خطبة عن ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)
أكتوبر 8, 2016خطبة عن ( وقفات على باب الكريم)
أكتوبر 8, 2016الخطبة الأولى ( احذروا الغلول (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته أصدق القائلين : ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (161) آل عمران ،وروى البخاري بسنده : ( أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْلَّتَبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ثُمَّ خَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ )
إخوة الإسلام
إذا صلح الزمان صلحت الذمم والأخلاق، وإذا فسد الزمان فسدت الذمم والأخلاق، حتى ترفع الأمانة، وتكثر الخيانة، وتنتشر الأخلاق الرديئة من الكذب والزور والرشوة والظلم، ويعم الفساد جميع مناحي الحياة، وإنما يصلح الزمان والحال أو يفسدان بصلاح الناس أو فسادهم، ويبلغ الفساد بالناس حدًا يعجز معه أكثرهم عن أداء الواجبات ولو كان أداؤها يسيرًا، ولا ينتهون عن المحرَّمات بل والموبقات، ولو كان البديل حلالًا؛ وما ذاك إلا لضعف النفوس، وتسلُّط الشياطين، وغلبة الشهوات. ومن أكثر ما تساهل الناس فيه في هذا العصر مع أنه من كبائر الذنوب: “غلول العمال”، وهو أن يأخذ الإنسان من الأموال العامة ما ليس له، أو يُسخِّر أدوات وظيفته أو نفوذه لنفع نفسه وقرابته، لا لخدمة الناس وهو ما أجلس على كرسيه إلا لأجلهم، وهذا من الظلم العظيم، الذي يجرّ المجتمع إلى فساد عريض، وصاحبه متوعد بالعقوبة الشديدة في الكتاب والسنة.
أيها المسلمون
فما هو الغلول ؟ وما هي صوره في حياتنا ؟ الغلول هو : الخيانة الخفية في كل شيء ,, وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة وفي مال الفيء . وهو حرام ،وقد روى النسائي بسنده عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ ) ،وللغلول صور وأشكال متعددة في حياتنا ، ومنها :
1- هدايا يتلقاه الموظفون في عملهم : فقد روى أحمد بسنده : (عَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ ) ، وقد قال أحد السلف: …والظاهر أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي من الرشوة , لأن المهدي إذا لم يكن معتادا للإهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض , وهو إما التَقَوِي به على باطله , أو التوصل لهديته له إلى حقه والكل حرام . 2 – كتمان شيء حصل عليه في عمل لم يكن يتوقع الحصول عليه ممن كلفه : وقد روى النسائي بسنده عَنْ عَدِيُّ بْنُ عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عُمِّلَ مِنْكُمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلٌّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَسْوَدُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ(أي خوفا على نفسه من الهلاك قال: أقلني منه) قَالَ وَمَا ذَاكَ ،قَالَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَأْتِ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى ) رواه مسلم ، فالمعنى أن من كتم من عمله بقدر المخيط فقد خان . 3 – التصرف في المال العام لغير الصالح العام و لو في الصدقة :ِ فقد روى البخاري أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ ) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ) ، 4 – الاقتطاع من أرض الغير خفية : وهذا من أعظم الغلول للحديث الذي رواه أحمد بسنده عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ 🙁 أَعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذِرَاعٌ مِنْ الْأَرْضِ تَجِدُونَ الرَّجُلَيْنِ جَارَيْنِ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الدَّارِ فَيَقْتَطِعُ أَحَدُهُمَا مِنْ حَظِّ صَاحِبِهِ ذِرَاعًا فَإِذَا اقْتَطَعَهُ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَرَّتَيْنِ )
أيها المسلمون
هذا هو الغلول ، وهذا حكمه في الدين : وتلك بعض صوره في حياتنا فما هي عواقب الغلول في الدنيا و الأخرة ؟ :
فقد كان النبي “صلى الله عليه وسلم” ينهى عنه و يعظمه و ينصح بالابتعاد عنه و عن مقترفيه ، فمن عواقب الغلول وعقوبته في الدنيا والآخرة : – فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصلي على مرتكبه و إن مات في الحرب فقد روى النسائي بسنده أن رَجُلاٌ مَاتَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ إِنَّهُ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا فِيهِ خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ). وروى الترمذي بسنده عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قال بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَلَمَّا سِرْتُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرُدِدْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِي فَإِنَّهُ غُلُولٌ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَذَا دَعَوْتُكَ فَامْضِ لِعَمَلِكَ ) ،وعن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنْ الْقَبَائِلِ قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ جَزْعٍ (قلادة من حجر)غُلُولًا فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ ) ،فقد أراد صلى الله عليه وسلم أن تعمهم بركة دعائه صلى الله عليه وسلم على وجه التخصيص لكل قبيلة وتركه صلى الله عليه وسلم قبيلة من تلك القبائل لم يأتهم ولا دعا لهم تنبيها على ما وجد منهم .
