خطبة عن ( احذر معاصي الخلوات)
سبتمبر 12, 2016خطبة عن ( أسباب سوء العلاقة بين الناس)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى ( آداب إسلامية في سورة الحجرات )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) (12) الحجرات
إخوة الإسلام
لقد أنزل الله القرآن الكريم هداية ورحمة وبياناً وحجة وذكراً وموعظة، وأنزله ليعرف الناس به ربهم وليعبدوه تعالى العبادة الحقة التي خلقوا لها والتي أرسل بها رسله وأنزل بها كتبه. وأنزله ليؤخذ كلاً لا بعضاً، ليؤخذ مُعتقداً وسلوكاً وعبادة ومعاملة وتحاكماً بل خلقاً وآداباً. ولقد أنزل الله تعالى في هذا القرآن سورة عظيمة المعنى كبيرة القدر تضمنت حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة المترابطة المتشادة فيما بينها ، قال تعالى :(( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) (54) الأعراف . تلكم سورة الحجرات، والمسماة بسورة الآداب ، والتي رغم قصرها النسبي نودي المؤمنون فيها بخمس نداءات، ونودوا فيها بأطيب الأسماء والأوصاف، وأحبها إلى مسامعهم ، وأقواها لمساً لمشاعرهم واستجابة لقلوبهم. إنها نداءات خمس ، تستحق أن تصيخ لها الآذان ، وأن تعقلها القلوب ، وأن تتحرك بمقتضاها الجوارح ، حسبة لله سبحانه ، وسيراً على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات : (( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِه )) الآية 1 ، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ )) الآية 2 ، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا )) الآية 6 ، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ )) الآية 11 ، (( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ ولا تَجَسَّسُوا )) الآية 12.
أيها المسلمون
ولنأخذ في هذه العجالة التذكير بثلاث موضوعات أو ثلاثة آداب اسلامية. فإنها آداب عظمى تلزم للمسلمين جميعاً جماعات وأفراداً مسئولين أو غير مسئولين ولا سيما في مثل هذا العصر الذي اختلط حابله بنابله فما من نداء مثل هذا إلا ويتلوه أمر بخير أو نهي عن شر كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأول هذه الأمور ما تضمنه قوله سبحانه : (( إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )) أي: تثبتوا في خبره، ومحصوه تمحيصاً بحق وعدل ، لئلا يكون كاذباً أو مخطئاً ، فيجركم ذلك إلى أن تصيبوا قوماً بجهالة.و” قوماً ” هنا نكرة تعم الذكر والأنثى والصالح والطالح عدلاً بين الناس وإحساناً إليهم وإحتراماً لدمائهم وأموالهم وأعراضهم، فتصبحوا على ما فعلتم من اعتماد على قبول خبر الفاسق فيهم نادمين معرضين للوعيد في قول الله سبحانه : (( والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وإثْماً مُّبِيناً )) الاحزاب 58. فليتق الله المسلم ولا سيما المسئول وليأخذ بهذه الآداب ” فتبينوا ” ليتق الله من مطيته في النَّيل من الأبرار روايات وأخبار الفجار وليتذكر أن الإنسان كما يدين يدان – أي: يجازى بمثل عمله.
ثاني هذه الأمور وثالثها: ما تضمنه قوله سبحانه: (( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ ولا تَجَسَّسُوا )). والظن الذي أمرنا هنا باجتنابه هو بمعنى التهمة التي لا يعرف لها أمارات صحيحة ولا أسباب ظاهرة ولا دليل، ولا سيما إن كان المظنون به من أهل الأمانة ظاهراً والستر والصلاح ، والظن بهذا الاعتبار حرام لقول سبحانه : (( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ )). وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ». والظن يشتد تحريمه ويعظم إثمه إذا جرّ الظان للتجسس على المظنون به التجسس الذي نهينا عنه بقول الله سبحانه : (( ولا تَجَسَّسُوا )) وقول رسوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتقدم : ( وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا ) أي: لا يبحث أحدكم عن عيوب وعورات أخيه . وروى الإمام أحمد في مسنده ( عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ ». وفي سنن أبي داود وغيره (عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ ». وكفى هذه الفعلة قبحاً أن صاحبها كالذباب، لا يكاد يقع إلا على المستقذرات والمنتنات والمستقبحات، ذوقاً وعرفاً بل وشرعاً.
