خطبة عن (النصيحة : أهميتها وآدابها)
سبتمبر 12, 2016خطبة عن (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى ( إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (7) الحشر ،وروى البيهقي في سننه : (عَنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ إِلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ». وفي صحيح مسلم : (أن أبا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ».
إخوة الإسلام
إن نبينا محمدا نبيَّ الرحمة صلى الله عليه وسلم؛ لم يترك من الشر شيئا إلا وحذرنا منه، ولم يدع من الخير شيئا إلا وحثنا عليه، وقد خاف على أمته من صفات وأخلاق وأعمال، تكون من بعده؛ فبينها ووضحها، كما خاف عليها من رجال أشرار؛ فذكرهم بأسمائهم، أو وصفهم بأوصافهم، تحذيرا للأمة من شرهم، وتفاديا لمكرهم وكيدهم، فمن الصفات والأخلاق التي خافها صلى الله عليه وسلم على أمته: التنافس في الدنيا: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا”. قَالُوا: وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: “بَرَكَاتُ الأَرْضِ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟! قَالَ: “لا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلاَّ بِالْخَيْرِ، لا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلاَّ بِالْخَيْرِ، لا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلاَّ بِالْخَيْرِ، إِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ؛ إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضِرِ، فَإِنَّهَا تَأْكُلُ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا؛ اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ، ثُمَّ اجْتَرَّتْ وَبَالَتْ وَثَلَطَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ؛ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ”. رواه مسلم ، وعن عَمْرَو بْنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ .. وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ العَلاَءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ؟»، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَ اللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» رواه البخاري. وقد خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن تقع في مستنقع على الدنيا وشهواتها فإن المنافسة عليها تؤدي إلى الاقتتال والاختصام، : ( فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ فَقَالَ « إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَإِنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ». قَالَ عُقْبَةُ فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمِنْبَرِ. ) رواه مسلم . ، ( وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقال: “الْفَقْرَ تَخَافُون، أَوِ الْعَوَزَ؟! أَوَ تُهِمُّكُمُ الدُّنْيَا؟ فَإِنَّ اللهَ فَاتِحٌ لَكُمْ أَرْضَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَتُصَبُّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا، حَتَّى لا يُزِيغَكُمْ بَعْدِي إِنْ أَزَاغَكُمْ؛ إِلاّ هِيَ” رواه أحمد . ومما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتشر في الناس؛ الشرك الخفي:
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟» قَالَ: قُلْنَا: بَلَى! فَقَالَ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ» رواه ابن ماجة . وروى احمد في مسنده عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ”. قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: “الرِّيَاءُ،
يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ : اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً) ، وفي مسند أحمد: (…. فَقَالَ شَدَّادٌ أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ رَجُلاً يُصَلِّى لِرَجُلٍ أَوْ يَصُومُ لَهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ لَهُ أَتَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ قَالُوا نَعَمْ وَاللَّهِ إِنَّهُ مَنْ صَلَّى لِرَجُلٍ أَوْ صَامَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ لَهُ لَقَدْ أَشْرَكَ. فَقَالَ شَدَّادٌ فَإِنِّى قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ ». فَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ ذَلِكَ أَفَلاَ يَعْمِدُ إِلَى مَا ابْتُغِىَ فِيهِ وَجْهُهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ كُلِّهِ فَيَقْبَلَ مَا خَلَصَ لَهُ وَيَدَعَ مَا يُشْرَكُ بِهِ. فَقَالَ شَدَّادٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ أَنَا خَيْرُ قَسِيمٍ لِمَنْ أَشْرَكَ بِي مَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئاً فَإِنَّ حَشْدَهُ عَمَلَهُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِى أَشْرَكَ بِهِ وَأَنَا عَنْهُ غَنِىٌّ ». ويخاف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من الإيمان بالنجوم والتكذيب بالقدر وجور الحكام: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي فِي آخِرِ زَمَانِهَا: النُّجُومُ، وَتَكْذِيبُ الْقَدَرِ، وَحَيْفُ السُّلْطَانِ”. رواه الطبراني ، ويخاف علينا صلى الله عليه وسلم مما فشا في هذا الزمان؛ عمل قوم لوط: فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ». رواه الترمذي ،وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشي علينا من شهوات الفروج والبطون: فلقد خشي علينا -الرحمةُ المهداةُ- من شهوتي البطن والفرج، فحذرنا من فتنة النساء، خصوصا ما انتشر في هذا الزمان من صور ومشاهد عبر وسائل الاتصالات والإعلام مما يندى له الجبين، فقد غزتنا هذه في عقر دورنا، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» متفق عليه .هذا ومما خشيه علينا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ الشهوات، فقال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ، وَمُضِلاَّتِ الْفِتَنِ”. (رواه أحمد) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ. . ومما خافه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآنَ واللبنَ: فإذا فُتح على الناس حفظ القرآن وتلاوتُه، وتعلُّمُه لمن هو ليس بأهلٍ له؛ فإن في ذلك خطر عظيم، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْكِتَابُ وَاللَّبَنُ، فَأَمَّا اللَّبَنُ؛ فَيُفْتَحُ لأَقْوَامٍ فِيهِ، فَيَتْرُكُونَ الْجُمُعَةَ وَالْجُمُعَاتِ، وَأَمَّا الْكِتَابُ؛ فَيُفْتَحُ لأَقْوَامٍ فِيهِ، فَيُجَادِلُونَ بِهِ الَّذِينَ آمَنُوا» رواه الطبراني في معجمه. وتحذيرٌ آخرُ ممن يقرؤن القرآن بأفواههم دون وعي وتدبر بقلوبهم: فقال صلى الله عليه وسلم “إن أخوف ما أخاف؛ عليكم رجل قرأ القرآن، حتى إذا رئيت بهجته عليه، وكان ردءا للإسلام؛ انسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك”. قلت: “يا نبي الله! أيهما أولى بالشرك؛ الرامي أو المرمي؟ قال:”بل الرامي”. ابن حبان في صحيحه والسلسلة الصحيحة ، ومما خافه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر أمته منه الدجالون الكذابون: هكذا وصفهم بصيغة المبالغة كذابون، ويظهر أناس بهذه الصفة كما أخبر صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلاثُونَ كَذَّابًا دَجَّالا، كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ». رواه أحمد ،ومن كذبهم، ادعائهم النبوة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ». متفق عليه. ومما حذر منه رسولنا وخاف أن يقع في أمته هؤلاء الذين يأتوننا بمحدَثٍ من القول، وأحاديثَ لم تعرف من قبل، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لا يُضِلُّونَكُمْ، وَلا يَفْتِنُونَكُمْ ». رواه مسلم عن أبي هريرة. (مِنْهُمُ الْعَنْسِيُّ وَمُسَيْلِمَةُ وَالْمُخْتَارُ). ابن أبي شيبة. وسوف تستمر سلسلة ظهور الدجالين إلى آخر دجال منهم، وهو الأعور الدجال، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ». رواه أبو داود في سننه عن عمران بن حصين مرفوعا. ويظهر أيضا أئمةٌ مضلين: فإنه صلى الله عليه وسلم يخاف علينا من فتنة الدجال وهي فتنة بعيدة في الزمن، فهل غير الدجال من يفتن الأمة أقربُ زماناً من الدجال؟ والجواب في قوله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد (أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ كُنْتُ مُخَاصِرَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً إِلَى مَنْزِلِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِى مِنَ الدَّجَّالِ ». فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَدْخُلَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ قَالَ « الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ ». قال المناوي: [..الأئمة (المضلين) المائلين عن الحق، المميلين عنه، والأئمة جمع إمام، وهو مقتدى القوم ورئيسهم، ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد، ..؛ أئمةِ العلمِ والسلطان، فالسلطان إذا ضلَّ عن العدل، وباين الحقَّ؛ تبعه كافَّةُ العوام، خوفا من سلطانه، وطمعا في جاهه، والإمام في العلم قد يقع في شبهة، ويعتريه زلة، فيضل بهوى أو بدعة؛ فيتبعه عوامُّ المسلمين تقليدا، ويتسامح بمتابعة هوى، أو يتهافت على حطام الدنيا من أموال السلطان، أو يرتكبُ معصية؛ فيغترُّ به العوام،] ومن هؤلاء الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ: منافق عليم اللسان: قال عُمَر: (عهد إلينا رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم؛ أن أخوف ما أخشى عليكم منافقٌ عليم اللسان). رواه إسحاق بن راهويه والحارث بن أبي أسامة ومسدد واللفظ له بسند صحيح. وقد رواه موقوفًا من طريق أبي عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ أَصَابِعِي هَذِهِ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ الْمُنَافِقَ الْعَلِيمَ)، قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ مُنَافِقًا عَلِيمًا؟ قَالَ: (عَالِمُ اللِّسَانِ، جَاهِلُ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ). قال المناوي: [(كل منافق عليم اللسان) أي عالمٍ للعلمِ منطلقِ اللسان به، لكنه جاهل القلب، فاسد العقيدة، يغرُّ الناس بشقشقة لسانه، فيقع بسبب اتباعه خلق كثير في الزلل، .. وكان يحيى بن معاذ يقول لعلماء الدنيا: (يا أصحاب القصور! قصوركم قيصرية، وبيوتكم كسروية، وأبوابكم ظاهرية، وأخفافكم جالوتية، ومراكبكم قارونية، وأوانيكم فرعونية، ومآثمكم جاهلية، ومذاهبكم شيطانية، فأين المحمدية والعالِمية؟! وأكثر علماءِ الزمان ضربان – أي نوعان-؛ ضرب منكَبٌّ على حطام الدنيا؛ لا يمل من جمعه، وتراه شهره ودهره يتقلب في ذلك، كالهج في المزابل، يطير من عذرة إلى عذرة، وقد أخذت دنياه بمجامع قلبه، ولزمه خوفُ الفقر، وحبُّ الإكثار، واتخذ المالَ عُدة للنوائب، لا يتنكر عليه تغلُّب الدنيا، وضربٌ هم أهل تصنع ودهاء وخداع، وتزينٍ للمخلوقين، وتملقٍ للحكام، شحا على رئاستهم؛ يلتقطون الرخص، ويخادعون الله بالحيل، ديدنهم المداهنة، وساكن قلوبهم المنى، طمأنينتهم إلى الدنيا، وسكونهم إلى أسبابها، اشتغلوا بالأقوال عن الأفعال، وسيكافئهم الجبار المتعال]. كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف على أمته ممن يحفظون القرآن ويتعلمونه للجدال والخصومات، ومختلف التأويلات ففي مسند أحمد (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « هَلاَكُ أُمَّتِى فِي الْكِتَابِ وَاللَّبَنِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكِتَابُ وَاللَّبَنُ قَالَ « يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ فَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيُحِبُّونَ اللَّبَنَ فَيَدَعُونَ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعَ وَيَبْدُونَ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويحذر السلف الصالح مما يحدث من ظلم للمؤمنين الأبرياء ففي المستدرك للحاكم (عن أبان بن سليم بن قيس الحنظلي قال : خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي أن يؤخذ الرجل منكم البريء فيؤشر كما تؤشر الجزور و يشاط لحمه كما يشاط لحمها و يقال عاص و ليس بعاص ،قال فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه و هو تحت المنبر : و متى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ و بما تشتد البلية و تظهر الحمية و تسبى الذرية و تدقهم الفتن كما تدق الرحا ثفلها و كما تدق النار الحطب ؟ قال : و متى ذلك يا علي ؟ قال : إذا تفقه المتفقه لغير الدين و تعلم المتعلم لغير العمل و التمست الدنيا بعمل الآخرة ) ،وقال أبان : و حدثنا الحسن عن أبي موسى الشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : أخاف عليكم الهرج قالوا : و ما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل قالوا : و أكثر مما يقتل اليوم إنا لنقتل في اليوم من المشركين كذا و كذا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ليس قتل المشركين و لكن قتل بعضكم بعضا قالوا : و فينا كتاب الله ؟ قال : و فيكم كتاب الله عز و جل قالوا : ومعنا عقولنا ؟ قال : إنه ينتزع عقول عامة ذلك الزمان و يخلف هباء من الناس يحسبون أنهم على شيء و ليسوا على شيء) رواه الحاكم في المستدرك ،وفي الآحاد والمثاني : (إن أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر لهم المال فيتشاجوا ويقتتلوا ويفتح لهم القرآن فيقرأه البر والفاجر والمنافق فيجادلون المؤمن ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلة وما يعلم تأويلة إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به والناس في القرآن ثلاثة فرجل يقرأه بلسانه ولا يصوغ إلى الحنجرة فهو له إصر وعذاب وعقاب ورجل يقرأه فخرا ورياء ليأكل به في دنياه فليس له يوم القيامة شيء ورجل يأخذه بالسكينة فهو حجة يوم يلقى ربه عز و جل ) ، ومما يخافه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقع فيه أمته نسبة نزول المطر للأنواء والتكذيب بالقدر ، ففي المعجم للطبراني (عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله يقول : أخوف ما أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء وحيف السلطان وتكذيب بالقدر ) ، ومما يخافه علينا الرسول صلى الله عليه وسلم تأخير الصلاة عن وقتها ، فكيف بمن تركوها بالكلية ، ففي سنن البيهقي (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى تَأْخِيرُهُمُ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا ، وَتَعْجِيلُهُمُ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا ». وفي سنن البيهقي (عَنْ ثَوْبَانَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَوَى لِيَ الأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَأَعْطَانِي الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيُهْلِكَهُمْ وَأَنْ لاَ يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا أَعْطَيْتُ عَطَاءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ إِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ يَهْلَكُوا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَبَعْضُهُمْ يَسْبِى بَعْضًا وَبَعْضُهُمْ يَفْتِنُ بَعْضًا وَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِى إِلَى الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَإِنَّ مِنْ أَخْوَفِ مَا أَخَافُ الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ وَإِنَّهُ إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِيهِمْ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِى كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ وَإِنِّي خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ لاَ نَبِيَّ بَعْدِى وَلاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةٌ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ».
أيها المسلمون
ومما خافه السلف على هذه الأمة: عن أبي الطفيل قال: كنت بالكوفة، فقيل: خرج الدجال، قال: فأتينا على حذيفة بن أسيد وهو يحدث فقلت: هذا الدجال قد خرج. فقال: اجلس! …. (.. أنا لغير الدجال أخوف علي وعليكم. قال: فقلنا: ما هو يا أبا سريحة؟ قال: فتن كأنها قطع الليل المظلم. قال: فقلنا: أي الناس فيها شر؟ قال: كلُّ خطيب مصقَع، وكل راكب موضع. قال: فقلنا: أي الناس فيها خير؟ قال: كل غنيٍّ خفيٍّ. قال: فقلت: ما أنا بالغني ولا بالخفي! قال: (فكن كابن اللبون؛ لا ظهرٌ فيركب، ولا ضرع فيحلب) رواه الحاكم . وقَالَ عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم؛ اتِّبَاع الْهَوَى، وَطول الأمل، فَأَما اتِّبَاع الْهَوَى؛ فيصد عَن الْحق، وَأما طول الأمل؛ فينسي الآخِرَة، أَلا وَإِن الدُّنْيَا ارتحلت مُدبرَة، وَارْتَحَلت الآخِرَة مقبلة، وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا بنُون، فكونوا من أَبنَاء الآخِرَة، وَلا تَكُونُوا من أَبنَاء الدُّنْيَا، فَإِن الْيَوْم عمل وَلا حِسَاب، وَغدا حِسَاب وَلا عمل)..
الدعاء