خطبة عن (أعداء الإسلام قالوها صراحة: لن نسمح بقيام دولة إسلامية)
ديسمبر 17, 2016خطبة عن عظمة الله (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ)
ديسمبر 19, 2016الخطبة الأولى (اخْرُجِي أَيَّتُهَا الروح ) ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (185) آل عمران ،وقال تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (8) الجمعة ،وقال تعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) النساء 78 ،وقال تعالى : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (19) ق ، وفي سنن ابن ماجة وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا قَالُوا : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ : مَنْ هَذَا فَيَقُولُونَ : فُلاَنٌ. فَيُقَالُ : مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ادْخُلِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالَ اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ اخْرُجِي ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ. وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَلاَ يُفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ : مَنْ هَذَا فَيُقَالُ : فُلاَنٌ. فَيُقَالُ : لاَ مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ارْجِعِي ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا لاَ تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَيُرْسَلُ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ » .
إخوة الإسلام
مما لا شك فيه أن ساعة الموت ولحظة خروج الرُّوح من أخطر اللحظات في عمر الإنسان وذلك : 1- لأنها بداية الانتقال من عالم الشهادة المحسوس، الذي عرفه الإنسان وألِفه، إلى عالم كان غيبًا في الحياة الأولى، ويصير محسوسًا في الحياة الجديدة، التي تبدأ بالموت ،2- في هذه الساعة – ساعة الموت – يرى ملائكة الله، ويسمع منهم الكلمة الفاصلة النازلة إليه من عند الله تعالى، وهي التي فيها نعيمه الأبدي ، أو شقاؤه الأبدي. 3- إن ساعة الموت فاصلة إلى ما لا نهاية في نعيم لا يُوصَف، أو في شقاء لا يُتصوَّر، والموت مصيبة؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: (فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ) المائدة :106 ، ومصيبة الموت لا بد أن تنزل بكل المخلوقات، وهي كأس لا بد أن يتجرعه الجميع .
وإنفاذاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وغيره : « أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ». يَعْنِى الْمَوْتَ ؛ نتذاكر اليوم إن شاء الله شيئاً من شأن الموت، والحديث عن شيء معين في الموت، وهو لحظة خروج الروح، فماذا يحدث لحظة خروج الروح للمؤمن وغير المؤمن ؟ وبداية : اعلموا أن هذه المسألة مسألة غيبية، ولا يمكن أن ندركها باستنتاج، ولا عقل، ولا تعرف إلا من جهة الوحي، والعودة إلى الكتاب والسنة ، لنتذاكر شيئاً من الآيات والأحاديث المتعلقة بهذه القضية خاصة، وهي لحظة خروج الروح. قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (62) الأنعام ، أي: إذا احتُضر وحان أجله، جاءت رسلنا ملائكة الله الموكلين بذلك، قال ابن عباس وغير واحد: “لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم” فقال تعالى في شأنهم ( وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) سورة الأنعام:61 أي: في حفظ روح المتوفى، بل يحفظونها، وينزلونها حيث شاء الله عز وجل، إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجار ففي سجين،
أيها المسلمون
ونبدأ بحال المؤمن الصالح لحظة خروج الروح ، ونسأل الله حسن الخاتمة ، وأن يتوفنا مسلمين ويلحقنا بعباده الصالحين : أولا : تثبته الملائكة بكلمة التوحيد ، قال تعالى { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } إبراهيم (27) ، أي بكلمة التوحيد، وهي قول: لا إله إلا الله، {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني قبل الموت {وفي الآخرة} يعني في القبر، هذا قول أكثر المفسرين، وقيل: في الحياة الدنيا عند السؤال في القبر، وفي الآخرة عند البعث، ثانيا : يرى مقعده من الجنة ، ففي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم (فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ اسْكُنْ. وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ)، ثالثا : يحب لقاء الله ، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم (وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ) ، رابعًا: تُبشِّره الملائكة بالروح والريحان، ولقاء الرب وهو غير غضبان: فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
« إِنَّ الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ – قَالَ – فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ )).
