خطبة عن (زيارة القبور وآدابها ومحظوراتها)
سبتمبر 12, 2016خطبة عن حديث: ( صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ الله)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين البخاري ومسلم عن (عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »
إخوة الإسلام
هذا الحديث أصل عظيم في الدين ، وموضوعه الإخلاص في العمل وبيان اشتراط النية وأثر ذلك، وبه صدر البخاري كتابه الصحيح وأقامه مقام الخطبة له إشارة إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا والآخرة . وهو أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها قال الشافعي : هذا الحديث ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه
وقال أحمد: أصل الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث عمر الأعمال بالنيات وحديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا ، وحديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين. وإذا تناولنا هذا الحديث بشيء من الشرح والتوضيح : ففي قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) فهذا يقتضي الحصر، والمعنى إنما الأعمال صالحة أو فاسدة ،أو مقبولة أو مردودة بالنيات ، فلا تصح ولا تحصل إلا بالنية ،وقوله صلى الله عليه وسلم (وإنما لكل امرئ ما نوى ) فهو إخبار بأنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به ،فإن نوى خيرا جوزي به ،وإن نوى شرا جوزي به وإن نوى مباحا لم يحصل له ثواب ولا عقاب ، وليس في هذا تكرار للجملة الأولى فإن الجملة الأولى دلت على صلاح العمل وفساده
والثانية دلت على ثواب العامل وعقابه . واعلموا أن معنى النية (لغة) القصد والعزيمة. و(اصطلاحا) هي القصد للعمل تقربا إلى الله وطلبا لمرضاته وثوابه. وتطلق النية في كلام العلماء على معنيين: (1) نية المعمول له: أي تمييز المقصود بالعمل هل هو الله وحده لا شريك به أم غيره أم الله وغيره ، وهذا المعنى يتكلم فيه العارفون في كتبهم من أهل السلوك الذين يعتنون بالمقاصد والرقائق والإيمانيات. وهو المقصود غالبا في كلام الله بلفظ النية والإرادة ،
قال تعالى (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) آل عمران 152 ،وكذلك هو المقصود غالبا في السنة ، كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم « مَنْ غَزَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ لاَ يَنْوِى فِى غَزَاتِهِ إِلاَّ عِقَالاً فَلَهُ مَا نَوَى ». رواه أحمد ، وهذا كثير أيضا في كلام السلف قال عمر : “لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له ” ،وقال يحي بن أبي كثير “تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل”،وقال سفيان الثوري “ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي” . (2) نية العمل: أي تمييز العمل ، فلا تصح الطهارة بأنواعها ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات إلا بقصدها ونيتها ، فينوي تلك العبادة المعينة، وإذا كانت العبادة تحتوي على أجناس وأنواع كالصلاة منها الفرض والنفل المعين والنفل المطلق ، فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصلاة ،وأما المعين من فرض ونفل فلا بد مع نية الصلاة أن ينوي ذلك المعين وهكذا بقية العبادات. والأمر الثاني: تمييز العبادة عن العادة ،فمثلا الاغتسال يقع نظافة أو تبرد ويقع عن الحدث الأكبر وعن غسل الميت وللجمعة ونحوها ، فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث أو ذلك الغسل المستحب ،
وكذلك يخرج الإنسان الدراهم مثلا للزكاة أو الكفارة أو للنذر أو للصدقة المستحبة أو للهدية فالعبرة في ذلك كله على النية ،وكذلك صور ومسائل المعاملات العبرة نيته وقصده لا ظاهر عمله ولفظه . ويدخل في ذلك جميع الوسائل التي يتوسل بها إلى مقاصدها فإن الوسائل لها أحكام المقاصد صالحة أو فاسدة والله يعلم المصلح من المفسد. وقال ابن هبيرة – رحمه الله -: لا يقبل الله عملًا إلا بنية، حتى إن المسلم يضاعف له الثواب على أكله وشربه، وقيامه وقعوده ونومه ويقظته، على حسَب نيته في ذلك، وربما يجمع الشيء الواحد عدة وجوه من العبادات بالنية ،وقال ابن القيم – رحمه الله -: تداخل العبادات في العبادة الواحدة هو باب عزيزٌ شريف، لا يعرفه إلا صادق، حاذق الطلب، متضلع من العلم، عالي الهمة، بحيث يدخل في عبادة يظفر فيها بعبادات شتى، وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء ،وقال ابن رجب – رحمه الله -: وأما النية بالمعنى الذي ذكره الفقهاء، وهو تمييز العبادات عن العادات، وتمييز العبادات بعضها عن بعض، فإن الإمساك عن الأكل والشرب يقع تارة حمية، وتارة لعدم القدرة، وتارة تركًا للشهوات لله عز وجل، فيحتاج في الصيام إلى النية.
