خطبة عن ( الله هو الخالق )
يوليو 8, 2016خطبة عن ( قصة ثلاثة الغار دروس وعبر)
يوليو 8, 2016الخطبة الأولى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. وصفيه من خلقه وحبيبه .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)) النمل ،وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ…وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر 15. ويقول سبحانه : ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) الذاريات 50
إخوة الإسلام
في هذه الدنيا مصائب ورزايا، ومحن وبلايا، آلامُ تضيقُ بها النفوس، ومزعجاتُ تورث الخوفَ ،كم في الدنيا من عينٍ باكيةٍ ؟ وكم فيها من قلب حزين؟ وكم فيها من الضعفاءِ والمعدومين، قلوبُهم تشتعل، ودموعُهم تسيل ؟ .هذا يشكُ علةً وسقما. وذاك حاجة وفقرا. وآخر هماً وقلقا. وهذا عزيزٌ قد ذل، وغنيٌ افتقر، وصحيحٌ مرض، ورجل يتبرم من زوجه وولده، وآخرُ يشكُ ويئنُ من ظلمِ والده وثالثٌ كسدة وبارت تجارته، وشاب أو فتاة تبحث عن عروس، وطالب يشكو كثرة الامتحانات أو الدروس. هذا مسحور وذاك مدين ،وأخر ابتليَ بالإدمان والتدخين، ورابعُ أصابه الخوفُ ووسوسةُ الشياطين. تلك هي الدنيا، تضحكُ وتبكي، وتجمعُ وتشتت، شدةُ ورخاءُ وسراءٌ وضراءُ.فهي متقلبة لا تدوم على حال ، وفي تقلب الدهر عجائب، وفي تغير الأحوال مواعظ،.. توالت العقبات، وتكاثرت النكبات، وطغت الماديات على كثير من الخلق فماذا كانت النتيجة تنكروا لخالقهم ووهنت صلتهم بربهم .اعتمدوا على الأسباب المادية البحتة، ولم يسألوا مسبب الأسباب فسادت موجات القلق والاضطراب، والضعف والهوان، وعم الهلع والخوف من المستقبل، خافوا على المستقبل، تخلوا عن ربهم فتخلى الله عنهم:( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) التوبة 67
أيها المسلمون
في هذا العصرُ تعلقَ الناسُ بالناسِ، وشكا الناسُ إلى الناس، ولا بأسَ أن يُستعانُ بالناس في ما يقدرون عليه، لكن أن يكونَ المُعتمَدُ عليهم، والسؤال إليهم، والتعلقُ بهم ويغفلوا عن الله فهذا هو الهلاكُ بعينه، فإن من تعلق بشيٍ وكلَ إليه….فأين نحن من الشكوى لله، أين نحن من الإلحاح والتضرعِ الى الله؟ ،سبحان الله، ألسنا بحاجةٍ إلى ربنا؟ أنعتمدُ على قوتنا وحولِنا،.. والله ثم واللهِ لا حول لنا ولا قوةَ إلا بالله. واللهِ لا شفاء إلا بيد الله، ولا كاشفَ للبلوى إلا الله،و لا توفيق ولا فلاح ولا سعادةَ ولا نجاح إلا من الله ، فالفرار إلى الله، واللجوء إليه في كلِ حالٍ وفي كل كربٍ وهم، هو السبيلُ للتخلصَ من ضعفنا وفتورنا وذلنا و هواننا… فيا أصحابَ الحاجات…أيها المرضى…أيها المدينون…أيها المكروب والمظلوم….أيها المُعسرُ والمهموم… أيها الفقيرُ والمحروم…يا من يبحث عن السعادة الزوجية….يا من يشكو العقم ويبحث عن الذرية.. يا من يريد التوفيق بالدراسة والوظيفة…..يا من يهتم لأمر المسلمين…يا كل محتاج،.. يا من ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت..لماذا لا نشكوُ إلى اللهِ أمرنا وهو القائل: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر 60 ، لماذا لا نرفعُ أكفَ الضراعة إلى الله وهو القائل: ( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) البقرة 186 ،فلماذا ضُعفُت الصلةِ بالله، وقل الاعتمادِ على الله، وهو القائل: ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ ). لولا دعاؤكم.. فيا من نزلت بها نازلة، أو حلت به ضائقة يا من بليت بمصيبةٍ أو بلاءٍ، ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمعَ والبكاء، وألحَ على اللهِ بالدعاء وقل: يا سامعاً لكلِ شكوى .يامن تسمع كلامي وترى مكاني ،يا خالق الأكوان أنت المرتجى…… وإليك وحدك ترتقي صلواتي ، يا خالقي…ماذا أقول وأنت تعلمني وتعلم حاجتي وشكاتي ، يا خالقي ماذا أقول وأنت مطلع على شكواي والأناتي ،يارب . يا سامع كل نجوى، ويا شاهد كل بلوى، يا عالم كل خفية، و يا كاشف كل بلية، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين.. ندعوك دعاء من أشدت فاقته، وضعفت قوته، وقلت حيلته دعاء الغرباء المضطرين ..الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت…يا أرحم الراحمين