خامسًا: تخرج رُوح المؤمن كأطيب ريح مسك وُجدت على وجه الأرض: ففي سنن النسائي وغيره (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ ) ، سادسًا: تُقبَض رُوح المؤمن في حريرة من حرير الجنة : كما في الحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم (قَالَ إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ). وفي صحيح ابن حبان (عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المؤمن إذا حضره الموت حضرته ملائكة الرحمة فإذا قبضت نفسه جعلت في حريرة بيضاء فينطلق بها إلى باب السماء ،سابعًا: تنادي عليه الملائكة بأحسن أسمائه التي كان يُنَادى بها في الدنيا: كما في مسند أحمد (فَيَقُولُونَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا)
ثامنًا: يُكتَب في ديوان أهل الجنة: ففي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم (حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِى فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ) ،وعن الضحاك قال: إذا قُبِض رُوح العبد المؤمن، عُرِج بها إلى السماء، فينطلِق معه المقرَّبون، ثم عُرِج به إلى السماء الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، حتى ينتهوا إلى سِدرة المنتهى، فيقولون: عبدك فلان – وهو أعلم به – فيَأتيه صكٌّ مختوم بأمنه من العذاب؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ [المطففين: 18 – 24]؛ (بشرى الكئيب). تاسعا : يفسح له في قبره : ففي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم (فَيُنَادِى مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِى فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ – قَالَ – فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ )
أيها المسلمون
أما عن حال خروج روح العصاة والكافرين ، فذكر من أحوالهم أنهم : أولاً: عند خروج رُوح العبد الكافر أو المنافق، تأتيه ملائكة الموت في صورة مخيفة. ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن البراء بن عازب أن النبي – صلى الله عليه وسلم : ((قَالَ وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ )). وتضربه الملائكة حال نزع روحه : قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (51) الأنفال
ثانيًا: لا تُفتح له أبواب السماء: كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم : ((حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ ». ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) [الأعراف: 40] . ثالثًا: تُبشِّره الملائكة بما يسوؤه : فقد أخرج ابن ماجه والإمام أحمد من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِى يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ ) رابعًا: تخرج روحه كأنتن جيفة: فقد أخرج النسائي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ……( وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الأَرْضِ فَيَقُولُونَ مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ.)) (السلسلة الصحيحة). فلهذا ولغيره، يَطلُب العصاةُ والكافرون الرَّجعة عند الموت لعمل الصالحات؛ قال تعالى: ﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الحجر: 2]، ففي الآية إخبار عنهم أنهم سيَندمون على ما كانوا فيه من الكفر، ويتمنَّون لو كانوا في الدنيا مع المسلمين . وقيل: إن المراد أن كل كافر يودُّ عند احتضاره أن لو كان مؤمنًا؛ وقال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، فقد هجمت عليه منيَّته، وأحاطت به خطيئته، فانكشف له الغطاء، وتبَدَّت له موارد الشقاء، صاح : وا خيبتاه! وا ثكل أماه! وا سوء منقلباه! وهيهات هيهات! فقد ندِم والله حيث لا ينفعه الندم، وأراد الرجوع لعمل الصالحات بعدما زلَّت به القدم، فخرَّ صريعًا لليدين والفم، فهذا هو حال الكفار والعُصاة إذا نزل بهم الموت، يتمنَّون أن لو رجعوا إلى الدنيا، فإن كان كافرًا لعله يُسلِم، وإن كان عاصيًا فلعله يتوب، ولكن الإيمان لا يُقبَل إذا حضر الموت، والتوبة لا تنفع إذا غرغر العبد. وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 17، 18]. وقد روى الترمذي من حديث ( عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ » وأما قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ﴾، فكل مَن تاب قبل الموت، فقد تاب من قريب.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
على المرء المُفرِّط أن يُسارِع بالتوبة قبل حلول الأجل وتمنِّي الرجوع للتوبة وإصلاح الزاد ليوم الميعاد، لكن حيل عند الموت بينه وبين ما يشتهي، كما قال رب العالمين في كتابه الكريم:﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾ [سبأ: 54]، وزارع الشوك لا يجني به عنبًا. ولا يقتصر طلبُ أهل الكفر والفسوق والضلال الرجعة عند الاحتضار فقط، بل يطلبون الرَّجعة للدنيا مرة أخرى عند النشور، وعند العرض على الله، وحين يُعرَضون على النار، وحين يدخلونها، وهم يطلبون الرجعة إلى الدنيا للتوبة، وإصلاح الزاد ليوم الميعاد، لكن حيل بينهم وبين ما يشتهون. قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]. وقال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ﴾ [إبراهيم: 44]. وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [الأعراف: 53]. وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 27، 28]. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [الشورى: 44]. وقال تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [غافر: 11]. وقال تعالى: ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37].
الدعاء