خطبة عن ( لو عرفت الله لأحببته)
نوفمبر 12, 2016خطبة عن ( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)
نوفمبر 14, 2016الخطبة الأولى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الفاتحة: 5 ،وروى الترمذي بسند صحيح : (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { كُنْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَالَ : يَا غُلَامُ ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْك ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك ،
وَإِذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ }
إخوة الإسلام
إن افتقار العبد إلى عبادة ربه وحاجته إليه لا يعدلها حاجة، ونعيمه بها لا يعدلها نعيم، ولما كان الإنسان لا يستطيع جلب ما ينفعه ودفع ما يضره إلا بالاستعانة بالله سبحانه والتوكل عليه، ولما كانت العبادة هي أم المنافع وغايتها، جاء الإرشاد منه سبحانه إلى ضرورة الاستعانة به عز وجل، والتوكل عليه في تحقيق الغاية العظيمة والثبات عليها. ومن أجمع الأدعية وأنفعها في هذا المقام: ما ورد في سورة الفاتحة في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة، الآية: 5]، حيث فرض الله سبحانه علينا أن نناجيه وندعوه بها في كل صلاة. وقد أفاد هذا التقديم ( تقديم المفعول على الفاعل ) تخصيصَ وحَصْر العبادة لله وحده دون سواه، فلا يعبد بحق ويستحق العبادة إلا الله وحده، ولا يستعان، وليس أهلاً للاستعانة إلا الله تعالى وحده. والمعنى: نخصك بالعبادة، ونخصك بالاستعانة، فلا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك؛ إذ لا تصح العبادة إلا لله، ولا يجوز الاستعانة إلا به. فالأول: أنّه عبدٌ للهِ لا يعبُدُ أحداً سواه, ولا يتوجَّه برغبتِه ورهبتِه ومحبتِه ورجائِه وصلاتِه ونُسُكِه وجميعِ عباداتِه إلا للهِ وحدَه, لا يَشرِكُ به شيئاً. والثاني: أنّه لا يَستعينُ على قضاءِ حوائجِه، وكَشْفِ كُرَبِه وتفريجِ همومِه، وإجابةِ دعائِه وتحقيقِ آمالِه ورفعِ آلامِه، إلا بالله, فهو القادرُ وحدَه على كلِّ شيء، وهو المستعان على كلِّ شأن, وهو بهذا يَعترِفُ لربِّه بالقوَّةِ المطلقة والقدرةِ التامة، والعلمِ الكاملِ والرحمةِ الواسعةِ والربوبيةِ الشاملة, والفضلِ والمُلْكِ والإنعام، جَل جَلالُه وتَقدَّستْ أسماؤه. ومن الملاحظ أنه قد قرنت العبادة بالاستعانة ليدل على أن العبد لا يستطيع أن يقوم بأي عبادة إلا بإعانة الله وتوفيقه، فهو إقرار بالعجز عن حمل هذه العبادة. فالاستعانة بالله علاج لغرور العبد وكبريائه، و”يجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم، وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته” ،وفي هذه الآية رغم قصرها أسرار غريبة، ومعاني عجيبة حتى إن ابن القيم – رحمه الله – قال: “وسر الخلق والأمر، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب؛ انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن، وجمع معاني القرآن في المفصل، وجمع معاني المفصل في الفاتحة، ومعاني الفاتحة في {إياك نعبد وإياك نستعين}، وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين، فنصفهما له – تعالى – وهو {إياك نعبد}، ونصفهما لعبده وهو {إياك نستعين}” ، وقال أيضاً “التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة، ومنزلته: أوسع المنازل وأجمعها” والتعبير بالعبادة والاستعانة بلفظ الجمع لا الإفراد ( نعبد ، نستعين ) إشارة إلى أهمية الجماعة في الإسلام، والمراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم، ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه ، فكأن العبد إذا قال : ( إياك أعبد ) لكان ذلك تكبراً منه ، ومعناه أني أنا العابد ،أما لما قال ( إياك نعبد) كان معناه أني واحد من عبيدك، فالأول تكبر، والثاني تواضع، ومن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله . ويقول ابن القيم رحمه الله: “وتقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل؛ إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها. ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} متعلق بألوهيته واسمه الله، {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} متعلق بربوبيته، واسمه الرب، فقدم إياك نعبد على إياك نستعين، كما قدم اسم الله على الرب في أول السورة. ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} قسم الرب، فكان من الشطر الأول الذي هو ثناء على الله تعالى، لكونه أولى به {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قسم العبد فكان من الشطر الذي له وهو {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} إلى آخر السورة.
