خطبة عن (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)
نوفمبر 5, 2016خطبة عن (بين الخوف والجاء)و(يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)
نوفمبر 6, 2016الخطبة الأولى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) ( المائدة 55، 56)
إخوة الإسلام
معنى الولي : هو الذي يتولاك، وهو الذي يربيك، هو الذي يمدك، الذي يعالجك، الذي يحبك، الذي يرحمك.
فإذا كان الله وليك ينبغي أن تكون وليه أنت، أن ترجع إليه، أن تهتدي بهداه، أن تحب من يحبه وأن تبغض من يبغضه، أن تعين المؤمنين، أن تنصحهم، أن تكون في خدمتهم، لذلك لا يكون المؤمن مؤمناً إلا إذا اتضح عنده الولاء والبراء، أن يوالي المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً، وأن يبرأ من الكفار والمشركين، ولو كانوا أقوياء، وما لم يكن عندك ولاء للمؤمنين، وبراء من غيرهم فلست مؤمناً، فالله عز وجل يقول: ” إِنَّمَا “، وإنما أداة حصر وقصر، أي لو أن الله عز وجل قال: الله وليكم، هذا لا يمنع أن يكون لكم ولي آخر، أما حينما يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ فلا يمكن، ولا يقبل، ولا يعقل أن تتخذ ولياً غير الله عز وجل، وغير رسوله، وغير المؤمنين، بل محرم عليك أشد التحريم أن توالي أعداء الله، أو أن تميل نحوهم، أو أن تسترشد بهم، وأن تهتدي بمناهجهم، وأن تقلدهم، وأن تقف معهم، وأن تتبع توجيهاتهم، هذا محرم عليك أشد التحريم. فرق كبير جداً بين من كان الله وليه وبين من لا ولي له : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [ سورة محمد: 11] ،﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : فأنت كمؤمن لك مرجع، لك منهج، لك قيم، لك توجيهات من الله عز وجل، في حياتك فرائض، وواجبات، ومباحات، ومكروهات، ومحرمات، وسنن، لك قدوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قدوتك، والصحابة قدوتك، والقرآن منهجك، والسنة دليلك، فرق كبير جداً بين من كان الله وليه وبين من لا ولي له. الله تعالى حينما ألزمك أن تجعل الله وليك أراد لك الولي المطلق الذي لا يعجزه شيء ،أنت لست مكلفاً أن توالي ربك فقط ، بل وأن تحصر ولاءك لله عز وجل، ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : فالله وليك، أي أن الله سبحانه وتعالى منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، يربيك، ويهديك، ويصحح مسارك، ويصوب أفعالك، ويحاسبك، ويشدد عليك، ويضيق عليك أحياناً، ثم يوفقك، ثم يجمعك مع أهل الحق، ثم يعينك على صلاح دنياك، وصلاح آخرتك، هذا معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : لماذا لم يرد الله لنا أن نتخذ ولياً غيره؟ لأنه إذا كان وليك الإنسان فالإنسان بالأساس محدود، علمه محدود، قدراته محدودة، عواطفه محدودة،
الإنسان محدود وضعيف، فقد يرشدك إلى شيء فيه هلاك لك، لأن علمه محدود، قد يدلك على شيء فيه إخفاق لك، لأن علمه محدود، وقد يكذب عليك، ويبين لك أنه وليك وهو في الحقيقة ليس وليك، ففيه احتمال المحدودية، واحتمال الكذب، لماذا لم يرد الله أن يكون الإنسان وليك، ولو كان كبيراً أو عظيماً؟ لأن أي إنسان محدود، لم يرد الله لك أن يكون المرجع محدوداً، ولا أن يكون منافقاً، لكن الله سبحانه وتعالى حينما ألزمك أن تجعل الله وليك أراد لك الولي المطلق الذي لا يعجزه شيء لا في الأرض ولا في السماء، أراد لك أن يكون الولي غنياً وقوياً ومهيمناً ومتصرفاً،
﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : فهو أراد لك أن تقوى بقوته، وأن تغتني بغناه، وأن تكون حكيماً بحكمته، وأن تسعد بالقرب منه،
لو خيرت بين أن يكون لك مرجعان: مرجع فقير جاهل، ومرجع قوي غني عالم، الشيء الطبيعي والبديهي أن تؤثر أن ترجع إلى القوي، إلى الغني، إلى الرحيم، فكيف إذا كان الله عز وجل بيده كل شيء، بدأ من صحتك، إلى أجهزتك، إلى أعضائك، إلى حواسك، إلى أهلك، إلى أولادك، إلى من فوقك، إلى من تحتك، إلى الرزق، إلى الرحمة، إلى السكينة، كل شيء بيد الله عز وجل، فاجعله وليك، ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : فإذا كنت مع القوي فأنت القوي، نحن في المنظور الأرضي أضعف دولة، لو أن دولة قوية دعمتها لأصبحت أقوى دولة، ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾: فأنت حينما تكون مع الله كان الله معك، كلمات لا أدري أين تصل إليكم، إذا كان الله معك فمن عليك؟ ،لا تستطيع قوى الأرض أن تنال منك، ألا ترون واقع المسلمين اليوم؟ في وضع لا يحسدون عليه. ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : أنت كمجند بفرقة هل يخشى هذه الرتب المخيفة إذا كان أبوه قائد الجيش؟ انتهى كل شيء، فالله عز وجل ينتظر منا أن نجعله ولياً لنا، أن نجعله مرجعاً لنا، أن نجعله ملاذاً لنا، أن نجعله ملجأ لنا، أن نجعله هادياً لنا. وفي الحديث القدسي ((يا عبادي، كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه، فاسْتَهدُوني أهْدِكم، يا عبادي، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم، كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم)) [رواه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ] … ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : فالله وليكم في الدعاء أيضاً، ادعوه يستجب لكم، إن دعوتموه أولاً: يسمعكم، وثانياً: هو قادر على إجابة دعائكم، وثالثاً: يحب أن يرحمكم، موجود ويسمع، وقادر ويرحم، ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : فهو وليكم فيما ينبغي أن تعتقدوا، وليكم في أنه قدم لكم تفسيراً شاملاً متناسقاً لحقيقة الكون، وحقيقة الحياة، وحقيقة الإنسان ،هو وليكم هو معكم، تدعونه سراً وعلانية، تدعونه سراً وجهراً، وليكم إذا رآكم قد انحرفتم يربيكم، يضيق عليكم: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [ السجدة: 21] .. ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ : وليك في عقيدتك، وليك في المنهج القويم الذي إذا سرت عليه سلمت وسعدت، وليك في أنه تدعوه فيستجيب لك، وليك في أنه يربيك، الإنسان أحياناً يهمه ممن يعمل معه أن يقوم بواجبه أتم القيام، لكن لا يعنيه دينه، ولا استقامته، ولا خلقه، لكن الله خلقك ليسعدك، ليرحمك، فإذا قصرت ضيق عليك، إذا قصرت شدد عليك، أوحى ربك إلى الدنيا أن تكدري، وتضيقي، وتشدي على أوليائي حتى يحبوا لقائي، هناك متابعة من الله عز وجل : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ : فالله عز وجل أنزل هذا الكتاب، والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّنه وفصَّله، فالسنة منهج تفصيلي، والقرآن منهج كلي، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام بأقواله وأفعاله وإقراره كان تفسيراً وتوضيحاً وبياناً لما في كتاب الله عز وجل فالنبي إذا أمرك بأمر ينبغي أن تأتمر. قال تعالى :﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [ الحشر: 7 ] ، فالمؤمن نصوح يرشدك ويقدم لك العون ، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا وجهك توجيهاً ينبغي أن تستجيب له: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [ القصص: 50] ، وقال تعالى : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ : فالمؤمن نصوح، المؤمن ينصحك ولا يسكت على انحراف، المؤمن يرشدك، المؤمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، المؤمن يقدم لك العون، المؤمن يغار على مصلحتك، المؤمن يغار على سمعتك، المؤمن يغار على مصيرك، فالله ولينا ، وكذا رسوله والذين أمنوا ،، لذلك فالمؤمن يرجع إلى القرآن لأن الله وليه،و يرجع إلى السنة لأن النبي عليه الصلاة والسلام وليه، و يستشير المؤمنين لأن المؤمنين أولياؤه ، إذاً فهذه الآية دقيقة جداً: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ : لماذا المؤمن يجب أن ترجع إليه؟ لأنه اهتدى بهدى الله عز وجل، وطبق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ : فالمؤمن متصل بالله، قلبه مستنير بنور الله، فاحذر أن تستشير غير المؤمنين وتتبعهم فيما يخالف دينك ، قال تعالى : ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ [ الكهف: 28] ، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تستنصح غافلاً ولا شارداً، ولا أن تستشيره، ولا أن تركن إليه : قال تعالى : ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [هود: 113]، ولا أن تتمنى أن يقربك أبداً، يجب أن تزهد به. فالاستخارة لله عز وجل والاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين : قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ : فالمؤمن المقيم الصلاة هذا هو الموصول بالله عز وجل، موصول بالمطلق، موصول بنور السماوات والأرض،، موصول بالحكيم، موصول بالعليم، موصول بمن خلقنا ليسعدنا، لا ليمتعنا في الدنيا لسنوات معدودات ثم تنتظرون جهنم وبئس المصير، لا، فالمؤمن ينظر إلى آخرتك
أيها المسلمون
وأما قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) المائدة 56 : أي : من فوض أمره إلى الله ، وامتثل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ووالى المسلمين ، فهو من حزب الله ، ومن يتول القيام بطاعة الله ونصرة رسوله والمؤمنين . فإن حزب الله هم الغالبون ، قال الحسن : حزب الله جند الله ، وقال غيره : أنصار الله
