خطبة عن (يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
أبريل 16, 2019( دروس غزوة تبوك وأحداث العام التاسع
أبريل 17, 2019( دروس في مختصر السيرة النبوية) 10
أهم أحداث العام العاشر للهجرة
حجة الوداع
في هذا العام ..اراد الرسول صلى الله عليه وسلم ان يحج الى بيت الله الحرام ..وهي الحجة الوحيدة له في الاسلام ..إنها حجة الوداع لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعدها. .وتسمى ايضا حجة الاسلام لأنها الحجة الوحيدة له في الاسلام وتسمى حجة البلاغ لأنه صلى الله عليه وسلم بلغ الناس فيها شرائع الاسلام ..ولنستمع الى
فعند مسلم (أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ …. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ .. نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِى بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ .وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَظْهُرِنَا ..فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ « لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ». .
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) ..
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) « أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ». فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ .
( فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ.. حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ.. فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ
« إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ .. وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ.)..
ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى « أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ »..
حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ .. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ )
.وفي هذه الحجة أنزلت على رسول الله ..( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).. فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا . قَالَ أَيُّ آيَةٍ قَالَ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) المائدة 3،
ثم قال لهم( وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ »قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِبُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ »..
وقد اظهر الرسول في هذه الحجة يسر الاسلام في اداء المناسك ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ . فَقَالَ « اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ » . فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ . قَالَ « ارْمِ وَلاَ حَرَجَ » وبعد الانتهاء من أداء مناسك الحج أذن الرسول لأصحابه بالعودة
قرب الأجل : أثناء سفره عائدا إلى المدينة.. أحس بقرب أجله.. فخطب في الناس فعند مسلم :
( فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا بَعْدُ أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّى فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ». فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ « وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي »
وبعد أن أكمل الله دينه وأتم نعمته ورضي لنا الإسلام دينا ..وبعدما بلغ الرسول الرسالة ..وأدى الأمانة ونصح الأمة ..وكشفت الله به الغمة ..كان لابد من الرحيل والفراق ..فتلك سنة الحياة ..فمع مرض الرسول وموته
مرض الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول الله تعالى مخاطبا رسوله محمدا ( إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ) الزمر 30.
ويقول الله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (34) ،(35) الأنبياء
وقال الله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (144) ،(145) آل عمران
فمهما طال الليل فلابد من طلوع الفجر .ومهمه طال العمر .فلابد من نزول القبر. فلكل بداية نهاية .كل ناع سينعى .وكل باك سيبكى .وكل مخلوق سيفنى .وكل مذكور سينسى ليس غير الله يبقى .من علا فالله أعلى.
نعم (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ).فقد خلق الله الموت والحياة. حكم سبحانه على كل إنسان بالموت .والانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء .ليحاسبه الله على ما قدم من عمل. فإما إلى الجنة وإما إلى النار .ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بشر .ويعتريه ما يعتري البشر .لذلك .
لما أنزل الله عليه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا ) المائدة 3،
وقد نزلت وهو في حجة الوداع .أحس صلى الله عليه وسلم بقرب أجله .وانتهاء رسالته. فقال لأصحابه« لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ .فَإِنِّي لاَ أَدْرِى .لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ »..
ثم ينادي فيهم، ليأخذ عليهم العهد الميثاق الكبير، قائلا كما في صحيح مسلم:
(وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ)..
بل وتظهر علامات معرفته بقرب أجله في كلماته مع الصحابي الجليل معاذ بن جبل. فعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ. خَرَجَ مَعَهُ يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: “يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي، وَلَعَلَّكَ أَنَّ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي وَقَبْرِي”، فَبَكَى مُعَاذُ بن جَبَلٍ جَزَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”لا تَبْكِ يَا مُعَاذُ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ مِنَ الشَّيْطَانِ” ثُمَّ الْتَفَتَ. فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِيَ الْمُتَّقُونَ. مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا ».
ثم أنزل الله عليه في أيام التشريق: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ .. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا .. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابً )، فعرف أنه الوداع،
وفي البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ رضى الله عنه . سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) قَالُوا فَتْحُ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ قَالَ مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَجَلٌ أَوْ مَثَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نُعِيَتْ لَهُ نَفْسُهُ) ..