أيها المسلمون
وقبل أن نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم علينا أن نتبرأ من أمرين:- الامر الاول: أن نتبرأ من الشرك بجميع صوره وهذه تتحقق من “ايّاك نعبد“، فالأصل بالعبادة المنع حتى يأذن الشرع والأصل فيها التوقيف ولا يكون ذلك بالعقل ولا بالمألوف ولا بالعادة ولا بالتقاليد انُما يكون ذلك بإذن الله قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (40) يوسف ، وتشريع العبادة لا تكون الاّ لله ، قال تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) الشورى 21 ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ )
وقال تعالى في محكم كتابه: “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) “ الغاشية ، والمعنى: وجوه خاشعة واركان متعبة من العمل ، والمآل النار الحامية؛ لماذا؟ لأنها عبدت ربها بالتقاليد وبالعقول وبغير سنة رسول الله وهديه ، وقد ذكر الله مقام العبودية لأشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) (1) الكهف ، وفي مقام التحدي، قال تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (23) البقرة ،الامر الثاني: الذي تتبرأ منه ، من خلال فهمنا لقوله تعالى: “ايّاك نستعين“ هو التبرؤ من قوتك وحولك وطولك وأن تستعين بالله على عبادته؛ وفي سنن ابي داود وغيره (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ:« يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ». وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم « يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ». فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ » رواه مسلم . ويقول المُفسّرون ذكر الملائكة التي تحمل العرش هو: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها المسلمون
بم نعبد الله ؟؟ وكيف نستعين به ؟ أولا : ما هي العبادة ؟ العبادة : هي كمال الحب مع كمال الذل، ولا تتحقق العبودية إلا بالاثنين معاً ،فقد يحب المرء ابنه ولكن لا يذل له، وقد يذل المرء من الحاكم ولكن لا يحبه، فلا ينبغي أن يجتمع كمال الحب وكمال الذل إلا لله رب العالمين ،والنفوس مجبولة على العبودية فمن لم يعبدها لله عبدها لغير الله،
ألم ترى أن من البشر من عبدوا الجن والشجر والحجر والبقر، ومنهم من كان عبداً لشهواته ومنهم من كان عبداً لأمواله وعماراته وسياراته، ومنهم من كان عبداً لمناصبه ووجهاته، فاحمد الله أخي الحبيب أن اجتباك ربك ووفقك للعبودية الحقة لجلاله، ويترتب على عبودية القلب لله عبودية البصر فلا ينظر إلى ما حرم الله، وعبودية الرجل فلا تمشي إلى ما حرم الله، وعبودية الأذن فلا تسمع ما حرم الله وهكذا إذا عُبِّد القلب عُبِّدت الجوارح ،وبم نعبد الله ؟ والاجابة : إياك نعبد بالحب والرجاء والخوف“إيّاك نعبد وإيّاك نستعين“، فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، كالنطق بالشهادتين والصلاة والصيام والحج والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومساعدة المحتاج وغيرها عبادة ظاهرة، أما العبادة الباطنة من الرغبة والرهبة والحب والخوف والرجاء والخشوع والذل، فالعبادة القلبية اوسع في الشرع من العبادة البدينة؛ لذا يثاب العبد على فعل قلبه ما لا يُثاب على فعل بدنه وكانت مقامات العلماء والأولياء ليست بكثرة العبادات البدنية بل وقَر في قلوبهم من خير ،كما كان يقول ابو بكر بن عيّاش ما سبقكم ابو بكر بكثرة صلاة وصيام ولكن سبقكم بما وُقر في قلبه، فكل الخلق حتى الأنبياء علاقتهم مع ربهم علاقة عبودية يعبدون الله وحده بمحبة وخوف ورجاء . وزعم قوم انهم يحبون الله فابتلاهم الله بمقياس ومعيار المحبة الحقيقية لله قال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (32) آل عمران فمدار العبادة إنما يكون في المحبة المنوطة بالاتباع والخوف والرجاء الذي يتولد عنهما الإخلاص، فلا تُقبل العبادة عند الله إلا ان يُخلص فيها العبد لله، قال تعالى (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) (66) الزمر ،فالشرك الخفيّ وهو الرياء أخفى من دبيب النّملة السوداء على الصخرة الصّماء في الليلة الظّلماء يقول الامام الشافعي رحمه الله: لا يخاف من الرياء الاّ المخلص، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو من أجل أن يعلمنا: “اللّهم اني أعوذ من أن أُشرك بك شيئا أعلمه واستغفرك لشيء لا أعلمه“ الادب المفرد . فلا تُقبل العبادة إلا بشرطين:- الشرط الأول: ألاّ يُريد القلب بعبادته إلا ربه ( الاخلاص ) حتى لو تخلل بعض المنافع خلال العبادة فهي ثمرة خيّرة للعبادة مثل الحاج الذي يذهب للحج فيشهد منافع له فلا حرج في هذا .
