خطبة عن ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)
يوليو 25, 2016خطبة حول(آداب إسلامية في سورة الحجرات
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى ( احذر معاصي الخلوات )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) (5) هود ،وروى ابن ماجة (عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ». قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ».
إخوة الإسلام
هكذا يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن هناك صنفا من الناس إذا خلوا بالمعاصي ، وبعيدا عن أعين الناس، وهم بين الجدران ارتكبوا المعاصي وفعلوها.. ولا يبالون بنظر الله عز وجل إليهم.. ولا باطلاعه تبارك وتعالى علي سرائرهم نعم (إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) فاعلم أخي المسلم وأختي المسلمة.. إذا غابت عنك عين أبيك.. أو غابت عنك عين أمك.. أو غابت عنك عين زوجتك وأختك وأخيك.. فإياك إياك أن تغيب عنك عين الله عز وجل.. إياك إياك أن تنظر إلى الله عز وجل كما تنظر إلى غيره من البشر.. لا تظن عند إغلاق الباب والاختفاء عن الناس أنه لا أحد يراك.. بل الله عز وجل يراك.. فاحذر أخي ( ذنوب ومعاصي الخلوات..) ، فذنوب الخلوات : هي تلك الآفات.. التي يُبتلى بها بعض الناس عندما تغيب عنهم الأنظار.. هو ينظر ذات اليمين.. وذات الشمال.. وينظر للأمام.. وينظر للوراء.. ولكنه لا ينظر إلى فوق إلى أعلى.. لا ينظر إلى السماء ، لا يراقب الله ، ذنوب الخلوات : إنها تلك المخالفات التي يقع فيها كثير من الناس عندما يختلون بأنفسهم,, لا يبالي بنظر الله له.. لا يستحي من الله.. والله أحق أن يُستحى منه سبحانه وتعالى.. { أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } التوبة: 13 ، وقال تعالى : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) الاحزاب 37 ، ذنوب الخلوات.. هي سبب للمهلكات.. وسبب للبعد عن الله عز وجل.. وسبب للضياع والهلاك والخسران .. قال تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } الحاقة: 18 ، لذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ». وقال تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } النساء 108 ، وقال تعالى : ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) (18) ) الحاقة
فهو سبحانه يعلم سرنا ونجوانا.. و مبتدانا ومنتهانا.. ويعلم ما قدمنا وما أخرنا.. وما أسررنا وما أعلنا.. فالمؤمن يشعر في حال خلوته أنه مع ربه.. وهذه أعلى مراتب الإحسان.. أن تعبد الله كأنك تراه.. فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. فكن كتلك المرأة التي راودها صاحبها ، وقال: فإننا في مكان لا يرانا فيه أحد.. فالتفتت إليه وقالت: إذن أين الله؟؟ وأخرى لما قال إننا في مكان لا يرانا فيه إلا الكواكب.. قالت: أين مكوكبها؟ ، نعم : أين الله جل جلاله وتقدس سلطانه ، فأين أنت عن نظر الله عز وجل.. أين الله؟{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } العلق: 14 ، ألم تعلم أن الله يعلم السر وأخفى؟ ، يعلم سبحانه وتعالى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. قال تعالى : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } غافر: 19 ، فخائنة الأعين.. والنظرات الطائشة.. وما تكنه الصدور وتخفيه يعلمه رب الأرباب جل جلاله وتقدس سلطانه. فاحذر أخي وأختي ( ذنوب الخلوات..) ، فإنها ، تبدد الحسنات ، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم (يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا » ، والسؤال : لماذا علا خطرُها واشتدت عقوبتها.. وجاء فيها ما جاء من الوعيد والتهديد والتحذير.. والإجابة : لأن ذنوب الخلوات تنبئ عن تهاوي تعظيم الله تعالى في قلب العبد.. ولذلك كانت عقوبتها بهذه المنزلة ، قال بلال بن سعد: (( لا تكن لله ولياً في العلانية.. وعدوه في السر) ، فذنوب الخلوات تميزت عن سائر الذنوب في أنها: عنوان لضعف تعظيم الله تعالى.. وهي عنوان لعدم إجلال الله تعالى ،ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما ( اعلم أن خوفك واضطراب قلبك عندما تحرك الريح ستر بابك, أعظم من الذنب) ، ما معنى هذا؟ معناه: عندما تكون على معصية.. وتجترح الخطيئة.. وبينما أنت كذلك في سكون وهدوء.. قد أمنت الرقيب..فإذا بك تسمع صوت أو ترى حركة.. أو تشعر بأحد : فتخاف, ويفزع القلب, ويقشعر البدن.. هذا الخوف.. وهذا الاضطراب.. أعظم عند الله عز وجل من الذنب الذي كنت عليه.. لأنه برهان ساطع.. ودليل واضح على أنك تخـاف.. ولكن ممن؟؟من المخلوقين! فأين أنت من نظر الله عز وجل؟