وفي صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ. كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ « سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ». قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقَالَ « خَبَّرَنِي رَبِّى أَنِّى سَأَرَى عَلاَمَةً فِي أُمَّتِى. فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقَدْ رَأَيْتُهَا (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فَتْحُ مَكَّةَ ( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) »
.وبعد قدومه صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في أول العام الحادي عشر من الهجرة .وبعد أن أمر ببعث أسامة بن زيد بدأ يفصح صلى الله عليه وسلم للمقربين إليه بقرب أجله ..واختياره للرفيق الأعلى ..
(فعَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: طَرَقَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: أَبُو مُوَيْهِبَةَ انْطَلِقْ، فَإِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ، فَانْطَلَقْتُ، أَوْ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَلَمَّا تَوَسَّطَ الْبَقِيعَ اسْتَغْفَرَ لأَهْلِ الْمَقَابِرِ، ثُمَّ قَالَ :لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ لَوْ تَدْرُونَ مِمَّا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرَهَا أَوَّلُهَا الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأُولَى، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَنِي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَزَائِنَ الأَرْضِ وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ. وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ وَالْخُلْدَ فِيهَا، قَالَ: كَلا يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لأَهْلِ الْمَقَابِرِ وَانْصَرَفَ..
فَلَمَّا أَصْبَحَ بَدَأَهُ شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .ثم ودع شهداء أحد ففي البخاري(عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ. بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ ، كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ « إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا ، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا ، وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا » . قَالَ فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)
الأيام الأخيرة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
بدأ الرسول يشعر بصداع شديد .( فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ. رَجَعَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ. وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعاً فِي رَأْسِي. وَأَنَا أَقُولُ وَا رَأْسَاهُ. قَالَ « بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهُ ». قَالَ « مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ ». قُلْتُ لَكِنِّى أَوْ لَكَأَنِّي بِكَ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ. قَالَتْ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ بُدِئَ بِوَجَعِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ )
ويبين الرسول لعائشة سبب مرضه (قَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ « يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ ».
وبعد أيام ..أثقل الألم والصداع والحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها.. قالت فلما رأوا ما به.. اجتمع رأي من في البيت على أن يلدوه.(أي يعطوه بعض الأدوية )،
فاشتد مرضه حتى أغمي عليه، (عَنْ أَسْمَاءَ بنتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: أَوَّلُ مَا اشْتَكَى اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَتَشَاوَرَ نِسَاؤُهُ فِي لَدِّهِ فَلَدُّوهُ، فَلَمَّا أَفَاقَ، قَالَ: مَا هَذَا أَفَعَلَ نِسَاءٌ جِئْنَ مِنْ هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ فِيهِنَّ، فَقَالُوا: كُنَّا نَتَّهِمُ بِكَ ذَاتَ الْجَنْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَقْذِفُنِي بِهِ لا يَبْقَيْنَ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا الْتَدَّ إِلا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي عَبَّاسًا، قَالَ: فَلَقَدْ لَدَّتْ مَيْمُونَةُ يَوْمَئِذٍ وَإِنَّهَا صَائِمَةٌ، لَعَزِيمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )…
ولما اشتد به الوجع عليه .. صلى الله عليه وسلم وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ..ففي البخاري ( أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي ، فَأَذِنَّ لَهُ ، فَخَرَجَ وَهْوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرْضِ ، بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قَالَ قُلْتُ لاَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ عَلِىٌّ .
وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ « هَرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّى أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ » . فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ قَالَتْ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ).
وكان مما خطبهم في ذلك اليوم ما قاله أبو سعيد الخدري في مسند الإمام أحمد (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ. قَالَ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى صَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ. . قَالَ فَقَالَ « إِنِّي السَّاعَةَ لَقَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ ». قَالَ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ عَبْداً عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَاخْتَارَ الآخِرَةَ ». فَلَمْ يَفْطُنْ لَهَا أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاَّ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي بَلْ نَفْدِيكَ بِأَمْوَالِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَوْلاَدِنَا. قَالَ ثُمَّ هَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِنْبَرِ فَما رُئِيَ عَلَيْهِ حَتَّى السَّاعَةِ) .
وعند البخاري عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ » . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه فَقُلْتُ فِي نَفْسِى مَا يُبْكِى هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْعَبْدَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا . قَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِى لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِى بَكْرٍ ».
واشتدت الحمى برسول الله.. وأصبحت لا تطاق من شدتها .. (فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ وَضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أُطِيقُ أَنْ أَضَعَ يَدِى عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حُمَّاكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلاَءُ كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ ).( وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا . قَالَ « أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ » . قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ « أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بها سيئاته)
ولما أحس صلى الله عليه وسلم بقرب أجله أخذ يوصي أمته ويحذرها ..فحذر أمته من بناء المساجد على القبور. أو دفن الأموات في المساجد .حتى لا يعبد من فيها من دون الله .