الشرط الثاني : ان تكون على هدي النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ». وحين تقول: “اياك نعبد“ تأمّل كم يحب المؤمن إخوانه وكم يواليهم في كل ركعة ، وأنت تدعو لسائر إخوانك على وجه الأرض، ولا تقول (إياك أعبد ) على صيغة الإفراد .
والعبادة نوع من شكر الخالق سبحانه على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى .قال تعالى : “بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ” [الزمر: 66] ،فقرن سبحانه العبادة بالشكر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتفطر قدماه، ولما سئل عن السبب، مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال : «أفلا أكون عبدًا شكورًا» (البخاري ومسلم) . والعبادة مطلوبة من العبد حتى يوافيه الأجل “وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ” [الحجر: 99] واليقين هو الموت، والعبادة أعلى مراتب الدين، وأرقى درجات الطاعة حين تكون على أكمل وجه وأحسن صورة، جاء في الحديث عن معنى الإحسان : «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (البخاري ومسلم) ،والناس بالنسبة للعبادة والاستعانة أربعة أصناف:- الصنف الأول: هو الذي يعبده ويستعين به. الصنف الثاني: الذي يعبده ولا يستعين به. الصنف الثالث: الذي يستعين به ولا يعبده. الصنف الرابع: الذي لا يعبده ولا يستعين به .
أيها المسلمون
وقوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } .كلمتان بسيطتان لكنهما والله عظيمتان وهما جماع الدين فما خلق الله الخلق إلا لغاية واحدة بينها لهم في كتابه جل شأنه بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات:56).
فما من إنسي ولا جني ولا ملك مقرب خُلق منذ بدأ الله الخلق حتى يرث الأرض ومن عليها إلا لهدف واحد وغاية واحدة ألا وهي عبادة الله، وما من نبي إلا ودعا قومه ل{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }؛ أثبت ذلك ربنا في كتابه بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل:36). ولا يستنكف ويستكبر عن عبادة ربه إلا جاهل غبي محروم وفي الآخرة شقي معذب في نار تدوم ، قال تعالى :{ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا(172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينً }(النساء:174).
