خطبة عن ( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ)
نوفمبر 22, 2016خطبة عن (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ)
نوفمبر 23, 2016الخطبة الأولى ( أتدري ما هي النار ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [الملك:6-11]. وقال سبحانه: ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً ) [النبأ:21-30]. وقال سبحانه: (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) (72) مريم
إخوة الاسلام
بينما كنت أصلح بين متخاصمين ، قال أحدهما : ( والله أنا على استعداد أن أدخل النار ولا أعفو عن فلان ) ،فاقشعر جلدي من هذا القول ، وتوقفت عن الكلام ، ولزمت الصمت من هول ما سمعت ، وجال بخاطري هذا السؤال : هل تعلم ما هي النار التي أنت على استعداد لتدخلها ؟ والله لو تعلم ما هي النار ما نطق بذلك القول لسانك ، ، ولا أغمض لك جفن ، ولا تنعمت بعيش ، لأن عذاب النار أمر لا يطاق ، بل مجرد تذكره تنخلع القلوب ، وتنغص الحياة، وهذا ما أفهمه من قوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا » . قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ ) ،وفي سنن ابن ماجة وغيره (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ السَّمَاءَ أَطَّتْ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ. وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ». وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ ). وعندها فكرت في أن أكتب في هذا الموضوع ، ليعلم من لا يعلم ، ما هي النار ؟
أيها المسلمون
فالكثير والكثير من الناس لا يدري ما هي النار ؟ ولو علم ذلك لتغير حاله ، ولأمسك عن هذا الهراء لسانه ، وهرب من معاصيه ، وأقلع عن ذنوبه ، وجرأته على خالقه ، لذلك كان من الواجب علينا – نحن الدعاة – أن نبصر الناس بها ، وأن نطلعهم على مصير من قضى الله عليه بدخولها ، أعاذنا الله وإياكم منها ومن حرها وشرها ،يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن آحاد المجرمين: ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ) [الحاقة:30-37]. (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) الغل هو القيد وجمع اليدين وراء الظهر، وقيل: جمعها عند الذقن بالسلاسل. (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) أي: أصلوه نار جهنم التي تتلظى، لا يراها راء أو يدخلها داخل إلا سقطت فروة وجهه في النار. (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ) أي يسلك فيها سلكاً حتى تخرج -والعياذ بالله- من فمه ودبره، فتمر مروراً كلما انتهت تعود من أوله. وقال سبحانه: ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا ) [الأحزاب:66] فتقلب وجوههم يمنة ويسرة ، وهنا يقول قائلهم 🙁 يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ) [الأحزاب:66-67] ،وقال سبحانه: ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف:74-75]. والخلود هنا لغير الموحدين، أما عصاة الموحدين فلا يخلدون في النار، وقال سبحانه: ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً ) [النبأ:21-30]. وفي الصحيحين ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ . فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ . فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ قَالَ « أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ »
أيها المسلمون
ولعذاب النار سببان رئيسيان أحدهما تكذيب القلب بخبر الله ورسوله، والثاني إعراض البدن عن طاعة الله ورسوله ، قال تعالى : {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [سورة طه: 48]. ومما ينجي من النار التعوذ بالله منها والبكاء من خشية الله واجتناب الأعمال الموصلة إليها. ولكن قبل أن نسترسل في وصف النار ، وأحوال أهلها ، تعالوا بنا ، نرى حال من عرفها واستعاذ بالله منها : اسمعوا إلى أخبار الصالحين وهم يتعوذون من النار، قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ) [الفرقان:65-66]
فقد وصف الله الصالحين من عباده، بأنهم يتعوذون من عذاب النار، وأنهم يسألون الله أن يصرف عنهم عذاب النار،
فو الله لا ضنك ولا أسى ولا لوعة إلا في النار، والفائز من زحزح نفسه وأنجى نفسه من النار،. قال تعالى (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) آل عمران 185 ،وقد ذكر أهل العلم بأسانيد جيدة أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام كانت تردد الآية من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ )الطور:27-28 قال أحد الرواة [سمعت عائشة ترددها في صلاة الضحى وتبكي فذهبت إلى السوق وعدت، فأتيت وهي تبكي وترددها] . وأما ابن عمر فذكر عنه أنه قرأ قوله سبحانه وتعالى: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ )[سبأ:54] فبكى حتى أُغمي عليه ورش بالماء. وهذا ابن وهب ،ذكر عنه الذهبي أنه سمع ابنه يقرأ: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ) [غافر:47] فأغمي عليه حتى حمل على أكتاف الرجال. أما ابن تيمية فكان ابنه علي من أخشى الناس لله، وكان وراءه في الصف فقرأ الفضيل: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) [الصافات:24-26] فأغمي على ابنه وحمل إلى البيت، فحركوه فإذا هو قد مات، وجاء رجل من الأعراب إلى عمر، قال: يا عمر! الخير لتفعلنه قال: فإن لم أفعل؟! قال: لتفعلنه أو لتكرهنه، قال: فإن أكرهت، قال: أما تخاف النار؟ – فبكى عمر – وقال: بلى والله أخاف النار. وهذا أبو بكر وعثمان وعلي، كانوا من أخشى الناس لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وكان أحدهم إذا ذكر النار زفر زفرة، ولاع لوعة، وتذكر ذكرى ،وكان لذكرهم فائدة في عملهم وخشيتهم وصدقهم لله، ونريد من تذكرنا للنار ،وأحوال أهلها ،وألوان عذابها ،أن تتحول أعمالنا إلى أعمال صالحة في حياتنا ومراقبتنا لله تبارك وتعالى. وكان من السلف من إذا رأى النار اضطرب وتغيرت حاله ، وقد قال تعالى (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً) [سورة الواقعة: 73]. ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم وقد قال بعض السلف: عجبت للجنة كيف نام طالبها! وعجبت للنار كيف نام هاربها؟. ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من الضحك، وكان جماعة من السلف قد عاهدوا الله أن لا يضحكوا أبدا. قال سعيد بن جبير رحمه الله: كيف أضحك وجهنم قد سعرت، والأغلال قد نصبت، والزبانية قد أعدت!