أيها المسلمون
والتجسس يكون بالاطلاع علي السوءات, والله ـ تعالي يأمر عباده المؤمنين بالبعد عن هذا العمل الدنيء, وغير الأخلاقي لأنه يقوم علي تتبع عورات الآخرين, في محاولة للكشف عن سوءاتهم, لذلك يؤكد الإسلام العظيم ضرورة صون أعراض وحرمات الناس, وكراماتهم, وحرياتهم في المجتمع المسلم, وعلي ستر عوراتهم قدر الاستطاعة فلا تنتهك في أي صورة من الصور, ولا تمس بأي حال من الأحوال حتي لا تشيع الفاحشة بين المؤمنين, ففي المجتمع المسلم يجب أن يعيش الناس آمنين علي أنفسهم, وعلي بيوتهم, وعلي أسرارهم, وعلي ستر عوراتهم, لذلك حرم الله ـ تعالي التجسس بكل أشكاله, وأمر بحماية حرمات الأنفس والبيوت والعورات, وبتحريمه ـ تعالي التجسس فإنه يحرم كل مبرر أو ذريعة تكشف عن عورات الناس حتي في تتبع الجرائم وتحقيقها. فالناس في الإسلام يجب أن يؤخذوا علي ظواهرهم, وليس لأحد أو لسلطة ـ أيا كانت ـ أن تتعقب بواطنهم, أو أن تحاول الكشف عن عوراتهم تحت أي ذريعة من الذرائع, حتي في حالات المخالفات والجرائم الشرعية منها والمدنية لا يجوز التجسس بذريعة الكشف عنها, , وفي مسند أحمد (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ سَتَرَ مُؤْمِناً كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( آداب إسلامية في سورة الحجرات )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا, وأنت تجد لها في الخير محملا. وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: إنا قد نهينا عن التجسس, ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به
وعن مجاهد ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: لا تجسسوا خذوا بما ظهر لكم, ودعوا ما ستر الله. وهكذا صار هذا الأمر الإلهي سياجا حول حرمات الناس, وحرياتهم وحقوقهم, فلا تمس من قريب أو بعيد تحت أي ذريعة من الذرائع, أو مبرر من المبررات. وكما يشتد تحريم الظن السيء ويعظم إثمه إذا جر الظان للتجسس على المظنون به فإنه يشتد ويعظم ويقبح أكثر وأكثر إذا أدى إلى نقل الظان عن المظنون للغير قولاً أو فعلاً أو أمر يشينه. ولا سيما عند من بيده حول أو طول من الناس لارتكاب جريمة عظمى وداهية كبرى، جريمة وداهية النميمة المعرّفة من العلماء : (أنها نقل كلام شخص لآخر على وجه التحريش والإفساد ) وأنها محرمة بإجماع أهل العلم لما جاء فيها من نصوص ولما فيها من إفساد وفساد. ولا جرم، فلكم جرت من ويلات وأفسدت من صلات وكشفت من عورات. كم بذرت وتبذر من بذور للشحناء وأرست من قواعد للعداوة والبغضاء، كم خربت من بيوت عامرة وفرقت بين أسر مجتمعة وأزهقت من أرواح بريئة، ودرءاً لفسادها عن الأمة وحماية للأسرة المسلمة من آثارها جاءت نصوص الكتاب والسنة بتهديد ووعيد مرتكبيها ومستقبليها. يقوله سبحانه: (( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (11) القلم ، ويقول رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ ».رواه مسلم ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ » . متفق عليه. فاتقوا الله إخوة الإسلام واحذروا داء النميمة والوشاية هذا الداء العضال المفرق بين الأحبة الباغي للبرآء العيب. واحذروه فإن إثمه كما سمعتم آنفاً مركب من عدة آثام؛ إثم الظن السيء أولاً ثم إثم التجسس ثانياً ثم إثم النقل ثالثاً. وإن تلاها الرابع وهو أخذ الأجر على ذلك كانت طامته، لأخذه الأجر على إفساد ذات البين التي أمر الله أن تصلح يقول الله سبحانه : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) (1) الأنفال
الدعاء