ففي صحيح مسلم : يقول جُنْدُبٌ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ كَانَ لِي فِيكُمْ إِخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، أَلا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ.).
وفي هذه الفترة رغم المرض والألم وشدة الحمى ..إلا أن رسول الله كان يخرج ويصلي بالناس متحاملا على نفسه ..واستمر ذلك أحد عشر يوما ..وبعدها اشتد عليه المرض. .
تقول عائشة ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما جاء في الصحيحين.( ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « أَصَلَّى النَّاسُ ». قُلْنَا لاَ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ ». فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ « أَصَلَّى النَّاسُ ». قُلْنَا لاَ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ « ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ ». فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ « أَصَلَّى النَّاسُ ». قُلْنَا لاَ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ « ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ ». فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ « أَصَلَّى النَّاسُ ».
فَقُلْنَا لاَ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَتْ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِصَلاَةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ – قَالَتْ – فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَبِى بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّىَ بِالنَّاسِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَ فَقَالَ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ ..قَالَتْ فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ لاَ يَتَأَخَّرَ وَقَالَ لَهُمَا « أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ ». فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِى بَكْرٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلاَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِى بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ ).
وفي رواية عند البخاري(عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضى الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ فِي مَرَضِهِ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ » . قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ . فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ . فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم « مَهْ ، إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ »
وكانت هذه بداية الأيام الأربع التي سبقت موت رسول الله وهو في بيت عائشة.. وكان يصلى بالمسلمين في تلك الأيام أبو بكر الصديق رضي الله عنه.. وأخذ صلى الله عليه وسلم يوصي أمته. فأوصى بالأنصار خيرًا،
(ففي صحيح البخاري ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ :إِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِي مِنْكُمْ أَمْرًا يَنْفَعُ قَوْمًا وَيَضُرُّ آخَرِينَ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَلْيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ،
وفي رواية المعجم قَالَ: فَكَانَ آخِرَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ.) .
كما أمر صلى الله عليه وسلم أن توزع تركته وهي سبعة دنانير .لأن الأنبياء لا يورثون ..فما تركوه فهو صدقة .. كما في معجم الطبراني.( كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ وَضَعَهَا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ مَرَضِهِ، قَالَ :” يَا عَائِشَةُ اذْهَبِي بِالذَّهَبِ إِلَى عَلِيٍّ”، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَشَغَلَ عَائِشَةَ مَا بِهِ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، كُلَّ ذَلِكَ يُغْمَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويَشْغَلُ عَائِشَةَ مَا بِهِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا، وَأَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ فِي جَدِيدِ الْمَوْتِ .
اشتد برسول الله وجعه ..فاراد أن يكتب لأصحابه وأمته كتابا يعملوا به من بعده ففي البخاري( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّهُ قَالَ يَوْمُ الْخَمِيسِ ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ « ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا » . فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم . قَالَ « دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ » . وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ « أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ » . وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ)..
وكان أقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته الإمام على رضي الله عنه.
قالت لما كان غداة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فجعل يقول جاء على. ثلاث مرات. فجاء قبل طلوع الشمس فلما أن جاء عرفت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت…
ونأتي الى الخاتمة
فهيا بنا نرصد حالة رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومه الأخير ..إنه يوم الاثنين . وما أدراك ما يوم الاثنين .إنه الثاني عشر من ربيع الأول للعام الحادي عشر للهجرة والرسول في عامه الثالث والستون ..ففي صباح يوم الاثنين ،
بينما المسلمون في صلاة الفجر وأبو بكر يصلِّي لهم. .نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة الوداع الأخير. .إنها نظرة تأمل للراكعين الساجدين لله رب العالمين ..ففي الصحيحين ( أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّى لَهُمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ – وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ – كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سِتْرَ الْحُجْرَةِ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ. ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَاحِكًا – قَالَ – فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَارِجٌ لِلصَّلاَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ – قَالَ – ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَرْخَى السِّتْرَ – قَالَ – فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ) ..
قال أنس: فلمَّا وضح لنا وجه رسول الله ما نظرنا منظرًا قطُّ كان أعجب إلينا من وجه رسول الله حين نظرنا إليه )
كانت تلك آخر نظرة نظرها الصحابة إلى رسول الله وهو يتبسّم .حتَّى كادوا يفتتنوا وهم في صلاتهم. مشهدٌ ما أروعه، وكانت تلك نظرة الوداع التي أرخى بعدها الستر.
