الخطبة الأولى ( وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ )
الحمد لله رب العالمين , اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا, مباركا فيه …وأشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , .. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله, الرحمة المهداة ,والنعمة المسداة ,اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ,وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد . أيها المسلمون
قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (ق) 16 ، 17 ، 18 ،
إخوة الإسلام
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر 17 ، فقد من الله على هذه الأمة فأنزل عليها : ( قرآنه) ، وحفظه من كل تغيير ، أو تبديل , وجعل فيه العظات والعبر ، لمن أراد أن يتذكر أو أراد أن يعتبر ، واليوم -إن شاء الله – موعدنا مع بعض آيات من سورة : (ق ) ونسأل الله القدير أن يُخشع قلوبنا لذكره ـ ويزكى عقولنا لفهم معانيه ، فلو تدبرنا هذه الآيات ،نرى أن الحق تبارك وتعالى يقول فيها : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) : فيخبرنا الحق تبارك وتعالى عن قدرته على الانسان ، فهو الذي خلقه وصوره ، في آي صورة ما شاء ركبه …. وما دام الله هو الذي خلق الانسان ، إذن .. فهو محيط بجميع أموره ظاهرها, وباطنها ، سرها وعلانيتها، بل ويعلم ما توسوس به نفوس البشر ، من خير أو شر ، مما يغيب عن العالمين ، بل ويغيب عن الكرام الكاتبين .. فالحق سبحانه, يعلم السر وأخفى , ويعلم ما تكن صدورهم , وما يعلنون .. وإذا كان الله سبحانه وتعالى عليما بأحوالنا ، وعليما بأقوالنا ،إذن فعلينا أن نراقب الله في كل أفعالنا ، علينا أن نطهر ظاهرنا وباطننا ، وسرنا وعلانيتنا ،.. وإذا أيقن العبد ،وآمن، وصدق، بأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما توسوس به نفسه ،ما أقبل على معصية ،ولا فكر في فاحشة ولا أضمر حقدِا ,ولا حسدا, ولا مكرا لأحد, . لماذا؟ لأنه يؤمن بأن الله يعلم ذلك كله , فيخاف أن يعاقبه عليه , وهو القائل سبحانه : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) البقرة 235 ، والرسول (صلى الله عليه وسلم ) هو القائل : كما في الصحيحين : (قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » ، ومن رحمة الله بأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه سبحانه تجاوز عن هذه الأمة بما حدثت به نفسها ،فقد ثبت في الصحيح : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ » ،والمتأمل في أحوال الناس ، يتبين له أن أول الأسباب التي تجعلهم يقبلون على المعاصي , واللذات , إنما هو جهلهم بعلم الله .. ولو كان أحدهم موقنا ,بأن الله يعلم سره , وجهره وأن الله مطلع عليه , ويراه حين المعصية , لو كان موقنا بذلك .. ما خالف أمره , ولا أتى ما نهاه الله عنه , ولا غرق في المعاصي , والموبقات ..(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) ..ووسوسة النفس , إما تكون من الشيطان , وإما من الملك , ويصدق ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : كما في سنن الترمذي 🙁 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ». ( وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) , ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) .فالحق يخبرنا , أنه هو الذي خلق الانسان , ويعلم سره وجهره , وكذا فهو قريب من عبده ,بل هو معه في كل مكان وزمان .. يقول سبحانه وتعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) المجادلة 7 ، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) , فالله قريب من عبده , وهو أقرب إليه من عرق الوريد، وملائكة الرحمن تراقب أعماله وتحصى أقواله و أفعاله .. (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) ، ( والمتلقيان) هما الملكان الموكلان بكتابة عمل الانسان ,أحدهما يكتب الحسنات ,والآخر يحصى السيئات …(عن اليمين وعن الشمال قعيد ) أي هما عن يمين الإنسان وعن شماله .. ( قعيد )أي مترصدان بكتابة ما يقع منه من أعمال..وقد ورد أن الانسان يتعاقب عليه ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ..فقد روى البخاري 🙁عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ».. (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ )
الحمد لله رب العالمين , اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا, مباركا فيه …وأشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , .. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله, الرحمة المهداة ,والنعمة المسداة ,اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ,وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد . أيها المسلمون
ونأتي إلى قوله تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) … أي ما يلفظ الانسان من قول , وما يتكلم من كلمة , ولا يعمل من عمل إلا ويراقبها الملكان الموكلان ،فإن كانت حسنة ، كتبها ملك الحسنات ،وإن كانت سيئة ،كتبها ملك السيئات ،لا يتركون كلمة تمر دون أن تكتب وتدون ،ولايتركون فعل من الأفعال إلا ورصدوه ..لذا … عندما يقرأ المجرم كتابه يوم القيامة , ويجد أن كل شىء مكتوب فيه , يقول : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف 49 ، وقد روى الإمام أحمد: (عَنْ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ..فيا أيها المفرط على نفسك يا من تركت للسانك العنان , يتكلم كيف يشاء , ويلفظ بما شاء .. أمسك عليك لسانك , وفكر قبل أن تنطق , وحاسب نفسك قبل أن تحاسب , قبل أن يحاسبها من لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها
الدعاء