خطبة عن (أم المؤمنين: ميمونة بنت الحارث)
يوليو 17, 2016خطبة عن ( غزوة أحد – الأسباب والنتائج)
يوليو 17, 2016الخطبة الأولى ( آيات ودروس وعبر من غزوة أحد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:121-122]. ويقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169] ، وقال الله تعالى : ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
إخوة الإسلام
في غزوة أحد الكثير والكثير من الدروس والعبر : ومن الآيات والدروس والعبر التي نستلهما من غزوة أحد : أن الله سبحانه وتعالى علم ما بعباده المؤمنين من الهم والغمّ ، والخوف والألم ، فأنزل عليهم نعاساً ناموا فيه وقتاً يسيراً ، ثم أفاقوا وقد زالت عنهم همومهم ،وفي ذلك يقول الله عز وجل : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ } ( آل عمران : 154 ) ، وفي صحيح البخاري (عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِى طَلْحَةَ – رضى الله عنهما – قَالَ كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ ، حَتَّى سَقَطَ سَيْفِى مِنْ يَدِى مِرَارًا ، يَسْقُطُ وَآخُذُهُ ، وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ) ، وانكشفت المعركة عن مقتل سبعين صحابيّاً وجرح العديد منهم ، بعد أن انصرف المشركون مكتفين بالذي حقّقوه ، و لحقت الهزيمة بالمسلمين لأوّل مرة في تاريخهم نتيجة مخالفتهم أوامر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وأنزل الله في شأن هذه الغزوة نحواً من خمسين آية في سورة آل عمران ، واصفاً أحداثها ، ومبيّناً أسباب النصر والهزيمة ، وغيرها من الدروس والعبر ، والحق أن هذه الغزوة زاخرة بالأحداث المهمّة ، والمواقف البطولية
أيها المسلمون
فلقد أكرم الله تعالى الطائفة المؤمنة في غزوة أحد بآيات عظيمة، وخصَّ نبيه صلى الله عليه وسلم بمعجزات باهرة، كانَتْ مُعِينًا للمؤمنين على ثباتهم رغم هزيمتهم، ومقوية لهم في مِحْنَتِهم رغم قلتهم وكثرة عدوهم، فلمّا اشتد الكرب على المؤمنين، وقوِيَ كَلَبُ الكافرين، وتمكنوا من رِقَاب المُؤْمِنين، وعظم خوف الصحابة -رضي الله عنهم- ودَبَّتِ الفوضى في أوساطهم، ونالهم من التعب ما نالهم، وعلاهم من الغمّ ما علاهم، وغشيهم من الكرب ما غشيهم؛ ألقى الله تعالى عليهم النعاس وهو النوم الخفيف؛ لينسيهم غمّهم، ويزيل تعبهم، ويجدّد نشاطهم، فكان ذلك كرامة من الله تعالى لهم، وسكينة عليهم ففي سنن الترمذي بسند صحيح (عَنْ أَبِى طَلْحَةَ قَالَ رَفَعْتُ رَأْسِى يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ وَمَا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ يَمِيدُ تَحْتَ حَجَفَتِهِ مِنَ النُّعَاسِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا )[آل عمران: 154]”.وكان من آيات الله تعالى في هذه الغزوة، وإكرامه لعباده المؤمنين؛ استجابته تبارك تعالى لدعاء بعضهم، وإعطاءهم ما سألوا؛ ففي سنن البيهقي ورواه الحاكم، وقال الذهبي: “صحيح مرسل”.(أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ أَلاَ تَأْتِى نَدْعُو اللَّهَ فَخَلَوَا فِى نَاحِيَةٍ فَدَعَا سَعْدٌ قَالَ : يَا رَبِّ إِذَا لَقِينَا الْقَوْمَ غَدًا فَلَقِّنِى رَجُلاً شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرَدُهُ فَأُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلَنِى ثُمَّ ارْزُقْنِى عَلَيْهِ الظَّفَرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ وَآخُذَ سَلَبَهُ فَأَمَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنِى غَدًا رَجُلاً شَدِيدًا حَرَدُهُ شَدِيدًا بَأْسُهُ أُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنِى ثُمَّ يَأْخُذُنِى فَيَجْدَعُ أَنْفِى فَإِذَا لَقِيتُكَ غَدًا قُلْتَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَ جُدِعَ أَنْفُكَ وَأُذُنُكَ فَأَقُولُ فِيكَ وَفِى رَسُولِكَ فَتَقُولُ صَدَقْتَ. قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ : يَا بُنَىَّ كَانَتْ دَعْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ خَيْرًا مِنْ دَعْوَتِى لَقَدْ رَأَيْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ وَإِنَّ أُذُنَهُ وَأَنْفَهُ لَمُعَلَّقَانِ فِى خَيْطٍ.)، ومن الآيات العظيمة في غزوة أحد: أنّ الملائكة حضروها، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الشيخان عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ – رضى الله عنه – قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمَ أُحُدٍ ، وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ “.ومن أعمال الملائكة في أحد: أنّهم غسلوا من كان جُنُبًا من الصحابة -رضي الله عنهم- فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن حنظلة ابن أبي عامر: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ صَاحِبَكُمْ تَغْسِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ فَاسْأَلُوا صَاحِبَتَهُ » . فَقَالَتْ : خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لِذَلِكَ غَسَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ ». رواه البيهقي والحاكم. وأظلّت الملائكة عبد الله بن حرام -رضي الله عنه-، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – قَالَ : لَمَّا قُتِلَ أَبِى جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِى ، وَيَنْهَوْنِى عَنْهُ وَالنَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – لاَ يَنْهَانِى ، فَجَعَلَتْ عَمَّتِى فَاطِمَةُ تَبْكِى ، فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ ، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ » رواه الشيخان. وكان -رضي الله عنه- حريصًا على الشهادة، طالبًا لها، صادقًا في طلبه إيَّاها، قال جَابِرٍ – رضى الله عنه – قَالَ لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِى أَبِى مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ مَا أُرَانِى إِلاَّ مَقْتُولاً فِى أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – ، وَإِنِّى لاَ أَتْرُكُ بَعْدِى أَعَزَّ عَلَىَّ مِنْكَ ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَإِنَّ عَلَىَّ دَيْنًا فَاقْضِ ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا . فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِى قَبْرٍ ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِى أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ . “؛ رواه البُخَارِيّ. وقد أكرمه الله تعالى بكرامة عظيمة، قال جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لَقِيَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِى « يَا جَابِرُ مَا لِى أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِى فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّى أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ ». قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا) الآيَةَ »؛ رواه الترمذي وابن ماجه.ومن أعظم الآيات في هذه الغزوة: مصير قتلى الصحابة -رضي الله عنهم-، فقد روى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْوَاحَهُمْ فِى أَجَوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِى إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِى ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْربِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مُنْقَلَبِهِمْ قَالُوا يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ بِمَا صَنَعَ اللَّهُ لَنَا لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِى الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عَنِ الْحَرْبِ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ عَلَى رَسُولِهِ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ ).أخرجه أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( آيات ودروس وعبر من غزوة أحد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن غزوة أُحُد يا إخوتي نصرٌ لا هزيمة، وهي معركة فَيَّاضةٌ بالعِبَر والعِظَات، أحداثُها صفحات ناصعة، يتوارثُها الأجيال بعد الأجيال، أنزلَ اللهُ فيها ستينَ آية في كتابه المبين، كان لها أثرٌ عميقٌ في نفس النبيِّ، ظلَّ يذكره إلى قُبيل وفاته. ومن الدروس والعبر التي نستلهمها من هذه الغزوة فإن أوَّل درسٍ هو أنَّ النصرَ مِن عند الله، فإنْ شاء نصرَكم، وإنْ شاءَ خذلَكم – سبحانه وتعالى –ولا نتلفَّظ بألفاظ الجُبَناء في أننا لا نملِكُ شيئًا أمامَ طاقة الكفَّار، فلماذا لا يكون الإعداد على قدْر الطاقة؟ وإن كانتْ طاقتنا لا تمثِّل شيئًا أمامَ القوة الرهيبة التي يمتلكها الأعداءُ فما العمل؟الإجابة: أنَّ النصرَ لا يكون بالعوامل الماديَّة فقط، إلا إذا تساوى الطرفان، فإذا تقابلَ كافرٌ مع كافرٍ ففي هذه الحالة كانت الغلبة للأكثر عُدة وعتادًا والأدق تنظيمًا، أما إذا تقابلَ المؤمن مع الكافر، فإنَّ الميزانَ يختلفُ، ولو كانَ لكثرة العدد والعتاد دورٌ رئيس في النصرِ، لانْتصر المسلمون في يوم حُنين حينما بلغوا من الكثرة مبلغًا عظيمًا؛ حتى قال بعضُهم لن نُغلبَ اليومَ من قِلَّة، فماذا حدثَ؟ قال – سبحانه -: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25]. ولو كانَ للعدد والعَتَاد دورٌ في النصر في معركة المؤمنين مع الكافرين، لأباد جيشُ جالوت طالوتَ ومَن معه، ولو كان للعددِ والعَتَاد دورٌ في النصر في المعركة، لأبادَ جيش قريش المسلمين في بدر، فقد كان يفوقُهم ثلاثةَ أضعاف العددِ وقُرَابة عشرة أضعاف في العتاد، لو كانَ للعدد والعَتَاد دورٌ في نَصْر المؤمنين على الكافرين، لما قال الله: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، ولَمَّا حدثَ للمسلمين ما حدثَ في أُحُد لم يرجع الله ذلك إلى قِلَّة عددِهم أو ضَعف خُطَطهم، وإنَّما أعادَ ما أصابهم إلى المعصية، وحُبِّ الدنيا، واستمعوا للعليم الخبير يخبرنا عن ذلك بقوله: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152]. نعم هذه هي القاعدة التي يجبُ على المؤمنين أن يدركوها: وما النصرُ إلا من عند الله، فلا العَدد ولا العُدة ولا حُسن التخطيط والتنظيم تُغْني وتَنْصُر إن لم ينصر اللهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾[محمد: 7]. فستنتصرُ أمة الإسلام يومَ أنْ تُطبِّقَ شريعةَ الله في حياتها، وتطهِّر نفسَها من منكرات فشتْ فيها. ومن الدروس المستلهمة والعبر : أن الجنَّة لا تُنال إلا على جسرٍ من المشقَّة والتعب، والطريق طويلٌ شاقٌّ حافلٌ بالمتاعب والعَقَبَات، وفي الامتحان بالغَلَبَة والهزيمة ذُلّ وخُضوع يوجِبُ العِزَّ والنصرَ،وهو – سبحانه – إذا أرادَ أنْ يعزَّ عبدَه كسرَه أولاً، ومن ثَمَّ تكون رِفْعَته على قدْرِ خضوعه وانكساره لله، وعودته إليه – سبحانه وتعالى
الدعاء