ولما نهى الله عن ولاية الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وذكر مآل توليهم أنه الخسران المبين، أخبر سبحانه وتعالى مَن يجب ويتعين توليه، وذكر فائدة ذلك ومصلحته فقال تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } : فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله تعالى : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } أي: خاضعون لله ذليلون. فأداة الحصر في قوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } تدل على أنه يجب قصر الولاية على المذكورين، والتبري من ولاية غيرهم. ثم ذكر فائدة هذه الولاية فقال تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } أي: فإنه من الحزب المضافين إلى الله إضافة عبودية وولاية، وحزبه هم الغالبون الذين لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } . وهذه بشارة عظيمة، لمن قام بأمر الله وصار من حزبه وجنده، أن له الغلبة، وإن أديل عليه في بعض الأحيان لحكمة يريدها الله تعالى، فآخر أمره الغلبة والانتصار، ومن أصدق من الله قيلا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان لله وليا فهو ولي لرسوله وللمؤمنين، ومن تولى الله ورسوله فإن هذا التولي لا يتم إلا بتوليه للمؤمنين، الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود بإقامتهم لواجبات الإسلام،
واعلموا أن عقد الولاء بين المؤمنين يدور على الحب لمن تتولاه، وينبني عليه لوازم، فهذا الولاء يجب أن يترجم إلى حب وإلى نصرة وتأييد، ولا بد أن يكون له في الواقع شيء ملموس محسوس، وإلا كان التولي من المؤمن للمؤمن كان كلاما، فالولاء للمؤمنين عبادة من العبادات، الولاء للمؤمنين من صلب العقيدة، الولاء للمؤمنين بنصرتهم ومظاهرتهم ومعاونتهم، فإذا كان تولي الكافرين كفر فإن تولي المؤمنين من صميم الإيمان، والله -عز وجل- ذم الذين يتولون الكافرين، فقال تعالى: ( تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) سورة المائدة:80-81.
عباد الله
إن هذا الولاء الذي عقده الله بين المسلمين هو عقد ولاء عظيم ، إنه على المستوى الفردي ينصر أخاه المسلم، فهو يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، وكذلك فإنه أيضاً يلين له، ويخفض جناحه، كما قال الله: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) المائدة:54 ، وبالإضافة الى ذلك فهو يتضامن لأهل الإيمان تواضعاً ولينا، وهو أيضاً يحبهم ويؤثرهم على نفسه كما قال الله: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر:9،، والمسلم يحفظ حرمة أخيه المسلم، ولا يرضى أن تنتهك إطلاقاً، وهو أيضاً على مستوى العلاقة الفردية لا يحسده، ولا يبيع على بيعه، ولا يبغضه، ولا يقاطعه ويهاجر ويدابره، وكذلك لا يحقره، ولا يتجسس عليه، ولا يسيء الظن به، ولا يهجره فوق ثلاث، ولا يغتابه، فضلاً عن أن يبهته ولا يمشي بنميمة؛ لكي يضره، وكذلك فإنه يحذر من أن ينتهك عرضه فضلا عن أن يسفك دمه،
لقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- قد ضربوا الأمثلة الرائعة في عقد النصرة بين المؤمنين، فترى المهاجرين يهجرون أوطانهم ومسقط رؤوسهم، ويتركون أهليهم وأموالهم، ويخلفون أولادهم وراءهم بمكة، ويهاجرون إلى المدينة نصرة لله ولرسوله، ولهذا الدين، وفي المقابل نجد نصرة أخرى من نوع خاص وطراز فريد من هؤلاء الأنصار -رضي الله عنهم- الذين نصروا إخوانهم في الله من المهاجرين فآووهم في أرضهم، وأغدقوا عليهم من أموالهم ومما في أيديهم من فضل الله، سخاء وجودا إيثار لهم حتى ولوكانوا في شدة وضيق، فقال الله مادحا لهم في نصرتهم لإخوانهم المهاجرين: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ) سورة الحشر:9
أيها المسلمون
وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (73) الانفال ،وهذه النصرة لها أوجه فمنها: النصرة بالنفس، بأن يحمل المؤمن روحه على كفه لنصرة إخوانه في الدين، وحماية لأعراض المسلمين، وصونا لمقدساتهم، وحقنا لدمائهم ، كذلك النصرة بالمال، إنه باب واسع للمسلمين ، قال تعالى ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) سورة النساء:950. وأما النصرة بالدعاء وتحديث النفس بالغزو فإنها نصرة عظيمة، فإن من عقد الولاء من المسلم للمسلم أنه لا يعجزه أن يدعو لإخوانه بالنصر والتمكين، وسحق أعداء الدين، وإظهار الحق وأهله، وهزم الباطل وأعوانه .
الدعاء