خطبة عن : من أخلاق المسلم :( الاخلاص )
أبريل 7, 2018دروس شهر رمضان : من أخلاق المسلم
أبريل 7, 2018مجموعة دروس عن ( الإسلام علمني )
يقول الله تعالى في محكم آياته :(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة 3، وقال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (9) الصف ،وروى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ وَقَال « أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى -صلى الله عليه وسلم- كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي ».
إخوة الإسلام
إن الإسلام هو دين ومدرسة تربوية وأخلاقية ، يتعلم فيها المسلم أسس الأخلاق ، ومبادئها القويمة , فهو دين قد جاء ليعلي من شأن الأخلاق , قال الله سبحانه : ” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (34)،(35) فصلت ،وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالخلق العظيم , فقال الله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) سورة القلم .بل إن الهدف الاسمي من بعثته صلى الله عليه وسلم هو إكمال وإتمام مكارم الأخلاق , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ) رواه احمد ،والأخلاق التي نتعلمها من الإسلام ،هي سلوكيات المسلم مع ربه وخالقه , وسلوكياته مع نفسه , وسلوكياته مع جميع الناس من حوله , وكذا سلوكياته مع جميع الكائنات التي تعيش معه في هذا الكون… فماذا علمني الإسلام ؟؟
الإسلام علمني : أن أعبد الله تعالى حق العبادة ،ولا أشرك به شيئا ،ولا أتخذ غيره ناصراً وولياً ، قال الله تعالى : ” وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (13): (18) سورة الأنعام . وقال الله تعالى : “وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (105) :(109) سورة يونس .وفي الصحيحين (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ – رضى الله عنه – قَالَ بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلاَّ آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ « يَا مُعَاذُ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذُ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ » . قُلْتُ « لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ « هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ » . قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا » . ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ « هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ » . قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ »
والإسلام علمني : أن أراقب الله تعالى وأن أخشاه حق خشيته : وأن أعبد ربي كأنني أراه، إن لم أكن أراه فهو يراني ، فله صلاتي ونسكي ،ومحياي ومماتي كله، يراني ويراقب خواطري، ويعرف أين توجهي ، ويعلم خالجة نفسي ،وخائنة عيني ،وخافية صدري فهو سبحانه ” لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ” [آل عمران: 5]
وقال الله تعالى :” فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (150) البقرة.
وروى الترمذي (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ »
والإسلام علمني : أن أجاهد نفسي ،وأجاهد شيطاني وهواي، وأن أجتث بذور الشر من داخلي :قال الله تعالى :”وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (53) يوسف.
وقال الله تعالى “أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (60) :(62) سورة يس .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللهِ ؛أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ : يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ ، النَّاسُ غَادِيَانِ ، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا ، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا) أخرجه أحمد
والإسلام علمني : أن أتآلف مع إخواني من المسلمين ، وأن أرعى حقوق الأخوة الإسلامية ، قال الله تعالى “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (10) الحجرات.
وقال الله تعالى “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (9) الحشر .
وفي الصحيحين (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ).
والإسلام علمني : أن أحب الخير للناس ، كما أحبه لنفسي , وأن أكره لهم ما أكرهه لنفسي ، ففي مسند أحمد (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ ».
وعَنْ مُعَاذٍ ؛ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَفْضَلِ الإِيمَانِ قَالَ « أَفْضَلُ الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ ». قَالَ وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَأَنْ تَقُولَ خَيْراً أَوْ تَصْمُتَ ». رواه أحمد وصححه الالباني
أيها المسلمون
والإسلام علمني : أن أتآلف مع الكون والكائنات من حولي ، وأتفكر في خلق الله ، قال الله تعالى :” أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (17): (20) الغاشية .
وقال الله تعالى :” أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) (6) :(11) ق
وفي الصحيحين ( عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أُحُدًا ، فَقَالَ : هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. وفي الصحيحين ( عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ.)
وفي الصحيحين (عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ ، إِذِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ وَخَرَجَ ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ ، فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ، فَقَالُوا :
يَا رَسُولَ اللهِ ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لأَجْرًا ؟ فَقَالَ : فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ. )
أيها المسلمون
و الإسلام علمني أن أكون مخلصًا في الأعمال التي أؤدها، لله وللناس ، واخلاص العمل لله سبحانه، ألا أشرك بعبادته أحدًا، فلا نفاق ولا رياء .
وأما اخلاصي مع الناس، فيكون بتعاوني معهم بالصدق والسلامة والوفاء، فلا غش ولا مواربة، ولا كذب ولا خيانة ، وأن أكون مؤمنا بأن إخلاصي معهم يعرفه الله مني، فإن لم أكن كذلك عاقبني ، وقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لا ينظر إلى أجسامنا ولا إلى صورنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا، التي هي محل النية والإخلاص .
والإسلام علمني أن أتوب إذا أذنبت وقمت بعملٍ سيء، فإن الله سيمحوه بالتوبة إذا كنت صادقًا في توبتي، بأن أقلع عنه، وأندم على ذلك، وأعزم على ألا أعود إليه، وإن تعلق به حق إنسان أعدته إليه وبرأت ذمتي منه ، وليعلم المرء التائب أن ربه يفرح بتوبته فرحًا شديدًا، لأنه رحيم به، ولا يريد لعبده المؤمن إلا الخير .
والإسلام علمني أن أكون صبورًا إذا ابتليت، كما أكون شكورًا إذا عوفيت، فإن الصبر ضياء في الطريق، والشكر مكرمة تدل على معدنٍ طيب ووفاء في الإنسان .
وإن المرء يسأل الله العافية، ولا يسأله الصبر، فإن الصبر لا يأتي إلا بعد البلاء، ولكنه إذا ابتلى دعا الله أن يثبته ويقويه، وقد روى البخاري في صحيحه قال صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ »
وإذا صبر الإنسان فلم يجزع بما يخرجه من الحد، ولم يتضجر أو يسخط ويتأفف، جازاه الله بأجرٍ كبيرٍ لا يخطر على البال، يقول الله سبحانه وتعالى :
” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ” [الزمر: 10] .
والإسلام علمني أن أكون صادقًا، لأن الصدق يسير بي إلى أبواب الخير ويفتحها، وهذه الأبواب تأخذني إلى الجنة .ثم إني أجد راحةً في الصدق، وطمأنينة وراحة بال، بعكس الكذب والافتراء، الذي يسلك بي طرق الفجور، وهذه الطرق تؤدي إلى النار ،
وفي الكذب دائمًا ريبة وتوجس وقلق، فلا يؤمن على شيء، لأنه يؤمن جانبه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لمح كذبًا من بعضِ أصحابه انقبض عنه، ولا ينفتح قلبه عليه إلا بعد أن يعلم أنه انقلع وتاب منه .
إخوة الاسلام
الإسلام علمني : أن أكون مؤمنًا حق الإيمان، وموقنًا يقينًا كاملًا لا يتزعزع، ومسلمًا بما يأمر به ربي ، ويقضى علي ويقدره ، وأن أتوكل عليه ،وأفوض إليه أمري، وأسلم إليه نفسي، رغبة ورهبة إليه، فلا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، فهو حسبي ونعم الوكيل .
والإسلام علمني: أن أكون مستقيمًا، في نظرتي إلى الحياة، وفي سلوكي ومعتقدي،
وأن أكون مستقيمًا مع نفسي ومع الآخرين، وكيف أخدع نفسي التي بين جنبي ولها أعمل، وكيف أخدع أخي في العقدة وقد وصاني به رب الخلق، وكيف أخدع الآخرين وقد أمرني الله بالعدل ولو مع الكفار الذين أبغضهم ؟ فالاستقامة واجبة في كل حال !
والإسلام علمني: أن أكون متفكرًا، نبيهًا، عاقلًا، مثقفًا، فطنًا، أتفكر في خلق السماوات والأرض، وما فيها من إنسان، وحيوان، ونبات، وجماد ، قال الله تعالى :
” رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ” .
وأتفكر في الدنيا وأحوالها، وفنائها، والآخرة وأهوالها، وفي النفس وتقصيرها، وتهذيبها، وحملها على الاستقامة .
والإسلام علمني: أن أكون مبادرًا إلى الخيرات من غير تردد، فإن كسلت أفقرت وضعفت، فالإسلام يقدم القوة ويفخر بأولي العزم، وإن لم أبادر فقد يأتيني المرض فلا أقدر على عملٍ ولا عبادة، والعمر قصير، والموت قادم، والحساب بانتظاري !
وإن خير توجه في المبادرة أن تكون إلى الجهاد، فالجهاد به يعز الإسلام ، ويقوى المسلمون ، ومن الجهاد: أن أتعاهد نفسي وأجاهدها باستعمالها فيما ينفعها، بأن أعبد ربي حق العبادة، حتى لا يستعصى عليها طاعة من بعد، فقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تشققت قدماه، وينصح صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه كما في صحيح مسلم « عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً »
والإسلام علمني: أن أزداد من الخير، وخاصةً في أواخر عمري، فإن التوبة تقبل من المخطئ ما لم يكن في سكرات الموت، وإن كنت محسنًا ازددت نورًا ، وقال الله تعالى :
(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (114) هود ،
رسولنا صلى الله عليه وسلم سئل (أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ « مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ » رواه الترمذي
وطرق الخير كثيرة، يستطيع أن يطرق بابها كل مسلم، بحسب طبعه وقدراته وظروفه، من عبادة، وجهاد، وإسداء معروف، وكف أذى، وبشاشة وجه، وكلمةٍ طيبة، وكالرفق بالحيوان ، والمشي إلى المسجد، والوضوء، وغرس الشجر، وذكر الله، وشكره…
والإسلام علمني: القصد في العبادة والتوسط فيها، فلا أتكلف ما لا أطيق، أو ما يشق عليّ مما يؤدي إلى الانكماش أو الملل من بعد، فيكون هذا سببًا في ترك الخير أو الفتور عنه أو الخوف منه، وأن نسدد ونقارب ونبشر، ولا نتشدد في غير موضع التشديد، بل نستعين على طاعة الله في وقت النشاط والفراغ، حتى نستلذ العبادة ولا نسأم، فإذا فترنا جلسنا واسترحنا .
والإسلام علمني: أن أداوم على عمل صالح كنت آتيه ولا أتهاون في ذلك ولا أتكاسل حتى لا أتركه، ولا أكون كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكان كثير منهم فاسقين، وإن المطلوب مني عبادة ربي حتى يأتيني اليقين، وهو الموت ، وفي الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدِي امْرَأَةٌ فَقَالَ « مَنْ هَذِهِ ». فَقُلْتُ امْرَأَةٌ لاَ تَنَامُ تُصَلِّى.
قَالَ « عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَ اللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا ». وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُ)
والإسلام علمني: أن أكون مطيعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومحافظًا على سنته وآدابها، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ال لَّهَ” [النساء: 80]،ويقول عليه الصلاة والسلام كما رواه البخاري : « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، إِلاَّ مَنْ أَبَى » .
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى »
فإذا أمرني نبيي بشيءٍ أتيت منه ما استطعت، وإذا نهاني عنه اجتنبته .