أيها المسلمون
أما عن الاستعاذة من النار، فأوصي نفسي وإياكم بكثرة الاستعاذة من النار، ففي صحيح مسلم قَالَ صلى الله عليه وسلم « إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ ». قَالَتْ عَمْرَةُ فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ فَكُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ذَلِكَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ ). وفي مسند أحمد وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ)
وفيه (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلاَّ قَالَتِ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنِّى)
وفي سنن أبي داود قال صلى الله عليه وسلم « إِذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ فَقُلِ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ. سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ مِتَّ فِي لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كَذَلِكَ فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ فِي يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا » إذاً فأوصي نفسي وإياكم بعد الفجر والمغرب بترداد (ربِّ أجرني من النار) سبع مرات، وقال الله تعالى عن فرعون وأهله: ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ) [غافر:46] أي: في القبر: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) [غافر:46] فالنار يعرضون عليها وهم في القبور، فإذا قبر الإنسان فهو -والله- إما في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار. فالقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده ، وإن يكن القبر شراً فما بعد أشدّْ ، وويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ ولذلك يفتح له روزنة -أو نافذة- فيرى مقعده في الجنة إذا كان من أهل النار، ويقال له هذا مقعدك في الجنة لو كنت من أهل الجنة، فيزداد بؤساً وندامة، ويفتح له لهيب ونار وحرقة إلى النار حتى يبعث؛ ففي مسند أحمد (فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ » وهكذا فالمجرم يقول: اللهم لا تقم الساعة، فيستمر في ندم وحسرة حتى يقيم الله الساعة. وفي مسند البزار (عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي زَوْجِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَفِي أَبِي أَبِي سُفْيَانَ ، وَفِي أَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَقَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لاَ يُعَجَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ أَجَلِهِ ، فَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَافِيَكَ ، أَوْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا ، أَوْ أَفْضَلَ ) فالاستعاذة من النار سنة واردة وأوصيكم بها ونفسي بعد التشهد وفي أدبار الصلوات، وفي السجود وفي آخر الليل أن تستعيذوا وتستجيروا بالله من النار.
أيها المسلمون
وعلى العبد المسلم أن يخاف النار، فترهيب النفس من النار من أخلاق الصالحين ،ومهما وصف الواصفون فو الله لا يأتون على وصف النار، ومهما حسبوا، ومهما نسبوا فإن أجسامنا لا تقوى على النار. فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « اتَّقُوا النَّارَ » . ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ » . ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ »
فالصدقة ولو كانت قليلة ، والبسمة وإن كانت يسيره، وتقديم المنفعة ولو كانت نصيحه، كلها صدقة ووقاية من النار، فمن أراد أن يجعل بينه وبين النار وقاية فليعمل صالحا: قال تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281] فالاتقاء أن تجعل شيئاً من العمل يقيك عذاب الله وغضبه ولعنته.
وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ « يَا بَنِى كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِى نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا ».