فالعبودية لله هي أشرف المقامات وصف الله بها خير خلقه في مقام الإسراء والمعراج فقال:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ.. } (الإسراء:1). ووصفه بها حال الوحي فقال:{ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } (النجم:10). ووصف العظيم بها عباده الذين اصطفاهم وعصمهم من الشيطان فقال:
{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلً }(الإسراء:65). ومما زادني فخراً وتَيْهاً ..وكدت بأصبعي أطأ الثريا. دخولي تحت قولك ياعبادي ..وأن صيَّرت أحمد لي نبياً. فإلى من يبحثون عن الوجاهات والدرجات نقول لهم هنا والله الرفعة هنا العزة هنا المنعة هنا المتعة في العبودية لله الواحد الأحد: قال تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ(105)إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } (الأنبياء:106). وقال تعالى : { يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } (الزخرف:70). ويوم أن عرفت العبودية طريقها لقلب بلال وهو عبد حبشي ما استطاع صناديد قريش أن يغيروه عنها؛ وبلغ من العزة أن اعتلى بقدمه السوداء أطهر مكان على وجه الأرض الكعبة ليعلن عبوديته لله ليعلن ثمرة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وصناديد قريش مطأطئين رؤسهم تحت قدميه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والعبادة نوعان : (أ) عبودية عامة لأهل السموات والأرض جميعًا : وهي عبودية لا خيار للعبد في تركها، كما قال تعالى : “إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا” [مريم: 93] . فجميع الكائنات تسبح بحمد الله : “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” [الإسراء: 44] . وجميع الكائنات تسجد وتصلي لله تعالى : “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ” [الحج: 18] . وهذه العبادة تقع من جميع الخلائق دون تسويف ولا عصيان ولا مخالفة، عدا الإنس والجن، فبعضهم يؤمن وبعضهم يكفر وهذه العبادة هي مقتضى أداء الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وعدم حمل الكائنات للأمانة، معناه أداؤها فورًا دون تأخير ولا تأجيل، كما هو شأن الإنسان الذي قبل ذلك . (ب) وعبودية خاصة بالإنسان : وهي عبادة المطيعين لربهم، المحبين له عن طواعية واختيار، وهو مقتضى حمل الأمانة والقيام بها، ولأن من الناس من يعصي الله ويخالف الغرض الذي خلق من أجله، فقد استثنى الله سبحانه من جميع الكائنات (الإنسان) وفي حكمه (الجن) فقال سبحانه : “وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ” أي : لا يسجد ولا يطيع ثم قال : “وَكَثِيرٌ” أي من الناس “حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ”، أما سائر الكائنات فإنها تطيع بلا استثناء “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ” [النور: 41] . واعلموا أن الناس مع أفضل أحوال العبادة أربعة أصناف؛ الصنف الأول: يرى أن أنفع العبادات وأفضلها هو أشقها على النفوس وأصعبها؛ فقالوا الأجر على قدر المشقة، وأن النفوس لا تستقيم إلا بذلك، والصنف الثاني :رأى أن أفضل العبادات التجرد والزهد في الدنيا والتقلل منها، الصنف الثالث :رأوا أن أفضل العبادات ما كان فيه نفع متعد، فرأوا خدمة الفقراء والاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم أفضل فتصدوا لها، الصنف الرابع وهو أرشدهم ؛فقالوا :إن أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات عند حضور الضيف إكرامه، والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن ،والأفضل في أوقات استرشاد الطالب وتعليم الجاهل الإقبال عليه والاشتغال بتعليمه، والأفضل وقت الأذان ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن، والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه، والأفضل وقت قراءة القرآن جمع القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك..