وأبتعد عن كل بدعةٍ في الدين، وأحافظ على السنن والمندوبات في الأدب والدين، فإنها تربية النبوة، ومدرسة تبرز من خلالها شخصية المسلم المتميزة، ونور على الطريق، تصلح به العلاقات الاجتماعية وتنمو، ويزداد به المجتمع الإسلامي تكافلًا وتماسكًا .
والإسلام علمني: الانقياد للحكم الشرعي بدون تلكؤ وترددٍ ولا حرج، وأسلم بذلك تسليمًا قال الله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (51) النور
وليعلم أن الله لم يأمرنا بما لا نطيق، وأن ما أمرنا به هو لصالحنا ولفلاحنا .
والإسلام علمني: تجنب البدع فهي مردودة وفيها ضلال والخير في كتاب الله، وهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وأن البدع سببٌ في الاختلاف بين الأمة، واجتنابها يسد هذا الباب،
ولذلك يقول سبحانه وتعالى : ” وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ” [الأنعام: 153] .
والإسلام علمني: أن أبادر إلى الأعمال الحسنة والمشاريع الخيرة، التي تبعث بدورها النور في نفوس الخيرين فيشاركون في تنمية هذه الأعمال والمشاريع، فيعم الخير والتعاون والإصلاح في المجتمع الإسلامي، ويكون للفاعل الأول أجر من وافقه وتابع عمله
والإسلام علمني : أن أتجنب الشر وتبعاته، فإن فتح باب للشر يفتح عيون ذوي النيات السيئة فيقتحمونه ويزيدون منه، ويكون وزر هذه الأعمال كلها على الفاعل الأول، حتى يوم القيامة، فتتشكل عليه جبال من الأوزار ، وفي البخاري (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا)
والإسلام علمني: أن أكون داعيًا إلى الخير، ومتعاونًا مع المجتمع على البر والصلاح والتقوى، بالأسلوب الحسن والمعاملة الطيبة ، وأن أكون ناصحًا أمينًا، فإن المؤمنين كلهم إخوة لي، والأخ يشفق على أخيه، ويحرص على سلامته، ويتمنى له السعادة والتوفيق كما يتمنى لنفسه ذلك، وفي البخاري (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ
« لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »
والإسلام علمني: أن أكون آمرًا بالمعروف، وهو كل ما عرف بالشرع ،والعقل حسنه، من أحكام وآدابٍ ومحاسن أخلاق، وأن أكون ناهيًا عن المنكر، وهو نقيض المعروف ، وقد ذم الله الذين كفروا من بني إسرائيل بأنهم ” كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ” [المائدة: 79] . وفي سنن الترمذي (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ »، وفيه أيضا (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا ظَالِمًا فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ
بِعِقَابٍ مِنْهُ ». والإسلام علمني: التوازن والمصداقية، فلا أكون متكلمًا بلا عمل، ولا آمرًا الناس بالبر وأنا مخالفه، فإن هذا إثم ومقت، وعليه عقوبة، ولن يأخذ الناس كلامي بجد إذا عرفوا أنني صاحب أقوال دون أفعال .
والإسلام علمني: أن أكون أمينًا، فإن الخيانة من صفات المنافقين، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمين حتى بين كفار الجاهلية، وهذه الصفة كان لها أثر جميل في تقبل دعوة الإسلام وانتشارها، وكذلك اليوم، فإن هذه الصفة وغيرها من الأخلاق والآداب الحميدة تؤثر في جذب الناس إلى الإسلام، وتعطي مدلولًا واقعيًا لمبادئ الإسلام السمحة والعظيمة .
والإسلام علمني: الإنفاق من أحب أموالي إلي، ومن جيده، فإن هذا يؤكد حب الإسلام وأهله، والتجاوب الكبير مع أفراد المجتمع الإسلامي والاهتمام بشؤونهم، وينزع حب المال والأنانية البغيضة من القلب ، يقول الله تعالى : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (92) آل عمران ،
ويقول سبحانه وتعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ” [البقرة: 267] .
والإسلام علمني: أن الظلم حرام، وأنه لا يجوز الاعتداء على أي شخص بغير حق، سواء أكان مسلمًا أو غير مسلم، سواء في نفسه أو في ماله، وفي الصحيحين (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)
وإن الإسلام نفر من الظلم، وعده ذنبًا كبيرًا يحاسب عليه، حتى لو كان شيئًا قليلًا، وقد ورد في صحيح مسلم، (قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا فُلاَنٌ شَهِيدٌ فُلاَنٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلاَنٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ».، إذا كان هذا في شهيد قدم روحه فداء للإسلام.. فكيف بموظفٍ يأخذ رشوة، وكيف بمن يضرب آخر أو يشتمه أو يرميه بجرم، أو يسفك دمه… وكيف بمن لا يعدل بين الناس ويخون الأمانة… وصور الظلم كثيرة ومنتشرة في هذا العصر خاصة، وفي بلاد المسلمين عامة…؟
وإن من أراد السلامة فليرد المظالم إلى أهلها، ولا يبقي شيئًا عنده لم يقتنه من حلال، أو ليتحلل من أصحابها قبل أن يختطفه الموت، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. وإن الحساب عسير يوم الحساب، إلا من سلم الله .
أيها المسلمون
والإسلام علمني: أن أكون معظمًا لحرمات المسلمين، مقدرًا لحقوقهم، شفيقًا عليهم، رحيمًا بهم، مكرمًا لهم ، وقد وصف الله نبيه في القرآن الكريم بأنه رؤوف رحيم بالمؤمنين ، وكان كذلك صلى الله عليه وسلم، فكان يخفف من الصلاة إذا سمع بكاء صبي، وأمر الأئمة أن يخففوا من صلاتهم كذلك، رحمةً بالضعيف والسقيم والكبير وذي الحاجة .ورسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أسوة، فعلينا أن نكون كذلك، لا نظلم مسلمًا ولا نخونه، ولا نؤذيه في عرضه أو ماله، ولا نبغضه، ولا نحسده، ولا نترك نصرته . ولا ننسى حقوقه، فنرد سلامه، ونزوره إذا مرض، ونتبع جنازته إذا مات، ونجيب دعوته، ونشمته إذا عطس، فنقول له : يرحمك الله… ويرد هو : يهديكم الله .والذي ينبغي أن يحذر منه المسلم أشد الحذر، هو أن لا يحقر أخاه المسلم، فإن هذا صفة ذميمة، وخصلة معيبة في المجتمع المسلم، وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ »
والإسلام علمني: أن أكون عنصر خير في المجتمع الإسلامي، يحافظ على سريان الأمن والسلامة فيه، وينبذ الشائعات المغرضة التي تفكك المجتمع، وتبث فيه روح التفرقة والتخاذل وتمكن الغزو الفكري الخبيث منه، ولا أعطي مجالًا لأهل الأهواء والفساد والفواحش، بأن يتمكنوا من نشر الفاحشة، فإن لها عواقب سيئة على المجتمع السليم، وإن الله سبحانه يقول : ” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ” [النور: 19] .
والإسلام علمني: أن أتحمل أذى الناس، وأعفو عنهم، فإن العفو خلق جميل، وإن الله سبحانه وتعالى يقول : ” وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ” [الشورى: 43]،
وقد عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن حاربه وقتل أهله وأصحابه يوم فتح مكة، وهو قدوتنا، نقتدي به ونتعلم منه ديننا وآدابنا، ونطبقه في حياتنا، فنتجاوز عن أخطاء أفرادٍ من أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، لننشر السلام، ونعطر أرجاء المجتمع بالأمن والأمان، ونري صفحة قلوبنا لأهلنا وذوينا، وأن ظاهرها وباطنها سواء .
والإسلام علمني: أن أكون متعاونًا وعنصرًا إيجابيًا في مجتمعي الإسلامي، فأساهم في قضاء حوائج المحتاجين ما قدرت عليه، وأخفف عنهم أحزانهم، وأبث فيهم روح الأمل، وأبين لهم فضيلة الصبر حتى يكشف الله عنهم .
والإسلام علمني: أن أكون مصلحًا عادلًا بين الناس، فإن الله سبحانه وتعالى يقول :
” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ” وإن النية الحسنة، والعقل السليم، والتخطيط المحكم، والشفقة على المسلمين، يبث فيهم روح التكافل والتضامن، وينبذ أسباب الخلاف والنزاع، فيعيش المجتمع في رباطٍ أخوي،
والإسلام علمني: أن أحسن إلى النساء في كسوتهن وطعامهن، وأعاشرهن بالمعروف، والمرأة الصالحة كنز لا مثيل له في الدنيا، فهي عون للرجل، ومستشارة أمينة له، وأمان واطمئنان في البيت، ولبنة مباركة في المجتمع، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفضل الناس وأكرمهم هو أحسنهم وألطفهم مع النساء، ففي سنن الترمذي (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى ..)
وللزوجين حقوق يجب مراعاتها بين بعضهم البعض، وأمير الأسرة هو الرجل، لكنها مثله مسؤولة عما تحت يدها، وحذرها الإسلام من الغواية والضلال، وأنها فتنة وبلاء إذا خرجت عن حدود الإسلام، يكون لها آثار سلبية على الرجال والمجتمع عامة .
والإسلام علمني: أن أتدبر شؤون أسرتي، فأنا مسؤول عنها، فإذا تركتها غير مبال بها، فقد أخطأت وأثمت، حيث يقول صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم : « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ ». والإنفاق على الأهل هو أعظم أجرًا من غيره، إنه بموازاة الإنفاق على الغزو في سبيل الله ، وليس الاهتمام بها من ناحية ماديةٍ فقط، بل من الجوانب الإيمانية والتربوية أيضا، فيجب على الأب والأم أمر الأولاد بطاعة الله تعالى، وإقامة الصلاة خاصة، ونهيهم عن الخروج عن نظام الإسلام، ومنعهم من ارتكاب المحرمات، وتأديبهم، ومتابعة سلوكهم خارج الدار، ليكونوا مسلمين عقلاء أسوياء، تتبين ملامح شخصيتهم الإسلامية من خلال أحاديثهم، وأصدقائهم، وتوجهاتهم .
والإسلام علمني: أن ألبي حقوق جيراني، وأوصاني بذلك، وأكد عليه مرارًا، فإن العلاقات الاجتماعية تبدأ معهم، فإذا صلحت كانت انطلاقةً مباركةً إلى بقية أفراد المجتمع ،فأشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، روى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال « خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ » ، وبالمقابل حذر الإسلام من الجار غير الملتزم، حيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ». [رواه مسلم] .
والإسلام علمني: أن أكون بارًا بوالدي، واصلًا لأهلي وأقربائي، فإن والدي ربياني صغيرًا، وتابعا مسيرة حياتي وأنا لا أقدر على الكلام، ولا أقدر أن أحفظ نفسي من أي مكروه وشملاني بعطفهما وحنانهما، وأنفقا علي، وعلماني، ونصحاني ووجهاني، حتى قدرت على خوض متطلبات الحياة، فلهما علي، وخاصة والدتي، حقوق يجب أن ألبيها، برًا بهما، وردًا لجميلهما، ووفاءً بعهد الله ، قال تعالى ” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ” [العنكبوت: 8] ، فهما أحق الناس بصحبتي واهتمامي، وأرجو من وراء ذلك بركة وتوفيقًا في الدنيا وأجرًا وثوابًا في الآخرة .