أيها المسلمون
أما قوله صلى الله عليه وسلم “فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله” فقد ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم مثالا من الأعمال التي يختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات وهي الهجرة ، وكأنه يقول سائر الأعمال تقاس على هذا المثال . والهجرة هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من هاجر إلى دار الإسلام حبا لله ورسوله ورغبة في إظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقا ، ومن كان مهاجرا لغرض إصابة الدنيا أو نكاح المرأة فهذا مهاجر لأجل الدنيا وليس لأجل الآخرة ولا يؤجر على ذلك، وفي قوله صلى الله عليه وسلم “إلى ما هاجر إليه” تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به. وسائر الأعمال كالهجرة في هذا كالجهاد والحج وغيرها ،ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » . وقد ورد الوعيد في تعلم العلم لغير وجه الله كما أخرجه أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ” يعني ريحها.
أيها المسلمون
هكذا بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن العبد إذا أراد بعمله طاعة الله وعبادته ، والتقرب إليه وحده ، وذلك من خلال نيته وقصده ، والنية محلها القلب ، كان عمله مقبولا ، وعليه مأجورا، أما إذا أشرك في عمله مع الله غيره ، طلبا للرياء والسمعة ، وجلبا لرضى العباد ، ويظهر ذلك من نيته ، كان عمله محبطا ، ولا أجر له عليه ، وكان من الخاسرين ، وهكذا يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) وجوب الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال ؛ لأنه أخبر أنه لا يخلُصُ للعبد من عمله إلا ما نوى ، فإن نوى في عمله اللهَ والدار الآخرة ، كتب الله له ثواب عمله ، وأجزل له العطاء ، وإن أراد به السمعة والرياء ، فقد حبط عمله ، وكتب عليه وزره ،قال تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (110) الكهف ، وبذلك يتبين أنه يجب على الإنسان العاقل أن يجعل همّه الآخرةَ في الأمور كلها ، ويتعهّد قلبه ويحذر من الرياء أو الشرك الأصغر ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى ذلك : « مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ ». رواه ابن ماجة . ومن عظيم أمر النيّة أنه قد يبلغ العبد منازل الأبرار ، ويكتب له ثواب أعمال عظيمة لم يعملها، وذلك بالنيّة ، ففي صحيح البخاري (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ « إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن العمل ينقسم بالنسبة للرياء من حيث حكمه إلى ثلاثة أقسام: 1- أن يكون أصل العمل رياء خالصا بحيث لا يراد به إلا مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم ، قال تعالى : (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) (142) النساء ،وهذا الرياء الخالص لا يصدر من مؤمن حقا وهذا العمل حابط وصاحبه مستحق للمقت والعقوبة. 2- أن يكون العمل لله ويشاركه الرياء في أصله فالنصوص الصريحة تدل على بطلانه وحبوطه أيضا ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ». ولا يعرف عن السلف في هذا القسم خلاف بينهم. 3- أن يكون أصل العمل لله ثم يطرأ عليه نية الرياء فإن كان خاطرا ودفعه فلا يضره بغير خلاف وإن استجاب له فهل يحبط عمله أم لا: الصحيح أن أصل عمله لا يبطل بهذا الرياء وأنه يجازى بنيته الأولى ورجحه أحمد والطبري ،وإنما يبطل من عمله ما خالطه الرياء. أما إذا خالط نية العمل نية غير الرياء مثل أخذ الأجرة للخدمة أو شيء من المعاوضة في الجهاد أو التجارة في الحج نقص بذلك الأجر ولم يبطل العمل