وقيل لعله صلى الله عليه وسلم قد أشار بتكبيره عليهم أربعا كما يكبر على الميت إلى أن حكمهم حكم الموتى الذين لا يسمعون الوعظ ولا يمتثلون الأوامر ولا يجتنبون النواهي وقد قال الله تعالى (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) (80) النمل ،ولعل من عواقب الغلول أيضا أنه:- سبب في محق بركة المال : فعن أبي سعيد الخدري قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فَمَنْ يَأْخُذْ مَالاً بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَمَنْ يَأْخُذْ مَالاً بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ » رواه مسلم . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قال« إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ النَّارُ » رواه الترمذي . – ومن عواقب الغلول : لا تقبل الصدقة به : وقد أفرد البخاري في صحيحه بابا سماه بَاب لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لأن الغال في دفعه المال إلى الفقير غاصب متصرف في ملك الغير فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ” – والغلول أحد أسباب انتفاء الأيمان : فقد روى الترمذي بسنده عن أَبُي هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ….. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) وفي رواية أخرى زَادَ : ( وَلَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ ) – والغلول إحدى علامات النفاق : وقد روى أحمد بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(إِنَّ لِلْمُنَافِقِينَ عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا تَحِيَّتُهُمْ لَعْنَةٌ وَطَعَامُهُمْ نُهْبَةٌ وَغَنِيمَتُهُمْ غُلُولٌ وَلَا يَقْرَبُونَ الْمَسَاجِدَ إِلَّا هَجْرًا وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا دَبْرًا مُسْتَكْبِرِينَ لَا يَأْلَفُونَ وَلَا يُؤْلَفُونَ خُشُبٌ بِاللَّيْلِ صُخُبٌ بِالنَّهَارِ ) – ومن عواقب الغول : الفضيحة يوم القيامة بين الأشهاد: وقد صرح القرآن والسنة بأن الغال يأتي يوم القيامة والشيء الذي غله معه . قال الحق عز وجل (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ويفسر هذه الآية أحد أحاديث رسول الله “صلى الله عليه وسلم “: كما في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ « لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ ». وقال الفقهاء العقوبة هنا فضيحة الحامل على رءوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة – والغلول أحد الأسباب التي تمنع دخول الجنة : فعن ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه الترمذي ،ويفهم من الحديث أن من مات وهو ليس بريئا من هذه الثلاث لا يدخل الجنة .