والدائرة الثانية في اهتمامي هي رحمي، أهلي وأقربائي، الذين يعدون أولى درجات المجتمع، وبتآلفهم وتماسكهم تكون لبنات البنيان محكمة، قوية وصلبة، وإن التقرب منهم والتعاون معهم والسؤال عنهم باستمرار يعد أحد المنافذ التي تؤدي إلى الجنة، وإن الإنفاق عليهم فيه أجر الصدقة وأجر صلة الرحم، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ».
أيها المسلمون
فالإسلام علمني : أن أزيد من رقعة البر والإكرام، فضلًا عن الوالدين والأهل، كأصدقاء الأب، وصديقات الزوجة، وخدمة الأصحاب والأحباب،
وانظر إلى بر هذا الصحابي الجليل ووفائه النادر، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِي فَقُلْتُ لَهُ لاَ تَفْعَلْ. فَقَالَ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا آلَيْتُ أَنْ لاَ أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ خَدَمْتُهُ ).
فأحرى بنا أن نكون أوفياء مكرمين لمن له فضل علينا، أو على والدينا، ولا ننسى ودهم وفضلهم، ليبقى هذا الخلق الرفيع فينا، ونكون جديرين بحياة الخلافة الحميدة .
والإسلام علمني : أن أوقر الكبار، وأحترم العلماء وأهل الفضل، وأقدمهم على غيرهم، وأرفع مجالسهم، وأظهر مرتبتهم، يقول الله تعالى :
” هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ” [الزمر: 9]،
وفي صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله تعالى عنها – أَنَّهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ ).
والإسلام علمني : أن أصحاب أهل الخير، وأزورهم، وأجالسهم، وأحبهم، وأطلب الدعاء منهم، وأزور المواضع الفاضلة ، وفي صحيح مسلم ( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَزُورُ قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا ).
والصداقة أمرها خطير، فإن المرء يقارن بصديقه، فإن لم تعرف حاله عرف به، وفي الصحيحين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ».
فالمرء إن كان رفقاؤه سيئين أشرارًا فهو سيء شرير، وإن كانوا طيبين خيرين فهو طيب خير، فلينظر الإنسان من يختار لصحبته، فإنه مثلهم، ومصيره مصيرهم، في الجنة أو في النار ، والمؤمن يختار الصحبة الطيبة، ويحرص على أن يكون صديقه مؤمنًا تقيًا، وقد روى الترمذي بإسناد حسنٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
« لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ ».
والإسلام علمني : أن الحب الأنفع هو ما يكون لله، فلا أحب المرء إلا لله، فإذا كنت كذلك وداومت عليه كنت أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وقد روى مسلم في صحيحه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي ».
وفي سنن الترمذي (قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ »
والإسلام علمني : أن لا أؤذي الصالحين والضعفة والمساكين، فهؤلاء هم أكثر من يتعرض للظلم والإهمال والنسيان في المجتمع، وإن إيذاءهم جريمة كبيرة لا يعرف جرمها إلا مؤمن خائف، يقول الله سبحانه وتعالى :
” وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ” [الأحزاب: 58] .
وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري : «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» .
بل يكون المرء بالمقابل إيجابيًا، يحاول أن يمد لهم يد العون، ويتابع أحوالهم، فيتقرب إلى الله بهذه الأعمال الحسنة .
والإسلام علمني : أن أحافظ على أمن المجتمع ووحدة الكلمة بين المسلمين، وعدم إثارة الفتن والخلافات بينهم، فإن في الاتحاد قوة، وفي الخلاف والتراجع الضعف والفشل، وأن أجري أحكام الناس على ظاهرها، وأكل سرائرهم إلى الله تعالى .
وما أجمل كلام عمر رضى الله عنه في ذلك ، فقد روى البخاري (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – يَقُولُ إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْىِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، وَإِنَّ الْوَحْىَ قَدِ انْقَطَعَ ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ ).
علمني الإسلام : أن أخاف من الله رب العالمين، فإنه سبحانه يقول :
” وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ” [البقرة: 40] ويقول سبحانه وتعالى : ” وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ” [آل عمران: 28] .
وأن أخاف العقوبة التي أعدها لمن خالف أوامره وآثر طريق الشيطان على نهج الرحمن ، فغن عذابه شديد فظيع لا يتصور، والحساب دقيق، فلن يدخل أحد الجنة أو النار حتى يسأل، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ » [رواه الترمذي وهو صحيح] .
فالأصل هو الخوف والوجل من الله حتى تصلح أعماله في الدنيا، وإن من خاف الله في الدنيا أمنه في الآخرة، ومن أمنه في الدنيا خافه في الآخرة، فكن حذرًا لتأمن، والله يقيك سوء العذاب .
والإسلام علمني : أن أرجو رحمة ربي وغفرانه مهما كثرت ذنوبي، فإن رحمته وسعت كل شيء، وهو أرحم الراحمين، وألا أقنط أبدًا من هذا ولا أيأس، فهو سبحانه يقول :
” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” [الزمر: 53]
إنه سبحانه سبقت رحمته غضبه، هو أرحم بعباده من المرأة بوليدها، إنه يريد من عباده أن يعزموا ويقوموا بأقل الأعمال وأسهلها لغفر لهم، لا حجاب بين عبوديتهم وعظمته،
وروى مسلم (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ».
فالله هو اللطيف الرحيم، فإذا تقرب منه العبد قليلًا – وهو عبد – تقرب إليه الرب أكثر – وهو رب – وهو يفرح بتوبته لأنه رحيم يريد أن يتوب ويغفر ، يدعوه إلى الجنة بأعمال صالحة، ويمهد له طريقها ليسلكها بأمانٍ مع عزيمة وصبر،
فكن مع الله يكن معك، وكن جامعًا بين فضيلتي الخوف والرجاء، ترجو رحمته، وتخشى عقابه، وأحسن به الظن عند الموت، فهو الذي يتولاك برحمته .
أيها المسلمون
والإسلام علمني : أن أكون خاشعًا لله، متذللًا لعظمته وجبروته وكبريائه، باكيًا من خوفه، متشوقًا إلى لقائه، فإن ما عنده سبحانه من عظمةٍ وترهيب لا نعرفه، ولو عرفناه لضحكنا قليلًا ولبكينا كثيرًا، وقد أمرنا جل جلاله أن نتدبر الأمر بجد وعمق، وألا نجعله يخترف آذاننا دون مسمع منا : ” أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ، وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ “النجم: 59 – 60
والبكاء من خشية الله له أجر كبير، فيحول بين المرء وبين النار، وله فائدة تعود على المرء نفسه، فيلين إن قطرة الدمع التي تذرفها من خشية الله، لا تقل قيمة عن الدم الذي يسيل من جسدك في سبيل الله، وقد روى الترمذي وحسنه، قوله صلى الله عليه وسلم :
« لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ »
والإسلام علمني : أن أزهد في الحياة وأتقلل من الدنيا، فإنها إلى زوال ، قال تعالى ” وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ” [القصص: 60] ويقول سبحانه وتعالى :
” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ” [الكهف: 46]
ويقول سبحانه وتعالى : ” هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ” [العنكبوت: 64]
والمرء في هذه الدنيا في امتحان، كلما ازداد منها حوسب أكثر، وإذا تقلل منها قل الحساب ، والخوف على المشغول فيها والمغرور بها وارد .
وروى البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِمَنْكِبِي فَقَالَ « كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » .
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ .
والإسلام علمني : أن أكون قانعًا، عفيفًا، مقتصدًا في المعيشة والإنفاق، لا أسأل من غير ضرورة، وفي الصحيحين (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ،
وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ » .
وإن القناعة والعفاف تدلان على نفسٍ طيبةٍ كريمة، وعدمهما يدل على طمعٍ وجشع…
والقانع العفيف من الصنف الذي يحب العمل والإنتاج، والمشاركة في أعمال الخير، ويتوكل على الله، فيبارك له فيه، فتطيب نفسه، ويتفاءل ويهنأ، بعكس السائل الذي لا ينتهي طعمه إلى حد، فيكون جزعًا، منقبضًا، بخيلًا، ترى الفقر بين عينيه .
والسؤال صفة ذميمة لا يلجأ إليها سوى ضعاف النفوس، إلا عند الحاجة والضرورة القصوى، وما عدا ذلك فهو سحت، أي حرام، وروى البخاري (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ »
والإسلام علمني : الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير، ولو كان شيئًا قليلًا، وما أنفقته ابتغاء وجه الله يعوضني خيرًا منه، إن في الدنيا أو في الآخرة، فالفائدة تعود علي قال الله تعالى : ” وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ” [البقرة: 272]
وهو تأس برسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي وصفه أحد صحابته كما في الصحيحين أن (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لاَ.
والإسلام علمني : أن أذكر الموت وأقصر من الأمل، فالموت يذكرني باليوم الآخر وما فيه من حساب، ويبعدني من الالتهاء بالدنيا والغرور بنعيمها، ويقربني من العبادة وطلب العفو من الله، ويحد من طغيان النفس وظلم الإنسان . يقول الحق سبحانه :
” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ” [آل عمران: 185] .
ومن السبل التي تذكرني بالموت زيارة القبور، فلا دور هناك ولا أسواق، ولا أشجار ولا أنهار، إنما هي بقايا أعظم وأشعار، وشواهد أحجارٍ وآثار، تذكر بأسماء كانت لها حياة على الأرض فصارت تحت التراب، وكأنها تقول لي : سيأتي دورك، وستنتهي أنفاسك أيها الإنسان .
أيها المسلمون
الإسلام علمني : أن أكون ورعًا، في مأكلي ومشربي، وفي معايشتي للناس، وأن أتقي الشبهات وأتجنبها ،خشية الوقوع في الحرام، وما ترددت فيه هل هو حلال أم حرام ؟ وكرهت أن يطلع الناس عليه، تركته، استبراءً لديني وعرضي، إنما أقبل على ما اطمأن إليه قلبي، بعد السؤال والموازنة، وأترك ما التبس علي ، فالخير في أن أدع ما يريبني إلى ما لا يريبني، ومن الورع : الإقبال على الفرائض وترك المحارم، وطلب الحلال ، وترك فضول النظر، وفضول السمع، وكذا الورع في شهوتي البطن والفرج…
والإسلام علمني : أن الأفضل هو الاختلاط بالناس، وحضور جمعهم وجماعاتهم، ومجالس الخير والذكر معهم، وحلقات العلم بينهم، ومواساة محتاجهم، وإرشاد جاهلهم، وعيادة مريضهم، وغير ذلك من مصالحهم، إذا قدرت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصبرت على أذاهم، ولم أؤذ أحدًا منهم ، وفي مسند أحمد :(عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ
« الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الَّذِى لاَ يُخَالِطُهُمْ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ». قَالَ حَجَّاجٌ « خَيْرٌ مِنَ الَّذِى لاَ يُخَالِطُهُمْ »
والإسلام علمني : أن أكون متواضعًا، وخاصة للمؤمنين، حيث يقول الله سبحانه وتعالى : ” وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ” [الحجر: 88]،
ووصف من يحبهم ويحبونه بقوله تعالى :
” أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ” [المائدة: 54] .
