خطبة عن (إياكم والظلم)
فبراير 14, 2016خطبة عن (أبو بكر الخليفة الأول لرسول الله)
فبراير 14, 2016الخطبة الأولى ( خلافة أبي بكر الصديق ومميزاتها)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في سنن البيهقي : ( عَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التَّقْوَى وَأَحْمَقَ الْحُمْقَ الْفُجُورُ أَلاَ وَإِنَّ الصِّدْقَ عِنْدِى الأَمَانَةُ وَالْكَذِبَ الْخِيَانَةُ أَلاَ وَإِنَّ الْقَوِىَّ عِنْدِى ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ وَالضَّعِيفَ عِنْدِى قَوِىٌّ حَتَّى آخُذَ لَهُ الْحَقَّ أَلاَ وَإِنِّى قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِأَخْيَرِكُمْ ) .
إخوة الإسلام
لقد أنقذ الله على يدي أبي بكر الصديق الإسلام والمسلمين من ردة كبيرة ، ومحنة عظيمة ، وذلك بقرارين اتخذهما بعد توليه الخلافة ، وهما : أولا : انفاذه بعث اسامة بن زيد ، ثانيا : موقفه من المرتدين ، ومانعي الزكاة، أما انفاذه بعث أسامة بن زيد فقد جهز الرسول صلى الله عليه وسلم قبل موته هذا الجيش لمحاربة أعداء الإسلام، متوجها إلى الشام ، وَأَوْصَى صلى الله عليه وسلم عند مرضه بِتَنْفِيذِ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يُتْرَكَ بِجَزِيرِةِ الْعَرَبِ دِينَانِ ، وفِي وَجَعِهِ خَرَجَ صلى الله عليه وسلم عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَدْ كَانَ النّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جُلّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمّ قَالَ : ” أَيّهَا النّاسُ اُنْفُذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ فَلَعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَإِنّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا “، وكان جيش أسامة أيضا دليلا على قوة المسلمين ، وسيطرتهم على من حولهم من الأعراب ، ومحاربتهم لغير المسلمين من المحاربين من أهل الكتاب ،فبعد أن فرغ الخليفة من أمر البيعة واطمأن الناس قرر إنفاذ بعث أسامة فقال له امض لوجهك الذي بعثك له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا أمسك أسامة وبعثه فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ،فقال أبو بكر وكان أفضلهم رأيا أنا أحتبس بعثا بعثه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لقد اجترأت إذا على أمر عظيم والذي نفسي بيده لأن تميل العرب على أحب إلي من أن أحتبس جيشا أمرهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ، فكان خروج هذا الجيش في هذا الوقت دليلا على تماسك المسلمين ، ومظهرا لقوتهم ،أما عن المرتدين وما نعي الزكاة فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد أكثر العرب ، فبعضهم كفر وارتد، وبعضهم قال :أصلي ولا أؤدي الزكاة. فأذعن جمهور الصحابة إلى مسالمتهم، وأبى أبو بكر ذلك، ففي صحيح البخاري ومسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَبِى بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِى عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ ) ، هكذا تحول الرجل الوديع إلى أسد هائج دفاعا عن الإسلام والمسلمين ، فلا هوادة مع الخارجين عن الدين ، ولا مداهنة مع هؤلاء المرتدين ، ولكنه الحسم والحزم ، فقد استطاع رضي الله عنه أن يوحد كلمة المسلمين ، ويعيد للدين هيبته وأركانه ، سائرا على هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خلافة أبي بكر الصديق ومميزاتها)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهكذا استمرت خلافة الصديق رضي الله عنه قرابة العامين وثلاثة أشهر ،بذل فيها كل ما يستطيع ، في سبيل نشر الدعوة ، وتثبيت دعائم الإسلام ،وجمع خلالها القرآن الكريم ، ففي صحيح البخاري (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ بَعَثَ إِلَىَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِى الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا ، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ عُمَرُ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ . فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِى رَأَى عُمَرُ . قَالَ زَيْدٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْىَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ . قَالَ زَيْدٌ فَوَ اللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَىَّ مِمَّا كَلَّفَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ . فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُرَاجَعَتِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِى رَأَيَا ، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ، فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِى خُزَيْمَةَ فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا ) ،ولكن ، لكل بداية نهاية ، ولكل أجل كتاب ، فقد أصيب ذات يوم بالحمى ، واشتد وجعه وألمه ، فأدرك أن ساعة الرحيل قد اقتربت ، ولحظة الفراق قد دنت ، فدعا إليه بعض أصحابه ، وشاورهم في من يخلفه من بعده ، فاختار لهم عمر بن الخطاب ، ففي سنن البيهقي (قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا : لَمَّا ثَقُلَ أَبِى دَخَلَ عَلَيْهِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فَقَالُوا : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ غَدًا إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَتْ فَأَجْلَسْنَاهُ فَقَالَ : أَبِاللَّهِ تُرْهِبُونِي أَقُولُ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَهُمْ.) ولما حضر أبا بكر الوفاة دعا عمر فقال :اتق الله يا عمر واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان لا يكون فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وحق لميزان لا يكون فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً. وإن الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم قلت إني لأخاف ألا ألحق بهم وأن الله ذكر أهل النار وذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنها فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمته فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت ولست تعجزه خرجه في الصفوة والفضائل وخرجه الرازي عن ابن أبي نجيج وزاد وإن لم تحفظ وصيتي فلا يك غائب أبغض عليك من الموت وقال بعد قوله أن يكون خفيفاً وإنما جعلت آية الرجاء مع آية الشدة لكي يكون المؤمن راغباً راهباً وإذا ذكرت أهل الجنة قلت لست منهم وإذا ذكرت أهل النار قلت لست منهم وذلك أن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وذكرهم بأحسن أعمالهم وذكر أهل النار وذكرهم بأسوأ أعمالهم وقد كانت لهؤلاء سيآت ولكن الله تجاوز عنها وقد كانت لهؤلاء حسنات ولكن الله تعالى أحبطها.وتروي لنا ابنته عائشة رضي الله عنها لحظاته الأخيرة ، كما في البخاري :(عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنه – فَقَالَ فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ . وَقَالَ لَهَا فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ . قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالَتْ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ . قَالَ أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ . فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ ، بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا ، وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا . قُلْتُ إِنَّ هَذَا خَلَقٌ . قَالَ إِنَّ الْحَىَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ ) ، وتمر اللحظات وراح الصديق يعالج سكرات الموت ، ففتح عينيه وقال : يا عائشة ، ادفنوني بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وتقول عائشة كما في سنن البيهقي (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ : لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُ أَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بَكَيْتُ وَأُغْمِىَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ : مَنْ لاَ يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا فَإِنَّهُ مَرَّةً مَدْفُوقٌ قَالَتْ : فَأَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : لَيْسَ كَمَا قُلْتِ يَا بُنَيَّةُ وَلَكِنْ ( جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ، رضي الله عنك يا صاحب رسول الله وصديقه ، وجزاك الله عنا وعن الاسلام خير الجزاء ، وجمعنا معك في دار كرامته
الدعاء