7 – ومن عواقب الغلول : العذاب بالنار: فعن أبي حيان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ فِي النَّارِ) فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا ) رواه البخاري ، وروى النسائي بسنده عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ أنه كَانَ و رَسُولُ اللَّهِ مَارَين بِالْبَقِيعِ فَقَالَ “صلى الله عليه وسلم ” أُفٍّ لَكَ أُفٍّ لَكَ فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي ذَرْعِي (فعظم وقعه علي) فَاسْتَأْخَرْتُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُنِي فَقَالَ مَا لَكَ امْشِ فَقُلْتُ أَحْدَثْتَ حَدَثًا قَالَ مَا ذَاكَ قُلْتُ أَفَّفْتَ بِي قَالَ لَا وَلَكِنْ هَذَا فُلَانٌ بَعَثْتُهُ سَاعِيًا عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَغَلَّ نَمِرَةً فَدُرِّعَ (أي ألبس) الْآنَ مِثْلُهَا مِنْ نَارٍ ) ، والغلول يكون في كل شيء مهما كان صغيرا فقد روى النسائي بسنده أن رَجُلاٌ مَاتَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ إِنَّهُ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا فِيهِ خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ). ،روى النسائي بسنده عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ في حديث طويل أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الانتهاء من حرب هَوَازِنَ….َرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَرَكِبَ النَّاسُ فتبعه بعض الأعراب الحديث العهد بالإسلامَ و هم يقولون :اقْسِمْ عَلَيْنَا فَيْئَنَا فَأَلْجَئُوهُ إِلَى شَجَرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي فَوَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ لَكُمْ شَجَرَ تِهَامَةَ نَعَمًا قَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ ثُمَّ لَمْ تَلْقَوْنِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذُوبًا ثُمَّ أَتَى بَعِيرًا فَأَخَذَ مِنْ سَنَامِهِ وَبَرَةً( أي شعرة) بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ هَا إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنْ الْفَيْءِ شَيْءٌ وَلَا هَذِهِ إِلَّا خُمُسٌ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ بِكُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذْتُ هَذِهِ لِأُصْلِحَ بِهَا بَرْدَعَةَ بَعِيرٍ لِي فَقَالَ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ فَقَالَ أَو بَلَغَتْ هَذِهِ فَلَا أَرَبَ لِي(=فلا حاجة) فِيهَا فَنَبَذَهَا وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمَخِيطَ( الخياط= خيط والمخيط= الإبرة) فَإِنَّ الْغُلُولَ يَكُونُ عَلَى أَهْلِهِ عَارًا وَشَنَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ، ومعنى ذلك الأمر بأداء القليل التافه وإذا وجب رد القليل فأن رد الكثير الذي له القدر والقيمة أولى…فإذا وجب أداء الخيط والإبرة من الغنيمة فيجب أداء الثوب والعين أولى وأحرى
أيها المسلمون
فالغلول خطره جسيم وعذابه أليم وذلك مهما كان الشيء المغلول صغيرا ففي البخاري أن ( أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً ، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى وَادِى الْقُرَى ، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِى الضِّبَابِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ ، فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا » . فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ ، فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ » ،فيا أيها المسلم: لاتكن غولاً تأكل غلولاً .. طهر نفسك من خيانة الأمانة ومن الغلول ومن إهدار المال العام بأي شكل من الأشكال فإن الله سيحاسبك على كل صغيرة وكبيرة فلا تستهن بالمعصية مهما صغرت بل انظر إلى عظمة من تعصي.
أيها المسلمون
ورحم الله زماناً وأهله مضوا يوم أن كانوا يحاسبون النفس عن القليل والكثير. إنهم سلفنا الصالح : فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات يوم وقد جاء غلام له بتمر، فأكل منه تمرة، وكانت عادة الصديق ألا يأكل طعاماً من يد خادمه إلا بعد أن يسأله: من أين لك هذا؟، فأكل الصديق ذات مرة من ذلك الطعام قبل أن يسأله، فلما ابتلعها سأل خادمه وقال له: (من أين لك هذا التمر؟ فقال: تلك كهانة كنت تكهنت بها في الجاهلية لرجل فأعطاني عليها هذا، فأدخل الصديق رضوان الله عليه أصبعه في حلقه، فأخذ يستجرها ويخرجها” يتقيأ” حتى كاد يهلك من شدة ما جهد نفسه بذلك، حتى خرجت تلك التمرة، وخرج سائر ما في بطنه، فقال له الغلام: لقد شققت على نفسك، فقال: والله لو لم تخرج هذه التمرة إلا مع روحي لأخرجتُها) ، فأين المسلمون في هذا الزمان عن تلك الصورة الإيمانية الرائعة؟!