وروى مسلم في صحيحه ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : (.. وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ ».
وكما أمرني الإسلام بالتواضع ، فقد حذرني من الكبر ،فيقول الله سبحانه وتعالى :
” وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ” [لقمان: 18]
وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « احْتَجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ – وَرُبَّمَا قَالَ أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ – وَقَالَ لِهَذِهِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا »
والملاحظ في العلاقات الاجتماعية بين الناس، أن التواضع وخفض الجناح يورث المحبة والتآلف والثقة، والتكبر يورث الكراهية والبغضاء والنفور، فلا أحد يحب المتكبرين، ولا أحد يحب صحبتهم،
والإسلام علمني : أن أكون رفيقًا حليمًا، سهلًا، في القول والفعل، هينًا لينًا، عفوًا متأنيًا،
وروى مسلم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ ».
والإسلام علمني : أن أرفق بالناس إذا وليت أمرًا لهم، وأن أنصحهم وأشفق عليهم، وألا أشدد عليهم، ولا أهمل مصالحهم، أو أغفل عنهم وعن حوائجهم، فإن الله سائلي عن هذا كله، فإن وفى الوالي ،وفى الله له، وإن خالف وكابر وبقي على ذلك ،حرم عليه الجنة، ففي الحديث الذي رواه البخاري أن (النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ
« مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً ، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ ، إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ »
وفي رواية مسلم أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ».لأن أمثال هؤلاء المسؤولين أشرار مفسدون في الأرض، يستحقون الطرد والتعذيب، جزاء ما قاموا به من ظلمٍ وغش، وعسفٍ وتخويف، وأكلٍ لأموال الناس بالباطل،
فالمطلوب هو القسط والإحسان، والرقة والرحمة، وفي صحيح مسلم : قَالَ صلى الله عليه وسلم : وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ )
والإسلام علمني : أن أغضب إذا انتهكت حرمات الشرع، وأن أنتصر لدين الله، فإن هذا دليل على تعظيم شعائر الله، وبيان للدفاع عن الحق، وتثبيت لسنة حسنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وروى مسلم (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
والإسلام علمني : أن أكون حافظًا للسر، لا أفشيه لأحدٍ إلا بإذن صاحبه، وأن أكون وفيًا بالعهد، فإني مسؤول عن ذلك، ديانةً وقضاءً، يقول الله سبحانه وتعالى :
” وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ” [الإسراء: 34] .
والمخالف لعهده مُبغض عند الله ،وعند الناس، لأنه خادع ،وخان الأمانة، وصارت فيه خصلة من خصال المنافقين، وباء به المجتمع، لأنه انحرف عن الطريق المستقيم،
أيها المسلمون
والإسلام علمني : أن أكون طيب الكلام، طلق الوجه عند اللقاء، حسن المحيا، هاشًا باشًا في وجه أخي المسلم، فإذا كنت كذلك تحببت إلى أخي، وضمنت الأجر عند ربي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : « الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ » .
والإسلام علمني : أن أكون مقتصدًا في كلامي ، فإن الخير في الكلام القليل الواضح البليغ،
وعلمني الإسلام الوقار والسكينة، من غير مرحٍ ولا استكبار، وأن أكرم ضيفي، وأرحب به،
فالكرم دليل الإخوة والمحبة، والشهامة والسؤدد، وهو صفة جميلة يتحلى بها المسلم،
والإسلام علمني : ألا أعيب طعامًا وإن عافته نفسي، فقد يشتهيه آخرون ، ومنه يأكلون،
وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَعَامًا قَطُّ كَانَ إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ.
ومن آداب الطعام أن آكل بيميني، وأصغر من لقمتي، وآكل مما يليني، ولا أعتدي على نصيب الآخرين من حولي ،وأن آكل من جانب الصحن لا وسطه، فإن البركة تكون في ذروته، كما في الحديث الحسن الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :
« إِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ ».
وأدبني الإسلام ألا آكل متكئًا، كفعل من يريد الإكثار من الطعام، ولذا فهو مكروه .
وفي تكثير الأيدي على الطعام بركة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِى الاِثْنَيْنِ وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِى الأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِى الثَّمَانِيَةَ ». وأدبني الإسلام بأن أشرب على ثلاث دفعات، أتنفس بينها خارج الإناء، لئلا أنفخ فيه، وأن أشرب قاعدًا، وأن أدير الإناء على الأيمن، وفي صحيح مسلم (قَالَ صلى الله عليه وسلم :
« إِنَّ سَاقِىَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا ».
وحرم على الإسلام استعمال إناء الذهب والفضة في الشرب والأكل والطهارة وسائر وجوه الاستعمال، وأجاز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غيرهما .
وورد في صحيح مسلم : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ ».
أيها المسلمون
الإسلام علمني وأدبني: أن أختار أحسن الألوان من الثياب، وهو الأبيض، مع جواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود، وجوازه من قطنٍ وكتانٍ وشعرٍ وصوفٍ وغيرها إلا الحرير .
وفي حديث صحيح رواه الترمذي: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ».، وأدبني بألا أسبل ثوبي أسفل الكعبين أجره خيلاء، فهو حرام .
وأن أصلح من شأني لأبدو في هيئةٍ مقبولةٍ وجميلة، ففي حديثٍ رواه أبو داود بإسناد حسن : أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ ..)
ويستحب التوسط في اللباس، وترك الترفع فيه تواضعًا ، وإذا لبست جديدًا قلت كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً ثُمَّ يَقُولُ « اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ ». [رواه أبو داود والترمذي وحسنه] .
والإسلام أدبني وعلمني : بأن أتوضأ قبل النوم، ثم أضطجع على شقي الأيمن، وأضع يدي تحت خدي فقد كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا » .
وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » رواه البخاري
وفي الصحيحين (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –
« يَا فُلاَنُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِى إِلَيْكَ ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ . فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا »
والإسلام أدبني وعلمني : ألا أضطجع على بطني، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « « إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ » كما رواه أبو داود بإسناد صحيح
والإسلام أدبني وعلمني : ألا أقيم أحدًا لأجلس مكانه، فهو تعد وكبر، بل أجلس حيث انتهى بي المجلس ، وألا أفرق بين اثنين، فلا أجلس بينهما إلا بإذنهما ،ولا أجلس وسط حلقة؛ لأنه يؤدي إلى تخطي الرقاب، والإحالة بين الوجوه، وحجب بعضهم عن بعض، فيتضررون بمكاني ومقعدي هناك .
ولا أنسى أن أقول كفارة المجلس، يعني ما يمحو الله به من كلام غير نافع قلته فيه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » رواه الترمذي وغيره،
والإسلام أدبني وعلمني : ألا أتردد على مجالس لا يذكر فيها الله، فإنها مجالس غافلة منفرة، ونتيجتها حسرة وندامة ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ».رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح
والإسلام أدبني وعلمني : أن أفشي السلام، على من عرفت ومن لم أعرف، فإنه إشاعة للسلام، ومن خير أمور الإسلام، ومن الخصال الباعثة للمحبة، وأحد الطرق المؤدية إلى الجنة ، وأن تحية المسلمين بين بعضهم البعض، هي « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ » ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ » متفق عليه .
ويستحب تكرار السلام إذا حال بينهما شيء، كشجرٍ أو جدار، وأن سلام المرء على أهله إذا دخل بيته بركة عليهم جميعًا ، ويكون السلام على الصبيان أيضًا ، وعلى الزوجة، والمرأة من محارم الرجل، وعلى أجنبيةٍ وأجنبياتٍ لا يخاف الفتنة بهن، ولا يبدأ بالسلام على الكافر، فإن كان في المجلس أخلاط من المسلمين والكفار سلم ، وإذا أراد القيام من المجلس سلم أيضًا .
والإسلام أدبني وعلمني : الاستئذان، فهو أدب نبوي وحضاري رائع، فلا أدخل بيتا حتى أستأذن من صاحبه، وأقول إن سمعني : « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؟» فإن أذن لي، وإلا رجعت، فإن للبيوت أسرارًا، ولا نظن إلا خيرًا ، قال الله تعالى
” وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ” [النور: 28] .
وإذا استفسر صاحب الدار عني قلت له ما يعرفني به من اسم أو كنية، ولا أقول «أنا» أو نحوها ، ولا أنظر من شق الباب أو النافذة، فـــ « إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ » » كما في البخاري ،وإذا استأذنت ثلاث مرارٍ ولم يؤذن لي رجعت .
والإسلام أدبني وعلمني : أدب العطاس ، ففي البخاري (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ . وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ »
ومن أدب العطاس ما أخرجه الترمذي وصححه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ ).
وأن أدفع التثاؤب عن نفسي ما استطعت، وإلا وضعت يدي أمام فمي .
والإسلام أدبني وعلمني : أن أصافح أخي المسلم إذا لقيته، فقد روى الترمذي وغيره (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا »
وأن يكون اللقاء باحترامٍ وبشاشة وجهٍ ومحبةٍ ظاهرة، وهذا من أقل المعروف الذي يقدمه المسلم لأخيه المسلم، وفيه أجر، جاء في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ».
والإسلام أدبني وعلمني : أن أزور أخي المريض، فإنه حق له علي، وأن أدعو الله له بالشفاء والعافية، وأقول كما في الحديث المتفق عليه : « اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا »، وأن أسأل عنه أهله
وإذا رأيت محتضرًا لقنته كلمة الإخلاص، فإن « مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ». رواه أحمد
والإسلام أدبني وعلمني : ألا أقول إلا خيرًا إذا حضرت مريضًا أو ميتًا، وإذا أصبت بمصيبة قلت : « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا » رواه مسلم .
وإذا استرجعت وحمدت ربي وصبرت، بني لي بيت في الجنة باسم «بيت الحمد»، كما دل عليه حديث حسن للترمذي .
ويجوز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة، وإذا كانت الوصية بالبكاء من الميت عذب بسبب ذلك ، وإذا رأيت مكروهًا في ميت، من تغير لونٍ أو تشوه صورة، كتمته .
وأصلي على أخي الميت، وأتبع جنازته، وأحضر دفنه، فإن في ذلك أجرًا كبيرًا لي، ورحمة للميت ، وكلما كثر المصلون على الميت كان أفضل، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ »
والخير في الإسراع بالجنازة، ففي الصحيحين (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ – لَعَلَّهُ قَالَ – تُقَدِّمُونَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ ».
وأن يقضي دينه، فإن نفس المؤمن معلقة به، أي محبوسة عن مقامها الكريم، ويبادر إلى تجهيزه .
وأن يستغفر له بعد دفنه، فقد « كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ « اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ » رواه أبو داود
ويدعى للميت، فإنه ينفعه إن شاء الله، وكذا التصدق عنه، فقد روى مسلم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ».
وأن يعتبر ويبكي عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم، وأن يظهر الافتقار إلى الله تعالى، ويحذر من الغفلة عن ذلك .
