خطبة عن ( العين : بين الجافين والمغالين)
يناير 25, 2017خطبة عن (محبة أهل بيت النبي، وفضائلهم وكيف نحبهم؟)
يناير 25, 2017الخطبة الأولى (احذر المادح، واترك القادح، واسمع الناصح)
الحمد لله رب العالمين …اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام … وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له…. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. هو صفوة الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للعالمين اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ « الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الَّذِى لاَ يُخَالِطُهُمْ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ » .
إخوة الإسلام
الإنسان بطبعه يميل إلى مخالطة الناس ..والإسلام يأمر أتباعه إلى ذلك. إذا أمنت الفتنة ،فقد روى الإمام أحمد عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ « الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الَّذِى لاَ يُخَالِطُهُمْ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ » . وعلى المسلم أن يعلم أن البشر المخالطين له على ثلاثة أصناف. ( صنف مادحون . وصنف قادحون . وصنف ناصحون ). أما الصنف الأول وهم المادحون لك . فهؤلاء يمدحونك ، ويظهرون لك المحاسن ، ويحجبون عنك المساوئ ، يظهرون المزايا ، ويغفلون عن العيوب .بل أحيانا يصفونك بما ليس فيك. طلبا لمصلحة ، أو للتقرب منك والفوز برضاك ..لذلك ، فقد ترتاح إليهم نفسك ، أو يكونون عندك من المقربين .. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من هؤلاء ، لأن المدح إذا زاد عن حده ، كان مهلكا لصاحبه ، فهو كالملح في الطعام ، يصلح مع قليله ، ويفسد مع كثيره .فكثرة مدح المادحين تدخل الإنسان في دائرة الغرور والعجب بالنفس ، والرياء في العمل ،هذا اذا كان المدح بما فيك .أما إذا مدحك المادحون بما ليس فيك ، وكذبوا عليك ، فهنا تكون الكارثة .فقد يوهم المادح ممدوحه بأنه شريف وهو حقير ، بل ويجعل المادح من الخائن أمينا ، ومن المرتشي خدوما ، ومن السفيه محترما ، ومن البخيل كريما ، ويجعل الحقَّ باطِلاً والباطلَ حقًّا ..وهكذا، فهو يقلب الحقائق بمدحه الكاذب. واسمع معي إلى بعض ما ورد من أحاديث تحذرنا من المدح والمادحين. روى البخاري ومسلم. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ :« وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ ». مِرَارًا ثُمَّ قَالَ : « مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا ، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ ، وَلاَ أُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا ، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ ». وروى مسلم،( عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ – وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا – فَجَعَلَ يَحْثُو فِى وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ ». وروى أحمد وابن ماجه : (عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ». وروى الحاكم في المستدرك عن الأسود بن سريع التميمي قال : قدمت على نبي الله صلى الله عليه و سلم فقلت 🙁 يا نبي الله قد قلت شعرا ثنيت فيه على الله تبارك و تعالى ، و مدحتك فقال : ( أما ما أثنيت على الله تعالى فهاته ، و ما مدحتني به فدعه).. وقد يمدحك شخص بما ليس فيك. فمن أحب أن يُمدَح بما لَيس فيه أو بما لم يَفعَله ، فقد أتى ذنبا عظيما قالَ جلّ شأنه: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران 188
أيها الموحدون
ولا يمنع ذلك أن تشكر المحسن ، ولا يمنع إعطاءَ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه من خلال الشكرِللمحسِن والتشجيعِ لصاحب الهمّة بالثناء المنصفِ المعتدِل؛ لأنَّ ذلكم خُلُق من أخلاقِ الإسلامِ الرفيعة ، والاسلام لا يمنع المدح والشكر بالكلية ، ولكنه يحذر من المبالغة فيه ، فمن لا يشكر الناسَ لا يشكُر الله، وقد أثنى النبيّ في وجوهِ عددٍ من الصحابة على وجهِ الحقيقة والقصدِ مع أمنِ الافتتانِ والغرور ،فقد روى مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ « تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ».
إخوة الإيمان
فاحذركم واحذر نفسي من المبالغة في المدح والإطراء ..وأقول لكل من سمع المدح من الناس: لا يغرنك مدح المادحين ، فأنت أعلم بنفسك منهم ..واحذرهم أن يخدعوك ، فيصفونك بما ليس فيك ، فتكون من الخاسرين .. ثم ننتقل إلى الصنف الثاني من بعض المخالطين لك وهم القادحون :والقادح هو الذي يقدح ( أي يذم) في أخلاق الناس وأعراضهم .. هذا الصنف لا يذكر إلا المساوئ والزلات ..فهو يذكر العيوب وينسى المزايا ، يذكر الهفوات ، وينسى الحسنات ، وهذا إن دل فإنما يدل على خِسَّة طبعِه ، ولُؤم نَفسِه ، وقَذارةِ لِسانه، فهوَ لا يُرَى إلاّ طعَّانًا لعّانًا فَاحِشًا بذيئًا، وأراه هو المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد : (وَشِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ » وفي رواية : (الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ) ،فالقادح لِسانُه كالذّباب ، لا يقَع إلاّ عَلى الأذَى والقاذورات ، يقرِض الأعراضَ، ويتطاوَل على الكِرام واللِّئام على حدٍّ سواء، لا يعجِبه فعلُ أحد. ويحبّ أن يخالِفَ المتحدثين في المجالس ليذكَر. ويرى نفسَه فقيهًا وحاكمًا. وطبيبًا ومهندسًا ومعلِّمًا، هو لا يعجِبه العَجب، ولا تتوق نفسُه لحُسن الأدَب، وإنما يلوك لسانَه فيغتاب ويبهتُ، وأمثالُ هؤلاء آفةٌ عَلى المجتمعاتِ، وهم شِرار الخَلق ففي البخاري (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : « بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ». فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم – فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِى فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ » ، وفي الصّحيح : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ). وروى الامام احمد عن النبي صلى الله عليه وسلم- « خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ وَشِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (المدح والذم )
الحمد لله رب العالمين …اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام … وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له…. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. هو صفوة الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للعالمين اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم ننتقل إلى الصنف الثالث من أصناف المخالطين لك ، ألا وهم الناصحون ، وهم أفضل الأصناف ، وأقلها. فالشخص الناصح لك جمع بين الأمرين .فهو يشكرك إذا أحسنت ،ولكن لا يبالغ .وينصحك إذا أسات ، ولكن بأدب وحكمة ..فالناصح يبغي لك الخير والصلاح والفوز والنجاح .فهو لا يخادعك ولا يجاملك ، ولا يكذب عليك بل هو يصدُقك في نصحِه ، ويخلِص لك في قصدِه ، ويظهر لك حبه واحترامه ،وقد أمرنا النبيّ بالنصيحة ، ففيما رواه مسلم:(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الدِّينُ النَّصِيحَةُ ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ قَالَ : « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ». ). وأمَر الله بها جلّ شأنه في قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران 104 ،وقال تعالى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) العصر ، فالواجبُ على المسلم لزومُ النصيحةِ للمسلمين كافّة وتركُ القدح والخيانة
أخي المسلم ، وأختي المسلمة :بعد أن تعرفت على أصناف المخالطين لك فكن على حذر ..لا يغرنك أو يفتننك مدح المادحين. ولا تهتم بقدح القادحين ، وكن منصتا للناصحين ، تسلم -إن شاء الله- من حقد الحاقدين ،وتسلك طريق المؤمنين المصلحين .
الدعاء