أين المسلمون في هذا الزمان الذي لا يبالي أحدهم أي مال وقع في يده, وأي لقمة وضعها في فمه، وأي متاع أدخله بيته؟! أيدري أنه حلال أو حرام؟! ،فيا عباد الله: راقبوا الله جل وعلا فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ »(رواه الترمذي) ،فتباً لدنيا حلالها حساب، وحرامها عذاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله! معاشر المؤمنين ،إننا نرى رأي العين في هذا الزمان بعض المسلمين يظنون أن من الذكاء، ومن الحنكة، ومن القدرة العقلية، أن يخدع دائرة ما، أو محكمة ما، أو جهة ما، لينال منها حكما أو أمرا يتقوى به على مال أخيه بالحرام، أو ليزور طريقة لكي ينهب ويسلب شيئاً من متاع أخيه بالحرام. ألا يظن أولئك أن الخصومات تُعاد يوم القيامة؟ ومن ظن أن الخصومة في الدنيا منجية منتهية فظنه خطأ، وعلمه جهل. وليتذكر وليعلم أن الخصومات ستُعاد يوم القيامة، وسيقف الناس بين يدي الله للقصاص حتى يقاد للشاة القرناء من الشاة الجلحاء. فما بالكم برجل خَصِيْمُه أمة محمد أجمع، من تناول سيارة أو متاعاً أو مالاً أو أرضاً بغير حق، فاقتطعها دون سائر الأمة أتظنون أن خصمه واحد؟! لا والله، بل نحن وكل أمة محمد خصيمه يوم القيامة، فلا حول ولا قوة إلا بالله! فانتبهوا لذلك يا عباد الله، ولا يَتَجَرَّأَنَّ أحدٌ على مال لم يتأكد أنه حلال له، ولا يتسلطن أحد على مال قل أو كثر، وإلا فليعلم أنه سيُحاسب حساباً شديداً، سيجده محمولاً على رقبته: (فمن غل شاة جيء به يوم القيامة تيعر وهي على كتفه، ومن غل بعيراً جاء يحمله يوم القيامة وله رُغاء يسمعه أهل الموقف على كتفه، ومن غل فرساً جاء يحملها يوم القيامة ولها حمحمة معلومة) ،ومن غل شيئاً قليلاً أو كثيراً إلا جُعل ناطقاً أمامه، حتى الذهب والفضة، من غل صامتاً، أي: ذهباً أو فضة جاء به يوم القيامة يحمله.
فاتقوا الله يا عباد الله، وخففوا الحمل في هذه الدنيا، لا تثقلوا كواهلكم بحقوق الناس وأعراضهم ودمائهم، فحسب ابن آدم أن يغدو بما اجترح من الذنوب والسيئات، عسى الله أن يتجاوز، وعسى الله أن يتدارك الجميع برحمته. – قالت عائشة رضي الله عنها: كان أبو بكر من أتجر قريش حتى دخل في الإمارة. فورعه منعه أن يحاول استغلال نفوذه ومنصبه كما يفعل البعض حاليا ، فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ذات يوم كان يمشي مع أصحابه إذا صبية في السوق يطرحها لوجهها من ضعفها فقال عمر: من يعرف هذه ؟ فقال له عبد الله بن عمر: أو ما تعرفها !؟ هذه إحدى بناتك ؟ قال : أي بناتي ؟ قال : ابنة عبد الله بن عمر . قال : فما بلغ بها ما أرى من الضيعة ؟! قال : إمساكك ما عندك . قال : إمساكي ما عندي عنها ، يمنعك أن تطلب لبناتك ما يطلب الأقوام ؟ والله مالك عندي إلا سهمك مع المسلمين ، وشبعك أو عجزك شيء ، وبينكم كتاب الله عز وجل . وهذا عمر بن عبد العزيز جاءه أحد الولاة وأخذ يحدثه عن أمور المسلمين وكان الوقت ليلاً وكانوا يستضيئون بشمعة بينهما ، فلما انتهى الوالي من الحديث عن أمور المسلمين وبدأ يسأل عمر عن أحواله قال له عمر : انتظر فأطفأ الشمعة وقال له : الآن اسأل ما بدا لك ، فتعجب الوالي وقال : يا أمير المؤمنين لما أطفأت الشمعة ؟ فقال عمر : كنت تسألني عن أحوال المسلمين وكنت أستضيء بنورهم ، وأما الآن فتسألني عن حالي فكيف أخبرك عنه على ضوء من مال المسلمين . وجاءوا له بزكاة المسك فوضع يده على أنفه حتى لا يشتم رائحته ورعاً عن المال العام فقالوا : يا أمير المؤمنين إنما هي رائحة ؟ فقال: وهل يستفاد منه إلا برائحته ،فما أحوجنا لجزء من مثل هذا الورع والخشية من الله..! والعفة في مطعمنا ومشربنا وكسبنا ،وقد روى البخاري بسنده عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ) ،وكان السلف الصالح يمتنعون عن تولي المهام التي فيها إغراء كبير : فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعِيًا ثُمَّ قَالَ انْطَلِقْ أَبَا مَسْعُودٍ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ وَعَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ قَالَ إِذًا لَا أَنْطَلِقُ(أي لا أنطلق إلى العمل )قَالَ إِذًا لَا أُكْرِهُكَ( لا أكرهك أي على العمل) فإن أضطر إلى ذلك لسبب من الأسباب أن يأكل بالمعروف: روى البخاري بسنده عَنْ عَمْرٍو قَالَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ عَلَى الْوَلِيِّ جُنَاحٌ أَنْ يَأْكُلَ وَيُؤْكِلَ صَدِيقًا لَهُ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ هُوَ يَلِي صَدَقَةَ عُمَرَ يُهْدِي لِنَاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذروا الغلول (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد تفشي الغلول في الناس لأنهم يرون أن المال العام كغنيمة و ليس إثقال للظهور بالأحمال يوم القيامة ، فنرى العمال والموظفين ومن في حكمهم يستولون على المال العام ، أو يستخدمونه في غير أغراض العمل ، فإن كثيراً من المسلمين يتهاونون بمصالح الأمة التي هي بين أيديهم، فتجد موظفاً تحت يده مصلحة، يستخدم أوراق دائرته في كتابة أولاده وأطفاله، وآخر يستخدم أوراقاً وأقلاماً لعمله لمصالحه الشخصية، وآخر يستخدم سيارة لا يؤذن له أن يتصرف فيها إلا في مهمات عمله، وإنجاز ما وُكل إليه، فتراه يجد هذه السيارة فرصة للذهاب والإياب، للسفر والتنقل، لكل متعة ونزهة برية، من الذي أحل لك هذا؟! ومن الذي جوَّز لك هذا؟! ومن أين لك هذا؟! لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل الولاة في زمنه، إذا جاء أحد ومعه مال وفير، قال له: (من أين لك هذا؟) وفي سنن البيهقي
(قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : اشْتَرَيْتُ إِبِلاً وَارْتَجَعْتُهَا إِلَى الْحِمَى فَلَمَّا سَمِنَتْ قَدِمْتُ بِهَا قَالَ : فَدَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ السُّوقَ فَرَأَى إِبِلاً سِمَانًا فَقَالَ : لِمَنْ هَذِهِ الإِبِلُ؟ قِيلَ : لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ فَجَعَلَ يَقُولُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَخٍ بَخٍ ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَجِئْتُهُ أَسْعَى فَقُلْتُ : مَا لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : مَا هَذِهِ الإِبِلُ؟ قَالَ قُلْتُ : إِبِلٌ أَنْضَاءٌ اشْتَرَيْتُهَا وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى الْحِمَى أَبْتَغِى مَا يَبْتَغِى الْمُسْلِمُونَ قَالَ فَقَالَ : ارْعُوا إِبِلَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ اسْقُوا إِبِلَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اغْدُ عَلَى رَأْسِ مَالِكَ وَاجْعَلْ بَاقِيَهُ فِى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. )