وانصرف الناس. وهم يرون أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد أفاق من وجعه .. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فقال أغد على بركة الله والنصر والعافية ثم أغر حيث أمرتك أن تغير
فقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما يا نبي الله قد أصبحت مفيقاً و أرجو أن يكون الله عز و جل قد شفاك فأذن لي أن أمكث حتى يشفيك الله فإني إن خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي قلبي قرحة من شأنك وأكره أن أسأل عنك الناس فسكت عنه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ….
ودخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاه ثم ركب فلحق بأهله بالسنح .
فلمَّا كان الضحى من ذلك اليوم وبدأت سكرات الموت. وفي ذلك اليوم أعتق غِلمانَه، وتصدّق بمالٍ كان عنده، ووهب المسلمين أسلحته. وكان يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث ..تقول عائشة..
فكنت أقرأ عليه وأنفث وأمسح عليه [ بيده ] رجاء بركتها… فوضعت يدي على صدره فقلت أذهب الباس رب الناس أنت الطبيب وأنت الشافي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وألحقني بالرفيق الأعلى وألحقني بالرفيق الأعلى.. ويزداد الكرب عليه، وتزداد السكرات والكربات، وهنا تدخل زهرته فاطمة.
(فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَرْحَبًا بِابْنَتِي ». فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا فَقُلْتُ لَهَا مَا يُبْكِيكِ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ. فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ أَخَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي « أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِى الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ حَضَرَ أَجَلِى وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ». فَبَكَيْتُ لِذَلِكِ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ « أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ ». فَضَحِكْتُ لِذَلِكِ)..
وترى فاطمة الكرب يشتد على أبيها وحبيبها، فتصرخ وتقول: وا كرب أبتاه،
(فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ كَرْبِ الْمَوْتِ مَا وَجَدَ قَالَتْ فَاطِمَةُ وَاكَرْبَ أَبَتَاهْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا الْمُوَافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .
ويشتد الألم على رسول الله فيأمر بركوة فيها ماء، ويدخل يده فيها ويمسح العرق عن جبينه الأزهر الأنور ففي البخاري (أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – كَانَتْ تَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهَ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ – أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ ، يَشُكُّ عُمَرُ – فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ »..وثقل لسانه فلم يستطع الكلام ..
يقول اسامة بن زيد : لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هَبَطْتُ وَهَبَطَ النَّاسُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَىَّ وَيَرْفَعُهُمَا فَأَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي)
وفي رواية للبخاري (أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَىَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – تُوُفِّىَ فِي بَيْتِي وَفِى يَوْمِي ، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، دَخَلَ عَلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَلَيَّنْتُهُ ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ – أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ – فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ » . ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ « فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى » . حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ)
وكانت عامة وصيتة حين حضره الموت « الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ » يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ)
ويقبل ملك الموت على النبي لينادي على روحه الطاهرة: أيتها الروح الطيبة، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ورب راض عنك غير غضبان،( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)… وتسقط يد النبي. وتخرج عائشة تصرخ وتبكي: مات رسول الله، مات خير خلق الله، مات إمام النبيين، مات سيد المرسلين، مات الحبيب ..وتبكي فاطمة .. وَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرَائِيلَ أَنْعَاهْ وَا أَبَتَاهْ مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهْ وَا أَبَتَاهْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ وَا أَبَتَاهْ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهْ.)
ويقابل عمر بن الخطاب عائشة، فيصرخ ويشهر سيفه في الناس وهو في ناحية المسجد ويقول ( وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) .. وفي هذا الوقت كان أبو بكر في بيته في عوالي المدينة، فبلغه الخبر في وقت الضحى،
(. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يُمِيتَكَ مَرَّتَيْنِ قَدْ وَاللَّهِ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. وَعُمَرُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم وَلاَ يَمُوتُ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِىَ أُنَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَثِيرٍ وَأَرْجُلَهُمْ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ). قَالَ عُمَرُ فَلَكَأَنِّي لَمْ أَقْرَأْهَا إِلاَّ يَوْمَئِذٍ..