أخي المسلم
إذا استعنت فأستعن بالله، وإذا سألت فأسأل الله، .وتوكل على الله وحده، وأعلن بصدقٍ أنك عبده واسجد لله بخشوع، وردد بصوتٍ مسموع: يا سامعاً لكلِ شكوى. أنت الملاذُ إذا ما أزمةٌ شملت……..وأنت ملجأُ من ضاقت بهِ الحيلُ
أنتَ المنادى به في كلِ حادثِةٍ…….أنت الإلهُ وأنت الذخرُ والأملُ
أنت الرجاءُ لمن سُدت مذاهبهُ……أنت الدليلُ لمن ضلت بهِ السبلُ
إنا قصدناك والآمال واقعةٌ………عليكَ والكلُ ملهوفُ ومبتهلُ
أيها الموحدون
إن الأنبياء والرسلَ، وهم خيرُ الخلق، وأحبُ الناسَ إلى الله، نزل بهم البلاء واشتدَ بهم الكرب، فماذا فعلوا وإلى من لجئوا. هذا نوحٌ عليه السلام يشكو أمرَه إلى الله ويلجأُ لمولاه: قال تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الصافات 75 ، 76 ، وهذا أيوبُ عليه السلام، ابتلاهُ اللهُ بالمرضِ ثمانيةَ عشر عاماً حتى أن الناسُ ملوا زيارته لطولِ رقاده، فلم يبقى معه إلا رجلانِ من إخوانهِ يزورانه، لكنه لم ييئس عليه السلام، بل صبرَ واحتسب توجه إلى ربه بالشكوى ليرفع عنه الضر والبلوى قال تعالى:(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الانبياء 83. فماذا كانتَ النتيجة ؟…قال الحقُ عز وجل : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) الانبياء 84 . وهذا سيدنا يونسُ عليه السلام، رفع الشكاية لله فلم ينادي ولم يناجي إلا الله قال تعالى:( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الانبياء 87. فماذا كانتَ النتيجة ؟ قال تعالى (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) الانبياء 88. وزكريا عليه السلام قال الحق عز وجل عنه: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) الانبياء 89. ماذا كانت النتيجة ؟(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الانبياء 90. وهذا سيدنا يعقوبُ عليه السلام لما فقد ولده يوسف عليه السلام قال: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) يوسف 86 ، انظروا لليقين، انظروا للمعرفة برب العالمين: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، فاستجاب اللهُ دعائَه وشكواه وردَ عليه يوسفَ وأخاه. وهذا يوسف عليه السلام ابتلاه الله بكيد النساء، فلجأ إلى الله، وشكى إليه ودعاه فقال: ( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) يوسف 33، إنه التضرع والدعاء، والافتقار لرب الأرض والسماء، إنها الشكاية لله، وحسن الصلة بالله. (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يوسف 34. وأخبر الله عن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه حينما دعا ربه في غزوة بدر ورأى كثرة عدد المشركين فاستغاث برب العالمين فقال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) الانفال 9. استغاثة ولجوء إلى الله، وشكوى وصلة بالله سبحانه وتعالى.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. وصفيه من خلقه وحبيبه .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن من أصول التوحيد أن تتعلق القلوبُ بخالقها.. في وقت الشدةِ والرخاء ..والخوفِ والأمن،.. والمرضِ والصحة، وفي كل حالٍ وزمان….وما نراه اليومَ من تعلقِ القلوب بالمخلوقين، وبالأسباب وحدها دون اللجوء إلى الله، وهو سبحانه مسبب الأسباب …فهذا نذيرُ خطرٍ يزعزعُ عقيدةِ التوحيدِ في النفوس.