أيها المسلمون
إن الكثير منا قد تساهل بهذا الأمر تساهلاً عظيماً في هذا الزمان، نرى ونشاهده من أمور كثيرة استهان بها الكثير من الناس وخاصة الموظفين والموظفات .. -أحدهم يضع هاتفه الجوال جانباً ثم يتكلم من هاتف العمل في أموره الشخصية
– آخر يرسل العامل أو الفراش في العمل ليقضي له حاجة أو يأتي له بطعام من المطعم القريب .. – وثالث يستخدم سيارة العمل في قضاء حاجياته.. -ورابع وهو مسؤول يستخدم سائق العمل لتوصيل أولاده من وإلى مدارسهم أو لشراء حاجيات البيت من السوق أو الجمعية -وخامس لا يأبه من الخروج مبكراً من العمل بحجة أنه لا يوجد تقدير للموظف من حيث الراتب أو العلاوات فهو ينتقم بطريقته الخاصة -وسادس يتقبل الهدية من المراجعين أو من أولياء أمور الطلاب بحجة إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتقبل الهدايا -وسابع يستخدم حاسوب العمل في طباعة أوراقه الخاصة . -وثامن يستخدم فاكس الدائرة الحكومية في إرسال سيرته الذاتية هنا وهناك. -وتاسع يطيل في سنة الظهر القبلية والبعدية في مصلى العمل أو في المسجد في حين إنه في أيام الإجازة لا يصليها ،وعاشر يحمل معه أقلام وأدوات العمل إلى البيت ليوزعها على أطفاله لأن الخزنة عنده ممتلئة من مثلها نسأل الله السلامة ،فأين نحن جميعاً ومنهج سلفنا الصالح في أعمالهم وورعهم وتقواهم لقد استهان الناس كثيراً بحرمات الله ولكثرة فعلها اعتادوها حتى أصبح المنكر عليهم غريباً ، متشدداً ، منغلقاً ، أصبحت الكبائر صغائر ،وأضحت المحرمات حلائل ، وأمست المنكرات غنائم ، ونسوا أن الجبال من الحصى …… وأن البحر من القطرة .. وتناسوا قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران 102 ،فيا من أخذتم الهدية والإكرامية بسبب مناصبكم ووجاهتكم … أفلا جلستم في بيوت آبائكم أو في بيوت أمهاتكم فتنظرون أيهدى لكم أم لا ؟؟ فو الله ما أعطيتموها لسواد عيونكم ولا لجمال وجوهكم ولا لطول قاماتكم بل جاءتكم من أجل مناصبكم التي أنتم عليها أمناء .
إن كان البشر لا يراكم فرب البشر يراكم …فسيفضحكم يومها على رؤوس الأشهاد .. وستحملون ما أخذتم على اعناقكم … فالجزاء من جنس العمل … فما أنتم يومها فاعلون حين تنطق ألسنتكم وجوارحكم بما أخزيتم .؟ إن الأمر جد خطير ، وأن الخطب جلل ، والعقوبة جد أليمة
أيها المسلمون
ومن أراد التوبة من الغلول ، فعليه أن يرد ما غله أو يدفع قيمته ، قال تعالى :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) النساء 58 ،وقد قال ابن المنذر : أجمعوا على أن :على الغال أن يعيد ما غل قبل القسمة , فلا تبرأ ذمته إلا برد الغلول إلى أصحابه و بأن يتصدق به إذا جهلهم مثلا والسبب فيه أنه من حق الغانمين , فلو جهلت أعيانهم لم يكن له أن يتصرف فيه بالصدقة على غيرهم. وقد روى أبو داود عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه قال فوجدنا في متاعه مصحفا فسأل سالما عنه فقال بعه وتصدق بثمنه). فيا أيها العمال والموظفون انتبهوا إلى أشياء تحتفظون بها و تتحصلون بها من العمل دون وجه حق وإن بدت تافهة. كي لا تحملوها على ظهوركم يوم القيامة
الدعاء