أيها المسلمون
والإسلام أدبني وعلمني : آداب السفر ، أن أسافر يوم الخميس، ففي البخاري:( أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – كَانَ يَقُولُ لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلاَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ )
والأولى أن يكون في أول النهار، حيث دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبارك الله لأمته في بكورها .
ويستحب للمسافر أن يطلب الرفقة، وأن يؤمروا على أنفسهم واحدًا يطيعونه .
ورد في حديثٍ رواه البخاري : عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ » والوحدة: الانفراد في السفر .وفي حديثٍ آخر رواه أبو داود بإسنادٍ حسن : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا خَرَجَ ثَلاَثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ » والسير في الليل أفضل .ويتعاون المسافر مع رفقته ويساعدهم، ويعطي ما زاد عليه على من لا شيء عنده أو لا يكفيه ، ويدعو بأدعية السفر، منها قوله إذا ركب : ” سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ” .
ويذكر الله، فإذا صعد كبر، وإذا هبط سبح…ويدعو لنفسه ولمن شاء، فإن دعوة المسافر مستجابة إن شاء الله .وروى مسلم ( أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ».
وأن يعجل الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته ،ويستحب القدوم على الأهل نهارًا، وكراهته في الليل لغير حاجة ،وإذا رجع ورأى بلدته قال :
« آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ » كما في الصحيحين .ولا تسافر المرأة وحدها .
والإسلام أدبني وعلمني : أن أتلو كتاب ربي، وأن أتدبر آياته، وأن أتعلمه وأعلمه،
فإنه يشفع لي يوم القيامة، ويكون حجة لي إذا اتخذته دستورًا لحياتي ومنهجًا أتبعه، ولقارئه أجر كبير، لأن قراءة حرفٍ منه بحسنه، والحسنة تضاعف إلى عشر .
والذي لا يقرأ القرآن أو لا يحفظه كالبيت الخرب الذي ليس فيه ما يعين على المعيشة .
وأتعاهد ما أحفظه من القرآن لئلا أنساه .وأحسن به صوتي إذا قرأته .وأكرر سورًا وآياتٍ مخصوصة لفضلٍ وأجرٍ، أو لعلاجٍ وشفاء، مثل سورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس، وآية الكرسي، وأواخر سورة البقرة، وسورة الكهف.
ويستحب الاجتماع على قراءة القرآن، في المساجد خاصة. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري : « خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ »
كما روى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم : « وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ » .
والإسلام أدبني وعلمني : أن أتفقه في ديني، حتى أعرف كيف أعبد ربي، وأعرف صديقي من عدوي، ومن أوالي ومن أعادي، وما ينفعني مما يضرني، وما يحل لي وما يحرم علي، وإلا كنت مسلمًا جاهلًا، لا سهم لي بين الأخيار المكرمين، وتقبلت كما تتقلب الورقة من الريح، وكنت في صف عدوي وأنا لا أدري، وأكلت الحرام وأنا لا أدري ،فلا بد أن أتعلم الفرائض والواجبات خاصة، وأن أسأل الفقهاء، وأرافق طلبة العلم، وأستمع إلى العلماء، وأقرأ.. وأبحث.. فليس هناك أولى من دين الله، ولا أهم من نفسي التي بين جنبي، التي أريد لها كل هذا؛ للفوز بالجنة، والفكاك من النار .
واعلم أنك إذا اتجهت إلى التفقه والعلم فإنه أريد بك الخير، وصرت في صف الأخيار، ما كنت مخلصًا في ذلك ، وفي الصحيحين ، واللفظ للبخاري (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم –
« مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ »
أيها المسلمون
الإسلام علمني : أن أصلي لربي وأعبده كما أمرني، فإنه سبحانه لم يخلقني عبثًا، ولم يخلقني لآكل وأشرب وأنام فقط، فهذه حياة الحيوانات، ولا يريد مني أن أطعمه وأسقيه،
لقد خلقني لأمرٍ جلل، وهو طاعته وعبادته، ولم يتركني عبثًا أتيه في الحياة بين الأفكار والنظريات، بل بعث رسلًا، وأنزل وحيًا، وبين لي كيف أعيش، وكيف أعبده، وكيف أتعامل، وسخر لي ما في السماوات وما في الأرض .
وأول وأهم أمرٍ في العبادة هو الصلاة، ويسبقها الوضوء، فأتطهر بالماء وأغسل الأعضاء المطلوبة كما بينها المصطفى صلى الله عليه وسلم، استعدادًا لهذا الأمر العظيم . وفي الوضوء حط للخطايا ومغفرة الذنوب، ففي صحيح مسلم : عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ».
والاسلام علمني : إذا سمعت الأذان للصلاة قلت كما يقول المؤذن، وسألت الله في آخره أن يؤتي نبينا الوسيلة والفضيلة، كما في الدعاء المعروف، ودعوت الله بين الأذان والإقامة، فإن الدعاء لا يرد بينهما .
والصلاة مع أنها عبادة لله سبحانه وتعالى، إلا أن لها فائدتها الروحية والاجتماعية ، التي تعود بالنفع على المسلم ومجتمعه، فهي تنهي عن الفحشاء والمنكر ،كما ورد في القرآن الكريم، قال الله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت 45،
فالمؤمن المطيع لربه، الحريص على عبادته، المخلص له فيها، لا يفعل الأمور القبيحة، ويبتعد عن المعاصي والمنكرات، وعن الظلم والفساد .
إضافةً إلى أن صلاة الجماعة فيها اجتماع بين الجيران وأهل الحي، وتنظيم لوقت المسلم، وتكفير لخطاياه ،ففي صحيح مسلم أيضًا : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الصَّلاَةُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ».
وحتى الخطوات التي يخطوها المسلم أثناء ذهابه إلى المسجد له فيها أجر، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً ».[رواه مسلم] .
ويشهد لمرتادي المساجد بانتظامٍ بالإيمان . وفي الحديث المتفق عليه عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ».
وهي أصعب ما تكون على المنافقين، الذين يتظاهرون بالإسلام، وخاصة صلاة الفجر والعشاء .
وفي حديث جليلٍ فيه تشجيع للمسلم وتذكير له بفضل صلاة الجماعة، أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ».[رواه مسلم] .
وقد أمرنا بالمحافظة على الصلوات المكتوبات، ونهينا نهيًا أكيدًا في تركهن ،ففي حديث صحيح رواه مسلم :أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ »
وفي حديث صحيح رواه الترمذي وغيره : «أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ….» .
وفي الصف الأول من الجماعة فضل كبير، مع إتمام الصفوف الأولى، وتسويتها والتراص فيها .وللصلاة سنن رواتب، يؤدي بعضها قبل الصلاة، وبعضها بعدها، الأفضل أن تصلي في البيت، حيث ورد في الحديث المتفق عليه : عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا ».
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة الوتر، فهي سنة مؤكدة .وكذلك صلاة الضحى .
وفي الصلاة يحرم رفع المأمور رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام، وكذا الركوع والسجود قبله .ولا يضع المصلي يده على خاصرته .وتكره الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه، وكذا وهو متضايق من البول والغائط .ولا يرفع بصره إلى السماء في الصلاة .
ولا يتلفت فيها بغير عذر، فإنه «اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» كما رواه البخاري .ولا يصلي باتجاه قبر .ويحرم المرور بين يدي المصلي .
الإسلام علمني : أن يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع، ففي حديث رواه مسلم أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ».
وفيه صلاة الجمعة التي أغتسل قبلها وأتطيب لها وأحضرها مبكراً في المسجد الجامع مع إخواني، وأستمع إلى الخطبة وأنصت إذا تكلم الإمام، وفيها ساعة الاستجابة، التي « فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّى يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ » متفق عليه .
ويستحب فيها ذكر الله سبحانه وتعالى ، والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد حبب إلي الإسلام قيام الليل، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أهله بقوله تعالى :
” كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ” [الذاريات: 17]
وفيه تتفتح نفس المؤمن على عبادة ربه والتذلل له، والتضرع إليه والخشوع له، وذرف الدموع بين يديه، وتطويل السجود والركوع له سبحانه، والاستغفار من الذنوب، والاعتراف بالتقصير، وطلب الرحمة، والتجاوز عما كان، والعهد على الطاعة..
وإنها لعادة جميلة، وعبادة جليلة، أن يتعلم المسلم ذلك، ويعزم على نفسه القيام به، فهو من خلق أهل الله الأكارم، وعباد الله الصالحين، حيث ورد في الحديث الصحيح، الذي رواه أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم :«عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ ».
كما حثني الإسلام على النظافة، وأدبني بآداب الفطرة، كالختان، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وإعفاء اللحية، وقص الشارب، وغيرها .
والسواك من الفطرة، وهو « مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ » كما رواه البخاري
ويستعمل عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند تغير رائحة الفم، ندباً لا وجوباً .
إنه النظافة التي يحرص عليها الإسلام، والشخصية المتكاملة التي يحافظ عليها المسلم، في كل شئونه .
والإسلام أمرني : بأن أؤدي الزكاة، فقال جل شأنه :” وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ” البقرة: 43
وهو مال أو زرع أو عرض أو نعم، إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول، أو جاء يوم حصاده ، أخرج منها جزء قليل وأعطي للفقراء، وهو ركن عظيم من أركان الإسلام، يقاتل مانعوه، ويهدف إلى التوازن الاقتصادي ومساعدة الفقراء والتكافل الاجتماعي، فمن أبى كان له عذاب شديد في الآخرة ،وفي حديث نبوي كريم رواه الشيخان، ورد قوله صلى الله عليه وسلم :
« مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ».
وعلى المسلم أن يؤديها من طيب ماله وطيبة بها نفسه فهو أمر الخالق الكريم واهب الولد والمال وكل ذلك امتحان .
وأوجب علي الإسلام صيام شهر رمضان، فقال سبحانه : ” فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ” [البقرة: 185] .
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجر الصائم كبير جداً، على أن يحافظ على صيامه من السب والفسق وما إليه .وهناك باب في الجنة خاص بالصائمين يدعى باب الريان، لا يدخل منه أحد منه غيرهم .وصيام رمضان إيماناً واحتساباً يعني غفران ما تقدم من الذنوب .
وفرحة الصائم تكون أكبر ما تكون عند لقاء ربه، حيث الثواب الجزيل والأجر الكبير .
ويتأكد في هذا الشهر الكريم الجود، وفعل المعروف، والإكثار من الخير، والزيادة منه في العشر الأواخر .
وفي السحور بركة، كما في الحديث الصحيح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً » متفق عليه. ولا يؤخر الإفطار، بل الفضل في تعجيله إذا تأكد دخول الوقت .وإن وجد تمراً أفطر عليه، وإلا فعلى ماء، فإنه طهور .
والمناسب في حق الصائم هو التقوى والخشوع، ولا يناسبه قط رفع الصوت والكلام الفاحش والكذب، فهذا مرفوض شرعاً، فكيف بمن يصوم ويفعل هذا ؟!
وفي شهر رمضان يكون ثواب العمرة كحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسم، كما دل عليه حديث رواه الشيخان رحمهما الله .
