خطبة عن ( في الحج دروس وعبر )
يوليو 25, 2016خطبة عن ( احذر معاصي الخلوات)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} الانفال 58 ،
إخوة الإسلام
لقد حذر القرآن الكريم من الخيانة تحذيرا شديداً وفي آيات كثيرة منها ،قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} الانفال 27 ،وقد قرن الله تعالى صفة االخيانة بالكافرين والنافقين فقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور} الحج : 38 ، وقال تعالى : {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} النساء 107 ، وقوله تعالى : {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} الانفال 71 – وقال النبي صلي الله عليه وسلم: “المكر والخديعة والخيانة في النار”. حسنه الألباني في صحيح الجامع. وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِى قَلْبِ امْرِئٍ وَلاَ يَجْتَمِعُ الصِدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعاً وَلاَ تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالأَمَانَةُ جَمِيعاً ». وفي سنن ابن ماجة والنسائي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ ». قال الألباني: حسن صحيح. – وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : الْمُؤْمِنُ يُطْبَعُ عَلَى كُلِّ خَلَّةٍ غَيْرَ الْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ. رواه البزار وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح . – وروى الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ». صححه الألباني في صحيح الجامع. فالخيانة خلُق مذموم، لا يفعلها إلا من كان مريض القلب، والخائن ملعون، ولا يُسمح للمؤمن أنْ يكون خائنًا ألبتَّة، بل لا ينبغي للمؤمن المسلم أنْ يوالي الخائن أو يُساعده بأي شكل من الأشكال، وتحت أي ذريعة من الذرائع؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105]، والخيانة جرم عظيم في شرائع ربِّ العالمين، ولا يسمح لأحد مهما كانت منزلته حتى لخَليل الله محمد صلى الله عليه وسلم أنْ يخاصم عن الخائنين؛ فإنهم فئة لا يحبهم الله – جل جلاله – ذلك أن نفوس الخائنين خبيثة. والنفس الخائنة تخون في الأمور الصغيرة والكبيرة، ولهذا جاء في القرآن الكريم: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 71]، فشيمة الخائنين أنهم يغدرون بمن يَأتمنهم أو بمن يُبرم معهم العهود والمواثيق، ولكن غدَرات وفجرات الغادِرين لن تذهب من غير حساب، وسيكون لهم حساب شديد يوم القيامة، وقبل ذلك سيُفضحون على رؤوس الأشهاد؛ ففي الصحيحين (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ) ، فمن أجل كل ذلك حذَّر الله – جل جلاله – المؤمنين من الخيانة تحذيرًا شديدًا، وبخطاب مُبين صريح، لما يتبعها من حسـرة وندامة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]؛ وذلك لأنَّ من خان سقط من نظر الله – جل جلاله – ومن سقط من نظر الله دخل فيمن لا يحبهم الله – جل جلاله – يقول الإمام الشافعي – رحمه الله -:
ولا خيرَ في خلٍّ يخونُ خَليلَهُ ويلقاهُ من بعد المودةِ بالجَفا
ويُنكرُ عَيشًا قَد تَقادمَ عهدُهُ ويُظهرُ سرًّا كان بالأمسِ في خَفا
ثم يُبين القرآن الكريم دواعي الخيانة والأسباب المؤدية لها في الآية التي تلي هذه الآية التي يحذر فيها الله – جل جلاله – المؤمنين من الخيانة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 28]، فإذا وقع حُبُّ المال في قلب الفرد، صار يسلك كل السبل ويستخدم ما يتوفر من الوسائل لاكتسابه، ولعله أشرك أو كفر أو أنه اقترف الحرام في أقل الأحوال في سبيل ذلك، وبذلك يخون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأمر يسـري على الأولاد، فالآباء يتعلقون بالأبناء ويكونون حريصين على توفير سبل الحياة الكريمة والرغيدة لهم، ولذلك قد يضطرون أنْ ينتهجوا ما ذكرنا في كسب الأموال فيَقعوا في نفس المُشكل. وقال الفيروز آبادي عن ورود هذه الصفة في القرآن : (قد وردت في القرآن على خمسة أَوجه : الأَوّل : في الدِّين والدِّيانة ” وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ ” [الأنفال: 27] . الثاني : في المال والنِّعمة ” وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا ” [النساء: 105] الثالث : في الشرع والسنَّة ” وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ ” [الأنفال: 71] أي : إِن تركوا الأَمانة في السُّنَّة فقد تركوها في الفريضة . الرّابع : الخيانة بمعنى الزِّنى ” وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ” [يوسف: 52] أي : الزَّانين . الخامس : بمعنى نَقْض العهد والبيعة ” وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً ” [الأنفال: 58] أي : نقض عهد) [بصائر ذوى التمييز] . ولقد وردت الآيات التي تحذر من الخيانة بعدة سياقات، فمنها قوله تعالى : ” إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ” [الحج: 38] . قال ابن كثير : وقوله : ” إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ” أي : لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها) ،وقال سبحانه : ” وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ” [الأنفال: 58] (يقول تعالى ذكره : وإما تخافنَّ يا محمد من عدوٍّ لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده، وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر ” فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء “يقول : فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنَّك قد فسخت العهد بينك وبينهم؛ بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ” الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد) [جامع البيان ،للطبري] . أما في السنة النبوية فقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيانة والخائنين في أحاديث متعددة ومنها : ففي صحيح البخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ » . قال ابن عثيمين في قوله : ((إذا اؤتمن خان)) : (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه) [شرح رياض الصالحين] . وفي البخاري (عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ – رضى الله عنهما – قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » . قَالَ عِمْرَانُ لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَشْهَدُونَ ، وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يَفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ » قال النووي في معنى الجمع في قوله : يخونون ولا يؤتمنون : (أنهم يخونون خيانة ظاهرة؛ بحيث لا يبقى معها أمانة، بخلاف من خان بمقيد مرة واحدة، فإنه ويصدق عليه أنه خان الأمانة في بعض المواطن) [شرح النووي على مسلم] . ومن آثار الخيانة : أنها داء وبيل إذا استشرى بالإنسان جرده من إنسانيته، وجعله وحشًا يهيم وراء ملذاته . وأنها من علامات النفاق .وهي طريق موصل إلى العار في الدنيا، والنار في الآخرة . وهي أسوأ ما يبطن الإنسان . و انتشار الخيانة في المجتمع من علامات اضمحلاله .و تسخط الله عزَّ وجلَّ على العبد .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللخيانة في حياة الناس صور كثيرة ومتعددة ، ومنها : – خيانة الله ورسوله : قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ” [الأنفال: 28] .قال ابن حجر الهيتمي : (وقوله عزَّ وجلَّ : ” وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ ” عطف على النهي، أي : ولا تخونوا أماناتكم . قال ابن عباس : الأمانات : الأعمال التي ائتمن الله تعالى عليها العباد [رواه الطبري في تفسيره] أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما .وأما خيانة الأمانات فكل أحد مؤتمن على ما كلفه الله به، فهو سبحانه مُوقفه بين يديه، ليس بينه وبينه ترجمان، وسائله عن ذلك هل حفظ أمانة الله فيه أو ضيعها؟ فليستعد الإنسان بماذا يجيب الله تعالى به إذا سأله عن ذلك، فإنه لا مساغ للجحد ولا للإنكار في ذلك اليوم، وليتأمل قوله تعالى : ” وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ “ [يوسف: 52] أي : لا يرشد كيد من خان أمانته، بل يحرمه هدايته في الدنيا، ويفضحه على رءوس الأشهاد في العقبى، فالخيانة قبيحة في كلِّ شيء) . ومن صور الخيانة : خيانة النفس : وهي أن يفعل المرء من الذنوب ما لا يطلع عليه إلا الله، ويخون به أمر الله تعالى بألا يفعل، مثلما وقع من بعض المسلمين من الرفث إلى النساء ليلة الصيام، فعن ابن عباس قال : كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : ” عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ” [البقرة: 187] ،وقوله تعالى : ” تختانون ” من الاختيان، وهو أبلغ من الخيانة كالاكتساب من الكسب – ومن صور الخيانة : خيانة الناس وهي أنواع : – الخيانة في الأموال : وتتمثل في أكل المال الذي يؤتمن عليه الإنسان، ومن ذلك مال الوديعة، قال ابن عثيمين في قوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا اؤتمن خان)) قال : (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه، فمثلًا إذا أعطي وديعة، وقيل له: خذها احفظها، دراهم أو ساعة أو قلم أو متاع أو غير ذلك، يكون فيها يستعملها لنفسه، أو يتركها فلا يحفظها في مكانها، أو يُظْفِرُ بها من يتسلَّط عليه ويأخذها، المهم أنه لا يؤدي الأمانة فيها)) – ومن صور خيانة الناس : إفشاء السر : وقد تكون خيانة الناس بإفشاء السر الذي يُؤتمن عليه الإنسان، إلا إذا كان في ذلك الإفشاء مصلحة أقوى، مثل: إظهار الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة أهل العدل، وصيانة مصلحة الأمة . ولكن أكثر ما تكون الخيانة في إفشاء الأسرار الخاصة التي لا تهمُّ غير صاحبها، مثل عورات البيوت، وأسرار العائلات، والأزواج.. فليتقِ الله من يطَّلع على شيء من ذلك إذا ائتمنه عليه أصحاب الشأن؛ لاستشارة أو لقيام بينهم بصلح . كما يكون ذلك الإفشاء وخيانة الأمانة ممن يطلعون بحكم علمهم على أسرار الناس، كالأطباء والممرضات فهؤلاء يعلمون من أسرار المرضى ما لا ينبغي أن يُذاع، وكذلك من يقومون بغسل الموتى، وتكفينهم، ودفنهم، فقد وجب عليهم ألا يخونوا أماناتهم، وأن يحفظوا ما علموا سرًّا ، (وقال الحسن : إنَّ مِن الخيانة أن تحدث بسرِّ أخيك ) . ويُروى أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه : يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال : فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال : فقلت : يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه ، فقال : لا والله يا بني، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ، قال: فأتيت معاوية فأخبرته، فقال : يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ) [رواه ابن أبى الدنيا في الصمت] .– ومن صور الخيانة بين الناس : الخيانة في النصيحة كمن يزكِّي فاسقًا، أو يخفي مالًا مسروقًا، أو يؤوي مجرمًا، أو يعين قاطع طريق. أو من ينصح غيره بما يؤذيه في الدنيا أو الآخرة من الإفساد وقطيعة الرحم – ومن صور الخيانة بين الناس : الخيانة الزوجية : وهي من أبشع صور الخيانة : فخيانة الزوجة لزوجها في ماله وعرضه، بالسرقة والزنا، وخيانة الرجل لزوجته بالسرقة والزنا كذلك.. ومنها : خيانة المجاهد في زوجه ، فقد روى مسلم في صحيحه: (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ في أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلاَّ وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ فَمَا ظَنُّكُمْ ». ومن صور الخيانة بين الناس : خيانة الراعي للرعية ، والحاكم للمحكومين والقاضي للمتخاصمين ، ففي صحيح مسلم : أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». والخيانة من صفات اليهود : فقد وصف الله اليهود إلا قليلًا منهم بأنهم أهل خيانة، فقال تعالى لرسوله : ” وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ” [المائدة: 13] . فهذه الآية تدلُّ على أنَّ الخيانة من الصفات التي تبرز في اليهود بين حين وآخر، فالخيانة شأنهم وديدنهم، وطريقتهم في معاملة الناس . فمن خيانتهم محاولتهم اغتيال الرسول، وقد كان بينه وبينهم عهد أمان . ومن خيانتهم تواطؤهم مع الأحزاب، وقد كان بينهم وبين الرسول عهد وأمان) .
الدعاء