ولذلك ورد عن ابن مسعود يقول 🙁 إذا صليت أمام الناس وأحسنت, فصلّ بمثلها حيث لا يراك أحد, وإلا.. فقد جعلت الله أهون الناظرين إليك ) ، فهذا فيه إشارة إلى أن المسألة تحتاج إلى نوع من التربية للنفس ،ولا يمكن أن يصل العبد إلى أن يصبح الله أهون الناظرين إليه إلا حينما يفقد اليقين بالله.. وبعظمته وبقدرته عليه.. وتمكّن طول الأمل في نفسه.. كل ذلك : جعله يجعل الله أهون الناظرين إليه ، وليكن معلوما ، أنه ليس في التحذير من ذنوب الخلوات ومعاصي السر دعوة لذنوب المجاهرة والعلانية..{ فإن الله عز وجل ينهى عن ذنوب الخلوة وكذلك ينهى عن ذنوب الجلوة..} ينهى عن ذنوب السر وينهى كذلك عن ذنوب العلانية.. ففي الصحيحين أن (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ » .
أيها المسلمون
قال ابن القيم : ( أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات ) نعم ، فهي سبب أصيل لكل انتكاسة..فتأمل في أحوال الناس.. تأمل في أحوال الشباب.. في أحوال الفتيات.. والكبار.. والصغار..تجد أحدهم كان على طاعة..و كان على خير.. يحب الله عز وجل ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويداوم على الطاعة.. على الصلاة.. على الصدقة.. على أنواع من البر ،وبين عشية وضحاها, تتقلب الأحوال.. فما هي بالأحوال التي نعرف.. تغيرت القلوب والنفوس.. وتغيرت الأخلاق.. ولو تساءلت مع كثير من الذين يعصون الله بعد طاعة, لوجدت أن الذنوب التي كانوا يفعلونها في السر.. لا يبالون بالله ولا بنظر الله ولا بسمع الله.. ولا بعلم الله تبارك وتعالى.. وقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ الْفِتَنَ فَقَالَ قَوْمٌ نَحْنُ سَمِعْنَاهُ. فَقَالَ لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَجَارِهِ قَالُوا أَجَلْ. قَالَ تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِى تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ أَنَا. قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ. قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ». قَالَ حُذَيْفَةُ وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ. قَالَ عُمَرُ أَكَسْرًا لاَ أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ. قُلْتُ لاَ بَلْ يُكْسَرُ. وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ. حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. قَالَ أَبُو خَالِدٍ فَقُلْتُ لِسَعْدٍ يَا أَبَا مَالِكٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا قَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِى سَوَادٍ. قَالَ قُلْتُ فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا قَالَ مَنْكُوسًا. ) ،فلا يصل القلب إلى هذه المرحلة إلا بعد أن يألف الذنوب ويستهين بها, ويكون الله أهون الناظرين إليه ،فعندئذٍ يحل ما يحل.. وتتبدل الأخلاق.. وتختلف الأحوال.. وإلى الله وحده المشتكى ، فإن الله لن يظلم العبد.. أبداً.. وإن ذنوبه هي التي تورثه مثل هذه الحالة, فمن أراد أن يُكتب له الثبات.. ومن أراد من الله العون حتى يلقاه وهو راض عنه.. فليصحح سريرته وليجعلها صافية نقية ، وليجتهد أن يتوب من كل ما اقترف في تلك الخلوات والساعات التي كان يفترض أن يملأها بشيء من الطاعات.. فإذا به يملأها بشيء من المعاصي، قال تعالى : ( رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) (38) ) إبراهيم
أيها المسلمون
فإن من صدق الإيمان.. ومن صدق محبة العبد لربه.. أنه إذا خلى به أحسن التقرب إليه.. وهذا من أظهر أدلة الإخلاص والصدق في التعبد فإن العامل إذا كان يخلص في عمله في السر.. كان أجدر أن يوفق في العلن..
