خطبة حول (فيرس كورونا آية من آيات الله في خلقه وجندي من جنوده)
أبريل 21, 2020خطبة عن (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى)
مايو 30, 2020الخطبة الأولى ( أُحِبُّكَ رَبِّي ) محبة الله تعالى
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ ،وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ ،وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي » ، وفيه أيضا 🙁عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ ،وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ ».
إخوة الإسلام
إن الله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته ،مع الخضوع له والانقياد لأمره، فأصل العبادة محبة الله، بل إفراده بالمحبة، وأن يكون الحب كله لله، فلا يحب معه سواه، وإنما يحب لأجله ،وفيه ،كما نحب أنبياءه ورسله وملائكته وأولياءه، فمحبتنا لهم من تمام محبته ، وليست محبة معه، وحب الله تعالى أصل عظيم من أصول الدين، ولا يمكن للإنسان أن يقوم بأمور دينه على الوجه الأكمل دون هذا الأصل، فلا يمكن أن تُتصور طاعة أو امتثال أو اتباع دون حب، ولا يمكن كذلك أن تُتصور حلاوة إيمان دون وجود هذا الحب لله تعالى ،ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ،وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ،وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ »، وفي مسند أحمد : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :« لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا..)، فمقتضى الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب وأقرب إلى نفوسنا من غيرهما، وأن يكون ما يريده الله ورسوله أولى إلينا ،حتى مما نريده، لهذا ،فقد أنذرنا الله سبحانه – نذارة عظيمة، وأوعدنا وعيدا غليظا ،إذا نحن قدمنا غيرهما عليهما، يقول الله سبحانه: {قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَآؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ, فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللّهُ بِأَمرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]. أي : تربصوا ـ أيها الناس ـ وانتظروا ما يأتيكم به الله سبحانه – إن كانت هذه الأشياء من أبناء وأموال ومساكن وغيرها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ، فإذا كانت المحبة لله هي حقيقة عبوديته وسرها ،فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه، فعند اتباع الأمر واجتناب النهي ،تتبين حقيقة العبودية والمحبة؛ ولهذا جعل تعالى اتباع رسوله علما عليها ،وشاهدا لمن ادعاها فقال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} (31) آل عمران، فجعل اتباع رسوله مشروطاً بمحبتهم لله ،وشرطاً لمحبة الله لهم، فيستحيل ثبوت محبة الله تعالى لهم بدون المتابعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون
إن محبة الله تعالى هي المنزلة التي يتنافس فيها المتنافسون، وإليها نظر العاملون، وإلى عَملها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبُّون، وبروْح نسيمها ترّوح العابدون؛ فهي قُوت القلوب ،وغذاء الأرواح ،وقرة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي مَن عدِمه حَلَّتْ بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام. إنها المحبة التي ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ،وقد قضى الله يوم قدَّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة، أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة ، فشجرة المحبة وارفة الظلال ،وإذا غُرست شجرة المحبة في القلب، وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب، أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى ، فلا يزال سعي المحب صاعدًا إلى حبيبه ، لا يحجُبُه دونه شيء ، قال الله تعالى : {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. وقال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165]. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].، وفي سنن الترمذي : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضى الله عنه قَالَ احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ فَخَرَجَ سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَجَوَّزَ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ قَالَ لَنَا « عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ ». ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ « أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلاَتِي حَتَّى اسْتَثْقَلْتُ ،فَإِذَا أَنَا بِرَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ،فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ. قُلْتُ لَبَّيْكَ رَبِّ. قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى قُلْتُ لاَ أَدْرِي. قَالَهَا ثَلاَثًا قَالَ فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ ،فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ. قُلْتُ لَبَّيْكَ رَبِّ ،قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ،قُلْتُ فِي الْكَفَّارَاتِ ،قَالَ مَا هُنَّ؟ قُلْتُ مَشْيُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ ،وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ. قَالَ فِيمَ قُلْتُ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَلِينُ الْكَلاَمِ وَالصَّلاَةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ سَلْ. قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا ».
فمحبة الله تعالى من أعظم مقامات العبادة ،وعليها تدور رحى الطاعة ،والسير إلى الله، لأنها تسوق المؤمن إلى القرب ،وترغبه في الإقبال على الله، وتجشم المشقة والعناء في سبيل رضا الله والفوز بجنته ،ومحبة الله يذوق بها العبد حلاوة الإيمان، وشرط المحبة لله الإحسان في العمل واتباع الشرع. فلا تصح المحبة ولا تقبل الدعوى من أحد إلا بما يوافقها من العمل الصحيح. أما ادعاء المحبة مع عدم التزام بالشرع فدعوى كاذبة ،وغرور باطل ،من جنس أماني أهل الكتاب التي لا تساوي شيئا عند الله ،فكل من يدعي محبة الله : فإن كان متبعا للسنة كان صادقا في دعواه ،وإن كان معرضا عن السنة ،كان كاذبا في دعواه. أما دعوى المؤمن الصادقة لمحبة الله ورسوله فتنفعه بإذن الله ،ولو قصر في العمل ،أو منعه عذر ولم يلحق بالمقربين ،لما ثبت عند الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ ». فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا أَعْدَدْتَ لَهَا » قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ». فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا).، وهذا محمول على صدقه وإخلاصه واحتسابه المحبة لله ورسوله، واجتماعه معهم في الجنة ولا يلزم مشاركتهم في الدرجة والمنزلة.
وأعظم ما يمتحن به العبد في باب المحبة لله ما كان يألفه من دواعي الهوى والنفس الأمارة بالسوء والعوائد السيئة، فإن قدمها على محبة الله وأتبع نفسه إياها فقد باء بالخسران وفاته خير عظيم، وإن قدم محبة الله عليها واعتزلها وتركها لله ،فقد فاز وكان من أهل الفلاح، ولذلك امتحن الله المؤمنين بتقديم محابهم الثمان على محبته والجهاد في سبيله، فقال: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].. فتارك الصلاة يمتحن بفعل الصلاة ،وشارب الخمر يمتحن بترك الخمر ،والزاني يمتحن بتركه الزنا ،وآكل الربا يمتحن بتركه الربا ،والكذاب المفسد بين الناس يمتحن بتركه النميمة، والمرأة المتبرجة تمتحن بالحجاب، والفنان يمتحن بهجر الغناء ،وهكذا.
ولا يمكن أن يخلو قلب المؤمن من أصل محبة الله لأن ركن العبادة الركين المحبة ،فما دام قلبه مشتمل على محبة الله فهو يعبده ،ويقبل على طاعته ،ويكفر بما دونه من المخلوقين ، والمؤمنون يتفاوتون في هذا المقام. قال ابن تيمية: “فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك مكروهاته ،والناس يتفاضلون في هذا تفاضلًا عظيمًا، فمن كان أعظم نصيبًا من ذلك كان أعظم درجة عند الله”. والمؤمنون على مراتب ثلاث في المحبة: المرتبة الأولى: كامل المحبة لله تعالى :وهو من التزم السنن والواجبات ،واجتنب المكروهات والمحرمات. وهذا حال الأنبياء والأصفياء من هذه الأمة. المرتبة الثانية: مقتصد المحبة لله تعالى :وهو من اقتصد في عمله ،فواظب على الواجبات ،وترك المحرمات ،ولم يتزود من الصالحات. وهذا حال عامة الصالحين. المرتبة الثالثة: ناقص المحبة لله تعالى: وهو من قصر في فعل الواجبات ،وارتكاب المحرمات ،وأسرف على نفسه بالسيئات. وهذا حال أهل الغفلة والهوى من هذه الأمة. أما المنافق والكافر فقد خلا قلبه من محبة الله الخالصة ،وانصرف حبه للآلهة والأنداد من دون الله ،وساووهم بمحبة الله ،فأشركهم في محبة الله ،كما ذمهم الله بذلك بقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} البقرة (165)، ويدخل في هذا الباب محبة الكفار والشرك والبدع ،وإشاعة الفاحشة وأهل الفساد.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أُحِبُّكَ رَبِّي ) محبة الله تعالى
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ..) ،فأحبُّكَ ربِّي؛ لأنَّك خلقتني في أحسن تقويم، وأحبُّكَ ربِّي؛ لأنَّك رزقتني، وأطعمتني، وجعلتني أتصدَّق من مالِكَ لأجزي بحسناتِكَ دنيتي وآخرتي..وأحبُّكَ ربِّي؛ لأنَّك غرست فيمن حولي معزَّتي وحبّي.. حتَّى صرت أمشي بين خلقك أنثر الحب ممزوجًا بالأمل.. أحبُّكَ ربِّي؛ لأنَّك وهبتني عقلاً وحكمةً.. حتَّى جعلتني جزءًا لعمارة الأرض، وأحبُّكَ ربِّي؛ لأنَّك جعلتني مسلمًا موحِّدًا لك.. حتَّى أني أعتزُّ لأمرغ جبيني وأنفي أمامك في اليوم أكثر من خمس مرات.. في حين تاه الكثير عن حقك.. أحبُّكَ ربِّي؛ لأنَّك سترت عيوبي وذنوبي، بل حين رفعت أكفي إليك استبدلت سيئاتي حسنات.. أحبُّكَ ربِّي؛ لأنَّك جبَّارٌ، جبرت كسري وضعفي وقلة حيلتي.. وحوَّلت هزيمتي إلى نجاح.. أحبك ربي ، فهل لي رب غيرك أدعوه؟! وهل لي إله غيرك فأرجوه؟!، وما أجمل قول المحب حيث يقول :
وما كنتُ بالحبِّ يوماً شقيّا *** ولو فَجَّر الحّب دمعي العصيّا
فهذا سكوني.. ودمعُ عيوني *** يناجي.. ينادي نداءً خفيّا
(تباركت ربي.. تعاليت ربي) *** ويَنفدُ عمري ولم أُثنِ شيّا
**********
بحبِّك ربّي فؤادي خَفَق *** وذاب كياني ودمعي دَفَق
سيفنى فؤادي ويفنى كياني *** ويبقى نشيديَ فوقَ الورق
(أحبك ربي، أحبك ربي) *** ويخلُدُ حبّك بعدَ الرَّمق
فيشرع للمؤمن سؤال محبة الله، ففي الحديث المتقدم ذكره قال الله تعالى لرسوله : (قَالَ سَلْ. قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ » (رواه الترمذي) .فينبغي للمؤمن أن يلح في دعائه في طلب محبة الله والفوز بمرضاته والاتصاف بقربه. فمحبة الله منزلة عظيمة لها فضل عظيم وآثار حسنة ومزايا نافعة على من تحلى واتصف بها. قال فتح الموصلي: “المحب لا يجد مع حب الله عز وجل للدنيا لذة ولا يغفل عن ذكر الله طرفة عين”. وقال فرقد السبخي: “قرأت في بعض الكتب من أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من هواه ومن أحب الدنيا لم يكن عنده شيء آثر من هوى نفسه والمحب لله تعالى أمير مؤمر على الأمراء زمرته أول الزمر يوم القيامة ومجلسه أقرب المجالس فيما هنالك والمحبة منتهى القربة والاجتهاد ولن يسأم المحبون من طول اجتهادهم لله عز وجل يحبونه ويحبون ذكره ويحببونه إلى خلقه يمشون بين عباده بالنصائح ويخافون عليهم من أعمالهم يوم تبدو الفضائح أولئك أولياء الله وأحباؤه وأهل صفوته أولئك الذين لا راحة لهم دون لقائه”. نعم فلا عيش إلا عيش المحبين الذين قرت أعنيهم بحبيبهم، وسكنت نفوسهم إليه، واطمأنت قلوبهم به، واستأنسوا بقربه، وتنعموا بحبه، ففي القلب فاقة لا يسدُّها إلا محبة الله والإقبال عليه والإنابة إليه، ولا يلمُّ شعثه بغير ذلك أبدا. ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وغموم، وآلام وحسرات، فإنه إن كان ذا همة عالية تقطعت نفسه على الدنيا حسرات؛ فإن همته لا ترضى فيها بالدّون، وإن كان مهينًا خسيسًا فعيشه كعيش أخسِّ الحيوانات. فلا تقرُّ العيون إلا بمحبة الله تعالى . الدعاء