خطبة عن ( غض البصر)
يناير 13, 2016خطبة عن ( وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً )
يناير 18, 2016الخطبة الأولى عن ( القلوب وعلاجها )
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما ( النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : (إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ)
إخوة الإسلام
قوله صلى الله عليه وسلم : (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ) فمن أقسام القلب : القلب الثالث : قلب سقيم مريض وهو قلب يتنازعه دافعان ، دافع إيماني منج , و دافع هلاك ، وذلك نتيجة حبه للشهوات المحرمة ووقوعه في الشبهات , وهو للغالب منهما ، وهذا الإنسان هو الغافل المفرط , وهو صاحب النفس اللوامة التي تلومه علي التفريط في حق الله و ارتكاب المعاصي إذا ما غلب عليه دافع الإيمان . فهذا القلب ، قلب تمده مادتان ، ففيه حياة وبه علة , فهذا القلب فيه من الإيمان بالله والإخلاص له والتوكل عليه ما هو مادة حياته . وفيه من محبة الشهوات والحرص على تحصيلها والحسد والكبر والعجب وحب الذات والعلو والفساد في الأرض بالرياسة ما هو مادة هلاكه وعطبه وهو للغالب منهما . فهو ممتحن بين داعيين :- داع يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة , وداع يدعوه إلى العاجلة , وهو يجيب أقربهما إليه باباً وأدناهما إليه جواراً ، فصاحب هذا القلب هو صاحب النفس الحائرة التي لم تستقر على حال يشاكل حالتها ( النفس اللوامة ) : قال تعالى : ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً{84} ﴾ (الإسراء) ، فصاحب هذا القلب هو صاحب النفس اللوامة فهو إما إلى السلامة أدنى وإما إلى العطب أدنى ، وهذا القلب إما يزداد مرضه فيموت فيكون صاحب نفس أمارة . وإما يصحو ويفيق من علته ويكون صاحب نفس مطمئنة لذلك اقسم الله سبحانه و تعالي بالنفس اللوامة و هو سبحانه لا يقسم إلا بكل جليل وعظيم وذلك ليلفت النظر إلى خطورة وأهمية هذه النفس, فصاحب هذا القلب عليه أن يحذر من السقوط والتمادي في الرذيلة وإلا مات قلبه والتحق بالنفس الأمارة , وعليه أن يجاهد نفسه وشهوته ويطلب من الله العون ليصبح صاحب قلب لين واع مخبت ويلتحق بالنفس الهادئة المطمئنة وتطيب روحه وبدنه وقد جمع الله سبحانه وتعالى بين هذه القلوب الثلاثة في قوله :- ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{52} لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ{53} وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{54} ﴾ (الحج)، فجعل الله ما يلقى الشيطان على قلوب الناس فتنة لمن في قلبه مرض والقاسية قلوبهم , فإن اشربوا الفتنة زادت أمراضهم وزادت قسوتهم , وإن قاوموها ورفضوها صحت قلوبهم ، فالفتن للاختبار والتمحيص وأحياناً مداً للغي فالله سبحانه يقول :-﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ{10} ﴾ (البقرة)
هذا إن أصروا على تشرب الفتن واستعذبوها ، أما قلب المؤمن فهو القلب الناجي من الفتنة حيث يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة , فهو قلب مخبت لربه مطمئن به مستسلم لقضائه راض به , لا يضره ما يلقيه فيه الشيطان من فتن الشك والريبة , إلى أن تصل به المرحلة إلي الترقية في درجات الإيمان فلا يكون للشيطان سلطان عليه ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ{42} وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ{43} ﴾ (الحجر) ، فالشيطان وإن القى الفتن في القلوب ليكتسب أعواناً وأتباعاً يؤنسوه في نار جهنم ، فهو بإذن الله لتمحيص القلوب فالذين، في قلوبهم مرض ويصرون عليه تزيد الفتن موت قلوبهم . وهناك من يرفض الفتن ويقاومها فيصح قلبه ويزداد إيمانا بالله سبحانه وتعالى ، وفي النهاية تقسم القلوب إلي قسمين : فالقلب الذي تمده مادتان إما يصح فيصبح قلبا أبيضا ، أو يموت فيصبح قلبا أسودا مربادا ، وهو الذي فيه بياض بسيط يخالطه السواد ، فطريق الآخرة إما إلي الجنة وإما إلي النار ولا طريق ثالث .