فذنوب الخلوات مرض وبلية.. وإن أعظم ما يعينني وإياك على تطهير نفوسنا وتخليصها من أدران هذه الذنوب..
أن نعرف لله قدره.. وأن نعرف لله ماله من أسماء وصفات ، تعلم ما معنى العليم, تقف على معنى الخبير, تتفهم ما معنى السميع البصير، قال تعالى : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الزمر: 67 ،فإذا عرفت الله عز وجل ، ووقفت على شيء من عظمة ربك ، فإنه والله من أعظم أسباب الحماية والوقاية من هذه الذنوب وتلك السيئات ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } آل عمران:5 ، نعم فمن أعظم وسائل توقي هذا الشر ، والسلامة من ذنوب الخلوات : أن يستحضر الإنسان رقابة الله تعالى.فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة, فليذكر سمع الله.. وإذا أراد أن يخطو بالخطوة, فليذكر نظر الله له.. إذا ما خلوت الدهر يوماً * فلا تقل خلوت, ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة * ولا أن ما تُخفي عليه يغيب ، ومن العلاج لذنوب الخلوات, تذكر المساءلة بين يدي الله عز وجل : { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (17) غافر ، وفي الصحيحين : (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِىَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ » . فهذه المواقف تذكر الإنسان وتدعوه إلى أن يحسن سريرته ، لأنه سيأتي ذلك اليوم الذي تُكشف فيه السرائر, وتبلى فيه أخبار الناس ، فليس هناك شيء يمكن أن يخفى على الله عز وجل..
ومن العلاج : أن تجعل بين عينيك دائماً حسن الخاتمة وسوء الخاتمة.. فمن المعلوم أنه ما من ذنب يخفيه الانسان إلا سيظهر يوماً ما على ظاهره ، إما على فلتات لسانه, وإما على بدنه, وإما يجعل له كخاتمة والعياذ بالله.. ففي صحيح البخاري « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ » . وفي حديث الذي رواه أحمد في مسنده : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمَاتَ فَدَخَلَهَا ». وهذا هو الإمام بن رجب يقول:( خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة بين العبد وربه ) ، وكم من ذنب يخفيه الإنسان تهتك سريرته في وقت هو أحوج ما يحتاج فيه إلى العافية والستر
فما ظنك إذا خلوت بنفسك واجترأت على المحرّم, ثم قُبضت روحُك على ذلك ، وهذا الأمر.. هذا الخوف من خاتمة السوء, يجب أن يكون حاضراً في قلوبنا ، لأن الإنسان إذا ختم له بالحسن فليبشر, وإذا ختم له بالسوء فهي والله من أمارات خسارته في دنياه وفي أخراه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذر معاصي الخلوات )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأسباب التي تعين على تعظيم ذنب الخلوات: الخوف من الفضيحة.. فاليوم أنت مستور, وغدا ربما تُفضح
وكم من إنسان كان في عافية ، واغتر بحلم الله عليه ثم هَتك ستره.. سترَهُ الله عز وجل, ولكن يفضحه في الدنيا على فلتات لسانه, وفي سقطات فعله, فإن لم يكن في الدنيا.. ففي يوم القيامة على رؤوس الخلائق أجمعين..ولذلك لا يجوز أن يغتر الإنسان بحلم الله عليه, ولا يظن أن الله غافلاً عنه.. وإن أعطاه فرصة وفرصتين وثلاث ، فليعلم أن الله عز وجل يمهل ولا يهمل سبحانه ، يحكى أنه جيء برجل قد سرق إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فحكم بقطع يده, فجاءت أمه تتوسل إليه:”يا أمير المؤمنين هذا ولدي وليس عندي غيره, وهذه أول مرة يفعلها, اعف عنه يا أمير المؤمنين ” فقال عمر: ( والله لله أكرم من أن يفضح عبده من أول مرة ) ، والتفت إلى السارق فقال: ( سألتك بالله كم مرة سرقت؟ ) ، فقال السارق: ” والله يا أمير المؤمنين هذه العشرين ” ، فانظر ،كم يمهل الله الإنسان, لكن لا يدري الإنسان متى يكون حد الإمهال ،ولعل من العلاج أيضاً, أن تستحضر بين الفينة والأخرى ما أعده الله عز وجل لك, إذا دعتك نفسك في الخلوة إلى فعل الحرام فتتركه حباً لله وكرامة..فإذا همت نفسك بالمعصية ، وأقبلت على ارتكابها ، فتذكرت الله عز وجل وتذكرت ما أعده الله لمن ترك المعصية من أجله ، ومن خشيته في الغيب والشهادة فإنك بذلك تهنأ ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } الملك: 12 ، ومن ترك الشيء لله عوضه الله جنة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، قال تعالى : { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) } ق ، من هنا كان من العلاج إصلاح حال القلب لأنه هو الأساس الذي تبنى عليه العبادات ، ففي الصحيحين (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ . أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ ، أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » ومن هنا وجهت الشريعةُ العبدَ إلى إصلاح هذا القلب, وعظّمت له أمره حتى يعتني به في إصلاحه ،فإنك بقدر ما تعتني بالقلب, بقدر ما تصلح لك السريرة ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ».
أيها المسلمون
ومن وسائل الوقاية من ذنوب الخلوات: الفزع إلى الله تعالى.. والرجوع إليه.. وسرعة الأوبة بعد الغفلة ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ».
ومن معالجة الخطأ في الخلوة: أن تستغفر الله صادقاً من قلبك.. وتسأله جل وعلا أن يمحوَ الزلل.. وأن يزيل الخطأ. وأن يستر عليك.. وأن يعفو عما مضى وما كان من سيء العمل ،ولذلك.. فعليك بالتوبة والأوبة.. فإذا زلت القدم.. وإذا كبت في العثرات.. فالتوبة والإنابة قبل أن يُحال بينك وبين التوبة والأوبة.. والرجوع إلى الله عز وجل. ومن العلاج لذنوب الخلوات: الإكثار من الأعمال الصالحة يقول أهل العلم: إذا أكثر العبد من شيء عُرف به. فأنت – إذا أكثرت من العمل – حتى وإن كنت ممكن يعصي, مع ذلك تقابل المعصية بكثرة الطاعات ، يقول تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (114) هود ، وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ».
واستمع إلى ذلك الرجل الذي جاء ذكر قصته في الصحيحين واللفظ لمسلم (فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ – قَالَ – فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً دَعَاهُ وَتَلاَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ (أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً قَالَ « بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ». ولذلك إذا أكثرت من الحسنات والأعمال الصالحة ..كان هذا سببا لأن يطغى عليك العمل الصالح فيستر على تلك الذنوب.. وربما دفعك إلى ترك المعاصي .. إذاً من المعالجة: إذا خلوت بذنب.. فاخلُ بطاعة.. وإذا أحدثت سيئة فأحدث بعد السيئة حسنة حتى تمحها. ومن علاج ذنوب الخلوات: الإكثار من الدعاء لله عز وجل.. فالإنسان ضعيف يحتاج إلى إعانة ربه, ففي سنن الترمذي (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ « نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ » فالدعاء والانكسار بين يدي الله ، ودعاء العبد أن يثبته الله ويبعده عن حب المعاصي وأن يصلح له السريرة كل ذلك يعينه على ترك معاصي الخلوات ، ولذلك يجتهد الإنسان في التقرب والدعاء واللجوء إلى الله.. بأن يعينه على إصلاح سريرته كما أعانه على إصلاح علانيته .
الدعاء