه )
فلما دنا منه حياه عمير أنعم صباحا و هي تحية أهل الجاهلية
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أكرمنا الله عز و جل عن تحيتك و جعل تحيتنا السلام و هي تحية أهل الجنة
فقال عمير ان عهدك بها لحديث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( قد بدلنا لله خيرا منها فما أقدمك يا عمير ؟ )
قال قدمت في أسيري عندكم فقاربوني في اسيري فانكم العشيرة و الأهل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( فما بال السيف في رقبتك ؟ )
فقال عمير قبحها الله من سيوف فهل أغنت عنا من شيء أنا نسيت و هو في رقبتي حين نزلت و لعمري ان لي غيرة
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أصدقني ما أقدمك ؟ )
قال ما قدمت الا في أسيري
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( فما شرطت لصفوان بن أمية الجمحي في الحجر ؟ ) ففزع عمير و قال ما ذا اشترطت له ؟
قال : ( تحملت له بقتلي على أن يعول بنيك و يقضي دينك و الله حائل بينك و بين ذلك )
فقال عمير أشهد أنك رسول الله و أشهد أنه لا اله الا الله كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي و بما يأتيك من السماء و ان هذا الحديث لذي كان بيني
و بين صفوان في الحجر كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يطلع عليه أحد غيري و غيره ثم أخبرك الله به فآمنت بالله و رسوله
والحمد لله الذي ساقني هذا المقام
ففرح المسلمون حين هداه الله وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لخنزير كان أحب الي منه حين اطلع
ولهو اليوم أحب الي من بعض بني فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( اجلس نواسك )
وقال : ( علموا أخاكم القرآن ) واطلق له اسيره
وقال يا رسول الله قد كنت جاهدا ما استطعت على أطفاء نور الله فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق فلتأذن لي فالحق بقريش فادعوهم الى الاسلام لعل الله يهديهم و يستنقذهم من الهلكة
فاذن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فلحق بمكة وجعل صفوان يقول لقريش في مجالسهم ابشروا بفتح ينسيكم وقعة بدر وجعل يسأل كل راكب قدم من المدينة هل كان بها من حدث ؟
وكان يرجو ما قال عمير بن وهب حتى قدم عليه رجل من أهل المدينة فسأل صفوان عنه فقال قد أسلم فلقيه المشركون فقالوا قد صبأ
وقال صفوان ان علي أن لا أنفعه بنفقة أبدا ولا أكلمه من رأس كلمة أبدا وقدم عليهم عمير و دعاهم الى الاسلام
ونصح لهم فأسلم بشر كثير )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من دلائل النبوة المعجزات المعنوية ) 6
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهكذا نجى الله نبيه وحبيبه من كيد عميرٍ وصفوان ، فلم يجدْ عميرٌ أمام هذه المعجزة الباهرة والآية القاهرة إلا أن يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة، وللرب الذي حماه بالوحدانية.
ومن صور حماية الله لنبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم قصة شاة اليهودية،
إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى خيبر، فقدمت له يهودية من أهل خيبر شاةً مشوية مسمومة،
ففي سنن أبي داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ (… فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْمُ
فَقَالَ « ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِى أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ ».
فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِىُّ فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ
« مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِى صَنَعْتِ ».
قَالَتْ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِى صَنَعْتُ وَإِنْ كُنْتَ مَلِكًا أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ.
فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُتِلَتْ ثُمَّ قَالَ فِى وَجَعِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ
« مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الأَكْلَةِ الَّتِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِى ».
قال النووي: ” قوله صلى الله عليه وسلم ((ما كان الله ليسلطك عليّ))
فيه بيانُ عصمتِه صلى الله عليه وسلم من الناس كلِّهم،
كما قال الله: ( والله يعصمك من الناس) (المائدة: 67)،
وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته من السُّمِّ المهلِك لغيرِه،
وفيه إعلامُ الله تعالى له بأنها مسمومةُ، وكلامُ عضوٍ منه له،
فقد جاء في غير مسلم: ((إن الذراع تخبرني أنها مسمومة)).
أيها المسلمون
ومن حفظ الله لرسوله وعصمته من أعدائه : ما رواه مسلم في صحيحه (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا – قَالَ – وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِى الْوَادِى يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ –
قَالَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ رَجُلاً أَتَانِى وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِى فَلَمْ أَشْعُرْ إِلاَّ وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِى يَدِهِ
فَقَالَ لِى مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى قَالَ قُلْتُ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ فِى الثَّانِيَةِ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى قَالَ قُلْتُ اللَّهُ . قَالَ فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ».
ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- )
وفي هذا الحديث دلائلُ مختلفة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، منها:
ثبات النبي صلى الله عليه وسلم بتأييد الله له، ثم حمايةُ الله له من القتل.
ومنها تأييدُه له بالملائكة، فقد وقع في رواية لابن إسحاق
أن جبريل دفع بصدر المشرك فسقط سيفه.
وأخيراً: عفوُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل مع رفضه للإسلام،
وذلك خلق من أخلاق النبوة، وإلا فمن يصنع ذلك مع غريمه وعدوه الذي كاد أن يقتله؟ وقد صدق الأعرابي حين قال:
جئتُكم من عندِ خير الناس.
قال تعالى : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) (الزمر: 36)،
وفي هذا كله ما يشهد له صلى الله عليه وسلم بالنبوة لتأييد الله إياه وحفظه له.
ونستكمل الحديث إن شاء الله
الدعاء