خطبة عن (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)
سبتمبر 12, 2016خطبة عن (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى ( إن الله لا يضيع أجر المصلحين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (114) النساء ،وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) (170) الاعراف ،وقال تعالى : (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (224) البقرة ،وروى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ »
إخوة الإسلام
المصلح هو من أصلح بين النَّاس وأزال ما بينهم من عداوة وشقاق ، ووفَّق بينهم ،والمصلح هو ذلك العالم الرباني ، أو المسلم الغيور ، الذي يحاول أن يصلح ما فسد من أمر الناس في أمور دينهم ودنياهم ،والمصلح هو الذي يقوم اعوجاج الناس إذا فسدوا ، ويصلح بينهم اذا اختلفوا ، ويقرب بينهم إذا تباعدوا ، ويجمع بينهم إذا تفرقوا ،والمصلـح هو ذلك المسلم الذي يبذل جهده وماله ، ويبذل جاهه ووقته ليصلح بين إخوانه من المتخاصمين .. فالمصلح قلبه من أحسن الناس قلوباً .. ونفسه تحب الخير وتشتاق إليه .. يبذل ماله ووقته من أجل الإصلاح ..وقد يقع في حرج مع هـذا ومع الآخر ، ويتحمل جفوة الآخرين .. المصلح هو ذاك الذي يحمل هموم إخوانه ليصلح بينهما ابتغاء مرضاة الله ..قال أنس رضي الله عنه ( من أصلح بين اثنين أعطـاه الله بكل كلمة عتق رقبة ) .. وقال الأوزاعي : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة من إصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار ..
أيها المسلمون
فالإصلاح بين الناس من أجل الأعمال ، ومن أعظم القربات ، فكم من بيت كاد أن يتهدّم .. بسبب خلاف سهل بين الزوج وزوجه .. وكاد الطلاق أن يقع .. فإذا بهذا المصلح بكلمة طيبة .. ونصيحة غالية .. ومال مبذول .. يعيد المياه إلى مجاريها .. ويصلح بينهما .. ويعود بينهما الود والحب والوئام والرحمة والإحسان ،وكم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين .. أو صديقين .. أو قريبين .. بسبب زلة أو هفوة .. وإذا بهذا المصلح يرقّع خرق الفتنة ويصلح بينهما
فكم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال .. وفتن شيطانية .. كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثم المصلحين .. وكم من شبهة أو شهوة كادت أن يفتن بها المسلمون ، فإذا بعالم رباني يبين للناس ما تشابه عليهم ، ويعيدهم الى الحق ،وكم من خلق فاسد انتشر بين الشباب ، فإذا بمربي غيور ، يعيدهم إلى صوابهم ، ويصلح ما فسد من أخلاقهم ، ويرسم لهم الطريق إلى الله ، فهنيئـاً لمـن وفقـه الله للإصلاح بين متخاصمين أو زوجين أو جارين أو صديقين أو شريكين أو طائفتين .. هنيئاً له .. هنيئاً له .. ثم هنيئاً له .. فإن ديننا دين عظيم .. يتشوّف إلى الصلح .. ويسعى له .. وينادي إليه .. ويحبّب لعباده درجته .. فأخبر سبحانه أن الصلح خير قال تعالى: ” فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ” النساء 128
أيها المسلمون
إن الإصلاح بين الناس مهمة عظيمة بعظم مكانتها وكبير شأنها ، ولا يقوم بمهام الإصلاح بين الناس إلا من وفقه الله واجتباه ليتبع سبيل المصلحين وهدي الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ، فالإصلاح مهمة الأنبياء والعظماء فلا يتولى مهمة الإصلاح إلا من كان له شأن عظيم عند الله ، يمنحه قدرا كبيرا من الوقار، والاحترام عند الناس . وقد بين الله سبحانه وتعالى ما للمصلحين من أجر عظيم وكبير في قوله تعالى : (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (114) النساء
وهذا إن دل فإنما يدل على المكانة الرفيعة للإصلاح وعظم شأنه عند الله تبارك وتعالى ونجد في قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) توجيه للمصلحين بأن يكون عملهم الإصلاحي خالصا لوجه الله تعالى ، وفي قوله ” فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ” تأكيد على أن الأجر حينما يأتي من عظيم فإنه سيكون عظيما ، والإصلاح بين الناس من أسمى القرابين التي نتقرب بها إلى الله تعالى ابتغاء مرضاته . كما أن الإصلاح بين الناس صدقة حث عليها إمام المصلحين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ » ، وإنما كان إصلاح ذات البين أفضل من الصلاة والصيام والصدقة لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير ولكثرة ما يندفع به من الشر والعداوة والبغضاء ،
وفي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ – قَالَ – تَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ – قَالَ – وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ». وقال ابن حجر رحمه الله : “الصلح بين الناس لوجه الله عز وجل من أمهات العبادات الكاملة لما يترتب عليها من الخيرات التي لا تتناهى فبادر إليه حيث قدرت عليه لتغنم عظيم أجره ” . وقال السعدي رحمه الله ” والساعي بالإصلاح بين الناس أفضل من القانت في الصلاة والصيام والصدقة ، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله”.