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، تقديمَ العبادةِ في الآيةِ على الاستعانةِ ، وهذا وافَقَ قِسمَةَ السورةِ المذكورَ في الحديثِ القدسي: (قَسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين) ،فالنصفُ الأولُ لله، والنصفُ الثاني للعبد, فالدِّينَ مُنقسمٌ إلى قسمين, عبادةٌ واستعانة, ولا يَكمُلُ دينُ امرئٍ حتى يقوم بهما على أكمل الوجوه. فالصلاةُ عبادةٌ واستعانة, وسؤالُ اللهِ ودعاؤه عبادةٌ واستعانة, وأفضلُ الخَلْق مَن كَمَّلَهما وقام بهما على أكملِ وجهٍ وأحسنِ حال, وشَرُّ الخَلْق مَن تَرَكَ عبادةَ اللهِ، وتَرَكَ الاستعانةَ به على قضاءِ الحوائجِ، وكَشفِ الكُرَبِ، وتَيسيرِ الأمورِ، وشرحِ الصدور. فمَن قَامَ بالعبوديةِ وقَصَّرَ في الاستعانة، وهذا يحصُلُ لبعضِ الصالحين, فهو يُؤدِّي المأمورات ويترك المنهيات، ويَفعلُ ذلك بانتِظام، لكنه مُقلٌّ من الاستعانةِ باللهِ على قضاءِ حاجتِه وعبادةِ ربه, وقد حُرِم بذلك حَظَّاً عظيماً مِن الافتقارِ إلى اللهِ، واللجأِ إليه، والانطراحِ بين يديه، وعَرْضِ حاجتِه على مَن يفرحُ بقضائِها، ويَبتَلي عبادَه بأنواعِ البلاءِ ليُقبِلوا بها على ربهم، مُتضَرِّعةً قلوبُهم، وَجِلةً أفئدتُهم, فتَسكُن بمناجاةِ السميعِ العليمِ الرحيم, تَلِذُّ بدعائِه، وتَأنَسُ بِعَرْضِ حاجتِها عليه. وهذا الصنفُ يقعُ منه التقصيرُ في الاستعانةِ جَهلاً بمقامِ الاستعانة, الذي لا يَكمُلُ إيمانُ عبدٍ إلا به, وغفلةً عن الاقتداءِ بالأنبياءِ الذين يحرِصون على الاستعانة بربهم، والالتجاء إليه، ويَعرِضون حوائجَهم على ربهم في كل شؤون حياتهم، لا يُقصِّرون في ذلك,وتأمَّلْ حالَ كليمِ الرحمنِ، عندما قَتَلَ القِبطيَّ، وجاء الرجُلُ مِن أقصى المدينةِ يحذِّرُه, قال الله: { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) القصص: ٢١ ، ٢٢ ثم لمّا وَرَدَ ماء مدينَ، وسَقَى للفتاتينِ بلا أَجْرٍ: { فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } القصص: ٢٤. وهذا سيِّدُ ولدِ آدم – صلى الله عليه وسلم- عندما التقى الجمعانِ في بدرٍ، رَفَعَ كَفَّيهِ إلى السماءِ يَسألُ ربَّه ويناجيه، ويدعوه دعاءَ المُفتقِرِ إلى الفَرَجِ مِن ربِّه الكريم، ويُناشِدُه كما في صحيح مسلم قائلاً : « اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ». فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ) الانفال 9 ، فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ )
وثاني الصنفين: مَن يَستَعِينُ باللهِ في أمورِه، وتحصيلِ حاجتِه ولو كانت محرمة، لكنّه مُقصِّرٌ في العبادة، أو تاركٌ لها بالكُلِّية, وهذا موجودٌ في بعضِ العُصاةِ المنحرفين, وعُتاةِ المجرمين، فتَجِدُهم يدعون الله كثيراً لقضاءِ حوائجِهم -حلالاً كانت أم حراماً-، لكنّهم لا يَرعَون أمْرَ اللهِ ولا نهيَه، ولا يُطيعُون اللهَ ولا رسولَه صلى الله عليه وسلم في قليلٍ أو كثير.
وبهذا يُعلَم أنّه يَنبغي للعاقلِ أنْ يَتَفَقَّدَ هذين الأمرين العظيمين؛ في أعمالِهِ وسائرِ أحوالِه, فإذا عَزَمَ على الصيامِ استعانَ باللهِ على صِدقِ النيةِ وصِحّةِ العمل, والإقبالِ بقلبِه على الله, ثم سَألَ ربَّه القبول, وإذا أرادَ أنْ يُصليَ سَألَ اللهَ الإعانةَ على إقامتِها، والخشوع فيها، وإِخلاص النيةِ وسلامتها من الوساوس والخطرات، وأَكْثَرَ مِن الدعاءِ النبوي : “اللهم أعِنِّي على ذكرِك وشُكرِك وحسنِ عبادتِك” .ومِن عجائبِ هذه الآية، أنّ العبدَ يَتوسَّلُ بها بين يدي الدعاءِ الأعظمِ في السورةِ: {اهدنا الصراط المستقيم} الفاتحة: ٦، فيَعْتَرِفُ أنّه عبدٌ ذليلٌ مُفتقِرٌ مُحتاجٌ طالِبٌ للعون, وهذه مِن أَعظمِ وسائلِ إجابةِ الدعاء, فيُقالُ له ما أَهمُّ شيءٍ تريدُ أنْ يُعينَكَ اللهُ عليه فيقول: اهدِنا الصراط المستقيم. وحَرِيٌّ بمن حَمِدَ اللهَ وأثنى عليه ومجَّدَه، ثم اعترَفَ بِعُبوديتِهِ بربِّهِ أن يُجابَ دعاؤه وتُحَقَّقَ طلباتُه. والحاصلُ أن هذه الآيةَ عظيمةُ القَدْرِ، جليلةُ المكانة، جديرةٌ بالتأمّل والتدبُّر، فيها أضعافُ ما ذكرنا من الوقفات، والتوجيهاتِ والحقائقِ العاليات، رَزَقَنا اللهُ القيام بها، وأداءَ حقِّها، وحُسْنَ التفكُّرِ فيها.
الدعاء