جاء أناس إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم على أحدنا أن يتكلم به ، قال أوقد وجدتموه ؟ ، قالوا نعم ، قال ذاك صريح الإيمان ، قال النووي رحمه الله ذاك صريح الإيمان ومحض الإيمان لاستعظامكم البوح بما يعرض ويلتصق بالقلب من فتن ، ، فاستعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده , إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفى عنه الريبة والشك ، قلت وأشد الفتن التصاقاً بالقلب للتمحيص هي فتنة الشك ، الفتنه المقصودة هنا هي فتنة الشك لاستعظام القوم عن البوح بما يعرض على قلوبهم وما يدور في صدورهم , وهو من أشد أنواع الوساوس والتي يحاول أن يصل بها الشيطان إلى قلب المؤمن فيعجز لحياة هذا القلب واتصاله بخالقه ، أما القلب الفاسد فيتلاعب به الشيطان ويغويه ويضله ويستسلم لفتنه وشكوكه ، والقلب الأبيض هو قلب المؤمن ، والقلب الأسود هو قلب الكافر والمنافق وفسقة المسلمين ، فالفتن التي تلقي على القلوب هي فتن الشهوات و الشبهات ، و تكون سبباً لامتحان القلوب و تمحيصها ، هذه الفتن تلتصق بالقلوب كما يلتصق الحصير بجنب النائم و توثر فيه و تعاد و تتكرر مرة بعد أخري كما ينسج الحصير عوداً عوداً ، ومع كل فتنة يتشربها القلب تنكت فيه نكتة سوداء و كل قلب ينكرها و يعرف أن الحق في سواها تنكت فيه نكته بيضاء ، حتى تصير في النهاية القلوب إلي قلبين : قلب أبيض و هو قلب المؤمن وهو صاحب النفس المطمئنة و الروح الطيبة ، وقلب أسود مرباد وهو قلب الفسقة والكفار والمنافقين ، روى ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ : « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ : « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً )
حمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
صلاح القلب يكون بالأعمال الشرعية والعبادات القلبية .فلا صلاح للقلوب حتى تستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ورجاؤه والتوكل عليه وتمتلئ من ذلك وهذا هو حقيقة التوحيد أن يكون القلب يأله ويتوجه ويقصد الله وحده لا شريك له وينصرف عما سواه ، ولو كان في السماوات والأرض إلها سواه لفسدت بذلك كما قال تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الانبياء 22، فعلم بذلك أنه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي حتى تكون حركات أهلها كلها لله . قال الحسن البصري لرجل ” داو قلبك فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم “. وقال محمد البلخي ” ما خطوت منذ أربعين سنة لغير الله عز وجل “. وقال الحسن ” ما نظرت ببصري ولا نطقت بلساني ولا بطشت بيدي ولا نهضت على قدمي حتى أنظر على طاعة أو على معصية فإن كانت طاعة تقدمت وإن كانت معصية تأخرت “.
أيها المسلمون
وفيستفاد من هذا الحديث : أن الشريعة الإسلامية حلالها بين وحرامها بين والمشتبه منها يعلمه بعض الناس . وأنه ينبغي للإنسان إذا اشتبه عليه الأمر أحلال هو أم حرام أن يجتنبه حتى يتبين له أنه حلال . وأن الإنسان إذا وقع في الأمور المشتبه هان عليه أن يقع في الأمور الواضحة فإذا مارس الشيء المشتبه فإن نفسه تدعوه إلى أن يفعل الشيء البين وحينئذ يهلك . وجواز ضرب المثل من أجل أن يتبين الأمر المعنوي بضرب الحسي أي أن تشبيه المعقول بالمحسوس ليقرب فهمه .وحسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام بضربه للأمثال وتوضيحها . وأن المدار في الصلاح والفاسد على القلب وينبني على هذه الفائدة أنه يجب على الإنسان العناية بقلبه دائما وأبدا حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه . والحديث يدل على عظم القلب وأهميته لأن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه المحرمات واتقائه الشبهات بحسب صلاح حركة قلبه فإن كان قلبه سليما ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه صلحت حركات الجوارح كلها وإن كان القلب فاسدا قد استولى عليه اتباع الهوى عبدا للشهوات وأسره حب الدنيا فسدت حركات الجوارح كلها ، ولهذا يقال القلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنوده مطيعون لأوامره لا يخالفونه في شيء
الدعاء