أيها الأحبة:
إن الشكوى لله،.. والتضرعَ إلى الله،.. وإظهارَ الحاجة إليه،.. والاعتراف بالافتقار إليه.. هي من أعظمِ عرى الإيمانِ.. وثوابتِ التوحيد، وبرهانُ ذلك الدعاء والإلحاح بالسؤال، والثقةُ واليقينُ بالله في كلِ حال.. وهل إلى غيرِ الله مفر، أم هل إلى غيره ملاذ. ففي المرض مثلا الأحاديث كثيرة، والأدعية مستفيضة، وإليك على سبيل المثال ما أخرجه ابن ماجة وغبره (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ الْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفِثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا.) وأخرج البخاري ومسلم أيضا من (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا – أَوْ أُتِىَ بِهِ – قَالَ « أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا » ،وفي صحيح مسلم (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ الثَّقَفِىِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَعًا يَجِدُهُ فِى جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِى تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ. ثَلاَثًا. وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ». انظروا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قدوتنا وحبيبنا يربي الناس، ويربي أصحابه على الاعتماد واللجوء إلى الله،.. الإرشاد أولا لله، والتعلق أولا بالله، لم يرشده أولا لطبيب حاذق ولا بأس بهذا، لكن التعلق بالله يأتي أولا…( وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ». فأرفع يديك إلى الله أيها الموحد أيها المريض واسأله بدمع عينيك، وأظهر فقرك وعجزك، واعترف بذلك وضعفك .بين يديه في رواية عن سعيد ابن عنبسة قال: بينما رجل جالس وهو يعبث بالحصى ويحذف به إذ رجعت حصاة منه عليه فصارت في أذنه، فجهدوا بكل حيلة فلم يقدروا على إخراجها، فبقيت الحصاة في أذنه مدة وهي تألمه، فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع قارئ يقرأ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) ،فقال الرجل: يا رب أنت المجيب وأنا المضطر فأكشف عني ما أنا فيه، فنزلت الحصاة من أذنه في الحال .لا تعجب، إن ربي لسميع الدعاء، إذا أراد شيئا قال له كن فيكون .وإذا كنت مدينا فاعمل بالأسباب وارفع يدك الى مسبب الأسباب ،فمن الأدعية في قضاء الدين ما أخرجه أبو داوود في سننه ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ « يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِى أَرَاكَ جَالِسًا فِى الْمَسْجِدِ فِى غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِى وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّى وَقَضَى عَنِّى دَيْنِى.). هكذا يعلق القلوب بالله صلوات الله وسلامه عليه… وروى البيهقي في فضائل الأعمال عن حماد ابن سلمة أن عاصما ابن أبي إسحاق شيخ القراء في زمانه قال: أصابتني خصاصة -أ ي حاجة وفاقة – فجئت إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة، فخرجت من منزله إلى الصحراء ثم وضعت وجهي على الأرض وقلت يا مسبب الأسباب، يا مفتح الأبواب، يا سمع الأصوات، يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضل عن من سواك. يلح على الله بهذا الدعاء…قال فو الله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعت بقربي، فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيسا أحمر فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون دينارا وجوهرا ملفوفا بقطنة، فبعت الجواهر بمال عظيم، وأبقيت الدنانير فاشتريت منها عقارا وحمدت الله تعالى على ذلك… لا تعجب أيها الأخ الكريم ، إن ربي لسميع الدعاء، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.