قال أحمد : التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره. وليس من الرياء فرح المؤمن بفضل الله ورحمته حين سماع ثناء الناس على عمله الصالح فإذا استبشر بذلك لم يضره لما روي عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ « تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ». رواه مسلم . وتتفاضل الأعمال ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص ،حتى إن صاحب النية الصادقة إذا عجز عن العمل يلتحق بالعامل في الأجر ،قال الله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (100) النساء ،وفي صحيح البخاري (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا » . وإذا هم العبد بالخير ثم لم يقدر له العمل كتبت همته ونيته حسنة كاملة ففي سنن النسائي عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِى أَنْ يَقُومَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». وأيضا: تجري النية في المباحات والأمور الدنيوية ،فمن نوى بكسبه وعمله الدنيوي الإستعانة بذلك على القيام بحق الله وحقوق الخلق واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وجماعه انقلبت العادات في حقه إلى عبادات وبارك الله في عمله وفتح له من أبواب الخير والرزق أمورا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال ، ومن فاتته هذه النية لجهله أو تهاونه فقد حرم خيرا عظيما ففي صحيح البخاري (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ » . وقال ابن القيم “إن خواص المقربين هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين بل كل أعمالهم راجحة”. ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الهجرة في سبيل الله من أجل الطاعات وأعظم القربات ، وهذه الشعيرة الباقية إلى قيام الساعة، وتنقسم الهجرة باعتبار حكمها إلى قسمين: 1- هجرة واجبة وهي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام قال الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء 97 ،وتسقط الهجرة عن العاجز عنها قال تعالى :(إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء 98: 99. 2- هجرة مستحبة وهي الانتقال من بلد البدعة إلى بلد السنة ومن المعصية إلى الطاعة ، وقد كان كثير من السلف يهاجر لذلك.
وتجوز الإقامة في بلد الكفر على الصحيح من أقوال أهل العلم بشروط: 1- أن يكون قادرا على إظهار شعائر الدين.
2- أن يأمن الفتنة على دينه. 3- أن يأمن الفساد على أهله وولده . فإن خشي ذلك وغلب على ظنه فلا يجوز ، ومع ذلك فإن الأحوط للمؤمن عدم الإقامة في بلد الكفر إلا أن تكون المصلحة راجحة في بقائه كاشتغاله بالدعوة والتعليم وله كلمة وتأثير في الناس . ولا يجوز مطلقا الإقامة في بلد الكفر مع انتفاء الشروط أو بعضها لغرض طلب الرزق والتوسع في المعاش أو غير ذلك ، وقد فرط بعض المسلمين هداهم الله ، ومن فعل ذلك فقد ارتكب جرما عظيما وعرض نفسه للخطر وهو باق على دينه لا يكفر إلا إذا حصل منه ما يوجب ردته والله المستعان.
أيها المسلمون
ومن الفوائد والدروس والعبر التي نستلهمها من هذا الحديث أن : 1- النية محلها القلب، واللفظ بها بدعة.
2- أن مدار الأعمال على النيات؛ صحة وفسادًا، وكمالًا ونقصًا. 3- في الحديث إشارة إلى أن من أراد الغنيمة صحح العزيمة، ومن أراد المواهب السَّنِية أخلص النية. 4- أن الأمور بمقاصدها. 5- الفرق بين العبادة والعادة هو النية.
6- أن نية المؤمن تبلغ إلى حيث يبلغ عمله. 7- أن الإنسان يعطى على نيته ما لا يعطى على عمله.
الدعاء