وهناك مناسبات أخرى يسن للمسلم أن يصوم فيها، منها ستة أيام من شوال، ويوم عرفة، وعاشوراء، ويوما الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر .
وقد ورد في الحديث الصحيح أن إتباع رمضان بصيام ست من شوال، يكون كصيام الدهر .
وأن صيام يوم عرفة « يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ » كما في صحيح مسلم .
وفيه أيضاً أن صيام يوم عاشوراء « يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ » .
وفي حديث حسن صحيح رواه الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا » .
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ ».[رواه أبو داود بإسناد صحيح] .
وشهر رمضان شهر العبادة والقرآن، شهر تصفو فيه نفس المؤمن، حيث تقيد الشياطين، فيحد من إغوائها وسيطرتها، فيقبل المرء على عبادة ربه، ويصل إخوانه وأقاربه، في مناسبات الإفطار والقيام، ويحافظ على شعائر الإسلام بين أهله وأولاده، ويعلمهم القرآن، ويحبب إليهم الصيام، ويذكرهم بعهد الله، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم .
والإسلام أمرني بالحج إن كنت قادراً عليه، من نفقة، وصحة تمكنني من أداء مناسكه، قال سبحانه وتعالى : ” وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ” [آل عمران: 97] .
ومرتبة الحج المبرور كبيرة في الإسلام، والمبرور هو الذي لا يرتكب صاحبه فيه معصية، من الكلام اللغو والجدال والفواحش والمعاصي، وثوابه أن يرجع الحاج طاهراً بلا ذنوب، كيوم ولدته أمه ،وفيه يوم عرفة، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ».[رواه مسلم] .
والشوق إلى حج بيت الله لا يعرفه إلا من كابده، ولا يتصوره إلا من كمل إيمانه وحن إليه وذرف الدموع الغزيرة لييسر الله له ذلك، ربما أشهر وسنوات، وإذا كان فقيراً جمع الدرهم إلى الدرهم عقوداً من الزمن حتى يتسنى له أداؤه، أو يساعده أحد أولاده الأبرار، أو من ذويه الأوفياء، وقد يبقى كذلك ويموت وهو لم يقدر على الحج، وما أكثرهم !
وفي بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة تلتقي الجموع الإسلامية من كل صوب في دنيا الله، ومن كل جنس وكل قوم، بأشكالهم المختلفة، ولغاتهم المتعددة، وعاداتهم المتباينة، لكن الذي يجمعهم هو عقيدة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وحب مكة والمدينة، أقدس مدينتين عند المسلمين. وكلهم إخوة، وكلهم يحبون بعضهم البعض، ويجتمعون في مكة ليؤدوا مشاعر الحب لله ودينه، ويعاهدوا الله على الطاعة، وعلى نبذ الشيطان وأهله .
فالحج مؤتمر كبير، وجامعة عالمية، لا دنيا فيها ولا رياء، هو السلام والمحبة، والألفة والمودة، والإحسان والإكرام، والطاعة والإسلام .
ويبقى الشوق إلى مكة… بل ويزداد لمن حج مرة وأكثر…. ولا ينقطع الشوق إلا بانقطاع الحياة .
أيها المسلمون
والإسلام أمرني بالجهاد عند وجوبه، ولو كان ذلك شاقاً على النفس التي تحب الراحة وتؤثر السلامة، فإنه لابد منه لمواجهة الأعداء، ولم يكتب للإسلام النصر إلا بعد الحرب .
قال الله تعالى : ” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ” [البقرة: 216] .
وللجهاد والمجاهدين فضل كبير لا يوصف، فإن العمل الشاق يترتب عليه أجر على قدره .
كما أنه يتسنم مرتبة عليا بين أولويات الدين، فقد ورد في حديث صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ « إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « حَجٌّ مَبْرُورٌ » متفق عليه
والأمور التي تتعلق بالجهاد تأخذ مجراها من الأجر العظيم، فالحراسة والبقاء في ثغور الإسلام في مجابهة العدو ورد فيه أكثر من حديث، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : « رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا »
وفي حديث عند مسلم : «خيرٌ من صيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ»
ومنزلة الشهيد في الجنة كبيرة عالية، لا يفضلها سوى درجات الأنبياء والصديقين، ولهذا ود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو فيقتل، ثم يغزو فيقتل، ثم يغزو فيقتل، كما ذكره مسلم .
وروى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ » .
وقد وصف الله تعالى الشهداء بقوله تعالى :
” أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ” [آل عمران: 169-170] .
والإنفاق على الجهاد ومساعدة المجاهدين وذويهم بمثابة الجهاد نفسه، ففي الحديث المتفق عليه : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا » . وفي حديث رواه الترمذي وحسنه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ». .
وقد يقاس على ذلك صنع الأسلحة إذا ابتغى بها الجهاد ضد العدو للفتك بهم، وكلما كانت النكاية أكبر كان الأجر أكبر . وكذلك التخطيط للحرب، مما يسمى بالإستراتيجية العسكرية وخططها الحربية، فـ « الْحَرْبُ خُدْعَةٌ » كما في الحديث المتفق عليه .
وكذا الإعلام العسكري، لتقوية معنويات المجاهدين، وإثباط عزائم الأعداء، والتصدي للإشاعات، وإثارة الرأي العام لصالح الجهاد وأهله .يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بإسناد صحيح : عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ ». وروى احمد ( عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ إِذَا لَقِىَ الْعَدُوَّ « اللَّهُمَّ بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ »
وليتنبه المجاهد إلى الدين الذي عليه، فإنه يغفر له كل ذنب اقترفه ما عدا الدين، لأنه يتعلق به حقوق العباد . وعلى أن يكون قد استشهد وهو مقبل على مصارعة الأعداء، لا منهزماً منهم، ويكون ذلك بصبر وثبات، واحتساب أجر وثواب، من عند الله العزيز الرحيم .
ولينظر من أجل ماذا يُقاتل، فإن النية هي التي تحدد المصير، وفي الإسلام يطلق الشهيد على : « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ، فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » رواه البخاري ومسلم .
ومن رحمة الله سبحانه بعباده أن أعطى مثل ثواب الجهاد لمن تمناه بصدق، وبلغه منزلة المجاهدين وإن مات في غير ساحة حرب ! حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم : « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ » .
وقد يكون عدم مشاركتهم في الجهاد لأسباب وأسباب، كمرض وإعاقة وفقر واحتباس ونحوه، ولكنهم يدعون الله لإخوانهم المجاهدين في كل مكان، أن يقويهم ويسددهم ويوحدهم وينصرهم على أعدائهم أعداء الدين .
وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ » .
أما ترك الجهاد، أو عدم التفكر به وتمنيه، فهو صفة من صفات المنافقين، ففي حديث رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ » .
وأخيراً، فإن الجهاد متعلق بعزة الأمة، ولا قيمة ولا هيبة لأمة تتمتع بقوة عسكرية رادعة، ولهذا ورد في القرآن الكريم قوله تعالى :
” وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ” [الأنفال: 60]
ولنعلم جميعا أن الذل والهوان هو مصير من ترك الجهاد .
أيها المسلمون
الإسلام علمني : بأن أكون واسع الصدر، طيب الأخلاق، متساهلاً في البيع والشراء، والأخذ والعطاء، وحسن القضاء والتقاضي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة لمن كان كذلك، حيث ورد في صحيح البخاري : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى »
والإسلام علمني : أن أساعد المدين، بأن أعفو عنه، أو أخفف من ديني الذي عليه، أو أنتظر حتى يستغني، فإن الله يتجاوز عني إذا فعلت ذلك، ويرحمني يوم القيامة، لأنني رحمت ذلك المعسر في الدنيا ، فقد روى مسلم (عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ قَالَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ ».
والإسلام علمني : الأذكار وحثني عليها، فإن الله سبحانه وتعالى يقول :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ” [الأحزاب: 41-42] ،
وهي من أنواع العبادات التي يتقرب بها المؤمن إلى الله، وهي كالحصن يحفظه الله بها، ويقيه شروراً، فيستريح ، قال الله تعالى : ( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [الرعد: 28] .
والذي لا يذكر الله بعيد عن الله، وإيمانه ضعيف، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : « مَثَلُ الَّذِى يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِى لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ »
وذكر الله من خير الأعمال وأزكاها عند الله سبحانه وتعالى ،وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذاكرين سباقون إلى الجنان، فقد روى مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ « سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ». قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ».
وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم كلمات تجلب لقائلها حسنات كثيرة ، من ذلك قوله كما في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ ».
ومن الأذكار الجليلة ذات الأجر الكبير كما رواه مسلم : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِىَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِىَ جَالِسَةٌ فَقَالَ « مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا ». قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ ».
ولحلق الذكر أجر كبير كذلك ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا ». قَالَ وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ « حِلَقُ الذِّكْرِ ».
والأذكار كثيرة متنوعة، منها ما يقال بعد الصلوات، ومنها في الحج، ومنها عند النوم والاستيقاظ، ومنها عند السفر، والطعام، واللباس… تطلب من مظانها .
وفي حديث رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ».
ولا ينسى المرء أن يحمد الله، ويزيد من ذكره، فإن الله يحب الحامدين الشاكرين، ويزيدهم من فضله .
وكذا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه إضافةً إلى رفعة درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ورحمته سبحانه وتعالى به، يعود الأجر له أيضاً، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : « فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا » .
وأن يكثر المسلم من الاستغفار كذلك…والمهم أن يكون دائم الذكر، لا ينسى فضل ربه، الذي جعله على ملة خليله، وعلى دين أحب خلقه إليه .
وأنصح أخي المسلم بما نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد صحابته ، ففي سنن الترمذي (أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ. قَالَ « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ »
وفي الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.
والإسلام علمني : الدعاء، وأمرني الله بذلك فقال الله تعالى : ” ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ” [الأعراف: 55] .
والدعاء من أنواع العبادة، بل هو العبادة نفسها، أو هو مخها، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواه الترمذي وصححه : « الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ »
وذلك أن الدعاء دليل العبودية، والاعتراف بالضعف أمام رب العالمين، وأنه لا حول ولا قوة له إلا به سبحانه وتعالى، وأنه إذا أراد شيئاً كان، لا يمنعه مانع، وإذا لم يشأ لم يكن مهما حاول المرء، هو والآخرون، فأول الأمر وآخره بيده جل جلاله، وإذا لم يستجب فلا أمل للحصول على الطلب .
ومن يغفر الذنوب إلا الله ؟ومن يحيي ويميت سوى الله ؟ومن يشفي المريض إذ أبى الله ؟ومن يكشف الضر والبلاء إذا جاء القحط وغار الماء ؟ومن يزيد من العقل وينقص ؟ومن يعطي الولد ويمنع ؟ومن يحاسب يوم القيامة ؟ومن يدخل الناس الجنة أو النار ؟من بيده ملكوت كل شيء ؟من الأول والآخر، من الحي الذي لا يموت، من هو قيوم السماوات والأرض ؟من الذي يقول الشيء كن فيكون ؟
إنه الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير .
وهو الذي يدعى وحده سبحانه وتعالى لا غيره، إن شاء أعطى وإن شاء منع،
فليتوجه إليه المرء بكل قلبه، وكل أحاسيسه ومشاعره وعواطفه، فهو الرب العظيم، والرؤوف الرحيم، وأنت العبد الفقير، الذي يمرض ويموت .
وهناك أدعية جميلة وجليلة كثيرة كان يدعو بها رسول الله سبحانه وتعالى ويعلمها أصحابه، يحسن بالمسلم أن يحفظ كثيراً منها، ليدعو بها .
وقد روى مسلم في صحيحه ( سَأَلَ قَتَادَةُ أَنَسًا أَيُّ دَعْوَةٍ كَانَ يَدْعُو بِهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَكْثَرَ قَالَ كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا يَقُولُ
« اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ »
وهذا من جوامع الدعاء الذي كان يحرص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .وروى مسلم أيضا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ».
والإسلام علمني : أن أقول لمن صنع إلي معروفاً : «جزاك الله خيراً» ، ففي سنن الترمذي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-«مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ »
و«دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة» فقد روى مسلم (فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ ».
وروى مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ».
ولا يستعجل المسلم استجابة الدعاء، وليدعه الله الحكيم العليم، وليفكر بمطعمه ومشربه وملبسه هل هي حلال ؟ لينظر موضع استجابة دعائه .
ومن أوقات الاستجابة جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات .
ودعاء الكرب كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ » [متفق عليه]
أيها المسلمون
والإسلام علمني : أدب الكلام، فلا خير في كلام لا فائدة فيه، والملائكة يكتبون كل ما يقال، ويحاسب المرء على كل ما يقول، إن له أو عليه قال الله تعالى : ” إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ” [الإسراء: 36] .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ »
قال الإمام النووي : هذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم .
وقال في موضع آخر : اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء .
وأمر اللسان عظيم خطير، فإنه سبب لدخول النار، وقد سأل معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم : فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » [رواه الترمذي] .
فاللسان يؤذي، وقد يكون سبباً في خراب بيوت، وهلاك أقوام، وحروب وفتن، وقطيعة وهجران، والمسلم يبتعد عن كل هذا، لأنه رجل سلام ومنفعة، لا إيذاء ومضرة ، وعَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ
قَالَ « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » [متفق عليه] .
ومن صور الإيذاء باللسان (الغيبة): وهي أن تذكر أخاك المسلم في غيبته بما يكرهه، ولو كان فيه ما تقول، فإنه إشاعة للبغض والشحناء، وزرع للفتن والأحقاد، وتفريق لشمل المجتمع الإسلامي، ولذلك كانت من الكبائر، ومثلها النميمة، وتعني نقل الكلام للإيقاع بين الأهل والإخوة، في الدين والقرابة .
ولا يجوز سماع الغيبة، بل ترد وينكر على قائلها، فإن عجز المرء عن الإنكار، أو لم يقبل منه، فارق ذلك المجلس إن أمكنه .
ولا تباح الغيبة إلا لغرض صحيح شرعي. كبيان ما وقع عليه من ظلم، والاستعانة على ترك المنكر.. وغير ذلك مما ذكره العلماء…
ونهي الاسلام عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور ، إذا لم تدع إليه حاجة، كخوف مفسدة ونحوها .
وبئس الرجل ذو الوجهين، الذي يأتي كل طائفة ويظهر لهم أنه منهم ومخالف للآخرين مبغض ، فإن أتى كل طائفة بالإصلاح فمحمود .
وفي صحيح البخاري (حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أُنَاسٌ لاِبْنِ عُمَرَ إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلاَفَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ قَالَ كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا)
والإسلام علمني : بأن أصدق، وحرم علي الكذب، فإن الصدق يهدي إلى الأعمال الصالحة، التي تؤدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى الوقوع في الخطايا والأعمال السيئة، التي تؤدي إلى النار .
والكذب من شيم المنافقين الذين يدعون الإيمان وهم على خلافه، وعَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ » . متفق عليه .
ويبدو خطر الكذب من أنه قلب للحقائق، وتبديل للوقائع، وخيانة في النقل، فلا تكون هناك حياة صحيحة مع أمثال هؤلاء، ولا يستقيم أمر الناس بذلك، فلابد من الردع والاستنكار وبيان شناعة هذا الخلق ورفضه، وبيان ما وعد الله به من عقاب
ومن ذلك قول الزور والشهادة بالبهتان، التي شدد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عهدها من أكبر الكبائر ففي الصحيحين (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ – ثَلاَثًا – أَوْ قَوْلُ الزُّورِ » . فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.
وهناك حالات قليلة جداً ونادرة يجوز فيها الكذب، ذكرها الفقهاء بشروطها، كمسلم اختفى من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله… فوجب الكذب بإخفائه، وكمن يصلح بين الناس… لكن مادام الأمر المحمود يمكن تحصيله بغير الكذب فإنه يحرم الكذب فيه .
وليحترس المرء من الكلام الكثير وليتثبت مما يقوله ويحكيه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». [رواه مسلم] .
ومن صور الكذب التزوير على الناس، بأن يتزيا بزي أهل الزهد أو العلم أو الثروة، ليغتر به الناس، وليس هو بتلك الصفة، كما ذكره الإمام النووي رحمه الله .
والإسلام علمني : أن أثبت مما أسمعه أو ما ينقل إلي، فإذا سمعت خبراً من فاسق تبينت هل هو صحيح أم لا ؟ والفاسق هو الذي لا يطبق كل واجبات الإسلام ؟ فكيف إذا كان مصدر الخبر منافقاً أو كافراً ؟ فهو بالتأكيد لا يريد مصلحة الإسلام والمسلمين .
وانظر بعد ذلك مصادر الأخبار في عصرنا، ووكالات الأنباء، والقنوات الفضائية، وما إليها من وسائل الإعلام، وهي في معظمها بيد أعدائنا، ومدى الفداحة التي تصيب ديار الإسلام وأهله بذلك، وما أكثر من يصدقها، وينقلها، فيساعدهم بذلك في هدم كياننا، وإشاعة الكذب بين أهلنا، وفي ذلك تقويتهم وضعفنا .
أيها المسلمون
الإسلام علمني : أن أتخلق بالخلق الحسن، وقد حرم علي لعن إنسان بعينه أو دابة، فإن معنى اللعن : الطرد من رحمة الله، وهو ما كان من شأن إبليس اللعين ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حسن صحيح رواه الترمذي : « لاَ تَلاَعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلاَ بِغَضَبِهِ وَلاَ بِالنَّارِ ».
ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : « وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ » أي أن الإثم المترتب على اللعن، كالإثم المترتب على القتل .ولكن يجوز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين، فيقول الله تعالى : ” أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ” [هود: 18] .
كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، والسارق، والمتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، ولعن اليهود…
ويحرم سب المسلم بغير حق، وهو الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه ، يقول الله عز وجل : ” وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ” [الأحزاب: 58] .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان : « سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ » يعني في الإثم والتحريم .
والإسلام نهاني عن أخلاق أخرى مشينة، تضر بديني ومجتمعي، فنهاني عن التباغض، والتقاطع الذي يؤدي إلى البغضاء والنفور، والتدابر، وهو أن يولي الرجل أخاه إذا لقيه ظهره إعراضاً عنه، فإن الله سبحانه يقول : ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ” [الحجرات: 10] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ ». [رواه البخاري ومسلم] .
والاسلام نهاني عن الحسد هو تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء كانت نعمة دين أو دنيا .
ونهاني ديني عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه، وهو التجسس عن عيوب الناس ومتابعتها ، يقول الله سبحانه وتعالى : ” وَلَا تَجَسَّسُوا ” [الحجرات: 12] .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه أبو داود : « إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ »
والاسلام نهاني عن سوء الظن من غير ضرورة، فالله سبحانه يقول :
” اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ” [الحجرات: 12] .
والاسلام يحرم احتقار المسلم، وهو إهانته وإسقاطه من النظر والاعتبار، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ” لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ ” [الحجرات: 11]
والسخرية هي الاحتقار ، وقال صلى الله عليه وسلم : « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ » [رواه مسلم] .
- كما لا تجوز الشماتة به، وهو الفرح بمصيبة نزلت به .
والاسلام نهى عن الغش والخداع، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا » [رواه مسلم] .
والاسلام يحرم الغدر، وهو نقض العهد، ومن كان غادراً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة، كما جاء في حديث (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ » رواه مسلم .
- ولا يجوز المن بالعطية ونحوها، فإن الله يقول : ” لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ” [البقرة: 264] .
- ولا الافتخار والبغي، وهو التعدي والاستطالة .
- ويحرم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام، إلا لبدعة في المهجور،
أو تظاهر بفسق، أو نحو ذلك. وفي حديث رواه أبو داود بإسناد صحيح :
« مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ ».
والاسلام علمني أن من أدب المجلس ألا يتناجى اثنان دون الثالث بغير إذنه، إلا لحاجة، وهو أن يتحدثا سراً بحيث لا يسمعهما، وفي معناه ما إذا تحدثا بلسان لا يفهمه
والاسلام علمني ألا أعذب الإنسان أو الحيوان، ولا يؤذي المرء زيادة على قدر الأدب ،وفي الصحيحين (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :
« دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا ، فَلَمْ تُطْعِمْهَا ، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ »
وقَالَ هِشَامٌ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
« إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا » [رواه مسلم] .
ولمسلم أيضاً عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ.
والاسلام علمني أنه يحرم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى القملة ونحوها ، ففي مسند أحمد : قال صلى الله عليه وسلم :
( فَإِنَّهُ لاَ يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ ».
والاسلام يحرم على الغني تأخير حق طلبه منه صاحبه، وهو «المطل»، ففي الصحيحين :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ » ..
والاسلام يحرم أكل مال اليتيم، وهو أحد الموبقات السبع التي شدد الإسلام في الزجر عنها، يقول الله سبحانه وتعالى ِ” إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ” [النساء: 10] .
وكذلك الربا من أعظم المحرمات، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ
لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ ) . رواه مسلم، وزاد الترمذي وغيره : « لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ » .
وكذا الرياء، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ ».
ومعنى الجملة الأولى : من أظهر عمله للناس رياء فضحه الله يوم القيامة .
ومعنى الجملة الأخرى : من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم وليس هو كذلك، أظهر الله سريرته على رؤوس الخلائق .
والاسلام يحرم النظر إلى المرأة الأجنبية ،والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية، يقول سبحانه وتعالى : ” قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ” [النور: 30] .
والاسلام يحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية ، ففي الحديث المتفق عليه :
« لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ».
وفي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم : (لاَ يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا )
والاسلام يحرم أيضاً تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، في لباس وحركة وغير ذلك، ففي صحيح البخاري : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ لَعَنَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ ، وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ » ،
وفي رواية عنده (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) ، والمخنث من يشبه خلقه النساء في حركاته وكلماته .
والاسلام ينهى عن التشبه بالكفار ، والنهي أيضاً عن القزع، وهو حلق بعض الرأس دون بعض، والإباحة في حلقه كله للرجل دون المرأة .