وفي مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَرَفَعْتُ الْحِجَابَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَحَدَرَ فَاهُ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَا نَبِيَّاهْ . ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَدَرَ فَاهُ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَا صَفِيَّاهْ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَحَدَرَ فَاهُ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ وَقَالَ وَا خَلِيلاَهْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)
أما تغسيله : فعن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا نَدْرِى كَيْفَ نَصْنَعُ أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. قَالَتْ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السِّنَةَ حَتَّى وَاللَّهِ مَا مِنَ الْقَوْمِ مِنْ رَجُلٍ إِلاَّ ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ نَائِماً – قَالَتْ – ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لاَ يَدْرُونَ مَنْ هُوَ فَقَالَ اغْسِلُوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. قَالَتْ فَثَارُوا إِلَيْهِ فَغَسَّلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي قَمِيصِهِ يُفَاضُ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ وَيُدَلِّكُهُ الرِّجَالُ بِالْقَمِيصِ وَكَانَتْ تَقُولُ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنَ الأَمْرِ مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ نِسَاؤُهُ).
وهكذا غسل رسول الله يوم الثلاثاء ..ثم كفن ..ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا فَتُرِكَتِ الْحُلَّةُ وَكُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ).
وأما الصلاة عليه ففي مسند الإمام أحمد قَالَ بَهْزٌ – إِنَّهُ شَهِدَ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا كَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْهِ قَالَ ادْخُلُوا أَرْسَالاً أَرْسَالاً. قَالَ فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبَابِ الآخَرِ .
وفي مصنف بن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: لما توفي رسول الله وضع على سريره، فكان الناس يدخلون زمرا زمرا يصلون عليه ويخرجون، ولم يؤمهم أحد. .
وبعد الفراغ من غسله وتكفينه والصلاة عليه مكث حتى منتصف ليلة الأربعاء .فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تُوُفِّىَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَدُفِنَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ).
وحفر قبره صلى الله عليه وسلم في المكان الذي توفي فيه. .في حجرة عائشة. فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اخْتَلَفُوا فِى دَفْنِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ قَالَ « مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ ». ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ).
لذلك لم يحمل رسول الله على الأعناق ولم تكن له جنازة ..واختاروا له في قبره اللحد..(فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ لاَ تَصْخَبُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللاَّحِدِ جَمِيعًا فَجَاءَ اللاَّحِدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ دُفِنَ -صلى الله عليه وسلم)
وجعلوا في قبره قطيفة حمراء (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جُعِلَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ)فَلَمَّا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ صلى الله عليه وسلم- قَالَ الْمُغِيرَةُ قَدْ بَقِىَ مِنْ رِجْلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُصْلِحُوهُ. قَالُوا فَادْخُلْ فَأَصْلِحْهُ. فَدَخَلَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَّ قَدَمَيْهِ. فَقَالَ أَهِيلُوا عَلَىَّ التُّرَابَ . فَأَهَالُوا عَلَيْهِ التُّرَابَ حَتَّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ فَكَانَ يَقُولُ أَنَا أَحْدَثُكُمْ عَهْداً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
ولما انتهوا من دفنه وأهالوا عليه التراب.(قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ يَا أَنَسُ ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – التُّرَابَ )
ومن شدة الحزن والالم والوجل أنكر الصحابة قلوبهم .( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِى دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ وَمَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- الأَيْدِي وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. ، أي: لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء والألفة؛ .وأصبحت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء لموت رسول الله .
وقال عثمان : توفي رسول الله فحزن عليه رجال من أصحابه حتى كان بعضهم يوسوس، فكنت ممن حزن عليه، فبينما أنا جالس إذ مر بي عمر فسلم علي، فلم أشعر به لما بي من الحزن.
وفي صحيح مسلم .( عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعُمَرَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَزُورُهَا. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ فَقَالاَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَتْ مَا أَبْكِى أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَكِنْ أَبْكِى أَنَّ الْوَحْىَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلاَ يَبْكِيَانِ مَعَهَا) .
فسلام عليك يا رسول الله. .سلام عليك ينبي الله ..سلام عليك يا خير خلق الله . سلام عليك في الأولين…و سلام عليك في الاخرين… وسلام عليك في الملأ الأعلى إلى يوم الدين
الخاتمة
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت ،فما زالت روحه وهديه وسنته ومنهجه وطريقته فينا الى يوم الدين ..
ونعاهد الله ، ونعاهدك سيدي يا رسول الله .أن نسير على الدرب والخطا ولا نمل من الصلاة عليك في كل لحظة وفي كل حين. حتى نلقاك على الحوض فنشرب من يدك الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا .
فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته رسالته، اللهم لا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، اللهم احشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة، لا نرد ولا نظمأ بعدها أبدا يا رب العالمين