أيها المسلمون
وماذا عن النار أعاذنا الله منها فعند مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ». تصور أخي – النار تقاد بسبعين ألف زمام والزمام لا يعلم قوته إلا الله، وهي تموج وتهيج على الناس في الموقف، يحطم بعضها بعضاً وتتميز من الغيظ، وتسطو على الناس في الموقف فيفر منها الناس، ومع كل زمام سبعون ألف ملك فكيف بها؟! نعوذ بالله من النار، والنار لها سبعة أبواب، قال تعالى (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) (44) الحجر ، ولا يعلم ما بين المصراعين إلا الله، فللنار سبعة أبواب ومالك خازنها ، يقول الله تعالى عنهم : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) [الزخرف:77]
أيها المسلمون
وعن شدة حر جنهم نعوذ بالله من حر جهنم، ففي الحديث المتفق عليه { عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم قَالَ « نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ » قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً . قَالَ « فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا ، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا » وفي بعض الروايات: { عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَلَوْلاَ أَنَّهَا أُطْفِئَتْ بِالْمَاءِ مَرَّتَيْنِ مَا انْتَفَعْتُمْ بِهَا وَإِنَّهَا لَتَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعِيدَهَا فِيهَا » رواه ابن ماجة. وقيل أنه في محاضرة مع عالم مسلم وعالم كافر، قال له المسلم: ما هي آخر نظرية توصل لها العلم الحديث عن درجة حرارة النار ؟ قال: توصلنا في العلم الحديث أننا إذا أشعلنا النار وبلغت درجة الحرارة ألفاً، بعد أن تحمر النار، فإنها تبيض، قال: فإذا ابيضت قال: ترتفع ألف درجة، قال: فماذا يحدث؟ قال: تسود النار تماماً، قال عندنا هذا في السنة، قال: في أي كلام؟ قال: روى الترمذي { عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ». فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! فجهنم سوداء، وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود، وقد دل على سواد أهلها قوله تعالى: (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس 27] وقوله تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران 106]، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن من عصاة الموحدين من يحترق في النار حتى يصير فحما. ففي البخاري يقول صلى الله عليه وسلم (حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا ، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ) وفي ذكر حجارتها قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم 6] وقال تعالى (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة 24]، واختلف المفسرون في هذه الحجارة فقالت طائفة منهم الربيع بن أنس الحجارة هي الأصنام التي عبدت من دون الله كما قال تعالى (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) [الأنبياء 98]،
وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة الكبريت توقد بها النار، ويقال إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليست في غيرها من الحجارة: سرعة الإيقان، ونتن الرائحة، وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا أحميت نعوذ بالله من ذلك بمنه وكرمه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أتدري ما هي النار ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والنار قد اشتكت لربها من شدة حرها ، ففي الصحيحين (أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا ، فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِي الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ » . فهل تتخيل أخي المسلم ، وأختي المسلمة هذه النار ؟، وهل تصبر على حرها؟ ، وهل تستطيع الصبر على عذابها؟ . بل تخيل معي أهون أهلها عذابا كيف يكون حاله ، ففي الصحيحين (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ » وفي رواية لمسلم « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلاَنِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا ». وفي صحيح مسلم (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ ». ومما يدلل على شدة عذابها أيضا أن غمسة واحدة فيها تنسي العبد كل نعيم ورخاء في الحياة فما بالك بمن يمكث فيها يوما ،أو شهرا ، أو سنة أو يخلد فيها والعياذ بالله ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ». يارب سلم سلم . فمن شدة حرها وشرها وعذابها يتمنى المجرمون لو يفتدون بالمال والأهل بل وبالدنيا كلها من هول عذاب النار ، قال تعالى: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ{11} وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ{12} وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ{13} وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ{14} كَلَّا إِنَّهَا لَظَى{15} نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى {16} تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى{17} وَجَمَعَ فَأَوْعَى) {18} المعارج. وفي الصحيحين عن (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ . فَيَقُولُ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تُشْرِكَ بِي » . بل وأكثر من ذلك، فمن هول العذاب وشدته ، يتمنون الموت فيخاطبون خازن النار ، قال تعالى :{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } الزخرف77 . وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ{36} وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ) {37} فاطر.
أيها المسلمون
والنار دركات ، والدركات نازلة ،بعضها أسفل من الآخر ، فماذا عن قعر جهنم نعوذ بالله من جهنم، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « تَدْرُونَ مَا هَذَا ». قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « هَذَا حَجَرٌ رُمِىَ بِهِ فِى النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِى فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا ». وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا ) [النساء : 145] ، فهم في الدرك الأسفل، فهي دركات نعوذ بالله منها. وهذا عم الرسول صلى الله عليه وسلم أبو طالب ، لقد ذب عن الرسول عليه الصلاة والسلام وحماه، ودافع عنه، فماذا كان جزاؤه؟ شفع له الرسول صلى الله عليه وسلم: فجعله الله في ضحضاح من النار، وأبو طالب لا يخرج من النار وهو خالد مخلد في النار ففي البخاري (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ فَقَالَ « لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ ، يَغْلِى مِنْهُ دِمَاغُهُ » وفي صحيح مسلم : (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ ». أما عن سلاسل جهنم : فقد ورد عند أحمد والترمذي بأسانيد صحيحة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَوْ أَنَّ رُصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَهِىَ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَصَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا ». وأما عن حيات جهنم وعقاربها : فقد روى أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم ( عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ فِي النَّارِ حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ أعْنَاقِ الْبُخْتِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفاً وَإِنَّ فِي النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ الْبِغَالِ الْمُوكَفَةِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً ». والمرور على الصراط يكون فوق متن جهنم ، يقول الله تعالى : (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) (72) مريم ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَأَبُو مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ في حديث طويل ثم قال صلى الله عليه وسلم ( … وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنَبَتَىي الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالاً فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ ». قَالَ قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ قَالَ « أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِى بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا – قَالَ – وَفِى حَافَتَي الصِّرَاطِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ ». وَالَّذِى نَفْسُ أَبِى هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا). وفي رواية لمسلم (ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ قَالَ « دَحْضٌ مَزِلَّةٌ. فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. ) ونستكمل الحديث في هذا الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء