خطبة عن (حقوق الأخوة في الله)
يناير 9, 2016الخطبة الأولى ( بعض الأمور التي تتعارض مع حقوق الاخوة في الله)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )(10) الحجرات
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- عن بعض الأمور التي تتعارض مع حقوق الاخوة في الله : فمن الأمور التي تتناقض مع الأخوّة في الله السخرية وانتقاص الإخوان، وبَخسُ الناس حقوقَهم وأشياءَهم ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11). ، يُروى عن (سفيان الثوري) رحمه الله قوله : (إنّ الرجلَ ليحدّثني بالحديث قد سمعتُهُ قبل أن تلدَه أمه، فيحملني حسن الأدب أن أسمعَهُ منه)!.. إنه التواضع والأدب الجمّ وخفض الجناح للمؤمنين، فهل نتعلّم؟!..
أيها المؤمنون
والمؤمنون إخوة في العبادة، كأن قلوبهم بالتقوى والإخلاص والإيمان قلب واحد؛ لأنها اتفقت في المعبود والعبادة، فأصبحت ألسنتهم بالذكر والقرآن والدعاء والاستغفار والدعوة إلى الله كأنها لسان واحد، كلها تتفق على هذا الخير العميم . والناظر إليهم : كأن أبدانهم في الصلاة والصيام والحج بدن واحد، تراهم في صلاتهم إذا ركعوا وإذا سجدوا خلف إمام واحد في الجُمعة والجماعات في بناء واحد، كأنهم بدن واحد، ألا يكون ذلك كفيلاً بتآخيهم ؟!! ، إنهم يتآخون في الصيام، يصومون في زمن واحد ويفطرون في زمن واحد، وبهيئة واحدة . ويتآخون كذلك في الجمع الأكبر ألا وهو موسم الحج، عندما يلبسون لباسًا واحدًا , الأبيض منهم والأسود، والعربي والعجمي، الكل من الذكور يتزيّا بزي واحد، ويعملون أعمالاً واحدة . ويتآخى المؤمنون في الاحتكام؛ لأنهم يحتكمون إلى كتاب الله -تعالى- ويحتكمون إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلد الواحد الذي فيه مائة ألف يحتكمون عند قاض واحد، يرجعون إلى القاضي لأن القاضي في هذا الدين يجمعهم للاحتكام إلى الكتاب والسنة وهذا الاحتكام .عملا بقول الله -تبارك وتعالى- : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59] . ، وعملا بقوله -تعالى- : ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى: 10] . وعملا بقوله -تعالى- : ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65] . وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نصه ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ».(سنن الدارقطني وصححه الألباني في صحيح الجامع) . ، ويتآخى المؤمنون في الاقتداء : عندما يقتدون بنبي واحد، يتبعون طريقه، ويهتدون بهديه، ويتخلقون بأخلاقه، يسيرون وراءه، يحبونه أكثر من محبتهم لأنفسهم ولأموالهم ولأولادهم وللناس أجمعين . بهذا الاقتداء يعملون بقول الله -تبارك وتعالى- : ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 120]، ويعملون بقوله صلى الله عليه وسلم فيما ورد عن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال : أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شبيبة متقاربون فقال : «… وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّى ..» (البخاري) . وبقوله صلى الله عليه وسلم : عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :« مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » » (البخاري ومسلم) . وبقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، إِلاَّ مَنْ أَبَى » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ : « مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى » (رواه البخاري) . ، ويتآخى المؤمنون في الاستسلام لله – تعالى- بدين واحد ،وفي الانتساب إلى دين واحد تذوب العصبيات، وتذوب الألوان، وتذوب اللغات، وتذوب الحدود ، ويجتمعون جميعًا وينتسبون إلى دين واحد وهو دين الإسلام، يستسلمون جميعًا لله – تعالى – وينقادون له – عز وجل – يعادون جميعًا أعداء الله، ويتبرؤون جميعًا من أعداء الله -تبارك وتعالى- وما هذا الانتساب في الدين إلا عملا بقوله -تبارك وتعالى- : ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: 19] ، وقوله -تعالى- : ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85] .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الأخوة في الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يخبرنا في الحديث القدسي عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ انْتَسَب رَجُلاَنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ فَمَنْ أَنْتَ لاَ أُمَّ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « انْتَسَبَ رَجُلاَنِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً فَمَنْ أَنْتَ لاَ أُمَّ لَكَ قَالَ أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ابْنُ الإِسْلاَمِ. قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ أَمَّا أَنْتُ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوِ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ ». » رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع) . فانظر للأول انتسب إلى مَن، وانظر للثاني انتسب إلى مَن، الأول افتخر بنسبه، والثاني افتخر بإسلامه، فماذا كانت عاقبة الأول ؟ وماذا كانت عاقبة الثاني ؟، وهذا يدل على أن الإسلام لا يزن الناس بأنسابهم، ولو كان ميزان الناس بأنسابهم فأين يكون بلال ؟ في الحضيض، وأين يكون أبو لهب ؟ في عليين , لا والله ! فالعكس صحيح، الإسلام لا يقيسهم بذلك، وإنما المقياس هو الإسلام، انتسب الأول إلى تسعة، فقال: أنا فلان بن فلان بن فلان بن فلان حتى عد تسعة من أهله، ثم قال للآخر من أنت لا أُم لاك ؟ فقال : أما أنا ففلان بن فلان ابن الإسلام , ، قال الله – تعالى- لموسى : يا موسى، قل للذي انتسب إلى تسعة هو عاشرهم في نار جهنم، فلا يكون شرف الانتساب إلى الأجداد مُجديًا إن لم يكن صاحبها من أهل الأعمال الصالحة، وقل للذي انتسب إلى اثنين هو ثالثهما في الجنة.. ولما طلب نوح- عليه السلام- من ربه أن ينجي ابنه من الغرق، نفى الله نسب ابنه إليه مع أنه من صلبه، بسبب كفره بالله رب العالمين، ولذا قال علماء التفسير، أن أخوة الدين أقوى من أخوة النسب؛ لأن أخوة الدين لا تنقطع أبدًا، أما أخوة النسب فقد تنقطع بالكفر والردة، والعياذ بالله – تعالى – .ويتآخى المؤمنون في الاجتماع على طريق واحد وهذا الطريق هو الصراط المستقيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأهل هذا الصراط هم كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: 30] فقد سلموا من الأهواء والشبهات والانحرافات والضلالات، وثبتوا على الصراط المستقيم فوعدهم الله بالحفظ في الدنيا والآخرة والبشارة بالجنة، ودعاء الملائكة، لاجتماعهم على طريق واحد وبهذا التآخي تآلفت قلوبهم .فمتى تآلفت القلوب ؟ قبل الإسلام أو بعده ؟ الجواب : بعد الإٍسلام، حتى قريش كان فيها قبائل بنو فلان وبنو فلان، وكل منهم يحارب الآخر، فلما جاء الله بالإسلام كانوا جميعًا على قلب رجل واحد، بهذا الإخاء تآلفت القلوب وسلمت واطمأنت .
الدعاء