خطبة عن ( الاعتبار بمصارع الأمم السابقة )
نوفمبر 17, 2016خطبة عن ( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ: من أسباب مصارع الأمم وهلاكها)
نوفمبر 18, 2016الخطبة الأولى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) 10 فاطر
إخوة الإسلام
حول معاني هذه الآية الكريمة من كتاب الله وما ترشد إليه سوف يكون لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- فقوله تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } : أي: مَنْ كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده ؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعها ،ثم قال سبحانه وتعالى :{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } ،قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الكلم الطيب ذكر الله يصعد به إلى الله عز وجل والعمل الصالح أداء فرائضه ، ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به. وقال مجاهد العمل الصالح يرفع الكلام الطيب . وقال إياس بن معاوية القاضي: لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام . وقال الحسن وقتادة: لا يقبل قولٌ إلا بعمل .
أيها المسلمون
وأما عن المراد بالكلم الطيب: فالكلمُ الطيب هو كُلُّ كلمٍ يُقَرِّبُ إلى الله عز وجل، كُلُّ كلمٍ يُقَرِّب إلى الله فهو كَلِمٌ طَيِّب، فـ(لا إله إلا الله) مِنَ الكلمِ الطيب، و(سبحان الله) و(الحمد لله) و(الله أكبر) كُلُّها مِن الكلمِ الطيب، والقرآن مِن الكلم الطيب، والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر مِن الكلم الطيب، وقراءةُ العِلْم من الكلم الطيب، وكلُّ قولٍ يُقَرِّب إلى الله فهو مِن الكلم الطيِّب، فالكلم الطيب والعمل الصالح يشمل كل ما يتقرب به العبد إلى ربه من الأقوال والأفعال والأحوال ،وفي صحيح مسلم : « يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى ». وفي صحيح البخاري :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ » . وفي رواية :« كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ » ،وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ « أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ « أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ ».
أيها المسلمون
والكلمُ الطيب يقابلُه نوعَان مِن الكلام: كَلمٌ رَدِئٌ خبِيث، وكلمٌ لا هذا ولا هذا، لا يوصفُ بأنَّه طيِّب ولا يُوصَف بأنَّه خبيث، أمَّا الكلِمُ الخبيث فكَكَلِمَةِ الكُفْر والسَبّ والشَّتْم واللَّعْن لِمَن لا يحِلّ سَبُّه ولا شَتْمُه ولا لَعْنُه، وأمَّا الكلم الذي لا هذا ولا هذا فهو أكْثَرُ كلامِ الناس والصنفانِ جميعًا لا يُرْفَعَانِ إلى الله، أما الأول، فلأنَّه خبِيث واللهُ تعالى طيبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا، وأما الثاني: فلأنَّه لم يُقْصَد به الله عز وجل حتى يُرْفَعَ إلى الله، وهذا الثاني أعني الذي ليس هذا ولا هذا قد يكون طَيِّبًا لا لذاتِه ولكن لغيرِه لِمَا يُوصِل إليه مِن المقاصد الحسنة ،فإنَّ الإنسان قد يتحدَّث إلى شخص كلامًا ليس هو خيرًا في نفسِه لكن يَقْصِد به التألِيف لهذا الرجل وإدْخَال الأُنْس عليه والسُّرُور فيكون هذا الكلام الذي هو لغوٌ في نفسِه يكون محمودًا لِمَا قُصِد به، كما أن هذا الكلام الذي هو لغوٌ في نفسه إذا قُصِدَ به الإساءة إلى مَن لا تحِلُّ الإساءةُ إليه صار كلامًا خبيثًا لغيرِه ولَّا لذاتِه؟ لغيرِه أي لِمَا قُصِد به، وعلى كلٍّ فالكلمُ الطيب لذاتِه أو لغيرِه يَصْعَدُ إلى اللهِ عز وجل،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الأولى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فإن قال قائل : كيف يصعَدُ الكلِمُ الطيب والكلِمُ ليس جُرْمًا؟ فالكلِم ليس جُرْما بل أصواتٌ تُسْمَع بحركاتٍ معينة في الفَم واللِّسَان والشَّفَة؟ فالجواب أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يجعلَ المعقول شيئًا محسُوسًا كما ثبتَ في الحديثِ كما في الصحيحين : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، ثُمَّ يُنَادِى يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ) ،وقولُه تعالى : (( الكلمُ الطيب )) إنما جمعَه، لكثرةِ أنواعِه، وكثرة الأنواع تدُلُّ على كثرة الأفرَاد مِن بابِ أولى، وفي تفسيرها أيضا هناك من قال : ( العملُ الصالح يرفعُه الكلمُ الطيب، فجعَلَ ضميرَ الفاعل يعود على (الكَلِمُ الطيب) وجعلَ الهاء تعود على (العمل الصالح) ،فيكونُ العملُ الصالح مرفوعًا بالكلِم الطيب، واحتَجَّ هؤلاء بأنَّ العمَل الصالح لا يُقْبَل إلا بالإسلام وهو الكَلِمُ الطيب الذي هو (لا إله إلا الله) ، فإنَّ الإنسان لو عَمِل مِن العمل الصالح الشيء الكثير ولكنه غيرُ مسلم لا يرتَفِعُ هذا العمل، فلا يرفَعُ العملَ الصالح إلا الكلم الطيب). وهناك من قال (العمَلُ الصالح يرفَعُ الكلمَ الطيب فيكونُ الفاعِل في (يرفَع) العملَ الصالح، والمفعول الكلم الطيب عكس الذي قبلَه ،فالعمَلُ الصالح يرفع الكلِمَ الطيِّبَ، لأن الكلمَ الطيِّب بدُون عَمَل لا ينفَعُ صاحبَه فلابُدَّ في الكلمِ الطيب مِن عَمَلٍ صالِح يرفَعُ ذلك القَول الطَيِّب نعم، والأقرب والله أعلم أنَّ الله يرفَعُ العمل الصالح يرفعُه كما أنَّ الكلم الطيب يصعَد إلى الله فإذا صَعِدَ الكلم الطيب إلى الله امْتَنَّ اللهُ على هذا المتكلم بأَنْ رفَعَ العَمَل الصالح الذي يعملُه ) ، والمعنى المقصود : أن أعمال المؤمنين هي التي تنفع ليعلم الناس أن أعمال المشركين سعي باطل . والقربات كلها ترجع إلى أقوال وأعمال ، فالأقوال ما كان ثناء على الله تعالى واستغفارا ودعاء ، ودعاء الناس إلى الأعمال الصالحة . أما قوله تعالى :{ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ } : قال مجاهد وسعيد بن جُبَيْر : هم المراؤون بأعمالهم يعني يمكرون بالناس يوهمون أنهم في طاعة الله وهم بُغَضَاء إلى الله سُبحانه وتعالي . وقوله تعالى : { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } : أي يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى فإنه ما أسر عبد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر ،فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي ،أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم بل يُكشَف لهم عن قريب وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية. أهــ تفسير ابن كثير بتصرُف يسير
الدعاء