والاسلام يحرم وصل الشعر، والوشم، والوشر، وهو تحديد الأسنان، وفي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ)
والاسلام ينهى عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه .
ولا يجوز التكلف، وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة .
والاسلام يحرم النياحة على الميت، ولطم الخد، وشق الجيب، ونتف الشعر وحلقه، والدعاء بالويل والثبور، وليس البكاء، وفي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ »
وقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يُعَذِّبُ اللَّهُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا » . فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ) [متفق عليه]
أيها المسلمون
والاسلام نهانا عن إتيان الكهان والمنجمين والعرافين وأصحاب الرمل ،وفي الحديث الشريف : عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » [رواه مسلم] .
وفي سنن البيهقي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
« مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ».
فمثل هذه الأمور تشوش على المسلم حياته وعقيدته، فيتكل على الظنون والتخرصات، ويستسلم للهواجس والهموم، وينتظر الوعود والأكاذيب سنوات، بدل التخطيط والتفكير السليم والتوكل على الله تعالى، ولذلك نهي عنها .
والاسلام نهانا عن الطيرة، وهو نوع من التشاؤم، فقد روى البخاري (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ »
وفي سنن أبي داود (قَالَ أَحْمَدُ الْقُرَشِيُّ – قَالَ ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :
« أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ ».
والاسلام يحرم تصوير الحيوان في تفصيلات ذكرها الفقهاء ، ولا يتخذ الكلب إلا لصيد أو حراسة ماشية أو زرع .
والإسلام أمرنا بتنزيه المساجد عن الأقذار، وإزالتها إذا وجدت، فبيوت الله بنيت لذكر الله وقراءة القرآن، وينبغي أن تكون نظيفة بهيجة يرتاح فيها المسلم ويطمئن للجلوس فيها، ولئلا يشغله شيء عن الذكر والدعاء والخشوع .
وتكره فيها الخصومة، ورفع الصوت، ونشد الضالة، والبيع والشراء والإجارة ونحوها من المعاملات ، ولا بأس بالكلام المباح .
وينهى لمرتادها أكل ثوم أو بصل أو كرات أو غيره مما له رائحة كريهة عن دخولها قبل زوال رائحتها، إلا لضرورة ،وفي صحيح البخاري : أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ
« مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا – أَوْ قَالَ – فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ »
والمساجد هي أحب الأماكن إلى الله سبحانه وتعالى ، حيث ورد في صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ».
والإسلام نهانا عن الحلف بمخلوق، كالنبي، والكعبة، والملائكة، والسماء، والآباء، والحياة، والروح، والرأس، وحياة السلطان، وتربة فلان وقبره، والأمانة .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِيت وَلاَ بِآبَائِكُمْ ».[رواه مسلم] ، والطواغيت هي الأصنام ،وكل ما يعبد من دون الله .
والاسلام علمني أن من الكبائر الحلف كذباً، ويسمى «اليمين الغموس» وهي التي تغمس صاحبها في الإثم، أو في النار .ومن حلف على شيء ورأى غيره أفضل منه، فليأت الذي هو أفضل وليكفر عن حلفه . والكفارة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ومن لم يجد القيمة صام ثلاثة أيام ، ويعفى عن ذلك «لغو اليمين» ولا كفارة فيه، وهو ما يجري على اللسان بغير قصد اليمين، كقولك على العادة : لا والله، وبلى والله، ونحو ذلك .
ويكره الحلف في البيع وإن كان صادقاً، فإن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :
« إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ ». [رواه مسلم] .
والمعنى : أن الحلف يكون سبباً لنفاق المبيع، لكن ذلك منقص للبركة .
ويكره أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة ، ففي سنن أبي داود وغيره
(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ ».
أيها المسلمون
الإسلام علمني : أنه يُكره سب الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم ، فقد روى مسلم في صحيحه : (حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ « مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ ». قَالَتِ الْحُمَّى لاَ بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا. فَقَالَ « لاَ تَسُبِّى الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ».
والإسلام علمني : ألا أسب الريح، ففي حديث حسن صحيح رواه الترمذي : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا
وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ ».
والاسلام علمني : أن لا نسب الديك ففي الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاَةِ ».
والإسلام علمني : أنه يحرم أن يقال لمسلم يا كافر، أو يا عدو الله، فإن لم يكن فيه ما قيل رجعت إلى قائله هذه الصفة .ففي الصحيحين (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ ».
ونهينا عن الفحش وبذاءة اللسان، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ ». [رواه الترمذي وحسنه] .
كما يكره التقعير في الكلام، بالتشدق وتكلف الفصاحة، واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم، فإن المقصود من الكلام هو التبليغ والتفهيم .
كما ينهى عن وصف محاسن المرأة للرجل، إلا أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي، كنكاحها ونحوه .ففي صحيح البخاري (عَبْدَ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا »
- ولا يجمع بين مشيئتي الرب والعبد، وإنما يذكر بالترتيب، فيقال : ما شاء الله، ثم شاء فلان، ولا يقال : ما شاء الله وشاء فلان .ففي سنن أبي داود (عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ ».
كما يكره الحديث بعد العشاء الآخرة إلا لعذر وعارض، وأما مذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف ومع طالب حاجة ونحو ذلك، فلا كراهة فيه ، أفاده النووي رحمه الله، استنتاجاً من الأحاديث الصحيحة .
وفي السهرات الليلية غير المباحة ضرر على النفس والدين والصحة، ففي الليل النوم والراحة، وفي النهار العمل والحركة، وقلب هذه العادة أو أخذ نصيب هذا لهذا يوجد خللاً في الحياة والمعاش .
كما يحرم على المرأة الامتناع من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن لها عذر شرعي، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ».
ولا تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه .ففي مسند أحمد (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ».
والإسلام علمني : أنه ينهى عن تجصيص القبر والبناء عليه .فقد روى مسلم
(عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ.
والإسلام علمني : أنه لا شفاعة في الحدود التي أمر الله بإقامتها، فـفي الصحيحين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا »
والإسلام علمني : أنه ينهى عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد المياه ونحوها، فهو نوع إيذاء لهم، والله سبحانه وتعالى يقول : ” وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ” [الأحزاب: 58] .
وروى مسلم (عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ.
والإسلام علمني : أنه ويكره تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة .ففي الصحيحين واللفظ لمسلم (النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لاِبْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَا وَهَبْتَ لاِبْنِي. فَأَخَذَ أَبِى بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِى وَهَبْتُ لاِبْنِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ». قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ
« أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ».
والإسلام علمني : أنه يحرم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام ، كما لا يجوز للمرء أن يخطب فتاة مخطوبة إلا بإذن الخاطب الأول أو حتى يدعها. ففي الصحيحين( أَنَّ ابْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – كَانَ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ ) ، والاسلام ينهى عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها كما ينهى عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه، سواء كان جاداً أو مازحاً ، ففي الحديث المتفق عليه : عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ »
كما يكره الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة ، ويكره رد الطيب والريحان إلا لعذر ، ويكره المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة، من إعجاب وكبر، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه .
والإسلام علمني : أن السحر من السبع الموبقات التي أمرنا باجتنابها، فهو حرام حرمة مغلظة ،والسبع المذكورات كما في الصحيحين : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ »
كما يحرم انتساب الإنسان إلى غير أبيه .”
والإسلام علمني وحذرني من ارتكاب ما نهى الله سبحانه وتعالى ورسوله عنه، فإن مآله عقوبات وعذاب في الدنيا والآخرة، والعقوبات الإلهية تكون للأفراد والجماعات والأمم. يقول الله سبحانه وتعالى : ” فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” [النور: 63] .
وهناك أمور مشاهدة، وأخبار وحكايات منقولة صحيحة فيما أصاب بعض الظالمين والقتلة والسارقين في الدنيا ، وبعضهم يؤخر إلى يوم عظيم ، وعلى من ارتكب منهياً عنه أن يستغفر الله ويسارع إلى التوبة، فإن الله غفور رحيم. يقول سبحانه وتعالى :
” وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ” [آل عمران: 135-136] .
ويقول أيضاً جل جلاله : “وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً” [النساء: 110] .
ومع كون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإنه قد روى عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ». رواه أبو داود
والتوبة الصادقة من الذنب أن يقلع عنه، ويندم عليه، ويعزم على ألا يعود إليه .
وقد أعد الله لعباده المؤمنين جنات فيها من النعيم الخالد ما لا يخطر على البال، جزاءً بما كانوا يعملون من خير وعمل صالح .يقول الله سبحانه وتعالى :
” يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ*ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” [الزخرف: 68-72].
أيها المسلمون
والإسلام علمني : أن أوحد الله سبحانه في إيماني به وعبادتي له، فهو الواحد الأحد الذي لا شريك له، وهو الخالق المالك المدبر، والرازق والمحيي والمميت، ومنزل المطر ومنبت الشجر .والعبادة تكون له وحده، من صلاة وصيام، وتوكل ونذر وذبح .
ويثبت له من الصفات ما أثبته الله ورسوله منها، دون تمثيل ولا تكييف، ولا تحريف ولا تعطيل ، وهو الله المعبود بحق وصدق وإخلاص، لا تتوجه العبادة إلا إليه سبحانه .
وهذا هو المعنى العام للفظ (لا إله إلا الله) .
والركن الثاني من الشهادة هو الإيمان بنبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، المبعوث رسولاً إلى الناس جميعاً من عند الله رب العالمين، لا يكذب، ولا يعبد، فهو عبد الله، والرسول الصادق الأمين ، والمطلوب في العقيدة والعبادة الإخلاص دون أي شائبة من الرياء ، والنفاق يعني التظاهر بالإسلام واستبطان الكفر ،وأن يعلم أن الولاء والمحبة تكون للمسلمين، ولا يحب الكافر ولا يناصر، فالإسلام هو الاستسلام لأحكام الله، بتوحيده وطاعته، ثم البراءة من الشرك وأهله .
وأركان الإيمان هي : الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ، فنؤمن بوجود الملائكة، وما ذكر من صفاتهم، والمهمات الموكلة بهم .
وبالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه، كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، وتصديق ما فيها جميعاً، يعني جميع ما جاء في القرآن الكريم، وما علم أنه لم يبدل من الكتب السابقة، فقد غيرت وبدلت من بعد بأيدي محرفين منحرفين، وبقي القرآن صحيحاً كما أنزل، حيث تكفل الله بحفظه دون الكتب السابقة .
والرسل هم الأنبياء الذين أوحى الله إليهم، فيؤمن بأن رسالاتهم حق، مثل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم، صلى الله وسلم عليهم جميعاً .
والإيمان باليوم الآخر هو التصديق بأن الله يبعث الناس جميعاً من قبورهم بعد موتهم، ثم يحاسبون ويجازون على أعمالهم، فإما إلى الجنة، أو إلى النار، مع خلود دائم لا موت بعده
والإيمان بالقدر هو التصديق بأن الله يعلم كل شيء جملةً وتفصيلاً، وأن كل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، وأن ليس من كائن إلا بمشيئته سبحانه .
ويبتعد المسلم عن البدع والضلالات التي ليست من الدين ، قال الله تعالى :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ” [النساء: 136] .