أيها المسلمون
والصلح خير ، وإِنَّ حُبَّ الخَيرِ لِلآخَرِينَ، وَالَّذِي لا يَكمُلُ إِيمَان العبد إِلاَّ بِهِ، إِنَّهُ لَمِنَ أَعظَمِ مَا دَفَعَ المُصلِحِينَ إِلى الإِصلاحِ، حَيثُ جَعَلُوا نُصبَ أَعيُنِهِم قَولَهُ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – كَمَا في الصَّحِيحَينِ: “لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ” وَقَولَهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – كَمَا عِندَ مُسلِمٍ: “وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا يُؤمِنُ عَبدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ” وَلَقَد عَلِمَ المُصلِحُونَ بما عَلَّمَهُمُ اللهُ وَمَا فَهِمُوهُ مِن سُنَنِهِ، أَنَّهُ لا بُدَّ مِن مُدَافَعَةِ أَهلِ البَاطِلِ وَالأَخذِ عَلَى أَيدِيهِم، وَأَنْ لا سَبِيلَ لِحِفظِ الأُمَّةِ مِنَ الهَلاكِ إِلاَّ بِذَلِكَ، وَإِلاَّ فَلْيَرقُبِ الجَمِيعُ الهَلاكَ صَالِحِينَ وَفَاسِدِينَ وَمُفسِدِينَ،
وَقَد جَاءَ ذَلِكَ في كِتَابِ اللهِ – تَعَالى – وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، حَيثُ قَالَ – سُبحَانَهُ -: ﴿ وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ الانفال 25 ،وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – كَمَا في الصَّحِيحَينِ: “مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ استَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعضُهُم أَعلاهَا وَبَعضُهُم أَسفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ في أَسفَلِهَا إِذَا استَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَن فَوقَهُم، فَقَالُوَا لَو أَنَّا خَرَقنَا في نَصِيبِنَا خَرقًا وَلم نُؤذِ مَن فَوقَنَا، فَإِن يَترُكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِن أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعًا” ،وَعَن أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُم تَقرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُم ﴾ وَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيهِ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِن عِندِهِ” رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وأنَّ المُصلِحَ يكون في نجاةٍ وأَمْنٍ ونعمةٍ إذا حلَّ بالمفسدين العقابُ والخوفُ والنِّقْمَةُ، {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 116-117]. وأنَّه لا صَلاح ولا إصلاح يُعيد للأمَّة الإسلاميَّة اليومَ ما فَقَدَتْهُ من عزِّ الأخلاقِ وسُمُوِّ المنزلةِ وشَرَفِ السُّؤْدَدِ إلاَّ بما صَلَحَ عليه الأوَّلون من رجالاتها وأبنائها، ونسائها وبناتها .
عباد الله
وإن الخلاف بين الناس أمر طبيعي .. ولا يسلم منه أحد من البشر .. خيرة البشر حصل بينهم الخلاف فكيف بغيرهم !!
فقد يكون بينك وبين أخيك .. أو ابن عمك أو أحد أقاربك .. أو زوجك .. أو صديقك شيء من الخلاف فهذا أمر طبيعي فلا تنزعج له .. قال تعالى ” وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ” هود 118 ، 119
فهـا هم أهل قباء .. صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الذين أنزل الله فيهم قوله ” فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) (108) ” التوبة .. هؤلاء القوم حصل بينهم خلاف .. حتى رمى بعضهم بعضاً بالحجارة .. فذهب إليهم النبي ليصلح بينهم ! وهذا أبـو بكر وعمر حصل بينهما شيء من الخلاف ثم عاد الوئام بينهم فليس العيب في الخلاف أو الخطأ .. ولكن العيب هو الاستمرار والاستسلام للأخطاء ، وما يترتب عليها من نتائج وخيمة وأليمة !!