وإذا كنت مهموما فالجأ إلى كاشف الهم ومفرج الكرب والغم .. فمن الأدعية عند الهم والقلق ما أخرجه أحمد في المسند (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِى بِيَدِكَ مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِىَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِى وَنُورَ صَدْرِى وَجَلاَءَ حُزْنِى وَذَهَابَ هَمِّى. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً ». قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ « بَلَى يَنْبَغِى لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا »
أيها الأخوة
إن الإنسان منا ضعيف، ضعيف فكيف إذا اجتمعت عليه الهموم والأحزان، وشواغل الدنيا ومشاكلها فزادته ضعفا، وجعلته فريسة للهم والقلق والتمزق النفسي.لهذا، فلا يمكن للقلب أن يسكن أو يرتاح أو يطمئن لغير الله، فاحفظ الله يحفظك وردد : ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يوسف 64. رأى سيدنا موسى عليه السلام البحر أمامه والعدو خلفه فقال: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، الشعراء 62 ، إنها العناية الربانية إذا ركن إليها العبد صادقا مخلصا. ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار ويرى أقدام أعدائه على باب الغار، ويلتفت إلى صاحبه يقول: ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) التوبة 40، والأعجب من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وهو مطارد مشرد وكفار مكة يبحثون عنه ليقتلوه ومع ذلك فهو يبشر سراقة بأنه سوف يلبس سواري كسرى، هكذا الإيمان والاعتصام بالله… وكان (صلى الله عليه وسلم ) إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، أي إذا نزل به ألم او هم أو أصابه غم لجأ إلى الله، فزع إلى الصلاة لجأ إلى الله، ويشكو إلى الله، ويناجي مولاه… إنها الثقة بالله عند الشدائد، فهو يأوي إلى ركن شديد. فيا من وقعت بشدة أرفع يديك إلى السماء، وألح على الله بالدعاء والله يعصمك من الناس.
إخوة الإسلام
ارفعوا أيديكم في ذل وخشوع …فيا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى…يا سابغ النعم، ويا دفع النقم، ويا فارج الهم، ويا كشف الغم ، ويا أعدل من حكم، ويا حسيب من ظلم، ويا ولي من ظُلم….يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار…كم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا،فلك الحمد وكم من بلية ابتليتنا بها قل عندها صبرنا، فلك الحمد فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بلائه صبرنا فلم يخذلنا أقذف في قلوبنا رجاءك، اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك، اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك حتى لا نرجو أحدا غيرك…اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا، ويقينا صادقا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم لا نهلك وأنت رجاؤنا، اللهم لا نهلك وأنت رجاؤنا احرسنا بعينك التي لا تنام وبركنك الذي لا يرام…يا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى، يا كاشف كربتنا، ويا مستمع دعوتنا، ويا راحم عبرتنا، ويا مقيل عثرتنا…يا رب البيت العتيق.. أكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق، واكفنا والمسلمين ما نطيق وما لا نطيق، اللهم فرج عنا وعن المسلمين كل هم غم، وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب…يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا منزل القطر، يا مجيب دعوت المضطر، يا سامعا لكل نجوى احفظ إيماننا وأمن بلادنا، ووفق ولاة الأمر لما فيه صلاح الإسلام والعباد…يا كاشف كل ضر وبلية، ويا عالم كل سر وخفية نسألك فرجا قريبا للمسلمين، وصبرا جميلا للمستضعفين، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد أبدا.