فعلينا عباد الله أن نتحرّر من ذلك بالصلح والإصلاح ، والمصافحة والمصالحة .. حتى تعود المياه إلى مجاريها ..
ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إن الله لا يضيع أجر المصلحين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
على المصلح أن يتأدب بآداب الإصلاح ومن أعظمها : ـ أن يخلص النية لله فلا يبتغي بصلحه مالاً أو جاهاً أو رياء أو سمعة وإنما يقصد بعمله وجه الله ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (114) النساء
ـ وعليه أيضا أن يتحرّى العدل ليحذر كل الحذر من الظلم قال تعالى : ” فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (9) الحجرات . ـ ليكن صلحك مبنياً على علم شرعي وحبذا أن تشاور العلماء في ذلك وأن تدرس القضية من جميع جوانبها وأن تسع كلام كل واحد منهما .. ـ لا تتعجل في حكمك وتريّث الأمر فالعجلة قد يُفسد فيها المصلح أكثر مما أصلح ! ـ عليك أن تختار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين بمعنى أنك لا تأتي للإصلاح حتى تبرد القضية ويخف حدة النزاع وينطفئ نار الغضب ثم بعد ذلك تصلح بينهما . ـ والأهم أيضا التلطّف في العبارة فتقول : يا أبا فلان ،وعلينا أحبتي في الله إذا أتانا المصلح .. الذي يريد الإصلاح .. أن نفتح له أبوابنا وقلوبنا وأن ندعو له وأن نقول له : جزاك الله عنا خيرا .. ثم بعد ذلك نكون سهلين في يده .. نكـون ليّنين في يده .. وإذا طلب منا طلباً أو طلب منا أن نتنازل عن شيء فعلينا أن نُقبل إلى ذلك ..
أيها المسلمون
وقد ذكر القرآن الكريم للإصلاح والصلاح ثمراتٍ كثيرةً وفوائدَ غزيرةً، ورفع من درجات أصحابها، وأنزلهم أعلى المنازل، ووصفهم بجميل الصفات، ومن ذلك: الصالحون والمصلحون مع أهل الدرجات العُلا في الجنة. قال – تبارك وتعالى -: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِـحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً} [النساء: 69]. وإصلاح العمل أمان من المخاوف والأحزان. قال – سبحانه -: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأنعام: 48]. والإصلاح سبب من أسباب رحمة الله ومغفـرته. قال – سبحانه -: {وَإن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 129]، وقال – جل وعلا -: {إن تَكُونُوا صَالِـحِينَ فَإنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الإسراء: 25]. ولا يضيع الله أجر المصلحين، فأجرهم عند الله محفوظ. قال – تعالى -: {إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]. والصالحون والمصلحون يستحقون ولاية الله. قال – جل وعلا -: {إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِـحِينَ} [الأعراف: 196]. والله ينجي أهل البلاد إن كان غالب حال أهلها الصلاح والاصلاح ، والعكس بالعكس. قال – جلَّ وعلا -: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]، وفي الصحيحين (قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ » ، والصلاح يوجـب وراثـة الأرض والاسـتخلاف فيهـا. قـال سبحانه :{… أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِـحُونَ} [الأنبياء: 105]. وحذر القرآن من ادِّعاء الصلاح والإصلاح دون عمل نافع، فقال – تعالى -: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11]؛ وإنما هو إيمان وإذعان ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِـحِينَ} [العنكبوت: 9]. فما أروع هذا الدين! وما أعظم القرآن! حثَّ على الإصلاح، ومدح المصلحين، ورفع في الجنة درجاتهم، قبل أن تخرج علينا دعوات هدامة، فولَّت الأمة وجهها شرقاً وغرباً ونأى بها طلب التقدم والإصلاح، وكان الأمر سراباً لا حقيقة له، وشتان شتان بين من يدعو إلى النار ومن يدعو إلى الجنة، وشتان شتان بين الأعمى والبصير، و بين الظلمات والنور، فما أجدر الأمة أن تعود إلى منهج الإصلاح الأول كتاب ربها، ومصدر عزتها وتفوُّقها بين الأمم! فقد ضمن الله السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة لمن خافه واتقاه واتبع رضوانه وتجنب مساخطه.
الدعاء